الثلاثاء، 3 نوفمبر 2015

مجلة السنونو ( العدد الرابع ) - ملحق العدد الرابع - غابو

مجلة السنونو ( العدد الرابع ) -      ملحق العدد الرابع      
غابو
لا ينظرونَ وراءهمْ  ليودِّعوا منفى ,
فان أمامهم منفى , لقد ألِفُوا الطريق
 الدائريَّ , فلا أمامَ ولا وراء , ولا
شمالَ ولا جنوبَ . " يهاجرون " من
السياج إلى الحديقة . يتركون وصيَّة
في كل ِمْترٍ من ِفناء البيت :
 " لا تتذكَّروا من بعدنا إلا الحياة "
                             محمود درويش
================================
-  هؤلاء الذين كانوا يزرعون كل يوم في حقول الإنسان مقيماً ومغترباً، والتي منها حقول مؤسساتهم، غرسة أمل تمرع شجراً وارفاً يتأصل شيئاً فشيئاً جذوراً ثابتة وفروعاً في السماء ويشعلون في فضاءاتها نجم شروق يبزغ هداية وبشائر فجر وميلاد:
 

- عماد رابطة أصدقاء المغتربين الأعز: الدكتور وجيه كبا الذي لاقى وجه ربه في أميركا الشمالية.

- رئيس جمعية العاديات في حمص وعضو رابطة أصدقاء المغتربين الفعّال ومستشارها القانوني الأستاذ المحامي عزت ضاحي الذي أرسى أكثر من حجر أساس في جسور عودتهم باستشاراته وأبحاثه وإيغاله في تاريخ جذورهم وذاكرة حضاراتهم، في صفحة الرابطة سابقاً في جريدة حمص.
 
- المغترب أديب ختن مؤسس جمعية (الإخاء الحمصي) في بروكلين ورئيسها والفعالية التاريخية في تواصل الوطن بالمهجر ورفد الأول بكرم الثاني وبالتفاتاته البنوية الوفية.
ـ  ولد في حمص عام 1911 .
ـ هاجر إلى أمريكا الشمالية عام 1934 حاملاً هموم الوطن شؤوناً وشجوناً.
ـ عاد إليه بأثقال أشواقه عام 1985 حاملاً إليه من نشاط (الإخاء) مبلغاً، تم به بناء الطابق الثاني للمدرسة الغسانية ـ حي المحطة الذي تزين مدخله بلوحة رخامية تذكارية نقش عليها اسمان من الأحياء الباقين من الجمعية ـ يومهاـ وهما: أديب سليم ختن واسكندر أورفلي.
 
          فعاليات.. كم علينا أن نعطش إليهم، وكم علينا أن نغصَّ بلقم أشواك فراقهم الأبدي.. وما من حيلة سوى قطاف ورود الذكرى من حقول عطاءاتهم الخصيبة ونثرها فوق قبورهم القريبة البعيدة مترعة بأسفنا ودمعنا وأشواقنا...
(السنونـو)
 
زفات الغياب...
 
 
1- (نبكي أشواقنا وأشواقه)....
 
        بالكاد رحنا نصدّق موته ـ وكم من أحايينَ سوداءَ نرفض فيها الصدق، نُشيح عنه، ونخشاه، ونعشق الكذب مُفسحين له في النفسِ مكاناً أغلى...
          نهرب.. مهرولين.. وأنى الهرب؟ والأرجل كسيحة.. والأنفاس لاهثة هلعة.. والحقيقة الذابحة بالمرصاد..‍‍
          كأنه باتَ لزاماً علينا ـ نحن المقيمين المشوقين ـ أن يصعقنا، بين الفينة والفينة، خبرٌ ـ كهذا ـ يعقد لساننا.. ويشلّ أيماننا.. ويغتال ما تـنسجه أحلامنا وأعمارنا من نسيمات لقاء بأحباب لنا سافروا خلف البحـار، و ما كنا نحسب يوم ودعناهم أن فراقهم سيكون أبدياً إلى هذا الحد..‍‍‍‍!!
          إنها الغربة.. وكم أكلتْ من لحومنا وحياتنا وأعمارنا.. وكم لاكتْ من مزقِ قلوبنا الموزعة على بلاد الجغرافيا.. وكم دثّرتْ بترابها الغريب البعيد جسوم أحباب لنا.. وكم رشقْنا على قبورهم ـ هناك ـ أزاهير آمالنا المصوّحة و نجيع أشواقنا المذبوحة.. لننتهي إلى حفر قبور لهم في العيون والمهج ـ وقد عزّ عليهم قبرٌ هنا ـ عساهم يظلون منا على قاب قوسين أو أدنى.. بلا سفر أو فراق..!!
          بغصص الدموع والذكرى نُذعن.. ونترحّم على الغالي الذي دخل غربته الأبدية واقفاً كالشجر.. وعلى حين غرةٍ..!، أَوْ فلنقل، الذي دخل غربته الأبدية في غمرة سذاجتي الواهمة بأن الدكتور وجيه كبا العائد أبداً إلى الوطن الحضن.. المحب جداً.. القريب جداً.. الوفي جداً.. لا يمكن أن يموت.. وأن أياً من أمثاله ممن لهم مع الإنسانية هذا التاريخ المعطر العتيق مع القيم.. والوفاء.. والحب.. والطيب..والحكمة.. والعطاء.. و.. لا يمكن أن يموتوا ..!!
          ولكن هيهات! ففي هذه المرة المريرة يرحل وجيه كبا بعيداً.. بعيداً بلا جواز سفر أو حقيبة.. بلا بشارة رجاء معتادة بعودة قريبة، تُعدُّ لها "رابطة أصدقاء المغتربين" العدّة.. وتخطّط ـ في انتظارها ـ خريطة الأفراح..!! ومواسم المنى والـ (مرحبا) !! 
          نأسى .. نبكي.. نبكي أشواقنا وأشواقكم.. نبكي أشواقه إلى الحضن الأم.. والوطن الأهل والحياة الأمل.. نستعيض باستمرارية جذوعه وفروعه.. .متوجهين إلى آل كبا وكل أحباء وجيه في الوطن والمهجر.. بعروق البلسم.. وطيب الذكر..
 
 نهاد شبوع/ عن رابطة أصدقاء المغتربين
 
2- (ترحل ومعك حلمك)...
 
هم مغتربون زوار لوطنهم الأم... يمكثون حيناً ثم يرجعون إلى البلاد التي احتضنتهم.
يرحلون إلى الغيب... هناك وراء المسافات لهم موطن آخر فيه الكثير من ذكرياتهم وأحلامهم وأملاكهم وامتدادهم...
            من منا ليس له أقرباء في المغترب؟.. من منا لم يودع أعزاء راحلين إلى بلاد بعيدة؟...
            من منا ليس له أو لمحيطيه أغصان متفرعة في الأقاصـي؟... تنمـــو ...  وتكبــر.. وتموت!...
            لطالما أبعدنا عن أذهاننا فكرة الرحيل... لرحيلهم النهائي...
            عندما يُكْسَرُ حاجز الغربة... وتغدو تلك الأرض النائية أرضهم الفعلية ونظل نحن هنا مع الحاجزين: حاجز الغربة وحاجز الموت... تائهين حائرين...
            الموت في الاغتراب: ... ذلك الوحش الأكبر... الذي يفترس الأحلام الهاربة من أصحابها...
            الموت في الاغتراب... ما أقساه... وما أضعفنا أن ندرك معناه ومفهومه وحقيقته!...
            الموت في الاغتراب... هذه المرة افترس أقرب أقربائي: عمي الحبيب... عمي هذا هجر الوطن لكن الوطن لم يهجره... لقد ظل حنينه العاصف إلى أرض الجدود يحمله إلينا كل صيف...
            وكأن قلبه لم يكن يخفق بسلام وسعادة إلا في ربوع هذه الأرض وبين حناياها...
            كان دوماً يوقد نيران شوقنا بحكاياته عن الأيام الغوابر... أيام الصبا والشباب وحارات المدينة القديمة وأزقتها...
            صحيح أنه كان يمكث في جوارنا مدة قصيرة... يعود بعدها إلى مقره الدائم هناك... لكننا كنا ننتظره ونتوق إلى قصصه وحكاياه وإلى مجلسه الأنيس...
            الآن يرحل وترحل معه كل الذكريات العاطرة... يرحل ومعه حلمه أن يجمع العائلة بأكملها إلى طاولة واحدة وفي مجلس واحد...
            دائماً نرحل وفي جبعتنا أحلام لم تتحقق... مواعيد لم تعطَ... ساعات لم تأزف... كلمات لم نتلفظ بها... ووجوه لم نبسم لها...
            دائماً نرحل وتبقى الأسئلة...
            ترى هل أي ترابٍ يطوينا يكون هو الوطن الفعلي؟!...
            من منا سيجرؤ على الإجابة؟... أو حتى على التفكير في الإجابة؟...
            النهايات دوماً تكون حزينة... وتمنعنا عن التفكير...
            لكن هلاّ فكرنا قليلاً بمعنى وجودنا... وإلى أين نؤول؟!...
            بعيداً عن طعم المرارة في الحلوق والأفواه سنظل نصرخ صامتين: يا أيتها الأرض الأخرى : "أحبينا قليلاً...
            نحن طالبو علم ومعرفة وحضارة... نحن روّاد نور... نحن بذار حماس ولهب تلفح الآفاق وتنمو أشجار باسقة"...
            عمي... إذ أذكرك اليوم... أحرص أن أقول لك أن جسدك هناك... لكن روحك طافيةٌ هنا... في موطنها الحقيقي... في أرضها الأم...
                                                                                               ابنة أخيك ريم
 
3- (وداعاً أبو فرحــان)...
 
          تكررت أمثال هذه الوداعات في الأعوام الأخيرة، وتكررت الذكريات، وطغت الأحزان ولكن: هكذا الحياة: أنت ظل للبقاء/ وهو نور وسناء/ وبين هذا وذاك، وبرغم التكرار، فالإنسان لايكف عن الحزن أن تحل/ الفاجعة/ والمأساة إنه يراها دوماً كذلك، وهي على الصعيد الفردي وربما الجمعي أيضاً، توحي بهذا، غير إنها تظلل الحقيقة الأزلية والطبيعية التي علينا، برغم كل شيء، أن نتقبلها كالحقيقة المطلقة وإحدى أشكال وجود المادة وتجلياتها وتحولاتها، ولا نستطيع أن نقابلها إلا بالقبول ـ على مضض ـ وبالرضى والصبر أيضاً.
ذهب ـ إذن ـ أبو فرحان، بعد معاناة طويلة وقاسية، قدر لي ـ لحظتها ـ أن أكون على قرب خطوات من سرير مرضه، حيث كنت أعوده في المشفى شبه يومي، وبحكم عملي هناك أيضاً ـ لأستفسر عن أحواله، وألقي نظرة على وجهه الهادئ، والوقور الذي لم يستطع المرض أن ينال منهما، فظل يشع الحضور الجميل والوقار المعهود.
          تعرفت الرجل ـ رحمه الله ـ منذ أعوام كما عرفته مدينة حمص رجل قانون عارف ودمث وصادق في علاقاته مع الناس، وما أكثر مشاكلهم وأعقد دروب حلها بشكل عادل وأمين!
          وأكثر ما أكبرت فيه، كما أكبرت في صديقي وزميلي الراحل/ أبو أشرف/ ـ المرحوم  د.سامي سحلول، وهو الرئيس الأول لجمعية العاديات وأبو فرحان الرئيس الثاني ـ أقول ما أكبرت فيه بل فيهما معاً، بالمشاركة طبعاً مع نخبة من مثقفي حمص المهتمين بأمور الحفاظ على الآثار /العاديات/ والتراث الحضاري لهذا الوطن العظيم، وهو العمل الجاد والدؤوب والمخلص، ليس فقط في إجراءات الحصول على الترخيص اللازم والمعقد الذي طال لسنوات عديدة، وإنما أيضاً تلك الروح الطيبة في تعاملهم مع زملائهم بعامة وبأعضاء مجلس الإدارة ـ وكنت منهم ـ بخاصة، وبعدم التصلب والتعالي وإنما الإصغاء والمحاورة الهادفة لتقديم الأفضل إلى الجمعية وإلى أعضائها أيضاً ومن أجل المدينة والوطن. أرتحل عنا ـ إذن ـ الصديق المرحوم المحامي الأستاذ عزت ضاحي، تاركاً وراءه سمعة طيبة وذكرى عطرة بين أوساط أهله وأصدقائه ومعارفه الكثيرين وبخاصة بين أوساط/ جمعية العاديات/ في حمص وفي المقر الأم بحلب وغيرهما من جمعيات العاديات المنتشرة بالقطر، وبالطبع بين زملاء مهنته أيضاً ومحبيه.
          وداعاً يا /أبو فرحان/ ـ ونحن شركاء في حمل هذه الكنية ـ ومن يدري متى نتبعك على الطريق.... وأحر التعازي إلى جميع الأهل والأصدقاء، تعازي/ حارة/ صادقة من صديق أحبك وأحترمك ولا يزال.... وداعاً.
 
د. شاكر مطلق

     


WEBMASTER : AA-ALSAAD
This Web Site Programmed and Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD ..... Copyright 2003 (C) SCOPNET  All Rights Reserved 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق