مجلة السنونو (
العدد الرابع ) -
كبار أنجبتهم حمص
|
|||
العلامــة الخـوري عيســى أسعـــد ( منير الخوري )
|
|||
صعب على المرء الابتعاد عن المبالغة والمباهاة
حينما يتحدث عن شخص أحبه وعاش في ظلاله، وأقتبس من علمه وأخلاقه، وتنشق عبير
المعرفة من أنفاسه، ومنه وعلى يديه تعمق في دراسة العلوم والآداب والمعرفة ومحبة
الوطن العربي الكبير وأمته العربية!...
وهل يتسنى لي الحديث بصدق واخلاص،
وأنا الابن الوفي المحب لعلامة حمص الكبير المرحوم الخوري عيسى أسعد، وأن أكتب عنه
ما قد يدخل الشك في قلوب مطالعي هذا المقال ويتمثلون بالقول المأثور : " كل فتاة
بأبيها معجبة".. ولكنني؛ وبعد أن ألح عليَّ الصديق الكريم الأستاذ رضا منصور(1)،
أرى لزاماً عليَّ أن أخط بقلمي نبذة عن سيرة الولد الحبيب، لم أكتبها بنفسي بل رأيت
نقل أكثرها مما دونته في بعض مؤلفات، أفلام عدد من أثمة العلم والأدب من معاصريه،
كالشيخ مصطفى الغلايني، الأب ماري انستاس الكرملي، الشيخ طاهر الأتاسي، الدكتور
يوسف أسعد داغر، الأستاذ أدهم الجندي والأستاذ جرجي نقولا باز، وإنني لادونها
بإيجاز في ما يلي:
ولد الخوري عيسى أسعد في مدينة حمص سنة
1878 من أسرة عربية غسانية، تولت حكم وادي النصارى ( وادي النضارة حالياً) مدة
ثلاثة قرون، وتلقي علومه الابتدائية في المدرسة الأرثوذكسية في حمص ثم أخذ يدرس على
نفسه وعلى بعض علماء المدينة أبواب العلوم المختلفة وقواعد اللغة، وتعلم اللغات
اليونانية والعبرانية والسريانية، ثم تعمق في دراسة اللغة العربية وقواعدها
وآدابها، وحفظ القرآن الكريم إضافة إلى حفظه الكتاب المقدس، فأصبح مرجعاً علمياً
يمد به ويؤخذ برأيه في الكثير من شوارد اللغة العربية واوابدها.
في عام 1904 تزوج من الآنسة أسماء اسبر أورفلي
ورزق منها بنون وبنات هم: سعدالله، فضل الله، ماري، اولغا، منير – كاتب هذا المقال
وكمال.
في عام 1905 سيم كاهناً للطائفة الأرثوذكسية في
حمص.
في سنة 1908 بنيت الكلية الأرثوذكسية في حمص وتولى
فيها تدريس ما دتي التاريخ والآداب العربية وفلسفة الدين المسيحي.
في عام 1911 ساهم بتحرير جريدة حمص، ثم تولى
رئاسة تحريرها من سنة 1920 حتى نهاية عام 1931.
كان الخوري عيسى أسعد عربياً مؤمناً
بقوميته العربية، وينشد استقلال وطنه العربي عن الدولة العثمانية ولذلك اشترك في
عدة جمعيات سرية، ولما ألقى القبض على صديقيه الحبيبين الشيخ عبد الحميد الزهراوي
ورفيق رزق سلوم واعدمهما جمال باشا السفاح شنقاً بدمشق عام 1916 تبادر إلى الأذهان
أن مصير الخوري عيسى أصبح بين يدي القدر، ولكن العناية الآلهية شاءت أن تشمله
بعنايتها إذ لم يتمكن الأتراك من العثور عليه، لأن أحد كبار المسؤولين العرب من
الموظفين تمكن من إخفائه عن الأنظار فترة طويلة، وظن الناس وقتئذ ولا سيما
المغتربون منهم في البرازيل بأن الأتراك علقوا الخوري عيسى على المشنقة، فأقيمت
هنالك الحفلات التأبينية ورثاه الخطباء والشعراء، واذكر على سبيل الذكرى بعض أبيات
من قصيدة ألقاها الأديب الكبير جورج أطلس جاء فيها:
شلت يمين أيادي الترك يا عيسى
ونكس الله أهل البغي تنكيسـا
وبتاريخ 23/12/1949 أقيمت له حفلة
تأنيبية كبرى في دار الكتب الوطنية بحمص، تكلم فيها عدد من رجال الفكر والسياسة
معددين مناقبه العلمية وصفاته الوطنية ومنوهين بعظيم خسارة الأمة لفقده، كما أن
الجاليات العربية في البرازيل والأرجنتين وتشيلي والولايات المتحدة الأميركية أقامت
بدورها له الحفلات التذكارية التأبينية.
كان منزل الخوري عيسى أسعد ندوة للعلم
والمعرفة يؤمها المفكرون والعلماء والأدباء من سائر الملل والنحل يبحثون مع صاحبه
شتى الموضوعات من أدبية واجتماعية ووطنية ويتزودون من معلوماته الوافرة وخبرته
الطويلة في أساليب النضال ضد المستعمرين ما يزيدهم قناعة بصدق محدثهم. وإذا أضفنا
إلى هذا إنه كان يمتلك مكتبة عامرة ضمت أكثر من خمسة آلاف مجلد في الأدب والتاريخ
والفلسفة والفقه واللاهوت والاجتماع لتبين لنا ما كان لهذا العالم من ولع وشغف في
طلب المعرفة والعلم.. وكثيراً ما كان الأدباء والسياسيون يدعونه لالقاء المحاضرات
في أنديتهم ومقرات أحزابهم فيلبي الطلب ويبهر السامعين بجواهر كلماته وصدق حكمته..
وتقديراً لإعماله الوطنية ومؤلفاته
الجليلة الفائدة وفي مختلف العلوم والفنون فقد نال الأوسمة الرفيعة من الحكومات
المختلفة: روسية ويونانية وبريطانية وسورية ولبنانية..
صفاته
ومزاياه:
كاتب بليغ ومؤرخ ضليع، باحث مدقق وخطيب
منوه، مرب كبير خرج أجيالاً من الشبيبة الناهضة، جدلي قوي الحجة، عرف عنه إنه كان
يدافع عن آرائه ومعتقده وأمته بقوة وشدة وإيمان، دونما لين أو هوادة، ودون أن يخرج
عن آداب المناظرة، وله إلى جانب هذا كله مقالات وأبحاث تتسم كلها بالرصانة والتفكير
السديد، نشرها في المجلات الكبرى في الشرق والغرب، كالمقتطف والهلال والسيدات
والرجال والضياء والطبيب والنيران والمحبة والمنار والنعمة والكلمة والسائح
والكرامة.
من
مؤلفاته المطبوعة:
الطرفة النقية في تاريخ الكنيسة
المسيحية، الجواب الهادي، سلاسل تاريخية، الماسونية وفيلسوف حريصا، الماسونية ومجلة
المسرة، إنارة الأذهان في تاريخ الشهيد الحمصي أيليان، نهلة الظمآن في تاريخ
الأفغان، زفرات القلوب، أساس الأسرة، آثار النصرانية في الديار الشامية، لماذا أنا
أرثوذكسي؛ اقتن الحق ولا تبعه، نحن وشهود يهوه، ربيبة الصهيونية، تاريخ أرمينية،
أبن رشد فيلسوف الحكمة والمنطق، نحن العرب وفرنسا في التاريخ، العربي السمح عبدالله
ابن جدعان صاحب حلف الفضول، تاريخ حمص _ الجزء الأول من تاريخ وجودها حتى ظهور
الإسلام.
أما مؤلفاته المخطوطة فمن أشهرها، إرشاد
هواة البيان إلى مواقع الحروف ومعانيها في القرآن، نواصع البيان في ما أشكل إعرابه
في القرآن، تاريخ دير القديسة تقلا في معلولا، مذكراته الخاصة.
هذه ومضات مقتطفة، نبضت بها قلوب العديد
من إعلام امتنا العربية أضفتها إلى ما اختزن في قلبي البنوي من حب وإعجاب ووفاء
لشخصية عظيمة أحببتها كل الحب لأنها كانت الشعلة التي أضاءت أمامي سبل العلم
والمعرفة الوطنية.
( 1 ) الأستاذ رضا منصور صاحب
مجلة "المهاجر" في كندا التي استمرت عدداً من سنين واحتجبت منذ مدة قريبة جداً
لأسباب لم تعرف.
|
|||
|
WEBMASTER : AA-ALSAAD
|
This Web Site Programmed and
Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD
..... Copyright 2003 (C) SCOPNET All
Rights Reserved
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق