الثلاثاء، 3 نوفمبر 2015

مجلة السنونو ( العدد الرابع ) - الافتتاحية ( نهاد شبوع )

مجلة السنونو ( العدد الرابع ) - الافتتاحية ( نهاد شبوع )
    
وماذا لو رافقنا السنونو قليلا في مشاويره؟  وماذا لو رحنا نطير معه متتبعين مساربه وتهويماته؟ وما وراء أبوابٍ عليها ينّقر منقاره،  لتنفتح أمام مراميه وأهدافه مرحّبة ملبيّة ؟ وماذا لو رتعنا معه في بعض محطات استراحته في طريق سفره إلى بيت قصيده...  إليهم أحبابه المنتشرين في تعددية أوطانهم ؟ ومطافا تهم ؟
تلك المحطات التي يظنها البعض للوهلة الأولى منعرجاتٍ تشطح عنهم .... وترفَ طريق ٍ يطيل الوصول إليهم  .. وعبثَ أوتارٍ في قيثارة قضاياهم وموضوع اغترابهم , يمارسه الحادي تطريباً مهدهداً ..لا بحثاً ممحّصاً , في حين يؤكد الزاجل متيقناً أن في هذا وذاك حمولةََََ الأجنحة لهم وهدايا السفر إليهم... وزخماً مشبوباً في الأرض الأم الطيبة مرآة السماء !!
هذا ناهيك عن أريج أهل .. ومخزون ذاكرة وزغردة روح .. ورؤى باصرة.. لبانات قلبٍ وطريف خاطرةٍ ..همس خبر من هنا وصدى آخر من هناك .. مراهنةِ عاطفة ٍ على إيقاظ هاجع شوق ٍ في قلب بات شبه مجمّد .. وعلى إحياء تفاعل بات شبه مهدّد بين الـ (هنا) والـ (هناك) في نشيد منسجم, يرجّع أصداء التلاقي وآمال العودة وتواصل أيام زمان...
     وبهذا لايتماهى المهاجر بالمقيم فحسب.. بل البعيد الغريب بالقريب القريب, والآخر بالذات أيضا ... فلا تنكسر لنا إرادة في ألاّ يؤول  (غرب ) الهجرة إلى مجرد سوق فوقية، تحتدم فيها السلع وتتصارع في خضمها المصالح   و(شرقُ ) الإقامة إلى مجرد متسوّق متصاغر متسوِّلٍ لها..!! وفي ألا تصير الثقافة الإنسانية في الاثنين مزدراة مهملة .. والمهاجر غصناً   رخواً حائراُ بين معيار مقلوب  وواقع مفروض..  إنساناً مهزوماً من جذوره  ..  مغرَّبا ًبامتياز  ..  لاسمح الله..!!
 ثلاثة أشواط سنونوّية  ..  وهوذا رابعها.. والزاجل دائب واثق بما قرع من أبواب , وبما انفسح أمامه من محاور وفضاءات... وبما انفرش فوق موائده من أصناف الآراء ... وزاد العرفان والفن.. في أطباق من كلمات تهز وتشعل ....تذكّر وتؤثّر..تدلّ وتشدّ إلى خيام منسيّة في قلبِ وطنٍ متروكٍ ..رسّختْها في صلب أرضه أزمنةٌ ٌ وردية ٌ بحبال الذهب والنور ..وبأوتاد المعرفة والألوهة ... خيام ٌ هي بإفاءة المهاجر المتحد ر إلى ظلها جديرة...  ولحجّه إلى رحاب صدرها مستحقّة ... ولإرواء عطش عيون آبائه الظامئة المنطفئة قبل ريّها  مُستعدة مُسعدة ...
(بلاد الجدود) (الوطن في عيونهم) (لك يا منازل) ( رسائل الحنين) (ما علينا وما عليهم)..الخ  كلها فضاءات تنفتح عن جهود "السنونو" في استحضار تاريخ الأرض الأم فتيّاً نقيّاً ...وربطه بحاضر الوطن بنيويّاً.. وتلمّس حبكته الأولى التأسيسية في نسيج الحضارة الروحية الإنسانية جدياً ...
     عساهم يتحسسون روعة بنياننا العتيق.. وخيوطنا اللامعة في لحمة النسيج ..فتعود الثقة بنا إلى غيرنا ..وإلينا  نحن المطرودين رغم أنف الحق والحقيقة من التاريخ ...عسانا نعود إلى مواقعنا في خارطة الحضارة بلا حروب كـلام أو سـلاح تطوّر مهلك , بل بأنوار حقيقة موثقة هادئة كاشـفة, يصوّبها  "السنونو" بأمانة في محاولة انتشال الوطن من تهميش ٍ وتهويش ٍ يؤسّس لهما عنجهيّة الآخر المعرفي وسوء التعامل مع التقنيات المكتشَفة المتمرِّدة على مكتشفها ( الإنسان ) والمتنافرة اليوم مع حاجته إليها، كما يؤسّس لها أكثر فأكثر رواسب عفونة لا ننكرها فينا تعمل تجريحاً وتقزيما ًفي قامته وتغالطه الدرب ... عازلة حضوره وقراره عن ساحة العالم ، مقيماً أو مغتربا ً ...
 أنوار نستقطرها من عيون أخرى غير عيوننا , يتدفق منها الوطن حقيقياً بريئا ً ..  صادق الأحدوثة .. جلي الصورة ..  وقد يكون تدفّقه من عين جدّ مفارق هام بالمكان, فزرعه ما بين ضلوعه..ثم نقله ولاءً إلى 
     ما بين ضلوع أبنائه أيقونةً ويقينا ً .. أشواقا ًمورّثة ًمؤتمنةً .. أو قد يكون تدفّقُه من عين محايد ٍ غريب, اجتذبه المكان, فراح بكلِّ تجرد "يسمي الخبز خبزاً والنبيذ نبيــذاً "  على حد تعبير نيرودا ـ ليغبطنا عليه أخيراً..   وليدلي " السنونو " متباهيا في النهاية بشهادتهم الناهلة من معين التراث الباقي وذمة  الذاكرة الإنسانية المعتّقة.
أو قد ينبثق من عيونهم سرير طفولة.. وأرجوحة ذكريات ..ودفق رؤى: داراً سماوية فسيحة يرفل فيها العزُّ  والعافية.. الحب والأمل،  والدالية ...زيتونة الدار بأذرعها الحاضنة.. والياسمينة الغنوج المتباهية التي  سافر فوحها إلى ابعد من أزقة االحارة ..رفوف الحساسين الرائحة الغادية الواثقة بأن لها ملكية أغصان الدار جميعها مع أرضها و سـمائها .. تغلُّ في عب الياسمينة.. لتنسلَّ إلى قلب شـتول ( ورد الجنّة )  ..  لتنام بين أذرع السروة الدهرية وادعة أمنة ..
منازلٌ .. لها في القلوب منازل .. وذواكر .. لها في البال .. هواتف وخواطر ...
وعلى بساط أحمدي يمده " السنونو " على طول الضفتين وعرضهما ينبسط وبلا أقنعة كل"ما علينا ..وما عليهم.. "الرأي والرأي الآخر".. وكل ما هو كائن وما يجب أن يكون..ليظلّ الوطن كما يريده أبناؤه المسافرون.. والمهاجر كما يريده وطنه , ولتبقى همزة الوصل بين الطرفين معزّزة رابطة.. وجسر الثقة وطيداً عامراً..بحوارٍ صريح ٍ هادئ ٍ.. بغير ادّعاء أو
    
استعلاء.. وبغير تعصّب لرأي أو لرؤية وبغير طغيان الفكر التبشيري على الفكر النقدي ليكون جاداً في الوصول إلى حقيقة-ولو نسبية- يقرّها الجميع في حياة الفترة التي فيها هذا الجميع...
    آنئذ يتلاقى وطن ( شرقي ) مع مهجر (غربي) في مشروع انتساب إنساني سلمي أرحب وأشمل ..وفي مشروع إصلاحي متبادل أشدّ نفعاً وجذباً ...يرد نصف القلب إلى نصفه... والعطر إلى ورده ... والذراع، إلى كتفه ... فلا فراق أو تباعد أو بعاد ... وعلى هذا البساط السندسي يلتقي السنونو بأحبائه المنتشرين: أحياءً يملؤون الحياة..أمواتاً يعصون الموت بالحياة.. أجل أحياءً حاضرين, مثلوا أمامه وجهاُ لوجه, بومضة حظٍ بعودة ... بعيدين مسافرين استحضرهم " السنونو " قلباً لقلب بحركة زر في آلة مهادنة ٍقهرت مسافة .. ومدت جسوراً لعودة ... أمواتاً ... راهن السنونو على استحالة غيابهم بإنطاق صمتهم ... وإيقاظ نبض كلماتهم... الملتحمة بالهواء الذي نتنشق ... العالقة بالزمان الذي به نتألق .
ورق وآلة يتفاعلان ويتناغمان متصالحين متكاملين متساقيين كؤوس الرفد الإنساني  الأكمل يأخذ بأود الإنسان المنهك المحاصر,يردّ إليه الروح والأمل والكتاب ... أبواب وأبواب وراءها تخزّن الحبُّ والفكرُ والقلبُ والروحُ والحنينُ والميراث.
لن يعدم "السنونو"الأيدي المضرّجة بالأشواق وحب المعرفة لِقَرْعها وفتحها .. أجل لن نُصدم بهذا الفراغ المخيف من أمثال هذه الأيدي التي تقرع..وتلك العيون التي تقرأ في هذا الزمن المكفهر الطائش .. لن نفقد القراءة وسطوتها ... لن نفقد الأجيال التي تدمج المكتوب بحيواتها لتعيد تأليف كتابة المكتوب لحاضرها ومستقبلها بقراءته قراءة جديدة ..
" وحدها الكتب من بين جميع الأشياء في الطبيعة لا تفنى " مهما أُتلف جسدها .. وأُُهين ورقها ... سائلوا كتب أبي حيان وأبي عمر  وعمر بن العلاء وأبي عمر الداراني وداود الطائي وكتب بغداد الملقاة في نهر دجلة..الواصلة إلينا .. رغم كل شيء  .. من قلب الرماد .. والغرق من قلب النار والماء.. أجل وحدها الكتب من بين جميع الأشياء لا تفنى لأنها تسلّم نفسها للزمن القارئ الذي يكرر كتابتها عقب كل قراءة جديدة ..
هنيئاً للسنونو كتاباً سلّم نفسه للزمن القارئ...
وشكراً لكم - يا داعميه المقيمين والمغتربين – زمناً قارئاً متسلّماً، يكتبه ويكتبه.. ويكتبه رونقَ حبٍ .. وقطرة ذكرٍ .. وصلاة رجوع تتكرّر..!!
       
 
WEBMASTER : AA-ALSAAD
This Web Site Programmed and Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD ..... Copyright 2003 (C) SCOPNET  All Rights Reserved 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق