مجلة السنونو (
العدد الثامن ) -
الوطن في عيونهم
|
|
جميلة رغم
كل شيئ ( عبد السلام العجيلي )
|
|
بطيئة
مثل سلحفاة عجوز... وظامئة مثل
عانس تمشط أيامها المتكررة... أيامها الخالية من الحلوى
والضحك.
ما
زالتْ شبابيكها تُصعِّد ألاغاني إلى السماء... وما زالتْ الأسماك المهاجرة موعودة
بأحضانها الدافئة... وما زالت تفتح ذراعيها لكل الطيور الهاربة من جليد
الضفة الأخرى.
وما
زلنا نتمسك بأهدابها الناعمة إذا اشتد عصف الريح... نأكل كراثها إذا جفتنا
المحاريث.
ما
زالتْ جميلة رغم كل الحروب... ورغم كل الصفقات الرخيصة... تلك التي تتآمر على كحل
عينيها... ومسك أردانها... وما تبقى لها من ظل وماء وورود... جميلة رغم
انطفاء الدفلة في الوادي الكبير... وصمت السواقي والطواحين... وغياب النوارس
والمراكب والمسافرين.
لأننا
لا نعرف سواك... ولم نجرب البعد عنك... ولأنك مثل حبة توت حمراء في مهب
"القبلي"... تشاطرتها القبائل التي نهضت من رماد المواقد... لتكسر الجرار وتشعل
النار في العسل.
هـنا... كانت زيتونة يضئ زيتها وحشة الأزقة في ليالي الشتاء الحزينة.
هـنا... كانت نخلة ترشق بزهوها النوافذ الخارجة من جبة النعاس في صباحات الخريف.
هـنا... حكاية حب لعذراء حملت نسرينها وصعدت تصلي.
لأننا نريدك جميلة... وقفنا في طوابير الخبز ونحن على مرمى حجر من سهولك
الشاسعة... اشترينا الماء ونحن قبل هدير شلالك بخطوتين... علمنا أولادنا وبناتنا
الصبر والأحلام البسيطة... دربنا زوجاتنا على المجاعة والحروب... ربطنا
الأحزمة... وانتظرنا قطار الموت.
ما زلتِ جميلة لأنك وسادتنا المعطرة... وفرحتنا المسروقة من أيامنا المتشابهة...
ولأنك هوانا وهويتنا الصامدة في وجه كل ريح قبيحة.
جميلة حتى وإن كنت بكل هذا الفقر... بكل هذا الخواء... جميلة بلا أندية ولا ملاعب
ولا مسارح ولا سينما ولا شواطئ ولا صحافة ولا إذاعة ... ولا أرصفة تسمح
بالعناق... ولا حدائق تتسع للغزل.
لكن سأهمس لك من بعيد... سوف يسمعني زهر اشبيلية الناهض رغم هذا الخراب... سوف
تسمعني "براكة" المسرح الوطني الواثقة بنجومها رغم هذا الضباب.
لأجلك... ولأجل حمرة الرمان... وهذا الأزرق المنسي... ولأجل مزمار اعتلى سدة
البوح... فذاب في الأجساد... في" ليلة أسمرية"... جمرها تَوَقّد... وبخورها غطى
النجوم... حين مزقت بالقصائد والرقص الحجب الثقيلة... طارت مجاسدنا... وطرنا
نفاوض السماء على وقت أطول.
لعبة
(الخلاء الموصد)
ولعاب الشمس مهدور
فلماذا لا ألعب؟
لماذا لا أرسم قوساً
يمتد من درنة إلى بوسطن
قوساً يحمل كل الألوان
الأحمر للنعاس ولزهر الرمان
وللجلسات الحميمة
الأصفر يلهب المدرجات
ويشعل السماء
الأزرق للأعياد
البنفسج لبنات الجبيلة المغرورات
حين يمرقن خفافاً
بعطرٍ عصيٍ على الرياح
وبرقٍ لا يخذل المحاريث
سوف أرسم قمراً
يرش رصيفاً بلا خوذات
ولا أحذية خشنة
البنات فيه يقرأن..
الشعر الحديث
من دون محارم
والأطفال يبيعون الياسمين
والأحزاب تروج لأفكارها
سوف أرسم مطراً
يغسل شارعاً
يعج بالمساجد والكنائس الحانات
ويتسع لأطفال المدارس
والشاحنات .. للمسرعين والمبطئين
للسكارى والمفلسين
للأثرياء والأغبياء
شارعاً لا ينام
ولا يترك العشاق
من دون ماء.
كل
عام وأنت..
الآن وقد توجتني أنخابك
سلطاناً على عرش الكلام
فاسمح لي…
أن أطليَ أظافرك
بدمي الذي جففته الحروب
لك الليلة
أن تتبرجي
خذي زينتك
أنّى شئت
فهذا الليل بأسره…
لي وحدي…
أنا من رسم نجومه
ودعوته ودعوتك
كي نشرب حتى الصباح
لا أقبل الأعذار
لا تقولي سرقت الريح أجفاني
فرَّت الحناء من قدمي
فقط علميني
كيف أكون جديراً بهذه المسرة
وأمهليني…
حتى ينضج الشتاء
عواءه في مفاصلي
وتنشغل الريح عــنّي
ويشتعل عشبك الأشقر
الممطور بسمرتي
ثم افتحي ذراعيك
وخذيني إليك
برقاً يضيء فاكهتك
رعداً يهـزُّ أرخبيلك
مطراً يعد وردك
بحمرة لا تخون صباحها
لأنك خميرة جنوني
فأي رجلٍ الليلة يشبهني؟
وأي سرير يحتويني؟!
الليلة لن أترك
الشوارع بلا أماني
سأؤثث الأرصفة بالأصدقاء
والشرفات بالمواقيت
وأنتظر…
حتى يغسل الفجر ركبتيك
وينـهض النخل
باسقاً كل عام
|
|
WEBMASTER : AA-ALSAAD
|
This Web Site Programmed and
Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD
..... Copyright 2003 (C) SCOPNET All
Rights Reserved
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق