مجلة السنونو (
العدد العاشر ) -
قصة قصيرة
|
|
خطوط قدر
في فنجان (
مرسيل الخوري طراقجي
)
|
|
خطوط قدر في فنجانمرسيل الخوري طراقجي
أربع
مثقلاتٍ بالأحلامِ، بالأوهامِ، بالمخاوفِ، كنا.
أربع”
يحملن شهاداتٍ في الآدابِ والفلسفةِ والجغرافية والتربيةِ. أربع’
كادحاتٍ يركضن وراءَ الفرصةِ لا اللقمة.
حلمنا
كان الغد بما فيه من جديدٍ ، من مفاجآت،
تسبقنا
الضحكات’ المشتركة إلى جلساتٍ
صباحية لا نسرقها في خضمِ معركةِ الحياة ِوإنما نعد لها………أين ؟
في شقة
ٍمازالَ يسمع’ وراءَ كل حجرٍ من
حجارة جدرانها صوت’ ماكينةِ
الخياطة التي جلست وراءها صديقتنا المشتركة’
العتيقة’ قبل سبعين عاما" تخيط (
لبنات الذوات) –كما كان يحلو لها أن تسميهن- فساتينَ أفراحهن ومنا سباتهن وتتقاضى
في كل مرة ثمن حجرٍ من حجارةِ جدران البيت الذي علا سقفه’
واتسعت غرفه’ واحتلَّ حيا" يعد’
الآن من أغلى أحياءِ المدينةِ وأكثرها ضجيجا".
البيت
الذي كان جوازَ المرورِ إلي قلبِ زوجها الذي يصغرها بعشرِ سنواتٍ .
صوت’
الماكينة يهدر’ فتضيع’
بين أسنانها الأيام’ والشهور
والسنوات’ وتضيع معه الهوية’
وخانة’ العمرِ والميلاد.
أقدامنا
الهاربة’ من عملِ المنزلِ
الروتيني الذي سلخَ من أيدينا نعومتها،
قلوبنا
الهاربة’ من سكونِ ما بعد العمل
المنزلي، سكونٍ يشي باكتئابٍ وشيك،
شوقنا
إلى الخروجِ إلى ما هو أبعد’ من
الشرفة،
بحثنا
عن الجديد اليوم وعن جديدنا في الغدِ…. في قراءةِ فنجانٍ عند صديقتنا العتيقة،
كل هذا
كان يسارع’ خطواتِ اللقاء.
كنا قد
اعتدنا رؤيةَ رأسِ صديقتنا يلوح’
من وراءِ الزجاجِ يرصد’ حركاتِ
العابرين في الشارع المعروفين بأسمائهم وتاريخهم ، متاعبهم، منا سباتهم ، أولادهم
، أعدادهم ،خططهم ،مطبخهم مأكلهم، ملبسهم ، وحتى فضائحهم.
نسير’
بخطواتٍ وئيدةٍ متلكئةٍ ، عيوننا تبحث’
عن عيونها طالبةً منها رصدنا، إيقافنا ، دعوتنا بكلمة سحرية هي ( تفضلوا ) تقولها
بتلقائيةٍ محببةٍ وإصرارٍ صادقٍ.
المهم
في الأمر أن ترانا حائماتٍ قربَ بيتها. وحين تلتقطنا عيناها الراصدتان من وراء
ِشجرةٍ، قصت بعض’ أغصانها حتى لا
تحجبَ رصدَ العيونِ ولا تحرمنا الدعوةَ المغلفةَ بكلمةِ (تفضلوا)،
تتعثر
خطواتنا وتتراكب أقدامنا. فزيارتنا تكون غالبا" بلا موعد استجابة لرغبة في الدردشة،
في الخروج ،في الهروب ، في استعمال مفتاح البيت لإغلاقه على المتاعب والرتابة.
ندق
الجرس باستحياء الأطفال وجرأة المدعوين.
يفتح
الباب لتستقبلنا ابتسامة عريضة وتعبير محبب أهلا" وسهلا" ورائحة مختزنة منذ سنين
رائحة افتقد فيها الأوكسجين وحلّ محله دخان السجائر ورائحة أقدام الداخلين
والخارجين.
ندخل
عادة على رؤوس الأنامل خشية أن نوقظ زوجها العزيز الذي احتمى بحجارة البيت وصوت
الماكينة فأرضى بذلك رغبة شديدة في النوم بينما يعمل الآخرون ؛ فهو ينام في النهار
ويصحو في الليل.
كنا
نعتبر أنفسنا سعيدات الحظ حين تكون الغرفة خالية إلاّ منا من مضيفتنا ورائحة
السنين وبقية رائحة قهوة تلطف الجو المشحون بكل شيء إلا من الأوكسجين.
تستريح
أجسادنا التي نرميها فوق أرائك مصفوفة بشكل عسكري تملأ كل زاوية ما عدا تلك التي
تتزاحم فيها فناجين القهوة المتراكمة ، فناجين زوار سبقونا فسرقوا الأوكسجين
المتبقي في الغرفة تاركين وراءهم بقايا أحلام مرسومة خطوطا" وإشارات على جوانب
فناجين تجمعت في الزاوية تنتظر زائرا" آخر وحظا" آخر . نعتاد على الجو بعد دقائق
وننسى ضيق التنفس في زحمة الضحكات التي تبعثها صديقتنا العتيقة بتعليقاتها وأخبارها
كما تضيع هي الأخرى في لجة الحديث هربا" من زوج يصلي بأن يرث البيت الذي لم يزقزق
فيه طفل وتصور له أحلامه المدعومة بالصلوات تحول البيت إلى جنة تتلوى فيه حورية
كالحوريات اللواتي يلتقيهن في الليل ويغرق في أحضانهن أحلامه المؤجلة.
أما
صلواتها هي فهي أن يسبقها زوجها في الرحيل اعتمادا" على عنصر المفاجأة لا الزمن
لتضيع عليه فرصة الإرث. كان نزاعهما نزاعا"ساخنا" باردا"، صامتا" معلنا" لكنه
صراع، الباقي فيه هو الرابح، هو المنتصر .
بعد أن
تختفي الضحكات تبدأ رواية سلسلة من القصص القديمة المكررة عن زبونات محترمات وعن
أخريات بخيلات ، قصص زواج مدبرة وأخرى فاشلة بطلاتها أسماء بلا أجساد لأحداث حصلت
قبل خمسين أو ستين عاما" لم نكن قد ولدنا فيه بعد لكنها أحداث أزلية تجري في كل
زمان ومكان بطلاتها زرقاوات العينين شقراوات الشعر سمراوات ممشوقات القامة أو
قصيرات ولدن وملاعق من الذهب في أفواههن.
تتعالى
الأصوات وتتشابك التعليقات فلا يهدئها إلا قدوم القهوة على صينية ناءت بحمل أفواج
من القهوة منذ الصباح.
تختار
كل واحدة منا فنجانا" تبدأ برشفه مخلفة على جوانبه مع كل رشفة رسوما" لأمنياتها،
توقعاتها، آمالها همومها ومع آخر رشفة تعلو جفونها متسائلة، طالبة الإذن بقلب
الفنجان رأسا" على عقب لتتحول الرشفات كلاما" ودردشة وهمسا. يزاح الفنجان ليكون في
وضع مائل تجف معه الكلمات والرسوم وعندما تومئ صديقتنا إلى الأولى فينا أن تتقدم
تنتقل بسرعة وطاعة لا تماثلها إلاّ طاعة طفل فتجلس إلى جانبها حيث تقرأ صديقتنا
رسائل صامتة في عينيها، تسبر غورها تتجول بين أفكارها تمرر قراءاتها عبر نظرة إلى
جوانب الفنجان ثم تنقلها إليها فرحا" يحول التجهم والخوف إلى أمل وابتسامة .كل ما
كانت تنقله كان مغلفا" بالفرح والتفاؤل ومع كل جملة تنطق بها تتردد عبارة إن شاء
الله من الجانبين فدون مشيئة الله لا تكتب السطور على صفحات القدر فما بالك جوانب
فنجان! كما تتردد عبارة (يا ليت ) (صحيح),( نعم ) وما شابه ذلك من عبارات الإذعان
والتسليم إلى أن يفرغ الفنجان من الصور والكلمات لتنتقل صديقتنا اللطيفة إلى
متلهفةِِ أخرى إلى تلقي الفرح والأحداث السعيدة بعد فترة من التوقف تنال فبها
صديقتنا قسطا" من الراحة تملؤها بنكتة أو خبر طازج وفترة كافية لأن تنسى المتمتعات
الصابرات ما قيل للأولى فيهن فتستقبل الكلام وكأنه صيغ لها وحدها مفصلا" لتاريخها
وحياتها وبيئتها بمقاييس تناسبها.
هذه
الصورة الهاربة من المنزل رقم 9 في شارع رئيسي من مدينتي الحبيبة هي التي تلاحقت
وتراكبت قطعها المبعثرة المختبئة بين طياّت الأيام والشهور لترتسم صورة حية بكل
تفاصيلها الدقيقة عندما التقيت البارحة بزوج صديقتي الذي بدأت أحلامه بالتحقق قبل
عام حين وقعت صديقتنا فريسة المرض لتبعث بذلك في قلب زوجها الأمل وتلون كل أحلامه
بكل الألوان المنتزعة من حياة الليل التي كنت تراها في شعره المصقول وشاربه
المصبوغ والتي عبر عنها ونحن نعودها دون أمل هذه المرة في قراءة طالعنا ، قائلا"
سترتاح بعد ثلاثة أشهر مؤكدا" على كلمة الراحة بكل ما تحمله من احتمالات لصالحه.
امتدت
يدي للسلام عليه والسؤال عن زوجته وإذا بي أتلقى صوتا" تكبته بحة خانقة صدرت عن
جهاز مثبت في الرقبة، جهاز يقوض الأحلام، يهدم الآمال يخلط الأوراق ، يمدد السباق
لصالح صديقتنا.
البطاقة
الصفراء الآن في ملعب الزوج ولم يبق لصديقتنا سوى ضربات الجزاء
أتراها
قرأت في فنجانه خطوط المستقبل!!!!
وهل
ستتحول الخطوط إلى حقائق؟
أم أن
النتيجة ستكون تعادلا" ولا يبقى من اللعبة الأزلية إلاّ أصوات الجماهير ؟؟؟؟
|
|
WEBMASTER : AA-ALSAAD
|
This Web Site Programmed and
Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD
..... Copyright 2003 (C) SCOPNET All
Rights Reserved
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق