مجلة السنونو (
العدد الرابع ) -
مهجريات
طفيليات ( عن حديقة النبي ) ( جبران خليل جبران )
ونظر عند ذاك مأنوس، التلميذ البحّاث، إلى ما حوله، ورأى أغراساً مزهرةً تعلقت على
شجرة جمّيز، وقال: " ها هي الطفيليات يا معلم. ما تقول فيها؟ إنها لصوص ذات أجفان
نهكها التعب، تسلب النور من أبناء الشمس أولي العزم، وتتباهى بالنسغ الذي يتدفّق في
أغصان هؤلاء وأوراقهم."
أجابه المصطفى قائلاً : "كلنا يا
صديقي طفيليات؛ إنّنا نحن الذين نحوّل المدر إلى حياةٍ نابضة، لسنا أرقى من أولئك
الذين يأخذون الحياة مباشرةً من المدر، دون أن يعرفوا المَدَر.
" هل لأم أن تقول لطفلها : "أنا
أردّك إلى الغابة، أمك الكبرى، لأنّك ترهقني قلباً ويداً"؟.
" أم هل للمغني أن يزجر الأغنية
التي ينشدها قائلاً : " عودي الآن إلى كهف الأصداء الذي أتيت منه، لأن إنشادك
يستهلك أنفاسي"؟.
" وهل للراعي أن يقول للفصيل الذي
أدرك عامه الأول : " ليس لديّ مرعى أستطيع أن أقودك إليه، وعليك الآن أن تنفصل عن
أمك، وتضحّي بنفسك في سبيل هذه القضيّة" ؟.
"أصخ يا صديقي! كل هذه أسئلة تلاقي
أجوبتها قبل أن تُطرح. وهي تتحقّق مثل أحلامك قبل أن تنام.
" إنّنا نعيش بعضنا على بعض وفقاً
للشريعة القديمة السرمدية. دعنا نعش هكذا في نعيم الحب. وإنّنا لننشد بعضنا البعض
في وحدتنا، ونتسكّع على الطريق، حين لا يكون لدينا موقدة نجلس إلى جانبها.
" إن أوسع طريق، يا أصدقائي
وإخواني، إنما هو طريق رفاقكم من الناس.
" وهذه الأغراس التي تعيش على الشجرة،
تمتص حليب الأرض أثناء هدأة الليل الناعمة، والأرض بدورها ترضع ثدي الشمس أثناء
حملها الهادئ.
" والشمس، شأنها شأنكم، وشأني وشأن كل كائن، تجلس
مساويةً لغيرها في الشرف، إلى مأدبة الأمير الأعظم ذي الباب المفتوح أبداً،
والمائدة الممدودة أبداً.
" يا صديقي مأنوس، كل ما هو كائن
يعيش على كل ما هو كائن. وكل ما هو كائن يعيش بالإيمان الذي لا ساحل له، على رحمة
العلي الأعلى."
|
|||
|
WEBMASTER : AA-ALSAAD
|
This Web Site Programmed and
Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD
..... Copyright 2003 (C) SCOPNET All
Rights Reserved
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق