الأحد، 22 نوفمبر 2015

مجلة السنونو ( العدد الثامن ) - خاطرة - نويل عبد الأحد

مجلة السنونو ( العدد الثامن ) - خاطرة 
الجهاد عبر الكلمة الخلاقة  ( نويل عبد الأحد )

الجهَاد عبر الكلمة الخلاّقة
نويل عبد الأحد

مَن غير الفنان الأصيل، يُقدّر جسامة العبء والمسؤولية الباهظة الملقاة على أكتاف "المجاهدين" الذين تطوّعوا ـ عن محبة ـ في رفع راية الكلمة؟.

          لكم أعجبني استخدام أستاذنا الجليل، وديع فلسطين، لكلمة "المُجاهدة" في مقاله القيّم الذي نشره في مجلة الهلال الراقية (أغطسطس 2004). وقد عدّد فيه جهاد الأديبة نهاد شبّوع، في مجالات عديدة، لحقب زمنية مختلفة حتَّى رئاستها لتحرير مجلة "السنونو" التي أصدرتها رابطة أصدقاء المغتربين في حمص، قبل حوالي سنتين.

          ممَّا لا شكّ فيه أن كلمة مجاهدة/ مجاهد تليق بامتياز على كل من جند نفسه في هذه المسيرة.

          تناول الأستاذ فلسطين، في مقاله هذا، الحركات الأدبية التي ازدهرت بفضل أدباء المهجر، مثل الرابطة القلمية وغيرها، ليس فقط في الأمريكتين الشمالية والجنوبية، بل وفي العالم العربي الذي كان في تعطش للنهل من معين الثقافة المهجرية.

          كما تحدث بإسهاب، في المقال نفسه، عن مجلة "كلمات" التي أنشأها الدكتور رغيد النحّاس في المهجر الأسترالي قبل حوالي أربع سنوات، ونوه بالدور الطليعي الرائد الذي لعبته هذه المجلة ولا تزال، بفضل "جهاد" مؤسسها وتضحياته الجمّة، فهي إحدى أهم الجسور التي تصل ثقافة الأدباء العرب في أستراليا وأميركا مع ثقافة الأدباء العرب المعاصرين في العالم العربي، ساعياً بذلك أن يعيد مجد الكلمة التي شعّت على أيدي كتاب وشعراء المهاجرين الأوائل.

          ولم  يُخفف الأستاذ فلسطين امتعاضه من المؤسسات والهيئات المختلفة التي تتجاهل قوّة مثل هذه المجلات الحيادية، وتأثيرها... فوصف أصحاب القرار في تلك المؤسسات بالتافهين إذ قال: "وإن الصرخة الصامتة ستسحق يوماً جبروت التافهين".

          إنَّ الكلمة هي حقاً "الصرخة الصامتة" التي يظل دويها يُسمع من زمن إلى آخر، ولتردادها دوماً فعله وتأثيره في كل جيل لاحق، فلا يتلاشى ويختفي جبروت التافهين الأني، الذين لم يحسنوا التصرف بـ "الأمانة" التي ائتمنوا عليها.

          الكلمة الخلاقة هي البدء الفاعل... البدء الأبدي... أو الأبدية البدء اللانهائي. فهل كان للإنسانية أن تشهد مثلاً قيمة "الثورة الفرنسية" من دونها، أو غيرها من التغييرات الجذرية في التاريخ.

          إنَّ العطاء الذي يجود به فكر الإنسان المبدع سواء أكان كاتباً أم شاعراً أم فيلسوفاً أم روائياً، له قوّة التناسل والتجدد مع كل جيل، لأنه عطاء حقيقي، غير مقيد بأية قيود أو تقاليد أو معايير. ومثل هذا العطاء يفوق مئات أضعاف العطاءات الذي يتشدق بها البعض، العطاءات "المُزيّفة" حباً في الظهور.

          ثمَّ لابدَ من ذكر بعض العقبات والصعوبات التي تواجه مهام أصحاب مثل هذه المجلات. نجد في طليعتها المنافسة غير المتكافئة بين الكلمة الجادة المكتوبة والكلمة الهابطة المرئية، عبر برامج محطات التلفزة، لا سيما البرامج المسلية والترفيهية. فالأغلبية العامة المنهمكة في ركضها وراء لقمة العيش وضرورات الحياة التي فرضتها عليها "حضارة الطين" كما سماها المرحوم شاكر مصطفى، أو "حضارة التعب" كما سماها المرحوم نزار قباني، قد تدنى مستواها بصورة عامة، ومستواها الثقافي بصورة خاصة إلى الحضيض. ثمَّ هناك التدني الآخر ـ على حساب الاختصاص ـ فلم يعد يعني المختص في علم ما، ولو حتى الإلمام بأمور الثقافة العامة، ربَّما لضيق الوقت الذي تفرضه عليه العوامل شتى.   

          لذا فإصدار مجلة جادة في هذا الزمن، يحتاج إلى كادر من الموظفين والمحررين الأكفاء، وما يتطلبه ذلك من ميزانية مالية، يساعدها على الانتظام في الصدور، خصوصاً في غياب "الإعلان التجاري" ـ العصب الرئيس لأية مجلة أو جريدة.

          وعلى الرغم من هذه المصاعب فإن العالم لم يخلُ من بعض المؤازرين ـ مادياً ـ المتعاطفين بإصرارـ مع قيمة الإبداع وقوة الكلمة في إحداث التغييرات اللازمة. ومن حسن حظ "كلمات" أنها وجدت بعض المؤازرين الذين وجدوا فيها بدورهم، ما ينشدونه من تطلعات... فلهم عميق الشكر لما يقدمونه من دعم مادي.

          ثمَّ هناك المؤازرون من الكتاب والشعراء والمفكرين والفنانين الذين يقدمون إبداعاتهم لـ "كلمات" دون مقابل. أذكر على سبيل المثال، الدراسة الشاملة القيمة عند الشاعر أدونيس، التي خص بها "كلمات" الصديق الكبير الدكتور عيسى بُلاّطة، ونشرت في عددها التاسع عشر (سبتمبر 2004)، مضحيّاً بالمكافأة المالية السخية التي تمنحها المجلات الأميركية المتخصصة في نشر أدب ودراسات الشرق الأوسط، ولقد سعت أكثر من مجلة للحصول على حقوق نشر هذه الدراسة، لكن الدكتور بلاطة اعتذر وآثر نشرها في "كلمات". فللدكتور بُلاطة نكرر شكرنا العميق لمؤازرته الدائمة بإسهاماته الإبداعية في "كلمات".

          تحية الإكبار والإعجاب لكل المجاهدين عبر الكلمة الخلاقة.
 
عن مجلة الأسبوع الأدبي العدد 947 في 5/3/2005.
 
 إن هؤلاء (الوطنيين) المشغوفين بالإنشاء المسطّح والأوطان المسطّحة, إذ يبحثون عن مسوّغات (الواجب الشعري), إنما يبحثون في الحقيقة عن مسوّغ لكراهية الشاعر (كدتُ أقول: إعدامه). وإذ لا يجدون في شعره ما يبرر هذه الكراهية يتذرّعون بما يضمره الشعر أو بما يستنكف عن قوله. كأنهم, في مواجهتهم لخطيئة الجمال, لا يطرحون سؤالاً ولا ينتظرون إجابة. إنهم, فقط, يوجهون اتهاماً ويقترحون عقوبة إعدام: إنهم يحاكمون التفوق.
                        نزيه أبو غقش
 
 
 
 
WEBMASTER : AA-ALSAAD
This Web Site Programmed and Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD ..... Copyright 2003 (C) SCOPNET  All Rights Reserved 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق