الثلاثاء، 1 ديسمبر 2015

مجلة السنونو ( العدد العاشر ) - دراسة أمين الريحاني الغائب الحاضر

مجلة السنونو ( العدد العاشر ) - دراسة
أمين الريحاني الغائب الحاضر  ( بقلم: سميرة رباحية طرابلسي )   

أمين الريحاني الغائب الحاضر
1886- 1940
بقلم: سميرة رباحية طرابلسي
 
1- حياته:
علم من أعلام الوطنية، أديب ثائر منصوف، مصلح اجتماعي داع إلى التحرر الفكري، مؤمن بالوحدة العربية ومناد بالإصلاح والتجديد، رحالة مشهور أحب العروبة ودافع عنها يوم كان الوطن العربي واقعاً تحت الانتداب فأينعت غرساته صدى وطنياً لامعاً.
هوذا الشاعر والأديب فيلسوف الفريكه أمين الريحاني الذي حمل هموم موطنه وجال بها بدءاً من مسقط رأسه في الفريكة لبنان وصولاً إلى استقراره في نيويورك عام 1888 ليعمل في متجر أبيه ويلتحق بكلية الحقوق لدراسة القانون، وليتعلم مبادئ اللغة الانكليزية حتى تمكن منها. وفضلاً عن عمله التجاري انضم لفرقة مسرحية رحالة، آونة ينشر بعضاً من خواطره في جريدة "الهدى" وليلاً يتابع دراسته ويطالع لأهم الأدباء والشعراء أمثال فولتير وروسو.
أخذ يخوض أحلك الليالي بالدرس والتمحيص في بطون اللغات الأجنبية والآداب العربية حتى جارى في أدبه وثقافته كبار المثقفين والمفكرين والمبدعين في عصره، هذا فضلاً عن عمله التجاري نهاراً، حتى اضطره التعب للعودة إلى وطنه لبنان عام1898.
2- أفكاره:
ونظراً لمعرفته الأكيدة لبلوغ هدفه تابع النهل من منابع العلوم المتنوعة كالتاريخ والاجتماع والاقتصاد منصرفاً إلى رسالته وهي الانفتاح العام على منابع اللغة العربية والنهل من آدابها حتى تعرف على مواطن الجمال والحكمة في لزوميات المعرّي فتأثر بها ونقلها إلى الانكليزية على شكل رباعيات وطبعها بعد رجوعه إلى نيويورك عام 1899 وألقاها خطبة بليغة.
3- إبداعه الأدبي:
غاصت نفسه بحثاً في تواريخ البلدان وفي تراثها الثقافي المتجذر في روح الحضارات العريقة، وطاف محيطها باحثاً اجتماعياً فاهتمّ بدراستها ومعالجتها نقداً. لذا تعدّ مؤلفاته على كثير من الأهمية من حيث الفكرة التحررية والدعوة الإصلاحية اجتماعياً وقومياً. من هذه الكتب:
ملوك العرب:
يعطي في دراسته الشاملة لمحة عن وضع البلاد العربية التي زارها بين الحربين والنزاعات التي تعرضت لها المنطقة. ويتضمن أيضاً لهجة تحذيرية "داعياً ملوك العرب المسلمين إلى الاتحاد فيما بينهم وإحلال السلام"1
سجل التوبة:
تكلم فيه عن الشعب ضمن عالم من القصص الشائعة حيث بلغ الريحاني فيه ذروة الواقعية "فجاءت أفكاره عملاً فنياً رائعاً جمع بين المضمون والصورة ورفعت كاتبها بحق إلى الصفوف الأمامية للمدرسة الواقعية"2
قلب العراق:
فيه يدعو الشعب العراقي خاصة بعد دراسة أحواله والعربي عامة للوقوف صفاً واحداً أمام الهجمة الاستعمارية منادياً بالحرية التي أخلص لها.
أنتم الشعراء:
ضمنه ثورته الجريئة "ضد الاستعمار وضد الانتداب الفرنسي خاصة"3 بعد أن أصيب بخيبة أمل من وعود فرنسا الكاذبة.
قلب لبنان:
يعدّ من أحسن كتبه بياناً يمتاز بأسلوبه الإخباري ونقده التلميحي وتورياته البارعة التي لا يخلو من الدعابة والمرح.
من مشواره الطويل وعالمه المتنامي الأطراف أدرك بأن أفكاره لا يؤتى ثمرها إلا بنضال تثقيفي وتثاقفي فقدم كتبه التي كانت تتميز بخطاب نقدي صريح التحم بالنسيج الثقافي والأدبي، وبالواقع المعيشي لكل بلد زاره مبنية على أسس واقعية ودراية بشعابها مثل الجاحظ الذي أخذ من عالم الجواري والناس الحقيقيين مادة لكتبه.
اختار الريحاني الكتابة الصحفية وسيلة للتعبير عن أفكاره المعتمدة على العقل والانفتاح على الآخر وقبوله، موضحاً بأن هذه المبادئ هي مبادئ الإسلام الذي يؤمن به.
تدعو كتبه أيضاً إلى التأكيد على استقلالية الوطن وخصوصيته في وجه المطامع الغربية أي الوصول إلى التحرر السياسي والاجتماعي والفكري وتطفئ عليها النزعة الخطابية.
هاجم في مقالاته وكتبه "المحالفة الثلاثية، المكاري، الكاهن، زنبقة الغور، وخارج الحريم" والجمود والتعصب الطائفي ومما لا يخلو من الدلالة كتابه الأول الذي نشره في المهجر بعنوان "تاريخ الثورة الفرنسية"4.
 
الفكر الإصلاحي الريحاني:
يُعَدّ أمين الريحاني مصلحاً اجتماعياً ومفكراً إنسانياً بعد أن اكتشف المجتمع العربي يوم رحبت به القصور وفتح له الملوك أبوابهم يعالج القضية العربية في معاقلها النائية. ومن صميم كتاباته الأدبية يظهر وهو المفكر الأكثر التزاماً بالأدب الواقعي، ولم يفضل على أي حال مشروعه الأدبي في كتبه التي وجهها للشعب العربي عن نضاله السياسي لأنه:
1-" كان يدعو الشعراء إلى نظم شعر البطولة والاستبسال"5
2- بدا بنقده التلميحي وتورياته البارعة المرحة "ذا قابلية كبيرة للامتزاج مع الناس البسطاء ومخاطبتهم بلهجة المحب الحاني"6
3- وقد تخطى عصره وهام في الكون متحرراً من كل قيد إلا قيد الحقيقة وقد ظهر ذلك في أسلوبه مثل كل أدباء المهجر.
4- غذّى روح التجدد في كتاباته الأدبية في صورة الشعر النثري فراح يبتهل تسبيحاً وتجويداً "لإعادة بناء الإنسان العربي على أسس اجتماعية جديدة جوهرها المحبة التي التقط بذورها الأولى من الإنجيل"7
5- كان المجدد الأول في تعبيره الشعري في بلاد المهجر دون أن يهمل استلهام التراث من القرآن الكريم.
6- يدعو في كتبه إلى وعي الذات ليفتق كل أحد مواهبه وملكاته ويدرك مسؤوليته تجاه نفسه والآخرين.
أدبه الوجداني وأسلوبه التجديدي:
          لا بد من القول بأن هذا الأديب لم يستغرق في سوانحه الذاتية، بل وعى تاريخ البلاد العربية بكل خصائص الدين والبيئة ووضعها من الاستعمار والانتداب والتفرقة الطائفية بكتابات لا تخلو من تحلبل علماني وأكاديمي عميق تتوجه إلى الإنسان وتستنبط وجدانه وينبوع الخير فيه بإشاعة العلاقات الإنسانية الناطقة مضموناً بالتعاون والإخاء والإصلاح التدريجي مفنداً تفاصيلها بقوله: " الانتداب هو أخبث من الاستعمار فأوصيكم بجهاده حتى ينتهي"8
رسالته الإنسانية:
          هذا الأديب الذي شرف الكلمة ووعى تاريخ بلاده بكل خصائص كتاباته وتفاصيلها برزت أهمية رسالته التي ارتبطت بتحركاته أنها خففت من نار الإشاعات التي طالته وكانت قرباناً للخلاص والجهاد المستمر مؤكداً الصلة الوثيقة والإشعاع الحي بين الشرق والغرب مستمداً سلاحه المضيء تأثراً بمعتقده الديني وبتعاليم غاندي وهو سلا ح المحبة أي الدعوة لمواجهة الآخر أو إدارة الصراع إذ أرادها أن تكون على المستوى العلمي والأكاديمي والمعرفي والفكري.
          هاهو الريحاني بعد أن أضناه الاغتراب والترحال جال بقيثارته في مهبط وحيه في صومعته في الفريكه التي أرادها عالماً هادئاً من الإشراقات والصور، تتخطى المماحكات الفلسفية والمذهبية ناشداً الهدوء ليتعاطف مع أشياء عالمه وإذ بجزئيات ذكريات تجواله الغابر ثلعب بأحجياته وتوقظ ألق المساجلات الودية والأدبية وشؤون الصحافة والنشر ودورياته وقادة الإصلاح السياسي والاجتماعي مع أحبابه الذين قابلهم في أثناء رجوعه إلى لبنان مروراً بمصر وخطبته المشهورة " أنا الشرق".
          تنسج شخصية الريحاني الإنسان جملة أسئلة أهمها ثقافته المتجددة التي كانت تطفئ عطش الجيل الجديد مرنو يا من كتبه وقبسات سيرته وعزيمته الصامدة في الوطنية وإصراره على مواجهة التحدّي لنتمثل تراثه قولاً وفعلاً مع الكاتب المهجري " نظير زيتون": " قرأنا الحرية والتحرر على أمين الريحاني وتعلمنا الصدق والجرأة وعندما عمد الأتراك لسياسة التجويع في لبنان راح يخطب بين أبناء الجالية في أمريكا ليحثهم على التبرع"9
          في هذه الوقفة القصيرة مع الريحاني وإبداعه الذي وُلِدَ من رحم المعاناة تبعث في النفس ذكرى عطرة لنتمثل أشكال مغامراته فيعطى الحق "قيمة" ويصون العدل "الكرامة" ويقدس القانون "الحرية" مرددين: تراثنا هو وديعة للمستقبل وتناغم علمي وعلماني يتحرك نحو التجديد في عصر التحولات وهو"ثورة زمن في نظام وجود". ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
                    الهوامش:
1-     آثار أدبية- المجلد الثاني- المؤلفات الكاملة- فؤاد الشايب ص 494
2-     الرسالة عدد ممتاز عن المفكر أمين الريحاني- جورج طرابيشي ص59
3-     نفس المصدر السابق- حارث طه الراوي ص55
4-     أوراق مهجرية- بحوث ومفاربات- رسائل- د.عبد الكريم الأشتر ص17
5-     الرسالة عدد ممتاز عن المفكر أمين الريحاني- يوسف يعقوب المسكوني ص38
6-     نفس المصدر السابق- جان كمير ص72
7-     أوراق مهجرية- بحوث ومقاربات- رسائل- د. عبد الكريم الأشتر ص21
8-     الرسالة عدد ممتاز عن المفكر أمين الريحاني- حارث طه الراوي ص 55
9-     نفس المصدر السابق- الأديب نظير زيتون ص4
 
 
 
 
 
WEBMASTER : AA-ALSAAD
This Web Site Programmed and Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD ..... Copyright 2003 (C) SCOPNET  All Rights Reserved 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق