الثلاثاء، 3 نوفمبر 2015

مجلة السنونو ( العدد الرابع ) - الوطن في عيونهم - حمص مدرج الطفولة وملعب الصبـا ( رشيد شكور )

مجلة السنونو ( العدد الرابع ) - الوطن في عيونهمLa patrie dans leurs regards  
(من الذاكرة ما يظل يحيا ويُحيي..!!)  حمص مدرج الطفولة وملعب الصبـا ( رشيد شكور )
    
    أحييكم بني وطني باسم حمص العدية، الرابضة على أطراف البادية منذ ستة آلاف سنة، إنني ابن من أبنائها، وُلد، كما وُلد أكثركم، ودرج وترعرع في أحضانها، جُبل من طينتها، وغذته تربتها، شرب من ماء عاصيها، واستنشق هواء سهولها ونسيم وعرها.
     ابن من أبنائها، كم تسمَّع لخرير المياه في دُوَيرها، وأنصت لأنين ناعورتها، وأصغى إلى زقزقة العصافير وتغريد العنادل وغِناء البلابل في مرج بين الطاحونين في ميماسها. كم فرك سنابل القمح في حقولها، وتنشق رائحة الزيزفون في بساتينها، وأستنشق عبير الزنبق وشذا البنفسج ونشر الياسمين في رياضها، وتشمم الأزهار المختلفة الألوان الساطعة الأريج في حدائقها وجنانها، وكم قطف من شقائق النعمان باقات يدغدغها بين أصابعه ويلاعبها بشفتيه. كم جلس في الجديدة على ضفاف النهر الخالد يتأمل في مائه المنساب بكل تؤدة وهدوء ويقرأ في صفحاته سطوراً خطتها أنامل القدر بحروف من لجين حاملة أخبار أسلافه، وبالطبع أسلافكم، الذين مدّنوا العالم. وكم تمدد فوق العشب في ظل الصفصاف الباكي يغني: "صفصاف يا مستحي شرشك على الميَّه"، وكم شرب من مياه نبع الصفا، وعبر الجسور الثلاثة في طريقه إلى المزرعة ـ طريق القوافل والجحافل ما بين شرق سورية وغربها داخلها وساحلها، منذ فجر التاريخ.
  كم سار في البساتين يقلِّب الحجارة في ماء الجداول والسواقي يلتقط ما بينها من السراطين وكم جلس على ضفاتها وبيده صنارة يصطاد بها صغار الأسماك. كم سار بين الكروم يرتل ويرنم ويغني أهازيج اللهو والمرح والصبا، وبين شجرات الحور ينقش أسمه على إحداها، وفي أيام الشتاء، فوق الثلوج، هازئاً بالبرد والزمهرير، وفي أيام الربيع وراء الخراف يستاقها العربان، وفي أيام الحصاد وراء الجمال حاملة الأغمار، بل كم جلس في أيام الدراس فوق النورج دائراً حول البيدر.
            ابن من أبنائها، يتلو الليلة عليكم قصة حامات صوبا، فحماة صوبا، فحميصوبا الكنعانيين والحثيين والآراميين وميزوبا المصريين، وصوبة التوراة والعبرانيين، وايميسا اليونان والرومان والبيزنطيين. بل قصة حمص العربية، بانية بابل ومؤسسة الدولة الحمورابية، عاصمة المملكة اللبنانية الأمورية، وحاضرة فينيقية اللبنانية(1) شقيقة حماة وبعلبك، هذا أن لم تكن أمهما، ومنشئة "ماري" على الفرات، "وقطنة وقادس ومريمون ثم قلعة الحصن" حولها في السهل، "وأوغاريت وجبلة وجبيل" على شاطئ البحر السوري، كلها حصون بنتها حمص لترد عنها الغزاة الفاتحين.
            ابن من أبنائها يقص الليلة عليكم حكاية مدينة الخالدَين: ابن الوليد وابن عطاء الله(2). ضريح الأول في شمالها وضريح الثاني في وسطها، مثوى الأول في رأسها ومثوى الثاني في قلبها. يمثل الواحد قوة السيف والآخر قوة المحبة والسلام. وما أحوجنا اليوم إلى القوتين: قوة السيف نرد بها عنا مطامع لمستعمرين، وقوة المحبة والوئام والاتحاد نقضي بها على اختلافاتنا الدينية ونعراتنا الإقليمية، لنقف صفاً واحداً وكتلة واحدة في معترك هذا الوجود.

(1)   لا أزال أذكر منذ صغري، وذلك لما كانت الكنيسة كل شيء لدي وكان لا يفوتني فيها قداس أو صلاة، دعاءً يتلى في اثناء القداس وهو: أحفظ يارب سيدنا مطرانا على فينيقية اللبنانية. وهذا يعني بكل وضوح أن مطران حمص كان منذ بدء التاريخ المسيحي مطران فينيقية اللبنانية. وما زال هذا الدعاء في ذاكرتي حتى وجدت في التاريخ أثناء دروسي ومطالعاتي أن سورية كانت تقسم في زمن اليونان والرومان إلى فينيقية البحرية، وتتضمن مدن سورية الساحلية، وإلى فينيقية اللبنانية وتمتد من دمشق إلى بعلبك وتدمر وتتضمن مدن سورية الداخلية ومن أمهاتها مدينة حمص. وهذا الدعاء الكنسي أعظم برهان أثري على ذلك لأنه تقليد قديم وصل إلينا من السلف دون تغيير أو تبديل ويدعى بمنطوق القيمي الكنيسة. (راجع تاريخ حمص للخوري عيسى أسعد ص 119). 
(2)   خالد بن الوليد والمطران اثناسيوس عطاالله ومعنى أثناسيوس في اليونانية خالد.
       
 
WEBMASTER : AA-ALSAAD
This Web Site Programmed and Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD ..... Copyright 2003 (C) SCOPNET  All Rights Reserved 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق