الثلاثاء، 1 ديسمبر 2015

مجلة السنونو ( العدد العاشر ) - قصة قصيرة لعبة سيرك ( قصة : حنان وهبة )

مجلة السنونو ( العدد العاشر ) - قصة قصيرة
لعبة سيرك  ( قصة : حنان وهبة )   

لعبة سيرك
قصة: حنان وهبة
 
صفّقوا أكثر.. أكثر.. وليعلُ هتافكم أكثر فأكثر.. وليهزّ طبلة أذني أكثر كما هزّ جسدي هذا المعلّق منذ زمنٍ على خشبةٍ دائريةٍ تدور تدور مستسلماً لسكاكينك الّتي لست أعلم إن كانت ترغب في اصطيادي أم هي تحاول تأكيد براعتك وحسب بالالتفاف حولي.
لا بأس عزيزي فلا شيء يمكنه قتلي حتى سكاكينك الجائعة لجسدي، فجسدي الضعيف ينبع من جرح الموت ويورق من جديد.
بهلوانٌ أنت وتجيد النّطّ على الحبال.. بارعٌ أنت والناس تحبّ الاحتيال، وأنا أحبّ أن أركب الأرجوحة لأخترق صدر السماء متمسّكةً بحبلي وأن أخترق الموجة حتّى آخر مداها لأفهم كنهها وهواها.
- آه... أصبتني يا زوجي العزيز..
- أطفئوا الأنوار...
- لا تخف يا عزيزي فما زلت أرسم ابتسامة بلهاء على وجهي.
- هات يدك، وكفّي عن الثرثرة! سأحملك إلى الداخل.
- سيداتي وسادتي انتهى العرض بسرعة نظراً لأن السيدة ليلى مجهدة قليلاً. نعتذر إلى العرض التالي...
- لا تجزعي سيداويك الطبيب حالاً. لمَ تحرّكت..
- عشرون سنةً وأنتَ تصوّب بسكاكينك نحوي وأنا لا أبدي حراكاً لست أدري ماذا دهاك. هل أنت كبرت حتى ارتجفَتْ يداك، أم جسدي قرّر أخيراً الاعتراض فاهتزّ قليلاً؟
- لا بد أنّنا سنطرد كلانا من أجل اعتراض جسدك المفاجئ.
- لا بدّ أنك لم تقيّدني كفايةً هذه المرة فلفظت تلك الخشبة الصمّاء جسدي المصلوب عليها منذ سنتين.
- لطالما خرجت من بين سكاكيني تضحكين ومدير السيرك يكافئنا من أجل خفة يدي وفراسة عوني التي تدرك حدودك جيداً والآن تنكرين براعتي.
- أنكر براعتك؟!.. عشرون عاماً، وأنا أدور حول نفسي وبعضي يأكل بعضي وسكاكينك تطعنني بلا دماء، فأنا لا شيء أنا مجرّد صنم يتحرّك ليعلن انتصارك سيّدي ولست أدري على من تنتصر. لعبة جميلة نسمع في نهايتها قهقهات مرحة تضحك علينا أم معنا لست أدري...
اهتزّت الآن كلّ الصور وتوجّهت سكينك إلى مكانها الصحيح.
- اصمتي فقد جاء مدير السيرك بكرشه المستدير يرغي ويزبد.
- فشلٌ رهيبٌ جنيتماه.
- نحن نأسف سيّدي حقاً.. ولكن..
- أنا الذي آسف منكما لأنني لن أستطيع تقديمكما مرة أخرى للناس، فالناس لا يحبّون الفاشلين.
- لكنها المرة الأولى...
- وأخشى أنهل ستكون المرة الأخيرة التي يقفون فيها على خشبة السّيرك. أرجو أن تسرعوا بالخروج.
- الخروج؟! ومالنا..
- مال؟! لقد فشل العرض ومن أين لي بالمال؟..
امتزجت الأصوات حتّى لم نعد نعرف من شتم من، ومن باب السيرك الكبير خرج رجل وامرأة لأوّل مرة منذ عشرين سنة، والمرأة تتأبط ذراع رجلها كأوّل مرة ولكن في وجهيهما شيء مشترك هذه المرة.
- ها ها.. ها نحن أنا وأنت نمرّ من الباب الذي دخلناه قبل عشرين سنة.
- لكن شيئاً ما يجمعنا بقوة هذه المرّة.
- أنا وأنت مرّة أخرى ولا شيء..
- كنا دمىً متحركة لمدة عشرين عاماً، ومازالت أصوات القهقهات تملأ أذنيّ. تُرى ما الذي كان يضحكهم أكثر براعتك أم خوفي؟
- انتهى كل شيء الآن وعلينا أن نبحث عن عملٍ آخر حتّى لا تضحك الدنيا علينا.
- آه عاد الوجع.. دعنا نجلس قليلاً هنا.
- هنا؟! على الرصيف...
- نعم فانا منهكةٌ جداً وطريقنا يبدو طويلاً جداً.
- أعرف سيركاً كان صاحبه قد عرض عليّ مراراً العمل فيه، سنذهب إلى هناك.
- لن أعود إلى السيرك، ولن أعود دمية يحرّكها الآخرون. إنّها أوّل مرّة أشعر فيها بالحرية وبأنني إنسانةٌ..
- لا يمكننا العيش خارج السيرك، خُلِقْنا له وخٌلِقَ لنا.
- بل يمكننا.. نحن السيرك أنا وأنت. نحن من كنا نقيم العروض، فالآن سنقيم عرضنا هنا على الرّصيف وتحت قبّة السماء، وبرجلي المجروحة هذه سأتلقّى سهامك من جديد وقدري أن أصدّها.. هيّا
- لا.. لا يا غبية.. غير ممكن.
- هيّا.. هيّا أسرع ...
ودارت الخشبة من جديد، وكان أقوى العروض وكلّما كان الألم أقوى استمتع الناس أكثر...
اجل دارت الخشبة، لكن أقسم أنني يوماً ما سأوقف الخشبة وسأعود أنا ذاتي، لكن ضعفك أخافني، ولا يمكنني أن أترك جلّادي يضعف، فأنا أعرف أنّه من ألم السّوط يجلد.....
وعلى نفس الرّصيف وبعد عدّة سنوات شُوهِدَ إعلانٌ عن سيرك قريب أقامه لاعبان قديمان سئما كونهما دمىً يحرّكها الآخرون لكن لا بُدّ أنهما أوجدا دمىً بشريّة جديدة..
 
 
 
 
WEBMASTER : AA-ALSAAD
This Web Site Programmed and Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD ..... Copyright 2003 (C) SCOPNET  All Rights Reserved 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق