مجلة السنونو (
العدد الثالث ) -
خاطرة
|
|||
زحمة -
وفاء خرمة
|
|||
سوق
الحشيش، وزحمة أيام ما قبل العيد. أندفعُ من دكانٍ إلى رصيف، ومن رصيفٍ إلى قلبِ
طريقٍ تقذفني فيه الأجسام المسرعة وتلكعني
الأذرع الملأى بالأكياس. تنهمر عليَّ حيناً عبارة متذمرة موبخة، وأنهمر حيناً بصيحة
غاضبة على "أحمق" يجتاحني في طريقه!.
أخيراً.. أختار دكاناً قريبة من الشارع الرئيسي، أضع عندها حِملي من الأكياس. أقف
بانتظار سيارة. أشير إلى واحدة مقبلة بالتوقف. لم يكن توقف السائق مُحاذياً لي،
وإزاء زحمة اندفاع السيارات خلفه وانطلاق أبواقها تحثّه على التقدم، لم يعد بإمكانه
تعديل اتجاهه ليقترب مني. كنت قد تقدمت نحوه ببعض الأكياس. هتف بي أن أضعها بسرعة
في السيارة ريثما يدور حول الشارع عائداً إليّ. ألقيت بما حملته إلى جانبه وعدت إلى
الدكان أترقب عودته. دقائق وتتقدم السيارة مني ببطء ليتوقف سائقها ويدعوني بإشارة
من رأسه للصعود. خطفت باقي الأكياس وأسرعت إليه. تنفست الصعداء وأنا أستلقي بجسدي
المتعب على المقعد الخلفي.
أمام بيتي استوقفته، استخرجت ما كان إلى جانبي من أكياس. وحين اندفعت أفتح الباب
الأمامي لأستخرج الحمولة التي كنت أودعتها بجانبه دُهشت.. كان المكان فارغاً..!
ـ
أين الأكياس..؟
ـ
أية أكياس يا أختي..؟
ـ
تلك الأكياس التي...
ولم
أكمل شرحي فقد أدركت من تعبير وجهه المشدوه أنه لم يكن سائق السيارة المقصود الذي
سبق أن استوقفته بل هو سائق آخر بسيارة أخرى اندفعتُ إليها متعجّلة حالما توقفت
بجانبي.. ضربتُ بيدي على رأسي حنقاً وغيظاً..!
أودعت ما بيدي البيت،
وعدت إلى السوق مسرعة. في توجهي نحو تلك الدكان راح خيالي يرسم ما حدث: لا بدّ أنّ
ذلك السائق وصل بعد لحظات من انطلاقي الخاطئ مع زميله، فحيّر
ولا شك
اختفائي السريع من موقفي الذي تركني فيه. لكنه،
وهو الذي لا يرتضي أن يأكل مالاً حراماً، سينزل بأكياسي ويسلمها لصاحب الدكان
متوقعاً عودتي إليه بعد أن أفتقدتها
لدي وصولي.
وبهذا
الأمل " الماجد " رحتُ أغذ السير إلى أن وصلت الدكان. سؤالي اللاهف لصاحبه عن تلك
الأكياس أجاب عليه
بتعبير
دهشة متسائلة ارتسم على وجهه في الحال. إذن.. فقد فعلها وهرب بالأكياس..! مع هذه
الحقيقة التي لم يعد يخامرها الآن أي شك وقفت يأكلني الغيظ والنقمة على الرجل الذي
خدعني واستغفلني..!
تلك
اللحظة سطع في مخيلتي العقيد " مارين " وحكايته تلك التي شاعت أيام زمان. هذا
العقيد الذي عرف عنه شدة نظامه وتمسكه بالقواعد العسكرية الصارمة. حدث يوماً أن كان
يسير في أحد الشوارع فإذا به يلقى عسكرياً عاري الرأس من " السيدارة " المكملة
للثياب العسكرية النظامية. دعاه إليه. تقدم العسكري مرتجفاً. أشار إليه بإصبعه أن
يتبعه. فتبعه صاغراً. سار به إلى أن وصلا دكان حلاقة. دخلها. أمر الحلاق وهو يشير
بإصبعه خلفه:
ـ
احلق لهذا الحمار..! نظر الحلاق دهشاً خلف العقيد وتمتم:
ـ
ولكن... لا أحد وراءك يا سيدي!.
التفت العقيد خلفه بسرعة وإذ أدرك غلطته جلس إلى الكرسي وهو يشير إلى الحلاق
بسبابته إلى رأسه هو قائلاً:
ـ
احلق لهذا الحمار!
تقدم من داخل الدكان رجل عجوز وهو يقول لي مواسياً:
ـ
يا ابنتي هذا رجل لا يعرف الله.. هذا ابن حرام..! ورأيتني أهمس في سرّي وأنا أردُّ
على العجوز: رحم الله العقيد " مارين "! فوالله يا عمّ ما كان السائق ذاك ابن حرام
بالقدر الذي كنت به... حمارة..!
|
|||
WEBMASTER : AA-ALSAAD
|
This Web Site Programmed and
Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD
..... Copyright 2003 (C) SCOPNET All
Rights Reserved
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق