مجلة السنونو (
العدد العاشر ) -
ما علينا وما عليهم
|
|
حنين إلى
الوطن ( بقلم :
لقمان ديركي )
|
|
حنين إلى
الوطن
بقلم: لقمان ديركي
بصراحة حلوة باريس، بس أنا اشتقت إلى الوطن؛
اشتقت إلى الأصوات العالية في الشوارع وإلى أصوات زمامير السيارات قبل أن تفتح
الإشارة بدقيقة. اشتقت إلى الأوراق المركونة على جوانب الطريق والمياه المعكرة التي
تسيل بهدوء مختلطة مع الأوراق التي يسمونها ظلماً وعدواناً بالأوساخ، كما يتهمون
المياه العكرة الجارية بأنها سياقات يا عيب الشوم. اشتقت إلى منظر الميكرو ورائحة
مازوته المباركة التي ياما وياما زكمت أنفي وأنوف أصدقائي ومعارفي. اشتقت إلى كلمة
"مو شغال العداد وحياتك" وإلى أحاديث شوفيرية التكاسي مع الركاب والتي تتعلق كلها
ببخل الراكب السابق وكرم الراكب الأسبق. اشتقت إلى ملصقات أفلام الكاراتيه القديمة
على أبواب دور السينما عندنا وإلى مركز المدينة الذي أعدمت فيه المقاهي وكثرت فيه
البنوك. اشتقت إلى جاري الذي
يقف أمام باب بيته
مثل حارس خوفاً من إلقائنا
نظرة إلى "الحرمة". اشتقت إلى مشاهدة المشاجرات العابرة بين الناس، فنحن أكثر بلد
تجري فيه المشاجرات، ودائماً من أجل سبب واحد هو "النسوان"، إلى مدارسنا ذات الشكل
الموحد، وأبنيتنا ذات الشكل الموحد، ووجوهنا ذات التعبير الكئيب الموحد. اشتقت إلى
صوت أبوشاكر وهو يناديني باسمي الكامل واسم جريدتي كي يضيفني كاسة كوكتيل. اشتقت
إلى مطالبة ماهر الحلاق بمقهى الروضة بكتابة مقال عن صعوبة إيجاد سكن في دمشق وعن
سهولة الحلّ بأن تتبنى الدولة مشروع إعمار يدفع فيه الشباب أقساط بيوت ستصير ملكها
بارتياح. اشتقت إلى الشاي الأكرك عجم وتراقص النادل على أنغام طلبات الزبائن
وصراخهم من هنا وهناك. اشتقت إلى الأحاديث السياسية والمشكلة العراقية والمشكلة
اللبنانية والمشكلة الفلسطينية وباقي المشاكل اللذيذة التي حرمت منها هنا في باريس.
اشتقت إلى الدوري السوري بكرة القدم وحوادث بيع المباريات وشرائها وتصريحات
المسؤولين الرياضيين بأنهم سيضربون بيد من حديد وتحليفهم للاعبين على المصحف كي
يتأكدوا من عدم تعاطيهم المنشطات. اشتقت إلى السهرات مع الأصدقاء وأحاديثهم عن
الأجور التي يتلقونها والرواتب التي ينالونها والنجومية التي يحققونها. اشتقت إلى
الكسل، اشتقت إلى عائلتي، إلى جيراني، اشتقت إلى الفوال الذي وجدته في بيتي يصلح لي
الكومبيوتر فأخبرني أن الكومبيوتر هو مهنته الأصلية قبل الفول. اشتقت إلى السائق
اللي بيطلع أستاذ جامعة في نهاية التوصيلة. اشتقت إلى العابد والباكستان وباب توما
وأبو رمانة على أبو موزة. اشتقت إلى أبو إسماعيل وهو يطالبني بالإيجار دون أن
يطردني من البيت، وإلى كل المحلات التي تعطيني بالدين رغم حجم اللافتة المعلقة في
المحل والمكتوب عليها "الدين ممنوع والعتب مرفوع والرزق على الله". اشتقت للشوارع
والحارات. اشتقت لنهر بردى الدرويش الحباب. اشتقت للنشاطات الثقافية بالمراكز
الثقافية اللي بيحضروا فيها عمال المركز لوحدهم كي يكتمل نصاب الجمهور ليأخذ الشاعر
مكافأة الألف ليرة. اشتقت للكتب التي يصدرها اتحاد الكتاب العرب وتختنق في
المستودع. اشتقت لصندويشة الفلافل من ماركة الصاروخ من عند عمك أبو ياسين؛ اشتقت
للشام.
صحيفة بلدنا |
|
WEBMASTER : AA-ALSAAD
|
This Web Site Programmed and
Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD
..... Copyright 2003 (C) SCOPNET All
Rights Reserved
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق