مجلة السنونو (
العدد الثامن ) -
شعر محلي
|
من العتبة
إلى السماء
( شعر: محمد الماغوط )
|
من العتبة إلى السماء
شعر
: محمد الماغوط
الآن
والمطر الحزين
يغمر وجهي الحزين
أحلم بسلم من الغبار
من الظهور المحدودبة
والراحات المضغوطة على
الركب
لأصعد إلى أعالي
السماء
وأعرف
أين تذهب آهاتنا و
صلواتنا ؟
آه يا حبيبتي
لا بد أن تكون
كل الآهات و الصلوات
كل التنهدات و
الاستغاثات
المنطلقة
من ملايين الأفواه
والصدور
وعبر آلاف السنين و
القرون
متجمعة في مكان ما من
السماء ... كالغيوم
ولربما
كانت كلماتي الآن
قرب كلمات المسيح
فلننتظر بكاء السماء
يا حبيبتي
***
إلى
بدر شاكر السياب
يا زميل الحرمان
والتسكع
حزني طويل كشجر الحور
لأنني لست ممدا إلى
جوارك
ولكنني قد أحل ضيفا
عليك
في أية لحظة
موشحا بكفني الأبيض
كالنساء المغربيات
لا تضع سراجا على قبرك
سأهتدي إليه
كما يهتدي السكير إلى
زجاجته
والرضيع إلى ثديه
فعندما ترفع قبضتك في
الليل
وتقرع هذا الباب أو
ذاك
وأنت تحمل دفترا عتيقا
نزع غلافه كجناح
الطائر
وأنت تسترجع في ذاكرتك
المتعبة
هذه الجملة أو تلك
لتقصها على أحبابك حول
المصطلى
ثم تسمع صوتا يصرخ في
أعماق الليل :
لا أحد في البيت
لا أحد في الطريق
لا أحد في العالم
ثم تلوي عنقك و تمضي
بين وحول آسنة
وأبواب أغلقت بقوة
حتى تساقط الكلس عن
جدرانها
وأنت واثق أن المستقبل
يغص بآلاف الليالي
الموحشة
و الأصوات التي تصرخ
لا أحد في البيت
لا أحد في الطريق
لا أحد في العالم
هل تضع ملاءة سوداء
على شارات المرور و
تناديها يا أمي ؟
هل ترسم على علب التبغ
الفارغة
أشجارا وأنهارا و
أطفالا سعداء
وتناديها يا وطني ؟
ولكن أي وطن هذا الذي
يجرفه الكناسون مع
القمامات في آخر الليل ؟
تشبث بموتك أيها
المغفل
دافع عنه بالحجارة و
الأسنان والمخالب
فما الذي تريد أن تراه
؟
كتبك تباع على الأرصفة
وعكازك أصبح بيد الوطن
أيها التعس في حياته
وفي موته
قبرك البطيء كالسلحفاة
لن يبلغ الجنة أبدا
الجنة للعّدائين و
راكبي الدراجات .
***
أمير من المطر
أنت يا من تداعب خيوط
المطر
كالنساج الأعمى
وتتلمس بقايا الجداول
الزرقاء
كضرير يتعرف على ملامح
أحفاده
من أنت ؟
أيتها الشوارع
أيتها الحانات
من هذا الشبح الراقد
على الأرصفة
والنمل
يتجاذب مسبحته ومنديله
و خصلات شعره ؟
- انه بردى
- بردى ؟
لا أذكر أخا أو صديقا
بهذا الاسم
أهو صندوق ؟ أم جدار
- مولاي
انه بردى ...
النهر الذي ترافقه
الزهور العطشى
من نبعه إلى مصبه
- ليراجعني غدا
في مكتبي القائم بين
الأرصفة
علني أجد له ميتما
بحريا
أو سحابة شمطاء
تتبناه
- مولاي
انه ليس متسولا يا
مولاي
انه بردى ...
بردى الألثغ الصغير
كبر وشب
و اهترأت مريلته
الخضراء على صدره
ولم يعد يغادر مجراه
حتى في الليالي
المقمرة
حتى في أيام العطل و
الآحاد
انه يعتذر عن جريانه
القديم ...
يضم راحتيه إلى صدره
و يفتحهما باكيا ,
كالراهبة المغتصبة
من أجل سفينة ورقية
أو سنونو .. يرشف ماءه
و يطير
- ليكن
لقد وهبه الله
كل ما يحلم به نهر
من الطبقة المتوسطة
الوحل والبعوض الربيع
لكنه أتى على كل شيء
في حقبة واحدة
أروع مطر في التاريخ
أجمل سحب الشرق
العالية
بدّدها على الغرغرة و
غسل الموتى
ليراجعني غدا
في مكتبي القائم بين
الرياح
وطلب الاسترحام
ملصوق على ضفتيه
إن جلد النسر المعلّق
على الحائط
لا يثير شفقتي
بل يذكرني
بدم أشلائه و صرخات
ضحاياه
***
أيها السائح
طفولتي بعيدة ... و
كهولتي بعيدة ...
وطني بعيد ... و منفاي
بعيد
أيها السائح
اعطني منظارك المقرب
علني ألمح يدا أو
محرمة في هذا الكون
توميء إلي
صورني وأنا ابكي
وأنا أقعي بأسمالي
أمام عتبة الفندق
واكتب على قفا الصورة
:
هذا شاعر من الشرق .
ضع منديلك الأبيض على
الرصيف
و اجلس إلى جانبي تحت
هذا المطر الحنون
لأبوح لك بسر خطير :
اصرف أدلائك و مرشديك
و الق إلى الوحل ...
إلى النار
بكل ما كتبته من حواش
و انطباعات
إن أي فلاح عجوز
يروي لك " ببيتين من
العتابا "
كل تاريخ الشرق
وهو يدرج لفافته أمام
خيمته .
|
WEBMASTER : AA-ALSAAD
|
This Web Site Programmed and
Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD
..... Copyright 2003 (C) SCOPNET All
Rights Reserved
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق