مجلة السنونو (
العدد الثالث ) -
بلاد الجدود
La patrie des aieux
|
|||
دير مار
موسى الحبشي
|
|||
جُغرافيّة دير
مار موسى الحَبَشيّ وتاريخه
يقع ديرُ مار موسى الحبشيّ في وادٍ وعرٍ من وديانِ سلسلةِ جبال القلمون،
ويرتفعُ بمقدارِ 1320م عن سطحِ البحر. هو ديرٌ سريانيّ قديم يَبعُدُ مسافةَ ثمانينَ
كيلومتراً عن دمشق بِاتِّجاه الشَّمال. ويبعد عن مدينة النَّبك حوالي 15 كيلومتراً
بِاتِّجاه الشرق عن طريق العرقوب.
كان الإنسانُ القديمُ يتجوَّلُ في هذه المنطقة من أجل الصَّيد والرَّعي،
بسبب وجود عددٍ من الخزَّاناتِ الطبيعيّة لتجميع مياه الأمطار. كما نجدُ في هذا
الوادي آثاراً لبرجٍ قديمٍ، رُبّما بناه الرُّومان لمراقبة الطريق القديمة التي
كانت تسلُكُها القوافلُ بين دمشق وتدمر. وقد تحوَّلَ هذا البرجُ إلى ديرٍ حين أتى
الرُّهبانُ في القرن السادس الميلادي وسكنوا في المغاور.
تُخبرُنا روايةٌ تقليديةٌ عن سببِ تسميةِ الدير باسم مار موسى الحبشيّ أنَّ
القديسَ
(الوليّ) موسى كان أبناً لملكٍ من ملوك الحبشة، أرادَ أبوه أن يزوِّجَه وأن يُعدَّه
لخلافته على العرش. فرفضَ موسى التاجَ الملكيّ والأمجادَ الدنيويّة وتعازيَ الحياة
الزوجيّة، وتركَ بلادَه باحثاً عن ملكوت الله. فهاجرَ إلى مصرَ وزارَ الأماكن
المقدّسة في فلسطين، ثمّ ترهّبَ في دير مار يعقوب بالقرب من بلدة قارة، شمالي النبك.
إلاّ أنّه رغِب بعد ذلك بالمزيد من التوحّد، فأتى إلى وادي الدّير وأقام في إحدى
مغاوره متنسكاً. وفي أثناء النزاعات المذهبيّة بين مسيحيي ذلك العصر، استُشهِد
الراهبُ الحبيسُ موسى على يد جنود الإمبراطور. ووصل خبرُ استشهادِه إلى الحبشة،
فأتى رسولٌ من طرف أهله ليأخذَ جُثمَانَه حتى يُواريه الثَّرى في مسقط رأسه. شقَّ
على أهل المنطقة أن يتخلوا عن رُفاة قدّيسهم، وعندما فتحوا القبر وجدوا
إبهام يده
اليمنى مُنفصلاً عن الجُثمانِ، وكانت تلك لهم علامةً ربانيَّةً، فاحتفظ الرُّهبانُ
بإبهام يده اليمنى ذخيرةً ليتباركوا منها، ولا تزال محفوظةً حتى أيّامنا هذه في
كنيسة النبك السريانيّة.
كان الدّير تابعاً للكنيسة السريانيّة الأنطاكيّة الأرثوذكسيّة. وتدلُّ
الكتاباتُ العربيّة على جدران الديّر على أنّ بناءَ الكنيسة الحاليّة يعود إلى سنة
450 للهجرة، أيّ إلى السنة 1058 للميلاد.
في القرن الخامس عشر، أُعيدَ ترميمُ الدّير وأضيفَ قسمٌ جديدٌ عليه.
واستمرّتِ الحياةُ الرهبانيّة فيه حتى عام 1831م، حيث هجرَ آخِرُ رهبانِ الدّير
المكان، وتُرِكَ فارغاً فحوَّله الرَعاةُ إلى ملجأ لهم ولمواشيهم... وبالرّغم من
خلوِّ الدّير من سكانه، ظلَّ أهالي مدينة النّبك يزورونه بتقوىّ وورع، وأُوكِلَتْ
شؤونُه إلى الرعيّة المحليّة التي بذلت جَهداً للمحافظة عليه. وبقيَ الدّيرُ وقفاً
كنسيّاً لمطرانيّة حمص وحماه والنّبك للسّريان الكاثوليك، إلى أن بدأت أعمال ترميمه
في منتصف ثمانينات القرن العشرين، بمساهمة الدولة السوريّة والكنيسة المحلية وعددٍ
من المتطوعين العرب والأوربيين. فتمّ ترميمُ مبنى الدير الأثريّ عام 1994 ثمرة
للتعاون بين الدولتين السّوريّة والإيطاليّة. بينما أُعيدَ تأسيسُ جماعةٍ رهبانيّة
فيه عام 1991.
كنيسةُ الدير ورسوماتُها الجداريّة
يعودُ تاريخُ بناءِ كنيسة دير مار موسى الحبشيّ إلى منتصف القرن الحادي
عشر. وهي تتألّفُ من قسمين: صَحْنُ الكنيسةِ وقُدْسُ الأقداس. يُقسَمُ صحنُ الكنيسة
إلى ثلاثةِ أَروِقةٍ، تَفْصِلُ بينها أعمدةٌ مربعةُ الشكلِ، وتُنيرُ الرِّواقَ
الأوسطَ نافذةٌ عاليةٌ كبيرةٌ نسبياً في الجدار الشرقيّ. أمّا قدسُ الأقداسِ
فَيَضُمُّ الهيكلَ والحنيةَ (المحراب) ويفصِلُه عن صحن الكنيسة حاجزٌ قِسمُه
السُّفلي من الحجرِ والعُلْويُّ من الخشب. تظهرُ على جُدران الكنيسة المزيّنة
بالرسومات "الفريسك" ثلاثُ طبقاتٍ: الأولى تعودُ إلى منتصفِ القرنِ
الحادي
عشر، الثانية إلى نهاية القرن الحادي عشر، أمّا الطبقةُ الثالثةُ فتعودُ إلى مَطلع
القرن الثالث عشر، وهي الظاهرةُ الأكثرُ وضوحاً على الجُدران، وهي تُعبِّرُ عن
الرُّؤيةِ المسيحيّة لعلاقةِ الإنسان بالله في بُعْدَيِّ التاريخِ المقدَّسِ ولحظةِ
السرِّ الدائمة.
من الطبقة الثانية للرسومات، يُمكننا ذكرُ ما تبقّى من صورة معموديّة
يسوع، وهي موجودةٌ على الجدار الشرقيّ للرواق الشمالي خلفَ جُرنِ المعمودية،
ويَظهَرُ عن اليمين أحدُ الملائكة الخُدَّام (الساجدين لآدمَ الجديد) في هيئةٍ
رائعةٍ. ويساراً، هناك صورةٌ لمار سمعان العموديّ.
ومن الطبقة الأولى للرُّسومات نجدُ مثلاً صورةَ انخطافِ النبيّ إلياس على
الجدار الجنوبيّ للرِّواق الأوسط فوق العمود الأوّل من الشرق.
لقد فُقدتْ ويا للأسف رُسوماتٌ كثيرةٌ في الفترة السابقة للترميم، ولم
يبقَ لها من أثرٍ غيرُ بعضِ الصور الفوتوغرافيّة التي أُخِذَتْ قَبلَ تخريبها.
قامَت بترميم قسمٍ من رسومات الكنيسة بِعْثَةٌ إيطاليَّة سوريَّة، ولنا رجاءٌ
بتوضيحٍ لصورٍ وإظهارٍ لأُخرى كثيرةٍ في المراحل القادمة للترميم.
الأبعادُ
البيئيّةُ والزراعيّةُ والاجتماعيّة
كان رهبانُ دير مار موسى وسكّانُ المنطقة يعيشون في وضعٍ بيئيٍ قاسٍ
ومتزن معاً. لأنَّ الأنواعَ النباتيّة والحيوانيّة تأقلَمتْ معَ حُضور الإنسان
ونشاطه مُنذُ آلافِ السنين. وساهَمَتْ نشاطاتُ الإنسان في تحسين الوضع البيئيّ بعضَ
الشيء، خصوصاً في جَمْعِ المياه وتوزيعها من أجل الزّراعة والرّعي. وبدأَ التوازنُ
البيئيّ يتدهورُ بسرعةٍ منذُ القرن التاسع عشر، وازدادَتْ سرعةُ اختلال هذا التوازن
في القرن العشرين، وبلغت حداً يهددُ بخطرٍ لا مفرَّ منه. فقد أخذتْ منطقة النَبك
بالتصحُّر بشكلٍ تدريجيٍّ، وظهرتْ آثارُ التلوُّثِ البيئيّ. لكنَّ الوديان المجاورة
للدير ظلَّتْ والحمدُ لله مُحافظةً على غِطائها النباتيّ وأصبحَتْ ملجأً للطيّور
والحيوانات التي انقرضت في غيرها من المناطق. لكنَّها بدأت هي أيضاً تُعاني من
اختلال التوازن البيئيّ المحيط بها. فازديادُ الكثافة السّكانيّة، ورجوعُ عددٍ من
المغتربين من منطقة الخليج في أوائل التسعيناتِ مع عودة النّشاط الزّراعي والرّعوي،
جعلَ المسألةَ البيئيّة تُطْرَحُ على أنَّها من الأولويّاتِ على الصَعيدَين
الاقتصاديّ والاجتماعيّ. لذا ظهرتِ الحاجةُ إلى وضعِ استراتيجياتٍ وأساليب تَعليمٍ
وإمكاناتِ تعاونٍ لتحسين الوضع البيئي.
تشمُلُ جماعةُ دير مار موسى الحبشيّ، من الناحية الاجتماعيّة، رهباناً
وراهباتٍ وأشخاصاً يتشاركون حياتَهم لفتراتٍ متفاوتة، ومُعاونينَ من موظفين وعمّال،
وزوّار وسوّاح. وهذه الجماعةُ لا تستطيعُ أنْ تقفَ مكتوفةَ الأيدي أمامَ التدهورِ
البيئيّ الذي يُمكِنه أنْ يُجرِّدَ وجودَ الدّير من معانِيه الثقافيّة ومن قيمتِه
كمكانٍ للخبرة الروحيّة وللتناغم مع المخلوقات.
فلا بدَّ إذاً من المحافظة على البيئة وتفعيلِ إمكاناتها روحيّاً
وجماليّاً وبيولوجيّاً واجتماعيّاً واقتصاديّاً. لذلك التَزمَ دير مار موسى الحبشي
في رِعاية خصوصيّات محيطه الطبيعيّ، لتحقيق نشاطاتٍ هدفُها إعادة
التوازن البيئيّ وتحسين الوضع نباتيّاً وحيوانيّاً، فقامَ بِتجربةِ رعي الماعز، وهو
الحيوانُ الوحيد المُمكنةُ تربيتُه في هذا المحيط البيئي على أن يكون بأعدادٍ
محدودة وبتوجيهٍ علميٍّ. يقومُ الديرُ أيضاً بزراعة الأشجار المُثمرة المُتأقلمة مع
المناخ، ويحاولُ استخدامَ مياهِ الأمطار على أفضل وجهٍ، لذلك بدأَ بمشروع بناء سدٍّ
صغيرٍ في واديه.
لقد أدّى هذا كلُّه إلى التضامن والتّعاون مع مختلف الجهات المحليّة، من
مجلس مدينة النبك، ووزاراتِ الزّراعة والبيئة والثّقافة والسّياحة، والرّابطة
المحليّة للمُزارعين والرّعاة، والقائمين بالبحث العلمي الجامعيّ. كما آزرت هذا
المشروع مؤسّساتٌ دوليّة تهتمُّ بالحفاظ على التنوُّعِ البيئيّ والتنمية.
يُساهِمُ الدّيرُ في تشكيلِ منطقةٍ مخصّصةٍ لدراسة بيئة هذا الجبل
الوَعِرِ وفي الحفاظِ عليها وتوظيِفِها من أجل تطوير المشروع البيئي ليعودَ بالخير
على المنطقة كُلِّها.
من جهة أخرى إذ تؤسفنا استمراريةُ حركةِ الهجرة من المنطقة لأسبابٍ
اقتصادية، يقلقنا أيضاً الازدياد المستمر لنسبة الهجرة الدائمة لدى الأقليّات، وهوَ
أمرٌ من شأنِه أنْ يَحْرِمَ المجتمعَ المحليّ من التعُّدديةِ الثقافيّةِ
التقليديّةِ البنّاءَة، الأمر الذي يُعرّي الدّير من محيطه الطبيعيّ ودوره
التاريخيّ. فالتقّليدُ القديم للتعايش الأهلي والتقدير الثقافي المُتبادَل في هذه
المنطقة، يَستحقُّ بذلَ الجهدِ في سبيل الحفاظ عليه. لذلك يرغبُ الدّير في مساعدة
بعض الأُسرِ الشّابَّة على اختيار البقاء والعيش الكريم، من خلال التضامن في سَبيل
الحُصول على بيتٍ مُلائِمٍ وإيجاد فرص للعمل.
لا شكّ أنّ الإمكاناتِ الماديّة وحدَها لا تكفي من أجل البقاء، لذلك يجبُ
بذلُ الجهَد من أجل توضيحِ الأسبابِ الثقافيّة والرّوحية الإيجابيّة والمُكَوِّنَة
بعمقِ اختيارَ البقاءِ أو قرارَ العودة. لذا يتمنّى دير مار موسى الحبشيّ أنْ يكونَ
في الطّليعة مع المفكّرين المحلّيين، من مسلمين ومسيحيين، في العملِ من أجل تطوير
ثقافة الخصوصيّة المحليّة ودورها، ضِمْنَ
نِطاقِ
التعدُّديّة في الإثراء المُتبادَل ودينامية التكامُل.جماعةٌ رهبانيّةٌ مُكرَّسةٌ لخِدمةِ التفاهمِ بينَ الأديان
وصلَ قادماً من روما المُستشرقُ الشابُّ باولو اليَسوعيّ (الرّاهب بولص)
إلى دير مار موسى الحبشيّ في صيف عام 1982، طالباً قضاء عشرة أيامٍ فيه من أجل
خلوةٍ روحية. واكتشف أثناء خلوته هذه ثلاثَ أولويّاتٍ وأُفُقاً. فبدأ على هذا
الأساس بتنظيم عملية ترميم الديّر في صيف عام 1984، وذلك قبل سيامته الكهنوتية بحسب
الطقس السّرياني في دمشق. وقد تطوّع الكثيرُ من الشبيبة للمُساهمة في أعمال الترميم
وأمضَوا وقتَهم بين الصلاة والعمل. استمرَّ ذلك النشاطُ حتى صيف عام 1991، حيثُ بدأ
الأب بولص بإعادة الحياة الرهبانية إلى هذا القَفْر مع الشماس الحلبيّ يعقوب.
إنَّ أُولى الأولويّات الثَّلاث في هذا التأسيس المُجدَّد، هي استعادةُ
اختبارِ المعنى المطلق للحياة الروحيّة في حياة الصّلاة بتمام المجانية، حيث شكَّلَ
هذا الدّيرُ السّريانيّ القديم
شهادةً
فعّالة لقيمة الحياة الروحيّة في ماضي هذه المنطقة. كما أن حالةَ الخراب التي وصل
إليها الديرُ قد تشيرُ إلى خطر فقدان هذه القيمة. ومن الجدير بالذكر أنَّ الحياة
الرّهبانيّة النسكيّة كانت تشكّلُ دائماً عنصراً جوهريّاً من عناصر تكوين الشخصيّة
الروحيّة المسيحيّة في الشرق. كذلك شكّلتِ الحياةُ الرهبانية النسكية المسيحية
قيمةً هامةً في العالم الإسلاميّ ثقافياً ورمزيّاً وصوفيّاً. لذلك أرادت جماعةُ دير
مار موسى الحبشيّ أن تكون قبل كل شيءٍ جماعةَ صمتٍ وصلاةٍ يتجليّان في الحياة
الشخصيّة للرّهبان والرّاهبات كما في حياتهم الاجتماعيّة.
أمّا الأولويّة الثانية، فهي الحاجةُ إلى خلق نوعٍ من حياةٍ رهبانيّةٍ
تعبِّرُ عن البساطة الإنجيليّة، التي يتجسّدُ فيها سويّةً التّناغمُ مع البيئة
الطبيعيّة من جهة، والمسؤوليّةُ تجاهَها وتِجاهَ المجتمَع المحيط بها من جهة أخرى.
ممّا يدعو إلى إعادة اكتشافِ قيمةِ العمل اليدويّ مع قيمة الجسد والأشياء، في سبيل
إظهار جماليّةٍ ملؤُها الإنصافُ والمجانيّة.
فالأولويّةُ الثالثة هي الضّيافةُ. فقد كان لممارسةِ الضيافة معنىً مقدّساً لدى
الرّهبان القدماء، بناءً على قيمةٍ اعتُبِرَتْ ربّانيّةً في هذه المنطقة عبر
العصور.
فالدّيرُ مكانُ لقاءٍ لتعميق تقديرِ خصوصيّاتِ الهويّاتِ الثقافيّة لا
لنسيانها. وعلى هذا الأمر ألاّ يتمَّ في جوٍّ من تكريسِ الانغلاقات المذهبيّة، بل
أنْ يساهمَ في التحرّر من مجتمعِ التقسيمات، في سبيل بناءٍ تدريجيٍّ لحضارة
الشَركةَ والتضامن.
لذا، فعلى الجماعة المسيحية في دير مار موسى الحبشيّ أن تعملَ على تدعيم
الوحدة المسكونيّة بين الكنائس، وأن تُجسِّدَ هذه الوحدةَ من دون أن تفقدَ أيَّ
شيءٍ هامٍّ من انتمائِها السُّريانيّ، ولا حتّى الكاثوليكيّ.
أمّا الأُفُق، فهو أفقُ العلاقةِ الإسلاميّة المسيحيّة. لم تكنْ العلاقةُ
بين المسلمين والنّصارى سهلة دائماً في ما مضى. وهي لا تزال مؤلمةً وصعبةً في أماكن
عديدة من العالم. إن هذا الأفقَ لجزءٌ لا يتجزّأ من
الدعوة
الروحيّة لرهبان دير مار موسى وراهباته.
فليس غريباً عن هذا الأفق اختيارُ اللّغة العربيّة لغةً للجماعة
الرهبانيّة في حياتها الاجتماعية والتعبّدية. لذا فإننا نعمل على تعميق التعاون
الثقافي والدينيّ. وقد أدّى هذا إلى إنشاء مكتبةٍ مختصّةٍ لخدمة الباحثين
والمدرّسين في ميدان الحوار بمساعدة عددٍ من الأصدقاء. ولا تقتصرُ مواضيعُ الكتب
المقتناة على المجالات التقليديّة في العلوم الدينيّة المسيحيّة أو الإسلاميّة، بل
تشملُ العلومَ الإنسانيّة أيضاً، أي "العلوم الجسر"، وذلك في سبيل المزيد من
الاستيعاب للظاهرة الدينيّة كعلم الإنسان (أنتروبولوجيا) مثلاً، والفلسفة وعلم
النفس وعلم الاجتماع... إلخ.
كما أولينا اهتماماً خاصّاً لدراسة فكر الباحث الكبير في العلوم
الإسلاميّة والتصوّف لويس ماسينيوس، الذي يُعَدُّ منبعَ إلهامٍ لجماعة الدّير، بسبب
التزامه الفكريّ وأسلوب حياته كتلميذٍ للمسيح.
ترغبُ جماعةُ الدّير أن تتمكّنَ من تنظيم مزيدٍ من الندوات الدراسية،
لتبادل الخبرات في ميدان خدمة التناغم الثقافي والدينيّ في المنطقة كما على نطاقٍ
أوسعَ.
وسرعان ما جَعلتْ نشاطاتُ الدّير الكثيرة هذا المكان ضيّقاً. فاضطُرِرْنا
أنْ نباشرَ في بناء المزيد من الغُرف بأسلوبٍ تقليديٍّ من أجل الرّهبان والضيوف من
الرّجال في منطقة الصوامع القديمة شمالي الدير الأثريّ. كما نعملُ على بناء جناحٍ
واسعٍ للرّاهبات والضيوف من النّساء على أنْ نخصٍّصَ الدّيرَ الأثريّ لاستقبال
السواح وللنّشاطات المشتركة.
نأملُ أن تتسعَ آفاقُ الدّير من خلال ارتباطاتٍ آخويّة مع من يشاركُنا
اهتماماتِنا وأَولَويّاتِنا في بلدانٍ أخرى، ولا سيما التي تكون أكثريّةُ سكّانها
من المسلمين، وذلك من خلال تبادل الزّيارات والخبرات واستخدام شبكة الإنترنت.
رجاؤُنا أن يكُفَّ "الآخرُ" عن تشكيلِ مَدْعاةٍ للعُدوانيّة والقَلَقٍ
والنزاعات والحروب، بل أن يتحوّلَ حضورُه إلى دافعٍ يحُثُّ المؤمنين على أن يسبروا
بحكمةٍ لُغْزَ التباين والاختلاف، حتّى نحصلَ على إنطلاقةٍ جديدةٍ نحو تطوّراتٍ
قادرة على أن تُوّلدَ حضارةً مشتركةً قِوامُها السّلامُ والاحترام العميق، والتكامل
الديناميكي بين الأشخاص والجماعات.
وسيساعدُ هذا التطّورُ الإيجابيّ في العلاقاتِ على استيعاب ونشر بعض
الإنجازات التي حققها المجتمع المَدَنيّ العَوْلَمِيّ المعاصر، كقيمة الضّمير
الشخصيّ ومكانتِه، وأهمية تحرير المرأة، واحترام الحقوق الأساسيّة للأشخاص
والجماعات، وخصبِ التعدديّة الثقافيّة نفسِها.
وهذا كلُّه... ديرٌ في البريّة.
|
|||
WEBMASTER : AA-ALSAAD
|
|||
This Web Site Programmed and
Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD
..... Copyright 2003 (C) SCOPNET All
Rights Reserved
|
رابطة اصدقاء المغتربين تأسست عام 1973 وكانت رأيستها الاديبة الراحلة نهاد شبوع وتم اصدار 12 عدد فقط في بيت المغترب في حمص .
الثلاثاء، 3 نوفمبر 2015
مجلة السنونو ( العدد الثالث ) - بلاد الجدود La patrie des aieux - دير مار موسى الحبشي
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق