السبت، 7 نوفمبر 2015

مجلة السنونو ( العدد السادس ) - الافتتاحية ( نهاد شبوع ) - "رسالتـان"

مجلة السنونو ( العدد السادس ) - الافتتاحية ( نهاد شبوع )
"رسالتـان"
نهاد شبوع
 
          مِن الضفة إلى الضفة رسالتانِ مُتبادَلتان، النغم فيهما واحد، وإنما العزف على وترين، كلتا الرسالتين تلامسان الموضوع السنونويّ الحميم، وتسريان في عروقه.. وتصبان في قلبه سجاليْن يتنافران حيناً ليتعانقا أحياناً، يتباعدان نظرةً، ليتلاقيا تطلّعاً وهمّاً.. أمانيَ وهدفاً، الدربُ مختلفة، ولكنها إلى الطاحون آيلة..!
 
          رسالتان تقدح بهما ريشات سنونوّنا، في شوطه السادس المشتاق قبسَ افتتاحيةٍ، ربمــا لا تشبه الافتتاحيات التي ما اعتادت أسلوبَ الرسائل إبانةً وعرضاً.. تحيةً وشكراً.. توجّهاً وشرحاً...! ولا ضير.! إذ "سنونوّنا" "سنونوّكـــم" ـ بحد ذاته ـ رسالة، والرسالة ـ بصرف النظر عن كونها نصف المشاهدة وغابة اللهفات وبوح الروح والأشواق.. ـ هي، منذ تاريخها الأدبي العريق، مفتاح الخطاب ووحي السماء للغبراء.. وحوار المسافات وتصدير الأخبار والأفكار والأسرار.. استجلاء المعلومة والخبرات.. مُجمَّع الخطرات والتأملات في حقيقة متقصاة، يُجمع عليها الفرقاء معظم الأحيان.
 
          رسالتان إحداهما بريشة سنونو وحبر حنين عتيق، والثانية بريشة نسرٍ وحبر ريادة وإرادة لا تلين.!!
          كلتاهما تتجنّدان بوصلةَ لقاءٍ ووصولٍ إليهم ـ أبنائنا المنتشرين ـ، كلتاهما تبحثان عنهم مفقوداً غالياً.. وينبوعاً ساقياً، كلتاهما توسعان لهم وطناً محصّناً وحضناً دفيئاً..!
 
          ولئن بدا ـ لكم ـ أن إحداهما تصرُّ على مدّ جسور العودة لهم بطرقها الخاصة، أي من الزاوية التي تروق لقناعاتها، فلن يغيب عن أحدكم ـ مطلقاً ـ أن الثانية تنشد ـ بالطبيعة ـ مدّ الجسور ذاتها، وإنما بشروط، لعلَّ أهمها إعادة النظر والتمعُّن في أصالة مواد البناء، بحيث لا يستوي الجسر هشاً مهشماً تتكسّر عليه أولى خطى العودة، وتتعثر..! أو تتهمّش إزاءه أحلامُها لتخيب وتتبعثر، بل لعلّ أجداها أن تكون هذه الجسورُ جسورَ ثقافاتٍ تعددية ورواسخ حضارات توالديّة في الأزمنة والأمكنة، لا جسور صراعات وصدامات تنهدر عليها ـ ظلماً ـ كرامة المهاجر الإنسان، وينطمس في غبارها وهج تاريخه وإشراقات عزته وطيب أرومته..!! جسوراً عَبْرها تلتقي الذات المهاجرة بالذات الأخرى في سمفونية عطاء متبادل.. وفي عناق بشريّ متعادل مخصب، ينتج للجميع، ويغدق على الجميع سلاماً وأحلاماً.. مناً وسلوى ومسيحاً..!
          المرسل ـ من هنا ـ: "السنونو" المشوق، مجدّد نطاق الخطاب مع الابن المسافر بكل أجياله  ولغات مَهاجره..
          المرسل إليه ـ هناك ـ "كلمات": المجلة البازغة في سماء المهجر الأسترالي، منذ خمس سنوات، شمسَ ثقافة ومفهومَ هجرة جديداً، تتلاقى فيه أطراف الدنيا، تحت شعار: "الكلمة باب الإرث الحضاري والكتابة مفتاح ديمومته".
          أما أبوها وأمها فالدكتور رغيد نحاس المهاجر السوري الحديث ومتسلِّم المفتاح بجدارته وثقافته وصدقه.
          نقدمه لقرائنا الأعزاء من خلال أحاديثَ صحفية وإذاعية مع إعلاميين التقوا به أثناء زيارته وطنه الأم في العام الماضي، وفي مقدمتهم الصحفية السيدة رفيف صيداوي:
          ("لأن معياره الحقيقي هو كيف يستخدم الإنسان مزاياه بالطريقة الملائمة، توجّه الدكتور رغيد النحاس، الاختصاصي في علوم البيئة إلى أستراليا، ليمارس مؤهلاته العلمية التي نهلها من سواقي الوطن وخارج الوطن، متابعاً بحرص مواقعه المتقدمة في عدد من الجامعات والمؤسسات العامة والخاصة، رافداً ـ مع كل ذلك ـ نوازعه الأدبية حتى إذا ما توفرت له الفرص بعد تقاعده من عمله مديراً ممتازاً في إحدى المؤسسات هناك، راح يصدر مجلة "كلمات"، و كل همهِ اختراق الثقافة الغربية، إنما بغير تزمُّت أو تعصّب، ذلك أن همّ المجلة والتزامها يدور حول الاحتفاء بالجمال، سواء أكان غربياً أو عربياً وفتح باب "كلمات" للجميع.
          ويتمسّك "نحاس" بجذوره وأصالته التي تعود إلى جبل عامل، فجدّه لأمه هو الشيخ أحمد عارف الزين: مؤسس مجلة "العرفان"، وجدّه لأبيه: الحاج رضا النحاس، كان له الفضل في تأسيس مدرسة المحسنية التي تخرج منها، ومن قبله خرّجت الكثير من العلماء والمفكّرين...".. الخ.
 
          والذي سيعرّفنا اليوم أكثر فأكثر بالدكتور رغيد نحاس، هو استحقاقه (جائزة جبران خليل جبران) ـ بعد عديد من جوائز مستَحقَّة في مواقف له شبيهة:
جائزة جبران التي تتبناها (رابطة إحياء التراث في أستراليا) بهمة رئيسها الأستاذ كامل المرّ منذ عديد من الأعوام.. والتي تُكرّم بها اليوم ـ مشكورة ـ الدكتور نحاس (مكافأة لجهوده في حقول الكلمة)، على حدّ تعبير رسالة التبليغ، وإن هذا ما يدعونا نحن "رابطة أصدقاء المغتربين في حمص" أن نلتفت ثانية وثالثة ورابعة..و.. إلى حماة التراث العربي وفرسانه في هذا المهجر الوفيّ القصيّ، لنضاعف التقدير والولاء لرابطتهم ولرئيسها الأستاذ كامل المرّ، باسمنا وباسم الأوطان المفارقة، مسدين التحية والشكران من جديد، آخذين بعين الاعتبار جهادها القدسي في إحياء الكلمة في عصر متصحّر هصرت فيه أغصان الكلمات الخضراء، وأزهقت أنفاسها وأرواحها... إحياء الكلمة: (كلمة الشرق) التي أطلقها، ولا يزال يطلقها قديسُها وثائرُها الحرُّ النهضويُّ "جبران خليل جبران" مع ثلة من سدنة هياكله في المهجر، لا لينفث بها كلومَ الشرقِ المغبــون ـ في أرجاء الغرب ـ مدافعاً مذكّراً فحسب، بل ليبقى اللقاء بين الشرقِ والغربِ.. الشمال والجنوبِ لقاء حتم مؤسساً على الكلمة المعرفة.. أي "ليبقى قدموس(1) أبداً مفتشاً عن "أوروب"(2): أوروبا" على حد تعبير "أدونيس".
 
          عذراً على الاسترسال.. وعودة إلى الافتتاحية الرسالتين، ـ بعد عبور قصير لعتبتهما ـ ، وما غرضي من هذا وذاك سوى إشراع المزيد من أبواب المؤانسـة والحوار، لا بيني وبين الدكتور رغيد فحسب، بل بين مَنْ يمثّلهم كل واحد منا: من إقامة واغتراب.. نصف قلب ونصف قلب.. بدايةَ انطلاق في مشروع إغاثةِ أجنحةِ العودةِ المهيضة.. لكل سنونوّة توعّكت فيها عافيةُ العودة!! ولاْماً لنزف جراحات الفرقة والبعاد..!! 
نهاد شبوع
___________________________
(1)   تقول الأسطورة: إن زوس اليوناني خطف (أوروب) الكنعانية من الشرق.
(2)   قدموس شقيق اوروب بحث عنها هناك بلا طائل، حاملاً معه الأبجدية.. علامة تأسيس حضارات إنسانية مشتركة بين الشرق والغرب.
العتبــة:  
العزيز د. رغيد، 
. . . . . . . . وصلت "كلمات" بسلال عنبها وتفاحها ولغط عصافيرها الأسترالية... سأعود إلى القطاف من كرومها، وسيعمل غربالي الساذج على ادخار الجنى الأخصب، وكل جنى "كلمات" مما لذ وطاب وخصب، أوليس هو عصارة أشطار قلوبنا في البعاد..؟؟
          قد تقول .. هي ذي نهاد تصر على اجتذاب "كلمات" إلى حظيرة "الاغتراب" وإلى مهمة إحياء الجسور.
          أجل أن "كلمات" "سنونو" "أستراليا".. الشجي الذي يرفض الاغتراب.. وهو الأساس المتجدد الذي ترتفع عليه الجسور إلى الأحبة.. وكل بني الإنسان أحبة جمعتهم تجربة الحياة..!!.....ألخ.
نهاد شبوع
 
جواب الدكتور رغيد
سيدتي،
. . . . . . وإنما كلامك ملوك الكلام. ويروق لي كل ما تقولين، وفي هذه الحالة إنما هو يعبر عن منطلق آخر ومفهوم يختلف قليلاً، وهذا أمر طبيعي أن تكون وجهات النظر على غير تمام التوافق، هذا هو السبب الأساس لتفضيلي الحياة في مجتمع مثل الذي أنا فيه الآن: القابلية على قبول المغاير برحابة صدر، أو ما يسمى بالديمقراطية.
 
وكما بيّنت في كلامي في العدد الأخير، القضية قضية تركيز، لا يمكن إلغاء دور "الاغتراب" عن مجلة مثل "كلمات"، وليس هذا قصدي. وشبيه بذلك أن ألغي صفتي السورية كوني الآن أسترالياً. ليس هذا القصد. وإنما المقصد هو أن انطلاقة "كلمات" انطلاقة تستهدف لبّ المجتمع الغربي العام كوسيلة لاختراق ثقافته من أعلى المستويات، وعلى هذا فهي ليست مجلة "حنين إلى الوطن" لأنني أعتبر هذا تناقضاً مع أسباب وجودها، وكذلك أسباب وجودي في أستراليا. وحتى أنا شخصياً لم أفتعل الاغتراب كما افتعله غيري، وخصوصاً من السلف الذين نسميهم "مغتربين". فأنا لم أغادر لأسباب محض اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية، وإنما لمجموعة من العوامل دفعتني أن أختار المغادرة اختياراً إلى مكان يتفق مع طموحاتي الفكرية والنفسية. وبناء على ذلك لا أستطيع أن أكون هنا وأبكي على الوطن كما يفعل الجميع. فأنا لست "هيبوقراطياً". أنا هنا وأريد أن أضحك مع وطني الجديد، وأن أساعد وطني الأصيل على الابتسام الخارج من النفس وليس من الشعارات أو السطح. بعبارة أخرى، لو كنت هنا أشكو من ذلك الحنين لعدت اليوم قبل الغد. طبعاً هذا لا يعني أنني فقدت الحب، وإنما القضية شبيهة بما يحصل حين يغادر الولد بيت والديه: هل يصبح مغترباً لأنه بحث عن حياة جديدة؟
 
الغير قد يسميني "مغترباً"، والبعض قد ينعتني بكل الصفات التي جاءت معي حين ولدتني أمي. لكنني أنا شخصياً منعتق من كل ذلك، لأن صفاتي هي ما اخترته أنا وليس ما وُجدت عليه. لكن هذا لا يلغي تراثي. كل ما في الأمر أنني أركز أكثر على ما استنبطته من هذا التراث وما وجدته مناسباً لمواكبة تطوري الفكري والذهنية التقدمية التي تتمتع بها فئة غير قليلة من مثقفي العالم.
 الاغتراب والمغتربون موجودون رغماً عن أنفي. وكذلك الأديان والمتدينون، والسياسات والسياسيون. لكنني قد أختار أن لا أكون منهم. أنا لا ألغي أحداً، ولا أريد لأحد إلغائي. 
 
أنا أعتبر إصرارك على جر "كلمات" إلى حظيرة الاغتراب محبة كبيرة منك، وهذا أمر لنا الشرف فيه وبه نعتز. لكن المقومات التي نعيش فيها ضمن المجتمع الغربي تتوافق أكثر مع المفاهيم التي بينتها أعلاه. إن أهم خدمة لمد الجسور ومساعدة القضايا العادلة هي أن يعي من هم في أوطانهم الجديدة ضرورة أن يكونوا جزءاً من هذه الأوطان، لا هامشاً مشلولاً تحت شعارات الحنين الدائم إلى وطن لم يعودوا جزءاً منه.
 
يعيش معظم المهاجرين في حالة انفصام دائمة، فلا يعرفون التأقلم مع الوطن الجديد، ولا يعرفون كيف تطور وطنهم الأصلي. هم فعلاً في حالة اغتراب دائمة. ويكون بعض المثقفين في حالة اغتراب أينما حلّوا، وحتى لو كانوا في بلادهم الأصل. لكن هذا بحث آخر، بصورة عامة اعترف أن استخدام عبارة "اغترابي" هو استخدام واقعي تماماً. لكن لكل قاعدة استثناء. وأنا أعتقد أن "كلمات" هي استثناء. "كلمات" لا تشعر بالاغتراب سواء تكلمت العربية أم الإنكليزية. وهذا هو لب الموضوع.
 مع محبتي.
 رغيد
رد نهاد شبوع
العزيز د. رغيد،
          ما كان أمتع رسالتك الأخيرة على القلب والفكر والقناعـات.. وكم لذّت  وطابـت "للسنونـو" التواق إلى هكذا زاد موضوعي حر..! ترى هل سامح أنت له بها زوّادة  دسمة في شوطه السادس؟
          أعني رسالتك التي نفيت فيها عن ("كلمات") افتعال الاغتراب لا جوهر واقعه.. ببغائية شعاراته، اليوم لا سبر أعماقه.. سطحية معالجته لا ولوج صميمه..هذا المفصل الحياتي الهام في حياة الإنسان ورحلته على هذه الأرض التي تجود عليه تارة وتجحد مرات!!
          ولك كل الحق بأن تبرّئ كلمات من كل هذا  التمييع الطارئ على هذا الموضوع الهام.. وأن تصونها من هذر الكلام فيه.. ومن المتاجرة الرخيصة المسطحة به.. ومن اختلاط صادقه بزائفه.. وجمره برماده.. من غير أن تتنكّر لأهميته أو تُنكر كم عاشته البشرية وتعيشه جسداً ونفساً.. وربما ميراثاً إجباريا من أبينا آدم الذي سنّه عندما هاجر من الجنة إلى دنيا المعرفة مؤثراً الثانية على الأولى!! بدافع الهاجس النزّاع نحو ما ظنه الأحسن!! مسلماً نفسه وذريته إلى حلبة صراع أبدي مع الحياة والأرض التي باتت تنبت له الزقوم والعوسج، وبات هو ملزماً مكدوداً محكوماً عليه أن ينقّيها بعرق جبينه وكد يمينه لتنبت له الخبز الجوهري، لا الحسك والحنظل.
          أتَرى أن آدم قد سلم نفسه ـ بذلك ـ إلى الحنين والندم على المألوف، لنكون ـ نحن ورثته ـ في هذا الحنين وذاك الندم؟؟ حتى على ما قررنا أن نتركه بمحض إرادتنا؟؟!
          الموضوع عويص بعيد الأغوار، والدرب لاكتناه حقيقته متشعب طويل تبعاً لاختلاف الدوافع والظروف والآمال لدى كل إنسان، شأنه في ذلك شأن كل ما يخضع للنسبية لا للقاعدة والنظرية.
ولكن ما لنا لكل هذا وذاك؟ المهم أن نحصر الموضوع في ( "كلماتك" والاغتراب) وتجربتك الحديثة فيه، لنضع في اعتبارنا أنك هاجرت ـ إذ هاجرت ـ واعياً قرارك وطريقك وشريف قصدك وطموحك نحو الأحسن، هذا الأحسن الذي وجدته ـ فعلاً ـ في مطافك الجديد، وأردت بدافع كرم نفسك وغيرتك وتحررك أن تدلَ (وطنيك): الـ (هنا) والـ (هناك) ـ بل وربما العالم كله ـ إليه ("بكلمات") واثقاً صادقاً شفافاً طائراً بالجميع إلى الحضارة والثقافة والجمال ولقاء الذات بالآخر بطريقتك ووسائلك، التي منها، كما ذكرتَ لي، (اختراق ثقافة العالم الذي إليه سعيتَ وبه حللتَ) و(استهداف لب مفاهيمه من أعلى المستويات) ثم الإرشاد إلى المواد الصالحة لبناء الجسورـ منه وإلى الوطن الأم ـ قبل الشروع ببنائهاـ لتكون جسوراً حقة مضمونة الجدوى..
          هذه المواد التي وجدتها مثلاً في (أن يعيَ من هم في أوطانهم الجديدة ضرورة أن يكونوا جزءاً مساهماً في هذه الأوطان.. لا هامشاً مشلولاً تحت شعارات الحنين الدائم إلى وطن لم يعودوا جزءاً منه...). ولكن من غير أن ينسوا أن اسمَه يحملون، ومن بذوره المخزنة يتغذون ثم ينطلقون، ومن ينابيع ترابه و تراثه ينهلون، وبها يعترفون، ألم تقل لي في رسالتك:-
          (وكل ما في الأمر أنني أركز أكثر فأكثر على ما أستنبطه من هذا التراث.. وما وجدته مناسباً لمواكبة تطوري الفكري والذهنية التقدمية التي تتمتع بها فئة غير قليلة من مثقفي العالم..)؟.
          إذاً... وبناءً على كل هذا، ترانا ملتقين في المفاهيم، وإن اختلفنا في الانطلاق والتعبير: أنا و"سنونوي" الزاجل، وأنت و"كلماتك" التحررية، جبران و"رابطته" الثورية.. نعيمة و"غرباله" المتمرد العنيد.. نسيب عريضة و "فنونه" العريضة!! "عبد المسيح حداد" و "سائحه" الرائد.. حبيب اسطفان وجبران مسوح و"تمدّنهما" الجريء المتحدث في موضوع القرية الكونية قبل (77) سنة من اليوم..الخ..
          أجل ـ أيها العزيز ـ ترانا ملتقين كلنا في المضمار.. وإنما في نقطة خارجة عن زمن كل واحد منا.. وعن ظروفه المحيطة الجبرية..
وتبقى الغاية، وتتعرج الوسيلة، وتبقى حقيقة الاغتراب، لا ترفه المزيف، ويبقى ارتهانه التاريخي بتطور عوامله الطاردة والجاذبة.. ويبقى السفر نحو الأحسن ـ فكراً وعملاًـ مع صلابة القرار، وإن اعترضت هذا الأخيرـ بين فينة وأخرىـ وقفة غير طويلة على طلل أبوي مهجور.. تضميداً لقلب مفارق مجروح.. وتطرية لعاطفة تيبست.. ولأماً لجرح لا يزال نازفاً.. ولملمة لدموعِ غصن مفصوم نفرت عفواً من عيون شريانه رغم أنف القرار الصلب.. وثبات التصميم على المرجوّ البعيد ..!
وتبقى "كلماتك" واحتفاؤها بالإبداع والتواصل الثقافي والشمولية الحياتية ومماشاة التطور.. تبقى "كلمات" الجديدة الحرة عنوان رقي فكري مهجري، ومشروع جمالٍ وخلقٍ، تغرف من ثقافة العالم القريب والبعيد! ـ بلا تعصب لأحدهماـ لترتد على العالم العام، الذي منه هذا الوطن المسكين المغلوب على أمره، عندما فرّط، ولا يزال يفرّط بكم، رغماً أو جهلاً، كاتباً على نفسه لوعة الحنين الأبدي إليكم والتسمر الانتحاري على خشبة انتظاركم!!
                                                                                                            الحانّة أبداً نهاد  
 
 
WEBMASTER : AA-ALSAAD
This Web Site Programmed and Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD ..... Copyright 2003 (C) SCOPNET  All Rights Reserved 

مجلة السنونو ( العدد السادس ) - اوراق السنونو - عربي / انكليزي ARABIC / ENGLISH - فـي يـد جبــران

مجلة السنونو ( العدد السادس ) - اوراق السنونو
عربي / انكليزي ARABIC / ENGLISH
في يد جبران*
 رغيد النحّاس
 
أجمل التكريم يأتي من الأقران وزملاء المهنة فشكراً لهذه الالتفاتة التي أعتبرها تكريماً لكل من خط حرفاً في "كلمات" أو أسهم في ترويجها أو تمويلها. أما أنا فلم أكن سوى الوسيلة التي تشرفت بحمل هذه الكنوز النفيسة وعرضها على العالم، يدفعني إلى ذلك إيمان قوي بأن الكلمة باب الإرث الحضاري والكتابة مفتاح ديمومته.
أما هؤلاء الذين كانوا وراء هذا التكريم، فسبقونا إلى حمل تبعات العمل الصحفي في أيام أكثر صعوبة وبوسائل أقل استجابة، وعلى هذا فإن كان من يستحق أي تكريم فاسمحوا لي من ركني المتواضع أن أتوجه إلى الرعيل الأول الذي حطّت رحاله في أستراليا بخالص محبتي وتقديري.
عنوان كلمتي هذه "في يد جبران" عبارة مباشرة، ولم أتقصد التفكير بها لتلائم ما أنا بصدده هنا، بقدر ما أنها اعترتني لحظة شرعت في كتابتها. شعرت من ناحية أن يد جبران تمتد لتبارك يدي، ومن ناحية أخرى أن أموراً عديدة مما أقدمنا عليه في مشروع "كلمات" هي في يد جبران، لأن يده هي القالب الذي صُبّت فيه، ولعلنا ندور في كفه حتى يومنا سواء وعينا هذا أم لا. وأقر أنه لولا هذه المناسبة لما خطر ببالي هذا التشبيه. فما الذي نعنيه تماماً؟
حين انطلقت "كلمات" كان الهم الأكبر، بالإضافة إلى الاحتفاء بجمال الكلمة وروعة الإبداع الفكري، هو اختراق الثقافة الغربية في عقر دارها، بمعنى الولوج في موكبها والسير معها كرديف يحمل إرث حضارة خالدة يمكنها أن تسهم في إغناء فكر أستراليا، الوطن الجديد الذي اخترناه، والذي يتيح لنا في الوقت نفسه الاستفادة من الثقافات المتعددة المحيطة بنا، ما يزكي عملية التواصل بطريقة تُصان فيها كل ثقافة بحد ذاتها على الرغم من تمازجها بالثقافات الأخرى.
هذا التمازج ليس تمازجاً كيميائياً بالضرورة، بل هو أقرب إلى التمازج الفيزيائي الذي يخلط بين العناصر المختلفة في بوتقة واحدة من دون أن يفقد أحدها خواصّه المميزة.
ولعل في هذا النوع من الاتحاد فضائل تطغى على أية مزايا للوحدة الكاملة التي ستقضي حتماً على الخواص المميزة للأطراف المتواصلة، وفي أغلب الأحيان ربما تجعل خواص طرف معين هي الخواص الرابحة على حساب الآخرين.
من هنا كان حرصنا على الفصل بين إصداراتنا الإنكليزية والعربية، فعلى الرغم من إيماننا بأهمية التواصل، نحن حريصون على صيانة خصوصية كل لغة، وعلى أمانة الترجمة وعلى أن تنتقل إلى اللغة الأخرى كما قصدها كاتبها فكراً وتوجهاً ولكن بلبوس اللغة الجديدة.
ولعل طريقتنا هذه تتوافق مع منحى جبران في جمعه بين اللغتين، ومقدرته الفائقة على عدم المزج بينهما. جبران حين كتب بالعربية كانت لغته عربية أصيلة، وحين كتب بالإنكليزية كانت لغته إنكليزية أصيلة. والأهم من ذلك أصالة الفكر، وصيانة النوعية في كلا الحالين.
وفي رأينا هذا ما يميز جبران عن غيره ممن حاول الكتابة باللغتين. لكن الجميع يعلم أن أهم إنجاز لجبران كان "النبي" الذي أطلق جبران على المستوى العالمي. جبران وعى أهمية الكتابة بلغة البلد الذي اختاره موطناً آخر. وموضوع الكتاب فكرة على قدر كبير من العبقرية، ولست أدري إن كانت مقصودة (أي فكرة النبي) أم هذا ما شعر به جبران فكتب عنه. وسبب عبقرية الفكرة هو تزامنها مع حالة المجتمع الأميركي في ذلك الوقت. مجتمع لازال يتخبط بين مواريثه الدينية ومغريات الحياة الجديدة التي برزت فيها القيم المادية وبزّت غيرها من القيم. مجتمع متعطش إلى الهداية، لكنه كان بحاجة لحكمة جديدة بعد أن ملّ من تلك المواريث التي خيل له أنها تخطت تاريخ صلاحيتها.
وجاء النبي الجديد
 
سبق للمصطفى، الصفي المختار، أجمل فجر لأي نهار، أن مكث اثني عشر عاماً في مدينة أورفليس ينتظر عودة سفينته التي ستقله إلى جزيرة مولده.
وفي السنة الثانية عشرة، في اليوم السابع من أيلول، شهر الجني والحصاد، تسلق الهضبة خارج أسوار المدينة، ونظر باتجاه البحر؛ فأبصر سفينتة تأتي مع السديم...
ثم انفتح رتاج قلبه، وحلق حبوره مدى البحر. وأغمض عينيه وصلّى في كل ركن خفيّ من أركان روحه.
 
هذه ترجمتي لبداية ما جاء في المقدمة التي افتتح بها جبران نبيّه، وسأورد لاحقاً ترجمتي لمقتطفات أخرى. أتعجب لماذا اختار صديقي نويل عبد الأحد حذف المقدمة من ترجمته للنبي. واختار أيضاً حذف الخاتمة، ويقول في مقدمة ترجمته إنه تعمد الدخول في لب الموضوع من دون الزوائد والحواشي.
أشهد أن الحجج التي قدمها عبد الأحد مبرراً لقيامه بترجمته تلك، منطقية صائبة وتوضح قصور الترجمات السابقة في بعض الأمثلة التي أوردها. وأشهد أن ترجمته دقيقة، لكنني لم أشعر أنها حملتني إلى أجواء النص الأصلي، على الرغم من شهادة كثيرين أنها أفضل ترجمة لكتاب النبي.
أنا أعتبر الترجمة الأدبية عملية تشويه في أفضل حالاتها، وقد يتفاجأ البعض إن قلت إنني لا أتهافت عليها، بل أفضل صرف الوقت في الكتابة. لكنها لاشك ضرورية لنقل الأفكار والتواصل لأنها في بعض الحالات الوسيلة الوحيدة للقيام بذلك. ومن هنا كانت المسؤولية الواقعة على عاتق المترجم مسؤولية كبرى، وإن كان لا يعي تلك المسؤولية ما عليه سوى قراءة مقدمة نويل عبد الأحد ليجد أمثلة من المطبات التي وقع فيها ميخائيل نعيمة في ترجمته للنبي.
على الرغم مما نوهت به، وعلى كثرة الترجمات المختلفة للنبي أشعر أن النبي يدعوني لمواجهة هذا التحدي والقيام بترجمة جديدة. شعور ما كان ليعتريني لولا أن هذه الجائزة تحمل اسم جبران، وأريد أن أردّ له شيئاً بنقل رسالة نبيّه بالطريقة التي أتصور أنه أراد لها أن تنقل بالعربية. فالأفكار التي نقلت أكثر من مرّة، غدت معروفة، إلاّ أن الجانب الفني ظلّ مهملاً. وجبران فنان في صنعته. ولا بد من وجود ترجمة عربية تنقل لنا لوحة النبي بريشة أقرب ما تكون لما كان في يد جبران، والأهم من ذلك لغة النص الأصلي: لغة تجمع بين البلاغة والجمال. الأمانة تتطلب إنصاف جبران، حتى لو شعر البعض أنه أكبر من الإنصاف وأنه الجمال كله والبلاغة عينها.
جسّد جبران في ما أتى به على لسان نبيه ما كان يختلج في نفسه المبعثرة في أرجاء الكون فهو بذلك يروي قصة المنفيين الفكريين في كل زمان ومكان كونهم لا ينتمون إلى أي زمان ومكان. يحدّث النبي نفسه وهو ينزل الهضبة:
 
كيف لي أن أغادر بسلام، من دون أن تعتريني ذرة أسى؟ كلا، فثمة جرح سيقرح نفسي وأنا أترك هذه المدينة.
أمضيت بين أسوارها أيام عذاب طويلة، وطويلة كانت ليالي وحدتي؛ فمن يستطيع الانفلات من آلامه ووحدته من دون أسف؟
ما أكثر ما بعثرت في شوارعها من شظايا الروح، وما أكثر أبناء تَوْقي يمشون عراة بين هذه التلال، فكيف أتركهم من دون أن أكون مثقلاً بالألم؟
ليست هذه المدينة ثوباً أخلعه اليوم وأمضي، بل جلد أمزقه بذات يدي.
وهي ليست فكرة أخلعها ورائي، بل قلب حلاّهُ الجوع والعطش.
 
ليس حنين جبران إلى الوطن الأم حنيناً تقليدياً، وعلى الرغم من أنه كتب وهو بعيد عن موطن ولادته، في ما يُسمى "المهجر"، فأنا لا أعتبر أن جبران كاتب مهجري بالمعنى التقليدي. جبران كاتب عالمي. والحنين الذي نستشفه من عباراته السابقة هو حنين إلى مواقف إنسانية تتخطى الأوطان. وهو موقف إنساني يجعل من جبران مهاجراً سرمدياً نتيجة للسمو الفائق في درجة وعيه وشعوره. النبي لا يترك أورفليس لمجرد شوقه إلى الوطن الأم، بل الأسباب معقدة على درجة تعقيد ذهنية صاحبها:
 
البحر الذي يدعو إليه الأشياء كلّها يناديني، ولا بد لي من أن ألبّي.
فبقائي، على الرغم من تألق الليل بحريق ساعاته، يُجَمّدني، يُبلورني، يُقَوْلِبني...
وددت اصطحاب كل شيء هنا، ولكن كيف؟
لا يحمل الصوت لساناً أو شفتين، بل ما أكسبوه من جناحين. بهما وحده يقصد الأثير.
ووحده من دون عشّه يمخر النسر عباب الفضاء.
 
لمقدمة كتاب النبي أهمية خاصة لما فيها من دلالات حول إشكالات الهوية والانتماء، وإن كانت تلك المقدمة تنتمي بحد ذاتها إلى فكرة عالمية تتخطى حدود وطن واحد. واضح من حديث النبي استفادته من وطنه الجديد وإعجابه به لدرجة تمنيه لو استطاع أن يأخذ معه كل شيء في رحلة عودته.
ما أراد هذا المهاجر (أفضل أن أطلق عليه "الرحّالة") أصلاً أن يتقوقع في موطن ولادته، كما لم يرد التجمد في موطن هجرته. ولنلاحظ العبارات المستعملة لتوضيح الأفكار. اللسان والشفتان تخرج الصوت الذي ينطلق خافقاً عبر الأثير. الصوت نتيجةٌ، لكنه حر طليق له خواصه ومواصفاته وعوامل طيرانه بذاته. وكأن النبي يقول: تُخلق الأشياء لتصبح خلاّقة.
أعتقد أن جبران كان يحن إلى عملية تخليق دائمة. ولم يكن بالإمكان احتجازه ضمن وطن معين حتى لو كان ذلك الوطن أرض مولده. ولو عاد جبران ألف مرّة إلى حضن الأرز الشامخ لظلت روحه توّاقة للانطلاق من جديد والارتفاع نحو المقام الأعلى الذي يناسبها. ولعله كان في الظاهر رهين محبسين: لبنان وأميركا. يكر ويفر بينهما من دون قرار. ويمكن القول إنه كان أيضاً رهين تلك الصفة التي يحب العرب إطلاقها على كل من كتب في البلاد الأخرى: كاتب مهجري. أما الواقع، في رأيي، فهو أن جبران ليس بكاتب مهجري، بل هو كاتب ومفكر أينما حل وأينما ارتحل. روح جبران كانت كبيرة على الكون، تشعر بالضيق أينما حلّت، وتتوق للانعتاق حيثما ارتحلت. ولذلك جاء النبي...
 
وصرخت روحه فيهم، فقال:
يا أبناء أمي العريقة، يا من ركبتم الأمواج... لكم أبحرتم في أحلامي. والآن تُقبلون عليّ في يقظتي، وهي حلمي الأعمق.
 
لا أريد هنا أن أتعمق في فلسفة جبران التي تواكب عباراته، سوى التوقف لحظة عند عبارة ’أن يقظته هي حلمه الأعمق،‘ التي تتطابق مع ما أكدّته سابقاً من حيث كون جبران مهاجراً سرمدياً في حالته الذهنية وليس على الطريقة التقليدية. جبران لا يستطيع الاستقرار لا في الحلم ولا في اليقظة؛ حلمه بشير بيقظته، ويقظته نذير بأحلامه. وإن بدا هذا متناقضاً لأكثر الناس، فهو ليس كذلك لمن يعي أهمية إدراك شمولية الكون. وجدير بالذكر أن للأحلام أهمية خاصة في الميراث الثقافي للشعب الأبوريجني، تبدد الفروق بينها وبين الحقيقة.
بقدر ما نقرأ بين سطور جبران توقاً للانطلاق والانعتاق بقدر مانكتشف رغبتة في التعلم والتمسك والمشاركة.
 
أتأهب للرحيل، ولهفتي تنصب أشرعتها في انتظار الرياح...
 
وحين تطلب منه "ألميترا" أن يحدث أهل أورفليس قبل رحيله، نراه لا يبخل عليهم بشيء، وهذا ما يشكل فصول كتاب النبي الذي يحدثهم عن الحب والزواج والتعليم واللذة وغيرها من شؤون وشجون الحياة وصولاً إلى الموت.
 
لقد اكتشفت عظمة النبي، وجبران، متأخراً. لا تستغربوا! فليس من عادتي الانسياق مع الركب والإيمان بما يؤمن به الجميع. لكنني دفعت ثمن ذلك غالياً وهو تجاهلي لجبران مدّة أربعين سنة إلى أن حدث ما فتح عيني عليه من جديد.
منذ سنوات قليلة كنا في جلسة دورية مع بعض الأصدقاء المقربين، وكعادتنا في مثل هذه السهرات جمعنا بين العشاء والشراب والموسيقى والمزاح والنقاش في أوجه الفكر المختلفة من سياسة وأدب وفن. وجاء ذكر جبران حين طرحته السيدة روث البرازي (التي غيبها الموت منذ عامين)، وفي سياق الحديث ذكرتُ كيف أن معرفتي بكتاب النبي كانت حين قرأتُه بالعربية أوان كنت مراهقاً وأنني ما استسغت ما قرأت من الناحية الأدبية، واعترفت أن الظروف لم تسمح لي بقراءة النص الإنكليزي. وما أحببت عندها أن أقول إن الترجمة أبعدتني عن جبران لأنني لم أكن متأكداً من ذلك بعد.
كان أفضل رد يمكن أن تقوم به سيدة لبقة مفكرة هو ما قامت به روث. حين اجتمعنا في المرة التالية قدمت روث كتاب النبي (بالإنكليزية) هدية لزوجتي، وهي تعلم أنه لن يفلت من يدي شأن أي كتاب يصل منزلنا.
قرأت الكتاب كله ليلتها بنهم شديد... واكتشفت جبران بنفسي بعيداً عن مخزون شهرته الواسعة. أحببت ما قرأت وتأكدت عندها من التأثير السلبي لبعض الترجمات.
وهذا جبران يعود اليوم لينتشلني من متاهة هذا التخبط وليغفر لي عقوقي وتمردي ويبادلني نكرانه بتمييزي، وليس في الأمر أية غرابة—  تلك هي صفات الأنبياء.
 
 
*نص الكلمة التي ألقاها الدكتور رغيد النحاس، ناشر ورئيس تحرير مجلة "كلمات"، بمناسبة تسلمه جائزة جبران العالمية التي منحته إياها رابطة إحياء التراث العربي في أوستراليا، تقديراً ’لمساهماته في حقل الكلمة‘، في حفل أقيم في قاعة بلدية غرانفيل في سيدني، يوم الأحد 17/04/2005.
"إننا على يقين أن معدن البشرية واحد، وأن التشابه أكثر من التباين بين بني البشر، وأن ما تبدو البشرية عليه في تناقضها الحالي جاء نتيجة لتسخير الشعوب عبيداً من قبل الطغم الحاكمة أو الكتل المتجبرة التي لا تحيا إلا على التفرقة ولا تفهم إلا لغة القوة لتفرض ما ليس لها حق بفرضه، أو لتهيمن وما هي أهل للقيادة فإذا عزلـْنا تسييس الأمور، وجدنا أن الفروق الحضارية إنما هي ثروات إنسانية تعزز التلاقي بين البشر لا التنافر، لأن هذه الفروق هي البذور المتميزة التي إذا ما جمعت في تربة واحدة جاءت بهجين راق يحمل الصفات السامية لكل البشرية.
د. رغيد نحاس
 
 
In Gibran’s Hand*
 
Raghid Nahhas
 
The most rewarding recognition is peer recognition. I thank the Arabic Heritage League in Australia for awarding me Gibran’s International Prize for 2005. I consider this gesture a recognition of everyone who wrote a letter in Kalimat, or participated in its promotion or sponsorship. I have only been the instrument honoured by exposing these valuable treasures to the world, inspired by my strong belief that words are the gate to cultural heritage, and writing is the key to its permanence.
Those behind this award preceded us and carried the burden of journalism during more difficult times and less responsive means. If anyone deserves a prize, allow me from my humble corner to extend my warmest appreciation and love to the early Arab-Australian pioneers.
The title “In Gibran’s Hand”, is a direct expression of what I felt at the moment I started writing this speech. I did not intentionally think of it to suit what I was going to say, rather I felt that Gibran extended his hand to bless mine. I also feel that many aspects of Kalimat are moulded in Gibran’s hand, so to speak. Consciously or sub-consciously, we are still in the palm of his hand. I admit that were it not for this occasion, I might never have thought of this comparison. What do we really mean?
When Kalimat started, my major concern, in addition to celebrating the beauty of the word and the charm of intellectual creativity, was to facilitate cultural access particularly to allow Arab-Australians to work in parallel with mainstream Australia, contributing their heritage to enrich their new country, while at the same time they benefit from the diverse cultures surrounding them.
The type of access we advocate is one where each culture preserves its own values despite living in harmony with other cultures.
To borrow from the scientific field, this mix is physical rather than chemical. Several elements co-exist in the same vessel, each maintaining its primary characteristics. There are virtues in this union that overshadow any benefit from a complete unity which might lead to the supremacy of one element over the other or the production of a totally new compound that obliterates the original components.
Adhering to these principles, we have been keen on keeping the English and the Arabic issues of Kalimat separate. Despite our strong belief in access, we are keen on respecting the particularity of each language. We strive to keep our translations faithful to the original text, but make sure that they are clad with the appropriate expressions of the target language.
When Gibran wrote in English, his language was of the quality of someone born to that language. The same thing applies to his Arabic writings. In each case, what he produced was original and unique to the extent that you could be reading two different people. Perhaps this is what distinguishes Gibran from most who wrote in more than one language. Often they only succeeded in one, because when they wrote in the other they were actually thinking with the first.
“The Prophet” is Gibran’s masterpiece, and the work that made him an international writer. Gibran recognised the importance of writing in the language of his adopted country, particularly when this language was the one that reigned supreme. The idea of the book was brilliant. I am not sure whether Gibran was conscious of that or he simply wrote what he felt. The importance of “The Prophet” was that it came at a time when American society was facing major challenges related to the conflict between inherited religious values and industrial development associated with increasingly persistent materialistic values. This was a society thirsty for a new guidance, but in need of a new wisdom after believing that some of the inherited values had passed their user-by date.
And so came the new prophet:
 
Almustafa, the chosen and the beloved, who was a dawn unto his own day, had waited twelve years in the city of Orphalese for his ship that was to return to bear him back to the isle of his birth.
And on the twelfth year, on the seventh day of the month of Ielool, the month of reaping, he climbed the hill without the city walls, and looked seawards; and he beheld his ship coming with the mist.
Then the gates of his heart were flung open, and his joy flew far over the sea. And he closed his eyes and prayed in the silences of his soul.
 
This was the beginning of the Introduction to “The Prophet”. I find it strange that in his Arabic translation of The Prophet, my friend Noel Abdulahad chose to omit the introduction and the end, stating that he intentionally wanted to deal with ‘the heart of the matter ignoring the extras’.
Abdulahad showed in his introduction to his translation the flaws of some of the previous translations, including that of the great Mikhael Naimeh. I testify to the correctness and logic behind his arguments and his justification for undertaking another translation of “The Prophet”. I also testify to the accuracy of his translation, but I don’t feel that it puts me in the atmosphere of the original text, despite that many argued that his translation was the best.
I consider literary translation an act of mutilation at its best. Some might be surprised if I say that I don’t like to rush into it. I’d rather spend time writing. It is, however, necessary for conveying ideas and for access, making the responsibility of the translator a huge one.
Despite what I just mentioned, and despite the several previous translations of “The Prophet”, I feel that The Prophet is beckoning me to rise up to the challenge of a new translation. I would not have felt the same were it not that this prize is granted under Gibran’s name. I would like to return something to Gibran, by conveying the message of his prophet in what I believe would be the way he wanted it delivered. Gibran’s ideas are well known. Their artistic side, however, might have been ignored. Gibran was an artist, and it is only fair to strife for a translation that mimics as much as possible the effects of the brush that was in Gibran’s hand.
Gibran revealed through his prophet what he felt deep inside his own self; a self scattered all around the universe. He is telling us the story of the perpetual intellectual migrants in all space and time particularly that they don’t belong to any space or time. The Prophet tells himself as he descends the hill with sadness:
 
How shall I go in peace and without sorrow? Nay, not without a wound in the spirit shall I leave this city.
Long were the days of pain I have spent within its walls, and long were the nights of aloneness; and who can depart from his pain and his aloneness without regret?
Too many fragments of the spirit have I scattered in these streets, and too many are the children of my longing that walk naked among these hills, and I cannot withdraw from them without a burden and an ache.
It is not a garment I cast off this day, but a heart made sweet with hunger and with thirst.
 
Gibran’s longing for the land of his birth is not a traditional nostalgia for a homeland. Despite that he wrote in a place categorically referred to by the Arabs as al-Mahjar (The Land of Migration), I do not consider Gibran a traditional migrant simply because he chose to live in USA. His longing, as we can extract from the above phrases, is a longing for human conditions that extend beyond nations. It is an attitude that makes Gibran a perpetual migrant par excellence, due to his highly elevated level of intellect and awareness. The Prophet does not leave Orphalese simply because of his nostalgia for his original birthplace. The reasons are as complex as Gibran’s intellect:
 
The sea that calls all things unto her calls me, and I must embark.
For to stay, though the hours burn in the night, is to freeze and crystallize and be bound in a mould.
Fain would I take with me all that is here. But how shall I?
A voice cannot carry the tongue and the lips that gave it wings. Alone must it seek the ether.
And alone and without his nest shall the eagle fly across the sun.

The introduction of “The Prophet” has a special importance related to its implications about identity and belonging, even though its main theme is beyond the boundaries of one nation. It is clear from the sayings of The Prophet that he benefited from his new nation and that he admired it to the extent of wanting to take everything back with him on his return journey to his birthplace.
This “expatriate” had not originally wanted to be frozen in the country of his birthplace, and now he did not want to be frozen in his land of migration. Note the expressions used to explain his ideas. Tongue and lips produce the sound that roams the air. The sound is an outcome, but flying free, carrying its own characteristics and means of flight. It is as if The Prophet is telling us: things are created to become creators.
I personally believe that Gibran was longing for continuous creativity. It wouldn’t have been possible to restrict him within a particular nation even his birthplace. Even if Gibran returned to the lofty cedars of Lebanon one thousand times, his spirit would remain eager to fly again and reach the highest peaks. Gibran was seemingly bound by Lebanon and America, restlessly changing places between one and the other. It is possible to say that he was also bound by what the Arabs like to brand everyone who writes whilst away from the original homeland: a mahjari writer (expatriate writer). In reality, I believe, Gibran was simply a writer. His spirit was too large for this universe, feeling tightness wherever it resided, eager to fly wherever it travelled. This is why The Prophet came…
 
And his soul cried out to them, and he said:
Sons of my ancient mother, you riders of the tides,
How often have you sailed in my dreams. And now you come in my awakening, which is my deeper dream.
 
I don’t want here to go deep into Gibran’s philosophy associated with his expressions, but only to stop at the phrase ‘…my awakening, which is my deeper dream.’ which emphasises what I mentioned earlier about the perpetual nature of Gibran’s intellectual migration which makes him different from the traditional expatriate. Gibran cannot stand still, neither in dreaming nor in wakefulness. His dream is an omen of his awakening, and his awakening is an alert to his dream. This may sound contradictory to most people, but it is not to those who are aware of the integrative nature of the universe.
As much as we read in Gibran’s lines an eagerness for flight and freedom, we see a desire to learn, hold and participate.
 
Ready am I to go, and my eagerness with sails full set awaits the wind.
 
And when Almitra requests that he talk to her people before his departure, he does, and this is what constitutes the different chapters of “The Prophet” who speaks to them of love, marriage, learning, desire and many other life affairs and of death.
 
I discovered the greatness of “The Prophet”, and Gibran, rather late. Don’t be surprised! It is not my habit to go with the tide and believe what everyone else believes. This made me pay a high price, ignoring Gibran for forty years until someone opened my eyes to him.
A few years ago we were with some of our close friends one evening in one of our gatherings combining food, drinks, music, fun and various discussions of politics, science, literature and the arts. Ruth Barazi (who died two years ago) brought the subject of Gibran. I mentioned my opinion of “The Prophet” dating from when I was a teenager and that the translation I had read did not impress me. I admitted that since then I had not had a chance to read the English original.
Ruth responded in her usual polite and thoughtful manner when we met again, by presenting an English copy of “The Prophet” to my wife, knowing that it would not escape me.
I read the whole book that night and discovered Gibran. I became certain of the destructive effects of some translations.
Gibran returns today to hold my hand and pull me away from my confusion, and to forgive my ingratitude and recalcitrance. This is not surprising— this is a quality of the prophets.
 
 
 
*The speech by Dr. Raghid Nahhas on the occasion of receiving the “Gibran International Prize” for 2005, awarded to him by The Arabic Heritage League in Australia, in a celebration held at Granville Town Hall, Sydney, on 17/04/2005.
       
 
WEBMASTER : AA-ALSAAD
This Web Site Programmed and Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD ..... Copyright 2003 (C) SCOPNET  All Rights Reserved 

مجلة السنونو ( العدد السادس ) - بلاد الجدود - تدمر عروس الصحراء ( الأستاذ منير الخوري - نزيل كندا )

مجلة السنونو ( العدد السادس ) - بلاد الجدود
تدمر عروس الصحراء ( الأستاذ منير الخوري - نزيل كندا )

لمحة جغرافية وتاريخية

          تقع مدينة تدمر في وسط الصحراء السورية، وهي إلى الشرق من مدينة حمص على مسافة/160/ كيلومتراً وإلى الشمال الشرقي من دمشق إذ تبعد عنها/300/ كيلومتر وإلى الجنوب من نهر الفرات في طرف بادية الشام الشمالي. وكل ما إلى جنوبها قفر لا ماء فيه ولا نبات.
          وموقعها هذا أفادها جداً إذ جعلها محطة القوافل السائرة من العراق إلى الشام وبالعكس، إذ يضطر المسافرون أن يتحولوا عن البادية التي لو سهل اجتيازها لكانت مسافة السفر قصيرة، ولكنهم تفادياً من معاناة السير الشاقة فيها، كانوا يتجهون إلى الشمال الغربي على حدود الفرات، ثم يؤمون تدمر فيستريحون فيها، ثم ينعطفون جنوباً إلى دمشق، وبهذا أصبحت تدمر على جانب عظيم من الأهمية، ومن المؤكد أن القوافل الحاملة حاصلات اليمن والحبشة إلى العراق كانت تمر بتدمر في القرن السادس قبل الميلاد. ولقد زادت أهمية تدمر بعد سقوط مدينة بترا في أوائل القرن الثاني الميلادي، إذا انفردت حينئذٍ بارتياد القواقل لها واتسع نطاق تجارتها حتى بلغت قمة مجدها في القرن الثالث.
          ومن يدرس آثار تدمر المحفوظة فيها حتى الآن يعلم إن آل السميذع قديمو العهد في تدمر وإن الجد الأول لآل أذينة قد نشأ في القرن الثاني وعرف باسم نصور، ثم تلاه وهبلات فحيران الذي أعان سبتيموس سيفروس في حربه مع البرثيين، بإرشاده إلى الأماكن التي تهمه معرفتها وبتقديمه المؤن إلى جنوده مما جعل سيفروس الأول يرخص له بإضافة لفظة سبتيموس إلى أسمه. وتلا حيران هذا أفراد أسرته الذين لعبوا دوراً هاماً في تاريخ هذه الحقبة.
          وبدأ عطف الرومانيين على أتمه في أيام القياصرة الحمصيين الذين شملوا تدمر بالتفات خاص يكاد يضاهي التفاتهم إلى مدينة حمص منشأ هذه الأسرة...
في هذه الأثناء ظهرت كفاءة أحد أفراد أسرة السميذع وهو أذينة الأول بن حيران بــن
 
وهبلات الذي في أيامه أخذت الأبنية الفخمة تظهر في مدينة تدمر على جانبي الشوارع العريضة المبلطة بالحجارة الفخمة والتي على جانبيها رفعت الأعمدة المرمرية التي ما برحت معالمها بادية للعيان والتي اكتمل بناؤها في أيام البطلين العربيين أذينة الثاني وزوجته زنوبيا.
          وذكر المؤرخون أن أذينة الأول قتله الروم سنة 251م أثر ثورة قام بها عليهم. وكان لأذينة المذكور ابنان أكبرهما أسمه حيران وأصغرهما أسمه أذينة.
 

حيران بن أذينة الأول

          كان حيران داهية يحفظ من حوادث التاريخ في ذاكرته الشيء الكثير، لذلك طمحت نفسه لتسلم مركز والده بعد مقتله فاتبع سياسة مسالمةِ الروم والتقرب إليهم. وكانت مصلحة هؤلاء تقتضي وجود من يركن إليه في البادية الشرقية فأولوه عطفهم ونصَّبوه حاكماً لتدمر سنة 251م ومنحوه لقب أمير تدمر ورجل الندوة كما سمح له الإمبراطور غالوس أن يضيف إلى اسمه أسم سبتيموس أول القياصرة الحمصيين فعرف منذئذ باسم سبتيموس حيران. وبقي هذا عزيز الجانب مرتفع المكانة عند الرومان حتى توفي سنة 258م.
 
  أذينة الثاني
          استلم الحكم بعده أخوه أذينة. وكان هذا ذكي الفؤاد، ثبت الجنان كبير المطامح منذ صغره. وإذ كان ناقماً على الرومان لقتلهم أباه لم يرضه ما فعله أخوه الكبير، ولكنه لم يستطع عمل شيء وهو حدث. فلما أشتد ساعده هجر تدمر ولاذ بالجبال يعيش من صيده، والتف حوله رهط من شجعان البادية، إذ رأوا إمارات البطولة والآباء بادية فيه،
فكاشفهم بما قام في نفسه على الرومان فارتاحوا إلى ما ارتاحت إليه نفسه وعاهدوه على تأييده في تحقيق ما يصبو إليه.
          فلما مات أخوه حيران، عاد إلى تدمر، فلقي من قومه كل ما يزيد في أمانيه رغبة. ولم يمر به وقت طويل حتى أخذ يضرم في صدور الشعب التدمري حب الاستقلال. وخدمه الحظ إنه أبرز فكرته هذه أبان ضعف السلطة الرومانية. وممن سولت لهم نفسهم الاستيلاء على عرش روما، مكرينوس المصري حاكم الشرق الذي استأثر بحكم سوريا وأقام أبنه كياتا نائباً عنه فيها، ثم سار بجنده إلى روما ليقبض بيده الصولجان ويلبس تاج القيصرية. ولكنه ما كاد يتبطن البلاد حتى اغتاله في الليل أحد جنوده.
 
          فلما أتصل نبأ ذلك بمدن الشرق، خافوا نتيجة الانقياد له، فثاروا على ابنه كيات الذي لاذ بمدينة حمص وتحصن فيها. عندئذ سار أذينة على رأس جنده للقضاء عليه وعلى الرومانيين من اتباعه، وحاصر المدينة حصاراً شديداً  مضيقاً الخناق على من فيها، حتى أن أحد اتباع كيات اغتاله ثم رمى برأسه إلى المحاصِرين، وأعلن خضوعه لأذينة بعد أن أمر بفتح الأبواب ليدخل الجيش التدمري، وهكذا دخل أذينة المدينة ظافراً، ولكنه في ذات الوقت أشفق على العصاة من الأهلين فلم يلحق بهم ضرراً، وأقرّ القائد الذي قتل كيات على زعامة المدينة مشترطاً عليه طاعة تدمر.
          وبهذا أصبحت مدينة حمص تحكم نفسها بنفسها تحت إشراف أمير تدمر أذينة الثاني.
 
أذينة يظاهر الروم على الفرس
          لما وقعت الحرب بين الفرس والرومان وقاد واليريان جيوشه على سابور الفارسي، أحب استمالة أذينة، فانعم عليه بلقب قنصل وقدم له هدايا ثمينة. ولكن أذينة الناقم على الروم لقتلهم أباه ابى قبول موالاتهم فلم يعبء باللقب ووزع  الهدايا على مشايخ القبائل. فلما انتهت الحرب بفوز الفرس واسر واليريان، سرَّ أذينة، فارسل يهنىء سابور بفوزه، ويعرض مناصرته إياه في كل حرب تقع بينه وبين الروم. ويظهر أن الفوز أبطر سابور فرفض طلب أذينة والقى هداياه في النهر بعد أن
مزق رسالته وقال للموفدين التدمريين: إني لا أريد موالاة أميركم بل أريد خضوعه المطلق لسلطتي...
          فاستشاط أذينة غضباً وأقسم أنه لينتقمن لشرفه من ملك الفرس وليبدلنَّ فرحه ترحاً. ثم جمع رؤساء العشائر البدوية وذكَّرهم بالأضرار التي أنزلها سابور بهم واهتمامه بسلب ثروتهم وحريتهم فثارت النخوة رؤوس الزعماء وحالفوه على محاربة الفرس مهما كلف الأمر.
          لما وثق أذينة من تأييد قومه، أرسل إلى غاليان أبن واليريان يخبره أنه يبغي مطاردة الفرس وإعادة البلاد التي استولوا عليها واسترداد كرامة الروم التي عبث بها سابور باسر أبيه... فشجعه غاليان وأمر الحامية الرومانية الموجودة في تدمر بالانضمام إلى جنوده، وهكذا أصبح لدى أذينة جيش عرمرم توجه به نحو معسكر الفرس.
          ولما رأى سابور أنه أصبح بين نارين، جيش الروم من الشمال وجيش العرب من الجنوب، سار بقواته نحو الفرات تاركاً وراءه حاميات متعددة بغية صدّ القوات التدمرية، غير أن هذه الخطة لم تنجح لأن أذينة أسرع ففتك بتلك الحاميات وأفناها عن آخرها. وعرف الجيش الروماني بنجاح أذينة فأسرعت قواتهم من الرها وقطعوا الطريق على الجيش الفارسي الذي حاول اجتياز الفرات، الأمر الذي أجبر سابور أن يترك للجيش الروماني كل ما غنمه من سوريا ليفتح له الطريق. غير أن هذا العمل لم يوقف أذينة عن مطاردة الفرس، فجدَّ وراءهم، وظلَّ يسير والنصر حليفه في كل الميادين حتى أسترد كل المدن التي استولى عليها سابور في الجزيرة كما أخضع نصيبين وحاصر المدائن مرتين وأستحوذ على جانب من خزائن سابور وسبى بعض نسائه. ومع أنه أسر كثيرين من ولاة الفرس وأرسلهم إلى روما، لكن يده لم تصل إلى واليريان لإنقاذه من الأسر. 

أذينة ملك الملوك

          شعر غاليان بالموقف الهام الذي وصل إليه أذينة، فاعترف له بحق الرئاسة على كل البلاد التي دوَّخها، وسماه رئيس الجيش الملكي ومنحه لقب الغازي وكان هذا في السنة الثالثة لملكه سنة 262م.
          وتنشط أذينة بما ناله من ظفر وفخر، فوالى حملاته لتطويع العصاة، وقام بخدمات جلى
للقيصر جعلته يسميه "ملك الشرق" بل "ملك الملوك ـ إمبراطور" كما أمر بضرب نقود على أسم أذينة نقشت عليها صورته ووراءه بعض الأسرى الفرس، وهكذا دانت سوريا والجزيرة والأناضول لسطوته وقام بأعباء الملك أحسن قيام وتم ذلك عام 264م.
 

اغتيال أذينة ووليّ عهده في حمص

          عظم شأن أذينة وبلغ قمة المجد، وأظهر أهلية تامة للسيادة التي ألقيت مقاليدها إليه، إذ وجد ألفة بين جميع الفئات المنضوية تحت لوائه. ومن أمثلة ذلك إيقافه تعصب غلاة الوثنية عند  حد، وكفه اضطهادهم للنصارى حتى يوجد أمة موحدة الأهداف، وراجت الحركة التجارية في أيامه وأنشأ الأبنية الجميلة الفخمة التي تضاهي في جمالها قصور روما، فعاش الناس في بحبوحة من العيش، ومضت سنتان من تاريخ سيادته العليا خالها الناس يوماً واحداً لكثرة ما عمهم من نعمة وسعادة وبسطة اليد.
          وكان أذينة يقضي الصيف في مدينة حمص تخلصاً من حر تدمر ويعود في أيام البرد إلى تدمر. ففي صيف 266م بينما كان راقداً في صرحه في حمص اغتالته يد أثيمة، إذ وجده الحاجب في الصباح مذبوحاً فاسرع ليطلع أبنه وولي عهده هيروديس، فوجده هو أيضاً جثة لا حراك بها وقد غمست ثيابه بدمائه.
          اضطربت الأفكار في المدينة لما انتشر نبأ الفاجعة وأخذ الناس يتساءلون في أسباب هذه الجناية الفظيعة ومن هو مرتكبها!... ولكن الغطاء انكشف وعرف القاتل الحقيقي وإذا به (مهنا بن حيران أخي أذينة)... أما أسباب الجريمة فنرويها كما ذكرها المؤرخون.
          أن حيران اخا أذينة مات عن ولد أسمه مهنا وكان هذا يطمع في الحلول محل أبيه حيران في السيادة: فلما صار الأمر إلى عمه لم يكن راضياً، ولكنه لم يجد إلى م
قاومته سبيلاً يومئذ...
          وفي بعض الأيام خرج أذينة إلى الصيد وأخذ معه أبن أخيه مهنا المذكور، فأبصر هذا صيدا فرماه بسهم قبل الملك فقتله. فلم يرق ذلك عمه وعاتبه على تعجله لأن حق التقدم في الرماية للملوك. وأغضى أذينة عن ذلك لصدوره عن شاب
لم يستطع ضبط نزوة الشباب. ولكنهم بعدما اجتازوا موضع الحادثة إلى سواه رأوا صيداً أخراً فاعاد مهنا الكرة ورمى الصيد بدون مراعاة خاطر عمه. فاستاء أذينة وأمر ابن أخيه بالنزول عن جواده لكي لا يعود إلى مثلها. فلم يطق الفتى هذه الإهانة وأظهر امتعاضه بإشارة تهديد أبداها لعمه... فأمر أذينة بسجنه، ثم توسط له بعضهم فعفا عنه وأخلى سبيله.
          ولكن الشاب حفظ ذلك في دخيلته، ولما رأى سانحة تآمر مع بعض الأشقياء على اغتيال عمه وأبنه هيروديس ليخلو له المركز، لأن أولاد عمه الآخرين كانوا دون سن الرشد. وحقق هذه الفكرة بالفعل في إحدى الليالي وأغتال عمه وأبنه وقضي الأمر.
          وبرعونة فتى جموح لم يخف عاطفته المنحرفة، بل أقدم للحال على تسلم زمام الأحكام في حمص غير عابئ بامرأة عمه زنوبيا، وغير مبال بمأتم عمه وأبنه، الأمر الذي لفت إليه الأنظار أثر طواف شركائه في الجريمة ومناداتهم بمهنا خلفاً لعمه المقتول. ولكن الحمصيين ثارت ثائرتهم على القتال فتجمعوا ثم اقتحموا دار الأمارة فانزلوا مهنا عن العرش وقتلوه للحال، وهكذا هدأت الاضطرابات وعاد الهدوء إلى السكان، وهنا انطلقت يد زنوبيا، فاخذت أولادها الصغار وعرفتهم على الأهلين، وقد البستهم الأرجوان، فنادى الجمهور بابنها وهبلات ملكاً وبولديها الصغيرين حيران وتيم الله قيصرين وأقيمت زنوبيا ( أو زينب كما يسميها الأعراب ) وصية على أبنها وهبلات لأنه ما برح قاصراً وكان ذلك سنة 267م.
 

زنوبيا ملكة الشرق

          استلمت زنوبيا زمام السلطة بصفتها الوصية على أبنها، ودبرت شؤون الدولة بكل حزم وحكمة. وكانت زنوبيا جميلة الصورة، حسنة الهندام، ولكن جمالها لم يطوح بها إلى التهتك بل لزمت جانب العفاف، وقد حوت في صدرها قلباً لا يخاف الأهوال، وفي رأسها دماغاً طموحاً إلى المعالي. ومما يرويه المؤرخون إنها كانت تتقن كل اللغات التي يتكلم بها سكان تدمر وأثينا، وأضافت إلى ذلك اللغة اللاتينية، كما كانت مولعة بمطالعة كتب هوميروس وأفلاطون فتفوقت في الشعر
والفلسفة، وهذا التفوق جعل ديوانها كعبة الرواد من كل حدب وصوب. ولقد استقدمت من أثينا الفيلسوف الحمصي الأصل لونجين وجعلته مستشارها الخاص كما استقدمت من انطاكية البطريرك بولس السميساطي الذي كان يغشى منزلها ساعة يشاء. وكانت هيئة حكومتها أشبه بحكومة ملوك روما، ومما امتازت به الفروسية إذ أنها كانت من أقدر الناس على ضبط شكيمة الخيل، فكانت تعتلي صهوة جوادها وتحسر عن ساعديها وتعلو رأسها خوذة وتخطب في جنودها بصوت رنان كان له أعظم وقع في النفوس.
          بهذه المواهب امتلكت زنوبيا قلوب رعيتها، فاصبحوا رهن إشارتها، يفدونها بكل غال ورخيص وعزيز، إذ ما استنفرتهم لأمر إلا ونفروا إليه خفاقاً وثقالا ولا أوفدتهم إلى خطب إلا وكانوا أسبق من جيادهم إليه.
          لما تأكدت زنوبيا من مكانتها في قومها،  استيقظ في نفسها طموحها إلى المجد وشعرت أن الاكتفاء بضبط زمام الأحكام وتدمر وما جاورها إنما هو قعود لا يرضاه ذوو النفوس الكبيرة، الطامحون إلى التفرد بالعظمة، لا سيما وأن الاضطراب كان قد استحكم في الإمبراطورية الرومانية، إذ أخذ الزعماء يستقلون في مقاطعاتهم وليس بينهم من هو بكفاءتها للحكم والسيادة، ويظهر أن لونجين الفيلسوف شجعها وغذّى هذه الفكرة في دماغها، ففكرت في تجهيز حملة تنيلها ما أملت وقررت أن تشن حملتها الأولى على أقليم بتينا "الشمال الشرقي من الأناضول حالياً" وعينت لقيادة الجيش البطل العربي التدمري المدرب زبداي.
          صادفت هذه الحملة نجاحاً باهراً أثناء زحفها في أنحاء الأناضول وبالرغم من المقاومة العنيفة التي ابداها الجيش الروماني المحاصر بتينا والجيش العظيم الذي أرسله القيصر غاليان لمساعدة المحاصرين، فقد أسرعت زنوبيا لملاقاة هذا الجيش على رأس جنودها وعسكرت في شمال سوريا حيث دارت رحى المعركة الفاصلة بين الجيشين وكانت النصرة أخيراً لجيش زنوبيا. كما قتل في تلك المعركة هراكيان قائد جيش الرومان وحدث ذلك في سنة 268م.
زنوبيا تستولي على مصر
          في أواخر عام 269م عولت زينب على فتح مصر، فجهزت جيشاً مؤلفاً من 70 ألف مقاتل بقيادة زبداي قائدها الأول. زحفت هذه الحملة على مصر واستولت على المناطق الشمالية. وهنا دب الهلع في قلب قيصر روما فأرسل للحال من قبله قائداً مدرباً يدعى بروبس، ونزل هذا القائد في مصر السفلى وضم إلى صفوفه المتطوعين من المصريين وهاجم الجيش التدمري عند منف، ولكن النتيجة لم تكن كما يريد إذ تحطم جيشه ووقع بروبس نفسه أسيراً في يد التدمريين فصعب عليه الأمر جداً ومات منتحراً.
         
          وباستيلاء زنوبيا على مصر أصبحت حدود مملكتها ممتدة في الشمال إلى أقاصي أسيا الصغرى ومن الشرق إلى الفرات ومن الجنوب إلى ساحل النيل ومن الغرب إلى البحر الأبيض المتوسط. بعد هذا الانتصار، التفتت زنوبيا إلى تزيين عاصمتها حتى جعلتها مشابهة لأعظم العواصم بما أضافته إليها من الأبنية الفخمة والحصون المدهشة.
 

زنوبيا واورليان

          وكانت روما وقتئذ تتخبط في الاضطرابات والانقلابات إذ توالى على عرشها غاليان ثم كلود الثاني، فلم يتمكن أحدهما من ضبط زمام الحكم حتى قيض لروما اورليان الذي نادى به الجيش امبرطوراً  سنة 270م وهو الذي حينما تسلم السدة أخذ يهتم برتق الفتوق في الدولة، فرد القوط إلى ما وراء الطونة وحارب القبائل الجرمانية فانتصر عليها، ثم حصن روما بأسوار منيعة ليعصمها من هجمات البرابرة. واستغرقت هذه الأعمال منه مدى سنتين، وكانت زنوبيا أثناء ذلك تسرح وتمرح غير حاسبة للدهر حساباً فلقبت أبنها اوغسطس وأزالت أسم القيصر عن النقود التي سكتها... وكان وقع هذا النبأ على اورليان شديداً جداً وأخذ منذئذ يستعد لكسر شوكة التدامرة.. أرسل اورليان أولاً إلى مصر حملة عسكرية عظيمة تمكنت في نتيجة المعارك من الانتصار على التدمريين فأجلتهم عن مصر بالقوة...
          وكانت معركة مصر بداية أفول نجم زنوبيا ملكة تدمر العظيمة. إذ أن اورليان جهز جيشاً عظيماً قادة بنفسه فاستولى على بتينا ثم تابع
سيره إلى أنقرة حيث تمكن من الاستيلاء عليها بعد قهره القوة التدمرية المعسكرة هناك، ثم أتجه إلى انطاكية حيث كانت زنوبيا قد أعدت قوة عظيمة لصد الجيش الروماني عن التقدم، وفي تلك المعركة الضارية فاز لأول وهلة فرسان زنوبيا على خيالة الرومان، ولكن مشاة الرومان كانوا أكثر عدداً من مشاة التدامرة فتمكنوا من زحزحتهم عن أماكنهم فاضطرت زنوبيا إلى التراجع حتى قنسرين ثم إلى حمص، حيث تمكنت من تجميع سبعين ألف مقاتل فاقامتهم وراء معاقل وحصون تقيهم سهام الأعداء واتخذت في ذات الوقت السهل الفسيح ميداناً للمعركة المقبلة.
          ولما نشبت المعركة، أبلى فيها العرب والأرمن الذين كانوا في جيش زنوبيا بلاءً حسناً وأوقعوا في الجيش الروماني خسائر جسيمة دون أن يصل أحد الطرفين إلى نتيجة تذكر.
          ثم عقدت زنوبيا مجلس مشورة مع أركان حربها فقرروا الرجوع إلى تدمر لتصورهم أن الجيش الروماني يتعذر عليه اجتياز البادية والتعرض لمهاجمة البدو الرحل على الطريق.
          ولكن اورليان، أمر جيشه بمتابعة الزحف إلى تدمر عاصمة زنوبيا المحصنة جداً والمحاطة بأسوار تجعل اقتحامها من أصعب الأعمال وأشقها.
          لم يكن أمام اورليان سوى أمرين: افتتاح المدينة عنوة، أو التضييق عليها ليستسلم أهلها بسبب الجوع. ولما لم تنجح الوسيلة الأولى، لاذ اورليان بالثانية وهكذا بعد فترة غير قصيرة وقعت المدينة في ضنك وضيق شديدين لنفاذ الأقوات منها. عندئذ لم تر زنوبيا أفضل من الفرار خلسة إلى بلاد الفرس واثارتهم على الرومان لرفع الحصار عن المدينة، فاعتلت متن جوادها وخرجت من تدمر متجهة نحو العراق، غير أن فرسان الرومان تأثروها وأدركوها عند نهر الفرات فقبضوا عليها وعادوا بها إلى اورليان .
          وبلغ الخبر المحاصرين فأوقع البلبال في صفوفهم وتمكن حينئذ اورليان من الاستيلاء على المدينة بعد معركة قصيرة، ولم ينتقم من الأهلين بل استولى على كنوز تدمر الثمينة.

نهاية زنوبيا

          عقد اورليان مجلساً لمحاكمة العصاة، فلما أحضرت زنوبيا بين يديه وسألها عن سبب تمردها أجابته برباطة جأش: " لم يكن غاليان أهلاً للإمبراطورية فاحتقرته، وأنفت من طاعة من خلفه، وأما أنت فقد أظهرت بعملك أنك حرىّ بأن تسود، فلا استنكف الآن عن طاعتك".
          بعد هذا حكم اورليان بإعدام مستشارها لونجين الفيلسوف ووزرائها. ومما يذكره المؤرخون، أن زنوبيا طلبت العفو عن لونجين، فأبى القيصر، فرجته أن تقتل هي عوضاً عنه فرفض رجاءها...
          ولقد سيقت زنوبيا إلى روما سنة 273م وهي مكبلة بقيود ذهبية حيث دخلتها وهي تسير أمام مركبة اورليان.
          أما تدمر فبعد أن بارحها اورليان مع جيشه ووصوله إلى الأناضول فقد ثار أهلوها وقتلوا الحامية الرومانية وأقاموا عليهم ملكاً انطيوخوس بن حيران أخي أذينة، فعاد إليهم اورليان وفتك بهم فتكاً ذريعاً ودك حصون وأسوار المدينة التي لم تقم لها بعد ذلك قائمة.
          ومما يذكر عن زنوبيا أن اورليان أحسن معاملتها وأسكنها مع أولادها في قصر جميل جداً في تيفولي التي تبعد عشرين ميلاً عن العاصمة، عاشت فيه مع أولادها حتى وافاها الأجل.
          وكلمة أخيرة لابد منها وهي أن من يزور تدمر ويشاهد الآثار الجميلة الرائعة المتبقية فيها حتى الآن يعرف تمام المعرفة ما قدمه أذينة وزنوبيا خلال 15 عاماً فقط من أعمال عمرانية رائعة وشوارع فسيحة مبلطة تنافس أرقى الأبنية وأجملها في روما وأثينا وما حققاه شعبيهما العربي من حضارة ورقي ومعرفة.
 
 
         
إذا كان كلامنا العربي لا يحدث تغييراً ولا يسقط سلطة، فإنه يدخل إلى قلوب الكثيرين من الذين يقدّرون واقع الكلمة النابعة من الضمير والمعبرة عن قضايا إنسانية ما زالت تشغل البعض في هذا العالم.
                                    بطرس عنداري

Palmyre: joyau du désert Syrien
 Muneer Al-Khuri
Il s’agit ici de l’histoire de Palmyre à l’apogée de sa gloire sous le règne du roi arabe Odheyna II et de sa femme la célèbre reine Zénobie au II le siècle.
            Odheyna cherchait à s’émanciper de la domination de l’empire romain décadant. Il trouva le moment propice à l’occasion de la défaite totale de l’armée romaine devant l’armée perse conduite par Chahpur ler qui fit prisonnier l’empereur Valérien. Le roi arabe proposa l’alliance au roi de Perse qui repoussa ce geste avec mépris et exigea la soumission du roi Odheyna. Celui-ci se rallia plutôt à Rome qui se relevait de sa défaite sous la conduite du nouvel empereur Gallien, fils de Valérien. Les Perses furent mis en déroute par les armées
romaine et arabe. Le roi arabe qui contrôlait alors toute la Syrie, l’Anatolie et la Péninsule Arabique, bénificiait de deux titres: “Roi de l’Est” et “Roi des Rois.”
            Le roi Odheyna fut assassiné par son neveu en 266 A.D.. La reine Zénobie lui succéda au trône comme tutrice de son fils mineur Wahbalat. Elle profita de l’état cahotique qui prévalait dans l’empire romain et lanca une attaque contre le nord-est de l’Anatolie qu’elle occupa en 268 puis envoya une armée forte de 70,000 hommes vers la fin de 269 pour conquérir l’Egypte. Le règne de Zénobie s’étendait à cette époque des fins fonds de l’Asie Mineure au nord, jusqu’à l’Euphrate à l’est, aux bords du Nil au sud et la Méditerranée à l’ouest. Mais la trêve ne fut pas longue. Aurélien, le nouvel empereur romain, cherchait à refaire l’unité de son empire, chose qu’il ne pouvait faire sans la conquête du royaume de Palmyre. Après des combats serrés et harcelants, Aurélien assiégea Palmyre et captura Zénobie qui cherchait à s’enfuir vers la Perse pour soulever son roi contre Rome. Zénobie, dont la défaite reste le principal titre de gloire d’Aurélien, fut conduite à Rome en 273 A.D.

“Palmyra: the Jewel of the Syrian Desert
Muneer Al-Khuri
The article narrates the history of the city-state of Palmyra under the reign of the Arab king, Uthaina II, and his wife, Queen Zenobia during the third century A.D.. It tells how Uthaina II built a strong army and sought independence from the weakening Roman Empire; then he supported the Romans in their war against the Persians when the latter wanted to subdue the people of Palmyra. The Persians were conquered as a result, and the Roman Emperor gave Uthaina – who now controlled all of Syria, Anatolia, and the Arab Peninsula – the two titles of “King of the East” and “King of Kings.”
            When king Uthaina and his eldest son and heir to the throne, Prince Herod, were assassinated by
Uthaina’s nephew in the city of Homs in 266A.D., Queen Zenobia took over the government as guardian of the young king, her son Wahbalat. She proved to be a very strong sovereign who took advantage of the chaotic conditions in the Roman Empire and launched an attack against the region of Buthaina, northeast of Anatolia in 268A.D.. Having conquered that region, Zenobia sent an army of 70,000 men to conquer Egypt towards the end of the year 269A.D.. Queen Zenobia’s kingdom now stretched from the remotest parts of Asia Minor in the north, to the Euphrates river in  the east, to the coast of the Nile in the south, and to the Mediterranean in the west. However, the Queen, who was now busy beautifying the city of Palmyra, was unable to enjoy the taste of victory for a long time. The new strong Caesar, Oralian, managed to regain all the territory he had lost to Palmyra and conquered the city itself taking Zenobia captive to Rome in 273A.D.

       
 
WEBMASTER : AA-ALSAAD
This Web Site Programmed and Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD ..... Copyright 2003 (C) SCOPNET  All Rights Reserved