الثلاثاء، 3 نوفمبر 2015

مجلة السنونو ( العدد الرابع ) - شجون مهجرية - الحب في أمريكا ضائع ومشرد

مجلة السنونو ( العدد الرابع ) -      شجون مهجرية   
الحب في أمريكا ضائع ومشرد يفتش عن مأوى وعن طريق ( أبو الخير شاهين )
دع بينك وبين من تحب مسافة يطلع منها الضوء ويهطل فيها المطر ليظل بينكما ربيع
  
سألت عن الحب في أمريكا وفتشت عنه في عيون الناس فلم أجده . لم أجده في عيون الشباب والصبايا ولا في قلوب الآباء والأبناء، ولا بين الأزواج والزوجات . لم أجده حتى بكلام أكثرية الناس الذين سمعتهم باهتمام فحزنت لهذا العالم الشاسع الواسع الجميل والرائع، ولهذه الحضارة الزاهية على كل صعيد، ولم أجد فيها مكاناً للحب ولا عشاً للعصافير، وبالتالي لم أجد الأسرة والإنسان حتى لم أجد نواة الأسرة، وحيث لا يكون الحب لا يكون الإنسان والأمل والأحلام والقصيدة .
     كنت أسمع الموسيقى ضجيجاً، والغناء زعيقاً، والفنون ألواناً وخطوطاً وزوايا ودوائر منسقة وملونة ومرتبة ولكنها خاوية من مضمون الفنون مع الاستثناء الطفيف . لم أسمع في أمريكا كلاماً حنوناً بعمق الحنان ولم أر عيوناً صافية يسكنها الفرح الحقيقي أو الدمعة الحقيقية الصادقة . فسألت نفسي عن كل هذا الجفاف من حولي ولماذا أرى الناس أشكالاً كالأشباح والوجوه نوافذ مقفلة عن الضوء، رحت أفتش بالعمق عن جواب فأدركت شيئاً واحداً غائباً عن المشهد لم تستطع الآلة إنتاجه ولا الكمبيوتر برمجته ولا مختبرات التكنولوجيا بكل تقدمها صناعته، وهو الحب . 
   الحب الذي يصنعه الإنسان بنفسه وبقلبه وبوجدانه وبشعوره . الحب الذي ينبت في الطبيعة وفي القلوب ويكبر في الهواء الطلق تحت أشعة الشمس وضوء القمر . لم ألمحه بين كل الناس كبارهم وصغارهم لأن العلاقة بينهم قاصر وعاقر لا تنتج الحب . ومن هذه النقطة انطلقت لأبحث طبيعة الأشياء وحواشي المشهد في هذه البلاد وأنا أعرف أن الحب بالأساس معرفة وثقافة، ومعظم الذين يعرفون ذلك بحكم مواهبهم أو ثقافتهم أو رجاحة عقلهم يضعون ما يعرفون على الرف وينضمون إلى القطيع الزاحف نحو الغريزة حيث وضعت هذه الغريزة في مقام الحب وبقي الحب بلا مقام .
    علاقة الحبيبين هنا تبدأ وتنتهي بلا موعد وبلا حلم، وبلا انتظار، وبلا أمل، وبلا دمعة وبلا قلق على الحبيب، وبلا تحسر وتلهف للقاء الحبيب، فلا الانتظار وارد، ولا خجل الصبية وتورد خديها وارد، ولا الإحساس بخصوصية وتميز كل من الحبيبين . العلاقة هنا تلغي مسافة الشوق بين الحبيبين من اللحظة الأولى فتتحول كل اللحظات إلى سواد تفوح منه رائحة الجسد فقط دون الروح ودون الحب ليتراجع الحب بعدما يكون مقبلاً ويلتقي الطرفان على رغبات الجسد فقط فيغرقون بكل إنسانيتهم وبكل جمالهم الروحي وبكل شفافيتهم وعذوبتهم بأوحال الجسد والعبث بالتراب ليستخرجوا اللذة والشهوة من التراب فيحصلوا على لذة البهائم ويتباهوا بالتمرغ بالوحل وتحكم علاقتهم لغة المباشر دون كلام وشوق وتلهف وموعد وتأمل وبالتالي دون وجدان وإحساس إنساني ودون حب، حينها تذكرت وبشدة قصيدة كنت قد كتبتها في لبنان مطلعها :
      " دع بينك وبين من تحب مسافة يطلع منها الضوء ويهطل فيها المطر ليظل بينكما ربيع . . " 
    ولا أدعو بهذه العبارة إلى تقاليدنا الشرقية التي تفرض هذه المسافة وتحملها مفاهيم وشروط قاسية أحياناً ومستحيلة بل أدعو إليها كونها مجال اختبار للعواطف والأحاسيس والمشاعر الجميلة بين اثنين تمارس بحرية، ليطلع منها الحب وتحلو المواعيد، والتقاط لحظات الفرح . ولا أعتقد أن هذه المسافة مؤقتة وآنية لظرف ولحظة ومرحلة، بل يفترض أن تكون أبدية بين الحبيبين تكبر وتصغر وتتسع وتضيق، ولا تنتهي وتلغى حتى في وحدة الجسدين بالكامل وفي عز رحلة الشوق الممتعة وتوحد العشاق (الزواج) . تضيق المسافة لكنها لم تنته أبداً ليظل كل طرف محافظاً على نوعه وخصائصه، وهذه أهم أشكال الحب ومعانيه الكبيرة التي تنتج التكامل والسعادة والوفاء والاستمرار .
      أريد أن أنتقل أخيراً من جماليات الحب بحد ذاته كرابط جذاب ورائع بين اثنين إلى انعكاسات هذا الرابط على النواحي الاجتماعية والثقافية وربما السياسية . لا شك أن المغتربين العرب في أمريكا يتأثرون بثقافة الغرب وذلك بفعل وجودهم في الغرب وعدم قدرتهم على نقل مفاهيمهم وحضارتهم إلى الغربيين من جهة ضعف اللغة لديهم وضعف الإعلام العربي بالوقت الذي نلاحظ به مشكلة الغربيين أنفسهم بالذي يعانونه بالتمتع بالتراب والتلذذ بروائح الجسد فقط لتصل الأمور بهم إلى عبادة الجسد على حساب الحب والزوج والولد، والاستعاضة عنهم بالكلاب ففي كل بيت كلب وأكثر وليس في كل بيت ولد وأكثر، الكلاب في البيوت أكثر من الأبناء بكثير والعناية بالكلب تفوق التصور فله المحلات الغذائية الخاصة والمستشفيات الخاصة والمسابح والحدائق والدلال والترفيه فهو البديل عن الولد في معظم الأحيان وإذا حضر هذا الولد لم يكن بالغالب ثمرة حب ووفاء بين زوجين بل يكون نتاج علاقة عابرة ومؤقتة بين صديقين وسرعان ما يفترق الأصدقاء ويظل الولد في كنف الأم حيث يغيب الأب إلى الأبد . وعندما يكبر العصفور ويصلب جناحيه يطير إلى فراغ تاركاً وراءه البيت للعجوز والكلب، فتبدو البيوت في أمريكا مهجورة إلا من العجائز والكلاب وإلى أين تهجر العصافير؟
    سألت عن مواطن هذه الهجرة فكان الجواب : إلى الصديق وليس إلى الحبيب ولا إلى الزوج حيث تكثر الصداقات بين الشباب والبنات وتقل نسبة الزواج كثيراً وينعدم الحب . والدولة من طرفها تقوم بتخفيف المشاكل الناتجة عن هذا الوضع المضطرب بالتعويضات الكافية للمرأة والولد وللزيجات الفاشلة وما أكثرها لأنها دولة قوية مادياً ولاتملك حضارة إنسانية بالمعنى اللازم لتحضير شعوبها ورفع مستواها الإنساني والقوانين في أمريكا صارمة لحماية الكلاب والناس على حد سواء . فليست أمريكا دولة الشعراء والأدباء وليست دولة الأديان والأنبياء، بل هي دولة المال والحديد والخشب ودولة التكنولوجيا والقانون الذي ينظم ويرعى حقوق الناس كما هي وليس كما يجب أن تكون .
       معاناة وقلق لدى المثقفين الأمريكيين الذين يشعرون بمرارة العلاقات المفتوحة بالكامل دون ضوابط ودعوة من فريق كبير من المغتربين العرب للحفاظ على الأسرة والزوج والولد من الضياع، ولكن . .
وما أصاب مجتمعاتنا العربية والمثقفين المغتربين منها من انبهار بتأثير الثقافة الغربية انعكس على واقع الأسرة العربية المغتربة ولو بشكل طفيف ولكنه غير بسيط ويظنون أن تقليد الغرب بحياته الاجتماعية ظاهرة تقدم وتطور، وهذا خلل في البناء الفكري الحديث يتم على حساب إنسانية الإنسان، وإنني لمست معاناة وقلقاً كبيراً لدى المثقفين الأمريكيين الذين يشعرون بمرارة العلاقات المفتوحة بالكامل دون ضوابط النفس الجميلة بطبيعتها وبنيتها الإنسانية، ومن الملاحظ أن هناك فريقاً كبيراً من المغتربين العرب يرفع صوته عالياً بالدعوة إلى الحفاظ على الأسرة والزوج والولد من الضياع ولكن هذه الأصوات ما برحت تدور حول نفسها ولا تحظى بتأييد وتأثير لأنها تعتمد على الردع الديني والقصاص الإلاهي والاجتماعي والتمثل بسيرة الأولين  ولا تنطلق من منطلقات فكرية وفلسفية حديثة من شأنها أن تناقش مشكلة الإنسان بشكل عام وليس مشكلة طائفة معينة وحزب معين وشعب معين، فالقضية ليست مذهبية وليست دينية ولا عصبية كونها قضية إنسانية كبرى تتعلق بمشاكل الإنسان أينماوجد
ولا بد من جرأة أدبية وفكرية في تناول ونقاش مثل هذه الأمور الهامة . وللأسف الشديد إن أي حوار عربي وإسلامي يدور حول هذه المسائل الحساسة يحكم عليه بالانحياز إلى التقاليد وليس إلى الفكر لعدم قدرة أصحاب الرأي والمفكرين بتحرير موضوعهم من العصبية والانحياز الذي يؤدي حكماً إلى مواقف متشددة يكون صاحبها في معظم الأحيان غير مقتنع بها ولكنها التقاليد التي تمس بالشرف والقيم الشائعة وبالتالي تصبح مادة لا تصلح للحوار .
وكل ما يقال في أجهزة الإعلام العربية وعلى لسان الخبراء والمتخصصين العرب ورجال الدين في المجالات الاجتماعية والفلسفية المحدودة خاضع لضغوط سلفية تجعل الحوار كحوار الطرشان وستبقى أمة غارقة بأوهامها والمياه تجري من تحتها، مع أنها تملك حضارة عميقة وتجربة إنسانية جيدة ينقصها إدارتها وتبليغها بلغة عصرية .
                                                       * رئيس تحرير مجلة " صدى البقاع "  اللبنانية المهتمة بشؤون المغتربين.
   بومة شقائق النعمان
 الحب الجديد هو أن ينمو بستان من شقائق النعمان الأحمر الربيعي فوق حقول رماد السنة الماضية .
  الحب الجديد هو أن تنمو الحدائق فوق أرض حرائق ما كان , وأن يبدو لي ما كان غابراً حت النسيان .  ( غادة السمان )

     

WEBMASTER : AA-ALSAAD
This Web Site Programmed and Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD ..... Copyright 2003 (C) SCOPNET  All Rights Reserved 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق