مجلة السنونو (
العدد الرابع ) -
حمصيات
عتيقة
|
|||
الهديــــــة ( معتصـــــــم دالاتـــــــي ) |
|||
لعل أحداً ممن يعرف الرجل القاسي القسمات لا يذكر أنه رآه مبتسماً أو ضاحكاً، ولم
يُعرف عنه أية ملامح توحي بالرقة أو العاطفة. فهذا الرجل الريفي الأصل اتسم بوجه
حاد الملامح، قاسي النظرات، يُدخل الرهبة والاحترام بمن حوله من أفراد أسرته أو
معارفه وحتى أهل قريته التابعة لمدينة حمص.
هذا الرجل الذي تعايش مع الأرض الصلبة
فأكسبته تلك المناعة ضد المرح أو حتى الابتسام. سأل ابنه البكر عندما حصل على
الشهادة الثانوية عما ينوي أن يفعل؟ أجابه الابن بالثقة والجدية التي أخذها عن
ابنه:
_ أريد السفر إلى ألمانيا لمتابعة
الدراسة.
_ هيئ نفسك للسفر. وأريدك أن تحصل على
الشهادة العالية.
إنتهى الحوار بين الأب وابنه وأُقفل
الموضوع.
خرج الولد من مدينته الصغيرة حمص مع
بداية الستينيات من القرن الماضي متوجهاً إلى ألمانيا. يحمل في محفظته شهادة
الدراسة الثانوية والأوراق اللازمة لدخول الجامعة. ويحمل في قلبه وجه أبيه الصارم
وعبارته الحادة التي تطلب منه الحصول على الشهادة العالية.
بعد سنوات الدراسة عاد الابن إلى بلده
حمص يحمل الشهادة العالية التي طلبها أبوه، بالإضافة إلى الجنسية الألمانية التي
مُنحت له لتفوقه في الدراسة ونبوغه في العلم والذكاء والجدية في العمل بالإضافة إلى
عقد عمل مميز. وهو منذ سنوات بعيدة يعمل مديراً لأحد فروع شركة باير الشهيرة في
تصنيع الدواء، حيث يعمل تحت إمرته ثلاثة عشر أخصائياً يحمل كل منهم لقب دكتور
بالإضافة إلى عدد من الفنيين والإداريين الألمان. وهو الوحيد بينهم الذي يحمل لقب
بروفيسور مع لقب الدكتور.
أعود إلى الرجل الريفي ذي الوجه القاسي
الملامح الذي لا يعرف الضحك أو الابتسام، أو حتى التعبير عن العواطف. ذاك الرجل
الذي كانت نظرته الحادة تدخل الرعب والوجل إلى الجميع.
حين وصل الابن العائد إلى بلده حمص من بلاد الغربة
مُنهياً دراسته كما أسلفت، استقبلته الأسرة والأصدقاء والمعارف والأقرباء.
في السهرة وحين خلا المنزل إلاّ من
الأسرة قام الولد القادم من ألمانيا إلى محفظته الكبيرة وأخرج مجموعته من الهدايا
التي كان قد أحضرها معه. وبكثير من الفرح قدَّم لكل من أفراد أسرته وأقربائه هديته.
بعدها سادت فترة صمت رهيبة. فلقد حصل كل واحد على هديته باستثناء الوالد الذي لم
يقدم له ولده أيَّ شيء.
نظر الجميع إلى وجه الأب،
كان وجهه حيادياً. بعد لحظات قام الابن إلى محفظته ثانية وعاد يحمل ورقة ملفوفة
بشريطة ملونة قدمها لأبيه قائلاً:
ـ أما أنت يا والدي فلم أجد لك هدية أفضل
من تلك.. إنها شهادة الدكتوراه في الطب.
مرة أخرى نظر الجميع إلى الوجه القاسي
الذي اعتاد الأب أن يحمله، فرأوا ما لم يعتد أحد أن يراه في ذلك الوجه الصارم. كانت
دمعتان على خديه. وعلى شفتيه ما يشبه ملامح الابتسامة الملأى بالفرح والحبور.
لعل الكثير يعرف أن نبتة الصبار هي
النبتة الأقسى بين النباتات قاطبة، وأن هذه النبتة القاسية تُفصح عن زهرة كبيرة مرة
واحدة كل سنة لا تعيش لأكثر من يوم أو أثنين، وأن هذه الزهرة هي الأجمل والأرق من
كل ما تقدمه النباتات من أزهار.
ولعل دمعتي وابتسامة الرجل القاسي
الملامح كانت هي زهرة الصبار.
|
|||
WEBMASTER : AA-ALSAAD
|
This Web Site Programmed and
Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD
..... Copyright 2003 (C) SCOPNET All
Rights Reserved
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق