الأحد، 15 نوفمبر 2015

مجلة السنونو ( العدد السابع ) - نجوم مهجرية - الشاعر المهجري جورج صيدح 1893-1978 ( يوسف عبد الأحد )

مجلة السنونو ( العدد السابع ) - نجوم مهجرية
الشاعر المهجري جورج صيدح 1893-1978 ( يوسف عبد الأحد )
 
الشاعر المهجري جورج صيدح
1893-1978
يوسف عبد الأحد
 
(علم من أعلام العرب في القومية والوطنية ومن عمالقة الشعر المهجري، ناضل بقلمه وفكره بجرأة وشدّة لإعلان راية الحق، وهو أحد مؤسسي "الرابطة الأدبية" في عاصمة الأرجنتين).
ولد في حارة (زقاق الصواف) قرب مكتب عنبر بدمشق سنة 1893. كان والده قاضياً في محكمة استئناف الحقوق مدة ثلاثين عاماً.
تلقى دراسته الأولى في حارة الكنيسة المريمية عام 1899 مدة سنة واحدة ثم أنتقل إلى مدرسة الآسية وأنهى المرحلة الابتدائية فيها عام 1909، ثم تابع دراسته في مدرسة عيِنطورة للآباء اللعازريين في لبنان ليتعلم اللغة الفرنسية فدرس فيها مدة عامين ونال شهادتها الممتازة عام 1911.
ثم أنتقل إلى القاهرة عام 1912 ليعمل في ميدان التجارة مع أخوته وبقي فيها ثلاث عشرة سنة حتى عام 1925 وجمع ثروة طائلة وأصبح من الأغنياء، وبعد سنتين لم يحالفه الحظ إذ أصابه الإفلاس، فغادر مصر إلى أوروبا عام 1925 طلباً للرزق ومارس الكتابة بالفرنسية وتعرّف على فتاة فرنسية في باريس وتزوجها في آذار 1927 وفي العام نفسه قصد (كراكاس) عاصمة فنزويلا وأنشأ مجلة (الأرزة) شهرية باللغة الأسبانية وكان هدفه من إصدارها نشر الأدب العربي ولغة الضاد لخدمة الجالية العربية وكان يطبعها ويوزعها بدون مقابل.
أقام في فنزويلا مدة عشرين عاماً يعمل بالتجارة ولما بلغ الخمسين من عمره توقف عن العمل وأنصرف إلى المطالعة والسياحة في أنحاء العالم. وفي عام 1947 أنتقل إلى الأرجنتين وطبع ديوانه الأول (النوافل) ورصد ريعه للجان الدفاع عن فلسطين، ثم أسس جمعية "الرابطة الأدبية" وكان يجتمع في بيته مساء الأربعاء من كل أسبوع أعضاؤها هم: يوسف الصارمي صاحب مجلة المواهب والياس وزكي قنصل وحسين عبد الملك وسيف الدين الرحال وعبد اللطيف الخشن (صاحب جريدة العالم العربي) ويوسف الغريب وجورج عساف وجبران مسوح وجورج صوايا وتوفيق شماس وجواد نادر وملاتيوس خوري، إلا أنها لم تعش سوى ثلاثة أعوام بين (1949-1951) فقد أنفرط عقدها بعد عودة صيدح إلى الوطن.
عاد إلى بيروت في شهر تشرين الثاني عام 1952 وفي العام التالي تزوجت أبنته الوحيدة جاكلين من الصحفي اللبناني حنا غصن.
لمع أسم صيدح في ميدان الشعر والأدب فكان ينشر قصائده الوطنية في صحف الوطن والمهجر وأخذت دور النشر تتسابق لنشر قصائده في ديوان وأتفق مع الفنان العراقي جميل حمودي صاحب دار الفكر الحديث في بغداد لطبع ديوانه الثاني (النبضات) عام 1953.
في عام 1956 كلفه ساطع الحصري مدير معهد الدراسات العربية العالية في القاهرة لإلقاء محاضرات عن أدب المهجر فألقى عدة محاضرات جمعت في كتاب باسم "أدبنا وأدباؤنا في المهاجر الأميركية" وطُبع في عام 1956 ثم صدرت الطبعة الثانية عام 1957 والثالثة عام 1965 في بيروت والرابعة طبعت في دمشق عام 1999 ويعد من أهم المراجع بل موسوعة عن الأدب المهجري.
ويصف جورج صيدح الأدب المهجري فيقول:
"هو أدب عربيّ البذار، عربيّ الأرومة. فرعٌ عريق من دوحة العروبة، حملته الرياح إلى مشاتل العالم الجديد، فزكا في كل تربة، وأينع تحت كل سماء. طبعت شمس الغرب ألوانها على أوراقه، أما لبّه فيحيا على إشعاع الشرق، وقلبه يختلج بنسمات الصحراء".
بقي جورج في عاصمة لبنان سبع سنوات حتى عام 1959 وطبع ديوانه الثالث "حكاية مغترب" في دار مجلة شعر في بيروت في شهر كانون الثاني 1960 وهو أكبر دواوينه وجاء في تسعة فصول وهي: آفاق وأشواق وحكاية مغترب وأصداء وأهواء وتراويح وتباريح وأكباد وأزباد.
كان دائم التغني بأهله وخلانه وشوقه الشديد وحنينه إليهم وإلى وطنه فيقول:
 
" حلمت أني قريب منك يا بردى      أبلّ قلبي كما بلّ الهشيمَ نــدى
وملء عيني من البلدان أحسنهـا       لله ما أطيب  السكان والبــلدا
 تغوص في لجك الثرثار ذاكرتي      على الأغاني التي أسمعتني ولدا
 فأنثني وربيع العمـر عاودنـي      كأنني لم أضعها في البعاد سدىً "
 
وفي مهجره أخذ يناجي وطنه من أعماق روحه قائلاً:
 
"وطني ما زلت أدعوك أبـي          وجراح اليتم فــي قلبي الـولدْ
 هل درى البين الذي فرّقـنا          أنه فرّق روحــاً عـن جسـدْ
 وطني طوّحت بي في مهجرٍ          يرهق الحرَّ بأنــواع النكــدْ
 شاعر يرجى ولا يرجو وفي         معبد الأصنام يومـاً ما سجـدْ
 عاف وِرْدَ الماءِ فيه ولغـتْ          حشرات الأرض فاستسقى البرَدْ "
 
قال عنه الشاعر نزار قباني:
 
"سعى صيدح إلى المهاجر على سفينة مجذافها يحن إلى ورائه، وفي المهاجر لم يتحول الموال إلى نغمة من نغمات الجاز، بل ظلّ مواراً بخصائصه العربية العميقة، وظل يذكر جذوع الشوح، وهفيف التنانير التي تعلم منها الرقة الأولى، ودموع الياسمينة الباكية فوق البحيرة الشادية في داره الأولى.. في دمشق".
 
وقال الأديب عبدالله يوركي حلاق:
 
"تتجلى في شاعرية الأستاذ جورج صيدح ناحيتان مهمتان هما: الإنسانية بأرفع معانيها، والقومية بأبرز مقوماتها. فهو إنسان يسري النبل في دمه وتتألق الوطنية في قصائده ويتدفق الخير من قلبه والصدق من عاطفته ولسانه وبيانه".
 
وقال الأديب عيسى فتوح:
 
"صيدح هو الشاعر المتعدد الجوانب الذي ملأ دنيا العروبة بقصائده القومية الرنانة، ووضع كل مواهبه وطاقاته المبدعة في خدمة وطنه وأمته التي حمل همومها صليباً وجلجلة، ومات وهو يحمل هذا الصليب لاهثاً، فلا هو أستطاع أن يصل إلى الجلجلة، ولا هو شاء أن يلقي الصليب ويستريح".
"حسب الأديب وقد مشى بصليبه       أن لا يخر على الصليب ذليلا
 لا بد من يومٍ أغــر محجـل       يلقى المنية فيــه  والتبجيلا".
 
وافته المنية في باريس في العاشر من شهر تشرين الأول 1978 ودفن فيها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر والمراجع
1-    الموسوعة الموجزة ـ حسان بدر الدين الكاتب ـ  دمشق 1973
2-    من أعلام العرب في القومية والأدب ـ عبدالله يوركي حلاق ـ حلب 1978
3-    معجم المؤلفين السوريين في القرن العشرين ـ عبد القادر عياش ـ دار الفكر 1985
4-    شموع في الضباب من أعلام الأدب الحديث ـ عيسى فتوح ـ دار المنار دمشق 1992.
 
 
WEBMASTER : AA-ALSAAD
This Web Site Programmed and Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD ..... Copyright 2003 (C) SCOPNET  All Rights Reserved 

مجلة السنونو ( العدد السابع ) - نجوم مهجرية - الشاعر المهجري ميشال مغربي ( لبيب ناصيف )

مجلة السنونو ( العدد السابع ) - نجوم مهجرية
الشاعر المهجري ميشال مغربي ( لبيب ناصيف )
 
          تسنى لي أثناء إقامتي في البرازيل أن التقي العديد من أدباء وشعراء المهجر البرازيلي، وكان لوالد زوجتي الأستاذ نواف حردان، الأديب والصحافي والمؤرخ والروائي، الفضل الكبير في هذا المجال، إذ أني توليت في فترتيّ إقامتي في البرازيل، الأولى عام 1976 ـ 1977، والثانية في الفترة 1983-1984، إدارة تحرير جريدته "الأنباء" التي كان يصدرها أسبوعية باللغتين العربية والبرتغالية.
          من المؤسف أن شعراء وأدباء المهجر البرازيلي، ومثلهم في المهجر الأميركي اللاتيني، وهم ليسوا قلة، غير معروفين بما فيه الكفاية من جانب المثقفين في بلادنا، حتى أن الكثيرين منهم مجهولون كلياً.
          ولقد دفعني إلى أن أكتب عن البعض ممن تعرفت إليهم، سببان:- أولهما شعوري بواجب التعريف عن هؤلاء الشعراء، وفاءً لذكراهم، وتقديراً لما تميّزوا به شاعرية ومناقبية وحضوراً وطنياً.
          وثانيهما اهتمام مجلة "السنونو" بالأدب المهجري، وبالاغتراب عموماً، وقد اطلعت في العدد الأخير منها ـ كانون الثاني 2005 ـ على قصيدة "يا دار" لشاعر فذ عرفته وكان لي معه أكثر من لقاء، هو ابن حمص الفقيد ميشال مغربي، والذي يسعدني أن أكتب عنه وأنا أعود بالذكرى إلى آخر لقاء لي معه عندما استضافني في أحد أيام حزيران عام 1983 على العشاء في دارته، مع عدد من أصدقائه الشعراء، أذكر منهم المرحومين نبيه سلامة وفارس بطرس، والفاضل سامي جبارة الذي كان يتولى رئاسة نادي مرجعيون في سان باولو، كما لن أنسى الفاضلة عقيلته السيدة فيوليت بما تميزت به من بشاشة وثقافة وخلق رفيع.
          فمن هو الشاعر المرحوم ميشال مغربي؟
          في المقدمة التي نشرها صاحب مجلة "الضاد" الأستاذ عبدالله يوركي حلاق لديوان الشاعر مغربي "أمواج وصخور" نقرأ:
          " ولد ميشال مغربي في أواخر عام 1901 في مدينة الإسكندرية، من أبوين سوريين هما حافظ المغربي الحمصي الأصل والمولد، وهيلانة عبدالله ستيتي اللاذقانية الأصل والاسكندرانية المولد، وقد نوّه الشاعر عن ذلك في قصيدته "عرس القطرين" بقوله:
          إن كان جَدّ تضمّ الشامُ أعظمهُ
              فَثَمَّ جدٌّ بوادي النيلِ قد رقد
          ولقد فتح عينيه على نور الوجود يتيماً وحيداً، إذ كانت والدته قد ترملت بعد زواجها من أبيه بأشهر قليلة، فوقفت نضارة شبابها على تربيته وتعليمه والسهر عليه، وزارت به حمصاً بطلب من ذويه مرتين وفي المرة الثالثة عام 1911 رحلت به نهائياً إلى موطن أبيه وأجداده فألحقوه بالكلية الإنجيلية لرئيسها العلامة الوطني المرحوم حنا خباز ثم تتلمذ في الآداب العربية على اللغوي الكبير يوسف شاهين. وهناك في مدينة أبن الوليد تفتقت براعم شاعريته باكراً. وفي عام 1922 أصدر مجموعة أشعاره حتى ذلك الوقت بديوانه "العواطف" "الذي قال فيه العلامة جبر ضومط" عواطف شريفة ونزعات نزعت إليها في فجر العشرين إلى ما ينزع إليه عادةً في فجر الأربعين". وبعد صدور "العواطف" أخذ يملأ الجرائد بشعره المنثور وينشر أكثره في جريدة "حمص" وكانت تنقل إلى كثير من المجلات والجرائد. وفي أواخر عام 1923 نزح شاعرنا مع من نزح إلى ديار المهجر وقصد مدينة سانتياغو من جمهورية تشيلي ثم غادرها بعد أشهر قليلة إلى سان باولو من جمهورية البرازيل. وبسم له الحظ عام 1939 باقترانه بابنة عمه فيوليت كريمة المرحوم توفيق المغربي وهي على جانب من الثقافة ودماثة الخلق، فكانت لها اليد البيضاء أخيراً في دفع رفيق حياتها إلى جمع آثاره الشعرية وضمها في هذا الديوان".
                                      *        *        *
          بعد أن استقر الشاعر ميشال مغربي في سان باولو في بدايات العام 1924 عمل في التجارة إلا أنه تابع انكبابه على الدرس والمطالعة وقرض الشعر ومطارحة الأدباء فصقلت مواهبه، وما عتم أن خطا خطوات واسعة في ميدان الاجتماع والفلسفة، وكان صريحاً جريئاً بارعاً في معالجة موضوعاته فبينما نراه في قصائده أرقى من النسيم، إذا به أمضى من السيف في نقده للاذع وتمرده على الأوضاع البالية، كقوله:
          إن ديني أن أترك الدين من أجل بلادي وأعبد الأحجارا،
          وصلاتي أن لا إله سوى أرضي ولو كان أهلها كفارا
          الأجل الصليب ترضى بذل أيها الحامل الصليب شعاراً؟
          كعبة المسلمين لو كنت حراً كنت تغشاها كعبة للنصارى
                                      *        *        *
          الملفت في حياة الشاعر ميشال المغربي أن الجالية الإسلامية في سان باولو ما كانت تقيم حفلة في عيد من الأعياد المولدية إلا وتدعوه لتكون له قصيدته فيها ولعل قصيدته" الرسول العربي" من أروع ما نظم وهو ألقاها عام 1954 بدعوة من الجمعية الخيرية الإسلامية في المسجد الإسلامي في سان باولو.
الله قدّر لــي دينـــاً أقلــده              عقداً أبي كان من قبلي يقلــده
وإن جاري له عقــد يماثلـــه              يضيء ياقوته الغالي  وعسجده
صنو المسيحية الإسلام في نظري               كلاهما موجد الأديان  موجـده
فكيف أوليه ظهري حين أبصـره               أخ له دربه مثلي  ومصعــده
هيهات لكنني أدنــو وأسعفــه               على الصعود وأرعاه وأرشـده
خصومه لي خصوم كيف أخذلـه               وكيف أغمد سيفاً ليس  يغمـده
إني أدير له خــدي ليلطمـــه              إن كان في لطمه ما قد يمجـده
زرعت بالحب أرضي وهي مخصبة            والحب ما أثمرت فلتجنـه  يده
الحب ما كان إلا الحــب يسكبـه             وليس الاّه من طيــر  يغرده
فيا ابن أمي ذر التفريق ناحيـــة             فسابق العهد كان الجهل يفسـده
وذلك الحقد كان الغرب يــزرعه              وإنه وحده من كان يحصــده
أخوك يعنيك أيّ الطرق ينهجهــا             وليس يعنيك أيّ النجم  يرصده
ماذا يضيرك ما كانــت  عقيدته              ما زال يعبد رباً أنت تعبــده
وكان ينطق ضاداً أنت تنطقهــا               وما تردّد من شعر يـــردّده
                             *        *        *
          وافت المنية شاعرنا الكبير في أواخر العام 1983 فتابعت عقيلته الفاضلة فيوليت المهمة وصدر ديوانه "أمواج وصخور" في أوائل العام 1984، وفي شهر نيسان منه تفضلت بإهدائي نسخة عنه مع كلمة تعبر فيها عما في نفسها من خلق وشفافية.
          رغم مضي ما يزيد على العشرين عاماً على آخر لقاء جمعني مع الشاعر الوطني ميشال مغربي إلا أني ما زلت حتى تاريخه أذكره مع لفيف رائع من شعراء وأدباء، منهم رحلوا، ومنهم ما يزالون قيد الحياة، وأحفظ له وللفاضلة فيوليت الكثير من المودة والتقدير.
          من شعره:

 

إن رأيت الشمس قد ألقت على الأرض الشعاعا
تبعث الدفء فتحييـــها بقاعــاً فبقاعــا
وتبث النور في الكـون فتجلــوه مشاعــاً
إن رأيت الشمس لا تفخر بمـا أنـت تجـود
إن إحسانك لا يبلــغ إحســان الوجــود
          *        *        *
إن رأيت الغيث يروي الأرض في تهطاله
وحياة الزرع والضرع علــى أذيالــه
والربيع الغض والصيف جنى أفضالــه
إن رأيت الغيث لا تفخر بما أنت تجــود
إن إحسانك لا يبلغ إحســان الوجــود
          *        *        *
إني أمرّ على ربوع طفولتـي
               ومواكب الذكرى تمرّ حيالي
مترفق الخطوات لا أطأ الثرى
               إلا وقلبي سابق لنعالــي
          *        *        *
لبيك نور المسلميـن  وإننـي
               لعليك قبل المسلمين أسلـمُ
يا سائلي أي المذاهـب مذهبي
               إني مسيحي وإني  مسلـمُ
يرث الفتى عن والديـهِ مذهباً
               أبداً به يرضى ولا يتبـرّمُ
فالخالق الديانُ جــلَّ جلالُـهُ
               ما قال أيُّ دروبهِ هو أقومُ
كلٌ صراطٌ مستقيــمٌ للفتـى
               ما زال غيرَ الحقِّ لا يترسَّمُ
ما الخالقُ الديانُ إلا قنـةٌ
               ما حولها كل المذاهبِ سلَّـمُ
صعّد أخي، أحبب أخاك مصعداً
              فلقاكما عند الوصول محتـمُ
أحببــهُ وارعَ ذمامَـهُ إلا إذا
              ما كان في دين العروبة يأثمُ
 
 
WEBMASTER : AA-ALSAAD
This Web Site Programmed and Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD ..... Copyright 2003 (C) SCOPNET  All Rights Reserved 

مجلة السنونو ( العدد السابع ) - فن ونقد - حلا نقرور والبحث عن طريق ثالث ( بسام جبيلي )

مجلة السنونو ( العدد السابع ) - فن ونقد
حلا نقرور والبحث عن طريق ثالث ( بسام جبيلي )



         ارتبطت الموسيقى البيزنطية بالكنيسة الشرقية واستمرت على مدى ألف و ستمائة عام معتمدة  في بنائها على الموسيقى اليونانية القديمة , و انتشرت لدى الشعوب التي اعتنقت مذهب الكنيسة الاورثوذوكسية , مثل السوريين و الأرمن و الروس و البلغار و غيرهم ممن قبلوا هذا المذهب واعتمدوه في طقوسهم الدينية , و لم تكن لغة الشعائر الاورثوذوكسية  موحدة كما هو  الحال لدى الكنيسة المسيحية الغربية , بل كانت لكل كنيسة منها شعائرها المؤداة  بلغة بلادها , وهذا ما خلق حالة فريدة هي مزيج من اللغة المحلية و القواعد البيزنطية في التلاوة والترتيل  يمكن اعتبارها أهم إسهام من قبل الكنيسة الشرقية في الموسيقى و الشعر . و التي كان بعضها ترجمة لتراتيل سريانية ترجع أصولها   إلى الحان محلية سورية قديمة . ولما كانت المسيحية الأولى, بادئ الأمر, دينا شعبيا يتعارض مباشرة مع السلطات, كان من الطبيعي أن يكون فن الطقوس الجديدة , إلى حد كبير , نتاج عمل فنانين محليين . وهكذا استطاعت الكنائس الشرقية أن تصوغ من هذا التراث فنها الموسيقي الخالص الذي اكتســـــــب بمرور الزمن قوة و أصالة .  
        إن هذه الخصوصية النغمية الممتزجة باللغة هي ما يجب تعميقه و إعادة دراسته وتسليط الضوء عليه  باعتباره حالة فريدة و أصيلة  ينفرد بها تراثنا السوري العريق . وما زالت الكنيسة تملك عددا هائلا من المؤلفات الشعائرية ومن المخطوطات حفظت لنا ثروة من الأناشيد ( شعرا و موسيقى) تفتح أمام مؤرخي الحضارة البيزنطية  و المحققين و الموسيقيين الجادين حقول معرفة لا نهاية لها .

 

         من هذا المنظور يمكن فهم الحضور اللافت لتجربة موسيقية شابة أثبتت تميزها الواعي في السنوات القليلة الماضية  هي تجربة الآنسة حلا نقرور التي أسهمت بإخلاصها لفنها و أصالة أدائها      الصوتي بالتنبيه إلى مدى أهمية محتوى الموروث البيزنطي المنطوي على ذخائر تراتيل الكنيسة الاورثوذوكسية . واستطاعت عن طريق مثابرتها و دأبها إقناعنا كمستمعين بمدى جدية مشروعها الفني الذي صقلته بدراستها الأكاديمية للموسيقى إضافة إلى تحصيلها الجامعي للأدب الإنكليزي . فقد أدركت و أحست هذا الثراء المدهش و العميق للمنظومتين المقامية  و الإيقاعية لتراثنا الشرقي القديم وفهمت روح الارتجال الذي يميز الغناء البيزنطي في استلهام حرية الأداء ضمن أكثر القوانين الموسيقية تقليدية       و صرامة ما يخلق لدى الأذن المدربة , هذا التوتر الجميل بين الممكن و المستحيل .
        يتميز الغناء البيزنطي بإطالة النغم الأخير حيث كانت الميلوديات تقسم إلى جمل تتبع سير نبرات المد والسكون في أداء النصوص وفق معانيها , وهي بعيدة عن كل مصاحبة هارمونية سواء في الغناء الفردي أو الجماعي, فيما عدا ما يبرز أحيانا هنا وهناك من أداء للكورس يمكن اعتبــاره كموسيقــــــــى
 مصاحبة . لقد كانت التراتيل تمضي لدى المسيحيين الأوائل كما هي الآن على شكل إنشاد تؤديه مجموعة من أصوات الرجال من طبقة( الباريتون ) على نهج إيقاع الشعر و دون التقيد بمقياس زمني محدد يفرضه الخط اللحني, فيتبع اللحن المقياس الشعري دون أن يتحكم فيه .
        إن خامة الصوت , هذه البصمة الإلهية التي تخلق مع الإنسان , كلون الشعر و العينين , هي ما يميز الأصوات الجميلة القادرة في تاريخ الغناء العربي , وهي ما يميز صوت حلا نقرور في اتساع مداه المقامي وقدرته على أداء صوت القرار بحرفية و حيوية نادرين  فصوتها, كما أرى , هو من طبقة  ( الميتزوسوبرانو ) هذه الفئة من الأصوات النسائية متوسطة الحدة  التي تقابل طبقة الباريتون للأصوات الرجالية التي تكلمنا عنها سابقا و التي اعتمدتها الكنسية  كأساس للتراتيل . وهكذا نرى أن حلا نقرور لم تختر أداء التراتيل بل على العكس فان التراتيل هي التي سعت إليها و اختارتها. ورغم أن تجربتها اتسعت لتشمل أداء أغانيها الخاصة ضمن منظور المضمون الديني . فان هذه الأغاني أو التراتيل الحديثة , لحنا و كلمات , ظلت منفصلة بشكل مطلق عن روح التراتيل و الأداء البيزنطي . لذلك يمكن اعتبار تجربة حلا نقرور تسير في اتجاهين أحدهما يسعى نحو التراث و تقديمه كما هو دون زيادة أو نقصان و الآخر ينحو لتقديم ترتيلة حديثة رومانسية الأسلوب والأداء .
         و السؤال الواجب طرحه على الملحنين و المؤدين والمختصين  هنا هو عن مدى  الإمكانيات المتاحة للاستفادة من قوانين تراثتا البيزنطي الموسيقي القديم  وعن كيفية استلهامه و صياغته مجددا ضمن موسيقانا الحديثة و أغانينا المعاصرة . وهنا يمكن تتبع تيارين أحدهما التيار الذي ترجم وأضاف وجدد منذ نهاية القرن التاسع عشر وعلى رأسه ( متري المر و اندراووس معيقل و ديمتـــري كوتيـــــا و ماري كيروز)  والتيار الثاني الذي حاول استلهام هذا التراث و الاستفادة منه جزئيا  بإدماجه مع أسلوبه  الخاص في التلحين والأداء مثل ( الرحابنة  و فيروز و وديع الصافي ) .  لا شك بأننا بحاجة إلى كلا التيارين فالأرض خصبة ولا تتطلب سوى العمل المخلص والجاد . وإذا عدنا إلى حلا نقرور وبالتحديد إلى الاتجاه البيزنطي في تجربتها نجد أنها وضعت قدمها على الدرجات الأولى في الاتجاه الصحيح , فبقدر تعمقها في هذا الجانب وبحثها في هذا التراث الغزير الجميل , بقدر ما يزيد مخزونها اللحني ثراء ويوفر لتقنيتها النضج والسلاسة بمرور الوقت و ازدياد الخبرة ما يمكنها حينئذ  من انتقاء وتبني ما يناسب ذائقتها الفنية من التراتيل المنسية الصعبة غير المتداولة وتقديمها, بعد  نفض الغبار عنها,  مدعومة بحسها الراقي وقدرتها الصوتية المعبرة . ومن حسن الحظ أن الطريق معبدة لمن يريد الاستفادة  من التجارب السابقة عبر إضافات اندراووس معيقل و جهود ديميتري كوتيا بابتكار الألحان الجديدة المقاربة للأصول . وهكذا يصبح التصدي لهذا المشروع الإحيائي الكبير والمساهمة به ركناً مهماً ورؤية متقدمة لمستقبل الموسيقى العربية , و بجهود المخلصين من أمثال حلا نقرور يمكن استشراف بصيص الأمل عاجلا أم آجلا . فحاجتنا للبحث عن جذورنا المهملة المنسية , أصبحت ملحة, ولا يمكن تصور فن أصيل حديث راق ينحو إلى العالمية إلا بشرط مروره عبر بوابة المحلية .
        إن نظرة متأنية إلى المشهد الموسيقي المعاصر, محليا كان أم عربيا, تظهر مدى خطورة وعمق الوضع المتردي الذي وصلت إليه الموسيقى العربية بعد أن بدأت تفقد مكانتها الروحية العذبة وخصوبتها التعبيرية الممتدة على مدى قرون لتحل محلها الفوضى و العشوائية و الانفلات و الاستسهال ,  و هذا ما

انعكس على التلقي والاستماع فتم تحويل الإصغاء العذب و الغنائية النبيلة إلى إيقاعات سريعة صاخبة وخواء روحي بائس . ولقد دأب المخلصون من خلال المنتديات و المؤتمرات الموسيقية منذ عقود على طرح عشرات التوصيات والقرارات التي ذهبت أدراج الرياح . وهذا ما يثبت مدى صعوبة الانفلات والخروج من دوامة فضلات الموسيقى السائدة .  
        وإذا انتقلنا إلى الجانب الثاني من تجربة حلا نقرور في الاتجاه إلى تقديم الترتيلة الحديثة, فإننا نجد أنها قد اختارت فنا إشكاليا صعبا و ضيق المجال . ففي أغلب التجارب السائدة عربيا أو محليا  نجد أنفسنا أمام كلمات والحان دون مرجعيات سابقة أو تقاليد تبني على أساسها فتصبح عرضة للتأثر و الانجراف إلى تقاليد الأغاني السائدة . وهذا يختلف عن الترتيلة ذات الصبغة البزنطية الرحبة التي تعتمد على مرجعيات أدبية و لحنية غربلتها و صقلتها السنون و الأيام .  لكن الأمر يختلف عندما نتمعن في تجربة حلا نقرور ,لأنها تجربة لا تنحصر في الأداء, بل تتعداه إلي تقديم أغنياتها الخاصة بالكلمة و اللحن , وهي بذلك تقيم مشروعها الخاص, وتقدمه بإتقان وتفان و إخلاص, فتدرب كورال الأطفال وكورال اليافعين وتدخل التوزيع الموسيقي و تضيف الهارموني إلى أعمالها ما يكسبها خصوصية جميلة آسرة . ورغم أن هذه الجهود تبقى محصورة في مجال محدود بالغ الضيق على  مستوى اختيار الكلمة واللحن , فإننا نجد أن حلا نقرور في أعمالها الأخيرة استطاعت أن توسع دائرة اختيارها للكلمات والألحان لتصبح الكلمات أقل مباشرة والألحان أكثر تلوينا .
 
      وأخيرا يمكننا طرح السؤال الصعب على كــل مـــــن حلا نقــــرور و أمثالها من المثابرين الجادين ممن يتحملون أعباء مشروعهم الموسيقى . كيف يمكن الخروج مـــــــن الحلقة المفرغـــــة للفوضــى والعشوائيـــــة و الاستسهال  التي وجدت موسيقانا نفسها داخلها ؟ وهل تكفي النيات الحسنة والقرارات الرسمية في كسر هذه الحلقة ؟ ويبدو أن الجواب عند حلا نقرور واضح وصعب , في نفس الوقت , بدلالة ما قدمته حتى الآن من أمسيات وحفلات ناجحة على كل المستويات . فاكتشاف أسرار الطقس البيزنطي ومحاولة دمجه أو إذابته, إذا أمكن ,  في كيان أغنية حديثة بعيدة عن المباشرة ذات تطلع إنساني مطلق  يصبح الهدف الأصعب والطريق الثالث الذي بتحقيقه يمكن إعادة الثقة والجمال لتراتيلنا و أغانينا كما ينبغي لها أن تكون .                
     
  

 

  
وحده الإنسان النوراني الذي خلقه الله على صورته صانع الأحلام الخلاّقة في الطريق المرسومة.. ومن ثم ومضة فكرة صغيرة.. ورشة عزم صامدة تحيل الأحلام واقعاً يتحقق.. هكذا كل عمل عظيم، بذرة كان في رحم الأيام..
نهــاد
 
 
WEBMASTER : AA-ALSAAD
This Web Site Programmed and Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD ..... Copyright 2003 (C) SCOPNET  All Rights Reserved

مجلة السنونو ( العدد السابع ) - فن ونقد - قراءة غير نقدية للشاعر يوسف الصائغ ( يوسف الحاج )

مجلة السنونو ( العدد السابع ) - فن ونقد
قراءة غير نقدية للشاعر يوسف الصائغ ( يوسف الحاج )
 
قراءَة غير نقديَّة للشاعر يوسف الصائغ
"في قصيدته: أَما كانَ يمكنُ؟"
يوسف الحاج
          خُيِّلَ لي قبل الشروع بالكتابة عن الأَديب: يوسف صائغ في الجانب الشِّعريِّ من إِبداعه المتعدِّد، أَنَّ القابضَ على الشِّعر كالقابض على السَّرابِ أَو الجمرِ ليزدادَ الهجيرُ لظَّى وحرقةً ولوعةً... فتنفتحُ الرُّؤية على الرُّؤْيا وتتجلَّى الصورة التي يخرجُ بها الجوهرُ إلى الظُّهورِ، والصُّورةُ من إبداع العقل، والحسُّ عاملٌ من عمَّالِ العقل. والفرق بين الصورة الإلهيَّة والصورة العقليَّة أَنَّ الصورة الإلهيَّة تَرِدُ عليكَ وتأْخذ منكَ تخطفكَ إلى عالم الرُّوح، عالم الوحي والإلهامِ... والصورةُ العقليَّةُ تصلُ إِليكَ فتعطيكَ، الأوُلى بقهرٍ وقدرةٍ، والثانية برفق ولطافة، وتلكَ تحجبكَ عن لِمَ وكيف، وهذه تفتحُ عليكَ لِمَ وكيفَ. وأَنوارُ الصورة الإلهيَّة بُروقٌ تمرُّ، وأَنوار الصورة العقليَّة شموسٌ تستنير؛ وتلكَ إذا حصلتْ لكَ بالخصوصيَّة لا نصيبَ لأَحدٍ منها، وهذه إذا حصلت لكَ فأَنتَ وغيرُكَ شرَعٌ (1) فيها، وتلكَ للصَّون والحفظ وهذه للبذل والإفاضة. أَليس الشِّعرُ فيضاً وسيلاناً في لحظة الكتابة؟ وإِذا أقتربَ الإِبداعُ من التَّمام رسم بلوغَ النصِّ الحدَّ الذي ما فوقه إِفراطٌ وما دونه تقصيرٌ!.
          في هذه المنطقة البرزخيَّة ينتجُ يوسف صائغ وسعدي يوسف ومحمود درويش وأَحمد عبد المعطي حجازي النصَّ. فيصلُ إِشعاعُ الجوهر إلى النَّفسِ من خلال العين القارئة والعقل المستوعب للصُّور التي تتوالدُ من بلاغة اللُّغة فالمعاني تنيرُ عتمة المباني...!.
          وباعتبار الشَّاعر والأَديب شاهداً على عصره... فهو الضميرُ الناطق أَوَّلاً وأَخيراً، واللِّسانُ الذي لا يُقطعُ بجائزةٍ أَو بمديةٍ لا بدَّ أَن يجأَرَ ويعلنَ مصائبَ وطنٍ من خلال احتجاجً على ما حدثَ ولِمَ وكيفَ؟.
          يوسف صائغ صوتٌ صارخٌ أَمامَ اجتياح العراقِ تشاركهُ صراخَهَ المرَّ ويتَّحدُ صوتُهُ بصوتكَ، إنَّكَ الآخرُ المخاطَبُ فهو رأَى وكتبَ من أَجل المتلقِّي يبني جسراً من الكلمات فتلتقي به في منتصف الجسر وتتمنَّى أن تكون كاتبَ نصِّه.. لكنَّه هو الذي رأَى وأَهداكَ الصورة في الزمان والمكان كما عاشها في بغدادَ:
          " أَخذتْني بغدادُ وأَنا ابن ثماني عشرة سنة. ومنذ حللتُ فيها صارتْ أُميِّ وأُختي وعشيقتي. ولقد ولدتُ من أَحشائها بعد أَربع سنوات، وما زلتُ أَحمل معي حتَّى رائحتها وآثار أَصابعها وسجلَّ وصاياها المختلط بخبرتي وذاكرتي. في بغداد أُعطيَ لي ولأَوَّل مرَّة ـ كما أُعطيَ لآدم ـ أَن أَذوقَ تلكَ الفاكهة المحرَّمة التي من بعدها أَصبحتُ مؤهَّلاً لدخول الجنَّة، غير عابىء بأَنَّني يمكن أَن أُطردَ منها في أَيِّما لحظة. كانت بغداد في تلكَ الساعة قد تقمَّصتْ شكل امرأَة سمراء، سمرة جنوبيَّة هي في جوهرها المزاج الفذُّ من القمح والشعير.. ونكهة الخبز الحار.. والشهوة الأَبديَّة. بغداد صار اسمها في تلكَ الليلة الشتائية "صبريَّة" تلكَ هي المرأَة الأُولى وذلك أَوَّلُ امتحاناتي الأَشد جمالاً والأَكثر صعوبة / وجهاً لوجه مع الحبِّ والجسد".
          والعودُ أَحمد إلى قصيدته: أَما كان يمكن؟
          "ها أَنا واقف فوق أَنقاض عمري
          أَقيسُ المسافة ما بين غرفة نومي وقبري
          وأَهمسُ: وا أَسفاهُ لقد وهنَ العظمُ
          واشتعلَ الرأْسُ واسودَّتِ الروُّحُ
          من فرط ما اتَّسخت بالنفاقْ
          ـ سلامٌ على هضبات الهوى
             سلامٌ على هضبات العراقْ" ـ
لقد حذفَ شيباً بعد كلمة الرأْس وصاغَ صورة الشيخوخة وَهَنَ العظمُ وأَحضرَ الجواهريَّ ببيت شعر له وهو الأَخير في هذا المقطع. يشدُّنا إلى مكان وزمان الحدث:
          إنهَّا السَّاعة الثانية والثلاثون، بعد منتصف اللَّيلِ
          بغدادُ نائمةٌ والهزيعُ ثقيلْ
          وحدَهُ النهرُ مُستيقظٌ والمنائرُ
          والقلقُ المتربِّصُ خلف جذوع النَّخيلْ
          فجأَة... ومادَ المدى
          وتجعَّدَ جلدُ الظَّلامِ واقشعَّر السكونْ
          تُرى... أَما كانَ يمكن إلاَّ الذي كانَ
          أَما كانَ يمكنُ إلاَّ الذي سيكونْ؟...
          رسمَ الجوَّ جوَّ الخوف، والقلقَ المصيريَّ والوجوديَّ.. نومُ بغداد... النهر ساهرٌ ومنارات المآذن تسبِّحُ الله والفجرَ... لماذا تجعَّدَ جلد الظَّلامِ؟ والسكونُ تبدَّلَ باستخدام الفعل اقشعرَّ دلالةً على الرُّعبِ والذهول:
          "كانَ لا مناصَ سوى
          أَن تُخانَ على صدق حُبِّكَ، أَو تخونْ "
          لحظة مواجهة بين الولاءِ والهروب من المواجهة.. فالقصفُ بدأَ: قمرٌ من دمٍ قد التصق به كِسرٌ من الخبز/ دمٌ... وترابْ/ الدَّمُ إِعلانٌ عن الكِسَرِ الأَشلاءِ للجسد الخبز، والدَّمُ ناطقٌ لا يكذبُ وهو شاهدٌ على وقوع الحدثِ... ونرجع إلى استفهامه: أَما كان يمكن إلا الذي كانَ؟ أَما كانَ يمكنُ إلاَّ الذي سيكون؟
          " ولقد نظرتُ بمقلتيْ ذئبٍ إلى وطني...
            ورأيتُني أُتشمَّمُ الجثثَ الحرامْ
            أُفتِّشُ القتلى عن امرأَتي
            لكنْ صاحَ غرابُ البينْ
            فانشقَّ المشهد قسمينْ:
            مشهد عن يسار ضريح الحسينْ
            وآخر في ملجأ "العامريَّةْ"
            المأْساة تستدعي استشهاد الحسين، والرُّعبُ قادَ الناس إلى الملجأ هرباً من الموت/وصوت جنين يضحكُ تحت الأَنقاض/ هل من خلال الموت تولد الحياة؟ ما هذا التناقض في الطبيعة الواحدة؟ مقابلة الأَضداد في لحظة واحدة عندما يتحوَّلُ الإنسانُ إلى ذئبٍ مفترسٍ يقتاتُ من لحم أَخيه ليحوِّلَ الكونَ إلى فسادٍ وقهرٍ واستلابٍ لا يُبقي ولا يَذَرُ ذرَّةً من حياء الإنسانيَّة.. أَو شذرةً من الجوهر. اللوياثان يعودُ إلى الظُّهورِ ولكن ليس في البحر الأَزرق بل فوق بحر النَّفطِ العربيِّ، البعيد عن آباره الوطنيَّة، يا لجشع الغول الأَميركيِّ البشع!.
          يُدخلُنا الشَّاعر في مشهد التراجيديا الماثلة فوق المسرح:
          " واقفٌ فوق أَنقاض عصري
            كالصليب يمدُّ يدينِ مضرَّجتينِ
            فما بين يأْسٍ وصبرِ
            أَلا أَيُّها الراهبُ الأَبديُّ الجريحْ
            أَما آن لكَ أَن تستريحْ
            وتدركَ أَنَّكَ لستَ المسيحْ
            وإنَّ اختيارَ الطريق إلى الجلجلة
            لم يَعُدْ معضلة
            في زمانٍ كهذا الزمانْ
            غدا مهزله
            ومحضَ جنونْ
            تُرى أَما كان يمكنُ إلاَّ الذي كانَ،
            أَما كانَ يمكنُ إلاَّ الذي سيكونْ؟ "
            لقد أَزاحَ عمري وأَتى بعصري كشاهد على العصر والحدث، أَتى بالجلجلة والمسيح وعذاب الصَّلب ـ يدين مضرَّجتين ـ من دَقِّ المسامير... هل تطوفُ أَطيافُ اليهود فوق أَجواءِ ومسرح الحدث الذي وصفَهُ بالمهزلة ومحض جنون للوحش!
          ولا بدَّ من استعراض تصرُّفه ببيت الجواهري:
          سلامٌ على هضبــات الهـوى                 سلامٌ على هضبات العراقْ
          سلامٌ على هضبات زمانٍ مضى                سلامٌ على هضبات العراقْ
          سلامٌ على هضبـات المنــى                 سلامٌ على هضبات العراقْ
          يفضح الشاعر أَدغال العصر الأَميركي الملعون، وامرأَتُه تحوَّلتْ إلى جثَّةٍ بلا كفنٍ في ضمير الحضارة، ومتى دبَّ فيها التحلُّلُ ستفضح سرَّ العلاقة بين القداسة في ما نحبُّ وبين الدعَّارة التي تنشرها أَمريكا فوق تمثال حرِّيتها! ويختم قصيدتهُ: حتَّى اسمي يوسف الصائغ/ استوقفني لصٌّ في الليَّل وهدَّدَني/ فحلفتُ له أَنِّي لا أَملكُ شيئاً../ قال: إذنْ قُلْ لي ما اسمكَ أَو سوف تموت/ فضحكتُ وقلتُ له: صدِّقْني يا لصَّ اللَّيلِ... حتَّى اسمي أَخذوهُ منِّي"
          وخلاصة القول: يوسف الصائغ قلادة الأَدب العراقيِّ الثمينة، وأَحد أَبرز من يحقُّ لنا أَن نتباهى بهم بإنجازاتهم في الرِّواية والشِّعر والمقالة والرسم والمسرح، وقبل كلِّ ذلكَ هو من تلكَ النُّدرة التي لم تتهيَّبْ أَمام حشد الخنادق، ولم تركبْها (كثرة النقائض) بل سعت إلى أَن تحقِّقَ التفرُّدَ على الدوام وأَنْ تغلِّفَ الكلمة بما يُبقيها متأَلقةً على "الَّلوح غير المكتوب " لوح الذاكرة. من أَقواله: "لستُ صامتاً.. مع هذا يحتلُّ الصمتُ من تجربتي الحسابَ النهائيَّ الأَقربَ للكرامة. أَزمة الشِّعرِ والشَّاعر تتمثَّل في القدرة على حلِّ معضلة العلاقة الذهبيَّة بين الخاصِّ والعامِّ.
          إنِّني شاعر عافتْ نفسُهُ قصائدَهُ. التواضع ليس زينةً دائماً ونكران الجميل فاكهة تضرِّسُ القلبَ " إنَّهُ شاعر الذات والجسد والهويَّة. وهذا غيضٌ من فيض ينابيعه... ونقطة ماءٍ من بحره المتلاطم الأَمواج، ويبدو أنَّ الماءَ حلَّ محلَّ السَّراب وأَطفأَ الجمرةَ !.
            (1) شَرَعٌ أو شرْعٌ:  سواء. نهجٌ أو طريق ـ المصباح المنير ـ
 
 
WEBMASTER : AA-ALSAAD
This Web Site Programmed and Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD ..... Copyright 2003 (C) SCOPNET  All Rights Reserved 

مجلة السنونو ( العدد السابع ) - شعر مترجم - قصيدة رثائية لمصارع الثيران ( ترجمة: الأب ميشيل نعمان ) - رئيسي

مجلة السنونو ( العدد السابع ) - شعر مترجم
قصيدة رثائية لمصارع الثيران ( ترجمة: الأب ميشيل نعمان ) - رئيسي
 
شعر مترجم ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
قصيدة رثائيـة لمصـارع الثيـران
 Translated Poem_________
 
            LLANTO POR
  IGNACIO SANCHEZ MEJIAS
 
اينياثيو سانتش مينحياس "وهو صديق عزيز له"
 
للشاعر الإسباني فيدرِيكو غارثِّيا لوركا
Federíco Garcia Lorca
الترجمة إلى العربية: بقلم الآب ميشيل نعمان
 
 
-1-
-1-
المناطحة والموت
LLANTO POR
IGNACIO SANCHEZ MEJIAS
 
 
إنها الخامسةُ مساءً.
   A las cinco de la tarde.
إنها الخامسةُ مساءً، وبالضبط.
Eran las cinco en punto de la tarde.
فتىً يُحضِرُ الشرشفَ الأبيض
Un niño trajo la blanca sábana
في الخامسةِ مساءً.
a las cinco de la tarde.
وقُفَّةٌ من الكلسِ قد جُهِّزَتْ
Una espuerta de cal ya prevenida
في الخامسةِ مساءً.
a las cinco de la tarde.
وكلُ ما تبقّى قد مات، ولم يبقَ إلاّ الموت.
Lo demás  era muerte y solo muerte
...       ...        ...         ...
a las cinco de la tarde.
فها الحمامةُ والنمرُ يتصارعان
 
في الخامسةِ مساءً.
   El viento se llevó los algodones
..............
a las cinco de la tarde.
في الزوايا حماماتٌ من الصمت
Y el óxido sembró cristal y níquel
 في الخامسةِ مساءً.
a las cinco de la tarde.
والثور وحده ذو القلبِ الشجاع
Ya luchan la paloma y el leopardo
في الخامسةِ مساءً.
a las cinco de la tarde.
وعندما بدأ العَرَقُ الثلجيّ يتصبّب،
Y un muslo con un asta desolada
وعندما خيّم على الساحة اكتئابٌ وسواد،
a las cinco de la tarde.
آنذاك وضعَ الموتُ بيوضَه في الجرح،
Comenzaron los sones del bordón
في الخامسةِ مساءً
a las cinco de la tarde.
...   ...    ...    ...
Las campanas de arsénico y el humo
في الخامسةِ مساءً:
a las cinco de la tarde.
فِراشُه تابوتٌ بعجلات،
En las esquinas grupos de silencio 
عِظامٌ وصيحاتٌ تضرب مسامِعه،
a las cinco de la tarde.
والثورُ يخورُ بأعلى صوته،
Y el toro solo corazón arriba!
والحُجرةُ تصطبغُ بألوان النزاع الشاحبة،
a las cinco de la tarde.
وها اللون يبدو شاحباً،
Cuando el sudor de nieve fue llegando
والجراحُ تُحرقُ كالشمس،
a las cinco de la tarde,
في الخامسةِ مساءً.
cuando la plaza se cubrió de yodo
والجمهورُ المحتشد يخترق النوافذ
a las cinco de la tarde,
في الخامسةِ مساءً.
la muerte puso huevos en la herida
إنها الخامسة مساءً.
a las cinco de la tarde.
آه، يا لها من خامسةٍ رهيبة!
A las cinco de la tarde.
إنها الخامسةُ في كل الساعات!
A las cinco en punto de la tarde.
إنها الخامسةُ مساءً، خامسةٌ مائلةٌ نحو الضروب
 
 
 
 
   Un ataúd con ruedas es la cama
a las cincõ de la tarde.
Huesos y flautas suenan en su oído
a las cinco de la tarde.
El toro ya mugía por su frente
a las cinco de la tarde.
El cuarto se irisaba de agonía
a las cinco de la tarde,
A lo lejos ya viene la gangrena
a las cinco de la tarde,
Trompa de lirio por las verdes ingles
a las cinco de la tarde.
Las heridas quemaban como soles
a las cinco de la tarde,
y el gentío rompía las ventanas
a las cinco de la tarde.
A las cinco de la tarde.
Ay qué terribles cinco de la tarde!
Eran las cinco en todos los relojes!
Eran las cinco en sombra de la tarde!
 

WEBMASTER : AA-ALSAAD
This Web Site Programmed and Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD ..... Copyright 2003 (C) SCOPNET  All Rights Reserved