الثلاثاء، 1 ديسمبر 2015

مجلة السنونو ( العدد العاشر ) - قصة قصيرة ارايا ( بقلم: المغترب الاستاذ جورج حسون المعلوف )

مجلة السنونو ( العدد العاشر ) - قصة قصيرة
ارايا  ( بقلم: المغترب الاستاذ جورج حسون المعلوف )   

أرايا
بقلم المغترب الأستاذ جورج حسون المعلوف
 
      لا يخلو ذهن امرئ من قصة جديرة بالرواية ولكن الصعوبة هي باستخراجها من مخبئها في صدر صاحبها وانتهاز فرص انحلال الألسن وانفتاح أبواب القلوب، وليس على وجه البسيطة بشر، رجلاً كان أو امرأة، مهما عبثت بعوده يبوسة الشيخوخة، ورزح تحت ثقل مداميك السنين، لا يخفي في أعماق ذاكرتهن أو في سويداء قلبه، ذكريات أويقات سعيدة، وفي حنايا أضلعه ندب جروح لمتها السنون، فيستعرضها في ذهنه أحياناً، مستعيداً معها الأويقات التي رافقتها، كأنّه يثور على حكم الزمن الذي يسري على لحاء شجرة الرز فيغضنه ويصوحه ولكن عودها يفلت من سلطانه فيظل رطباً نظيراً.
ما كنت أظن أن أندريا كبلمان، ذلك الشيخ الهولاندي الأعبل ذا الوجه الممتلئ الذي لوّحته الشمس والخمرة، يحفظ في سفر ماضيه القصي صفحة مأساة مفجعة كانت مسرحاً لها إحدى غابات الأمازون الهائلة!
حدث لي في أحد أسفاري على ضفاف ذلك النهر العظيم أن سقطت مرة فانكسرت إحدى ساقي واضطررت إلى الإقامة شهراً أو بعض الشهر مسجى على فراشي في منزل الهولاندي في تارغو، فأدى هذا الحدث إلى نشوء صداقة بيننا اشتدّت فيما بعد أواصرها، فإن ذلك الشيخ الكريم العنصر والطيب القلب، عقب أن أدرك أن إقامتي عنده غير محدودة الأجل، رأى نفسه مجبراً على أن يكون أنيسي وسميري في ألمي ووحدتي فضلاً على أن حسن حاله وعزلته الكاملة جعلاه يشكر القدر الذي أحلني عليه ضيفاً محدثاً ومسلياً.
وكيفما كان الأمر، فإن صاحبي الهولاندي كان يجرّ كل يوم كرسيه الضخم إلى جانب سريري ويقضي بقربي أكبر وقته، ما عدا الساعات التي كان يكرّسها للعناية بحديقته الغنّاء، وخصوصاً بمجموعة زنابقه النفيسة.
كان هذا الرجل الطيب يمثل رزانة أبناء جنسه وصمتهم أبلغ تمثيل، حتى وددت لو كنت من مواطنيه لأقضي العمر قربه، أدخن الغليون وأغوص معه في بحار التأمل، ولكن مثلي لا يحتمل الصمت طويلاً، بل إنّي أرى فيه إخلالاً بأصول اللياقة، فكنت أحادث الهولندي في شتّى المواضيع وأحمله على مبادلتي الأبحاث، بيد أن أحاديثه كانت قليلة التنوع، والحوادث التي جرت له نادرة؛ وبعد أن حدثني مراراً عن جمال الحياة وغرابة العيش في جزيرة سيلان، حيث قضى ثلاثين عاماً، لم يعد يتكلّم إلا عن أنواع النبات وفصائله، وكان، والحق يقال، عالماً كبيراً به، واسع الاطّلاع جم الاختبار، ولعل ولعه هذا كان باعثاً له على إفشاء الحادث الغريب الفرد الذي كان هو نفسه شاهده، أو قل بطله، وقد جرى في إحدى غابات البرازيل، ففي إحدى الليالي، وعقب إحجام تكرر مراراً، كأنّه كان يخشى ألا أصدّق حديثه، أعتدل في كرسيه وتنحنح قليلاً ثم بدأ قائلاً:
إني حدثتك عن النبات ولكنني كتمتك أمراً واحداً، أمراً ما بحت به قط لغرابته، ولم أجرؤ أن أقوله لأحد خوفاً من أن أرمى بالجنون، بيد أني أؤكده لك لأني شهدته بنفسي وعدا ذلك فهو أمر طبيعي لا شك فيه كأن الطبيعة، في العصور التي سبقت التاريخ، تحيرت في تصنيف بعض المخلوقات وترددت في أن تضمّها إلى مملكة الحيوان أو النبات، أو قل إنها عملت اختبارات هائلة فأوجدت في المملكة الحيوانية الكيتوزواريو أو النمر ذا الأنياب السيفية، وأطلعت من الأرض نباتاً شرساً قاسياً، وغيرهما مما لا نعرف عنه إلا النزر اليسير، لأن النبات؛ نظراً على سرعة انحلاله وامتزاج عناصره بالأرض، لم يترك من المتحجرات ما خلفه الحيوان ومع ذلك فإن في غابات بورنيو في البرازيل التي لم نطأها بعد قدم إنسان نماذج عديدة لتلك المخلوقات الهائلة، وقد قضى علي نكد طالعي أن أرى واحداً منها عام 1894، وكنت آنذاك مسافراً في أعالي نهر جافري مع بعثة علمية من وتردام، وكنا على بعد ألفي ميل عن مصب نهر الأمازون، وفي المنطقة المعروفة بين نهري جافري ومارانيون.
كنت أسير في مقدمة قافلة من عمال استقطار المطاط وهنود متحضرين أقمت رئيساً عليهم خلاسياً اسمه جوان الفس، مات بعد ذلك بسنين في حروب آكري، وكان هذا الرجل يكتم ما يضمره من الاستخفاف بي لأني لم أكن صيّاداً أو جيولوجياً أو معدناً، فكانت مهنتي كعالم نباتي غير ذات شأن عنده.
سافرنا من الناصرة وبعد سير شاق دام أياماً عديدة، أخذنا نتتبع مجرى نهر كور كو في غابات غضة باسقة الشجر، كنت اعثر على نباتات مجهولة لا تحصى فأسير حائراً مأخوذاً وآسفاً على أن لا يقيض لي المكوث هنالك، على الأقل، سنة كاملة لأدرس مدققاً تلك النباتات العجيبة والأزهار الغريبة الفتّانة.
هناك أخذت أرى وأقر بوجود النبات الحيواني أو الحيوان النباتي، وكان قد أُتيح لي أن رأيت في معهد النبات في كاركاس أغراس الكونفولفولوس. اللبلاب المعروف. وهو النبتة التي تطول ساقها إبان نمّوها بسرعة تبلّغ الأمازون من النخيل البري وغيره ما يفوقها كثيراً. أما النباتات المفترسة التي تجتذب الذباب والفراش والزيزان وتلتهمها فإنها كانت تعد بالمئات.
سكت أندريا قليلاً ونظره تائه في الفضاء كأنّه يستعيد بالفكر تلك الخوارق. ثم ما لبث أن استأنف الحديث قائلاً:
وصلنا يوماً إلى إحدى قرى الهنود. وكان جوان يعرف لغتهم. فتفاهم معهم وأكرموا وفادتنا حتى قررنا الإقامة بين ظهرانيهم بضعة أيام. وهنود هذه المنطقة أليفون مضيافون. إذا عوملوا بالحسنى. فاتّخذت بعضهم أدلاء وآخرين مساعدين في تجفيف وتصنيف نماذج النبات التي كنت آخذاً بجمعها. وكان بينهم فتاة هندية حسناء ذكية الفؤاد اسمها أرايا ما عتمت أن علقت بي وأصبحت تخدمني بوفاء المحبة وخضوع الرقيقة!..
هنا توقف الهولندي الشيخ عن الحديث ولكن حلاوة نظراثه التائهة والابتسامة العذبة التي كانت تغمر وجهه كانتا تنمان على ما يكتمه في قرارة نفسه من ذكريات غارقة في بحر من الكآبة والحنين، فتخيلته أمامي شابّاً قوياً وتمثّلت الهندية كاعباً حسناء والهة خاضعة!
وتنهّد الشيخ ثم استطرد قائلاً:
رافقتني أرايا مراراً إلى الغابات الغضة المجاورة للقرية، وكان جوان يصحبنا في بادئ الأمر ولكنه ما لبث أن كف عن مرافقتنا، وقد أمضه اهتمامي بالنبات وقلة اكتراثي للمعادن، وكانت هذه تهمة بشكل خاص.
وحدث عند عودتي من تجوالي في أحد الأماسي أن رآني جوان، وكان ينتظرني، فهرع إليّ وهو يقول، محاولاً كتم انفعاله: يا سيدي.. غداً.. لا بد من أن تصحبني.. إن لدي شيئاً من الضروري أن تراه! شيئاً هاماً اكتشفته!.. سترى يا سيدي!..
عبثاً حاولت استطلاعه بعض أمره، ولكن بريق عينيه وتهدّج صوته كانا يشفان عن انفعاله الشديد، فما الذي اكتشفه يا ترى؟ وأخيراً وعدته بمرافقتي إياه، وكان التعب مستولياً على تلك الليلة، فما لبثت أن نمت نوماً عميقاً.
ما كادت تلوح طلائع فجر اليوم التالي حتى كان جوان يوقظني وقد أعد للسفر عدّته، وحمل على ظهره كيس المؤن وعلق في كتفه البندقية، فأخذت بالاستعداد أنا أيضاً، وما كدنا نتبيّن المسالك وسط ذلك الضباب الصباحي، حتّى بدأنا السير ومعنا أرايا، وكانت تحمل كالعادة حقيبتي الصغيرة وسيفاً قصيراً ذا حدّين لشق الطريق أمامنا.
ولا بد من القول أن النبات في هذه الغابات البرازيلية ينمو بسرعة مدهشة حتّى قد يتعذّر على المسافر أن يهتدي في الغد إلى طريق فتحها اليوم وذلك نظراً إلى ما يطلع فيها يومياً من النبات وما يعترض فيها من الأغصان الجديدة، بحيث يصبح من اللازم حمل فأس قوية لوضع علام على الصخور وحزّ فرض في جذوع الشجر تؤمن العودة في الطرق التي اتّخذت للذهاب.
قضينا النهار كله سائرين وعند المساء وصلنا إلى كوخ كان قد أعدّه جوان البارحة لمبيتنا، فأوقدنا نارين عظيمتين لتنفير الضواري إذا هجمت علينا، حاولت ثانية أن أستكشف جوان شيئاً مما كان ينوي أن يريني إياه في الغد، بيد أنه ظلّ مصرّاً على الكتمان واكتفى بقوله: غداً سترى.. ولم يزد، ثم التفّ بعباءته واستلقى قربي قائلاً: يكفي أن تظلّ أنت وأرايا ساهرين حتى منتصف الليل ثم توقظاني لأنوب عنكما في الحراسة إلى الصباح.
أذعنت لإرادته عاملاً بها. فأيقظته نصف الليل. وعند الصباح استأنفنا السفر ولكننا لم نسر ألا قليلاً حتى وصلنا إلى فجوة واسعة وسط تلك الغابة، فأشار جوان إلى صخرة كبيرة رمادية اللون تملوها بقع صفراء متفرقة. وقالك ها هو!.
لفظ هاتين الكلمتين وهو يستل ّ مدية ذات شفرة قصيرة قوية أولجها تحت إحدى تلك البقع فاقتلعها فإذا هي كتلة بحجم بيضة الدجاجة. ثم أردف وصوته يتهدّج انفعالاً وسروراً: انظر يا سيدي.. اعلم أن الذهب كثيراً ما يوجد على سطح الأرض في أمابا. ولكن هنا.. وبهذه الكمية؟.. إننا أصبحنا أغنياء يا سيد أندريا.. أغنياء إلى درجة لا يعلمها إلا الله؟
أخذت أهدئ ثائر نفسه لعلمي أن هذه الكتل من الذهب التي تلصق بالصخور كثيراً ما تكون قذائف مناجم بعيدة أو جد عميقة لفظها جوف الأرض منذ ملايين السنين من فوهات البراكين أو عقب زلازل واهتزازات شديدة عنيفة. وحاولت إفهامه أن تلك الصخرة قد تكون الوحيدة بذهبها. وأن ما على ظاهرها من هذا المعدن والحالة هذه. هو دون ما نقدر أن نعده ثروة.
ولكن جوان أبى أن يصدقني وأصر على أن أوقع له وثيقة أعاهده فيها على كتمان أمر الذهب ومساعدته على استخراجه وإعطائه نصف محصوله. فقلت له: لكنك وحدك صاحب الحق فيه لأنك مكتشفه الوحيد. فأجاب: نعم ولكن لا مال عندي لمصروفات الاحتفار والتنقيب، فضلاً عن أني خادم بسيط أمي ولا يحق لي نيل امتياز ما.
فهمت حينئذٍ ما الذي حمله على طلب مساعدتي. فأمضيت له الوثيقة.  وأبى بعد دسّها في جيبه. أن يضيع دقيقة واحدة. فسار واعداً بعودة سريعة مع باقي الرفاق والأمتعة. فسمحت له بالذهاب. ولم تكتم أرايا سرورها ببقائنا وحيدين متفردين في حضن تلك الغابة. فتغدينا طربين مسرورين ثم تمشّينا يحدوني حبي لأرايا وغرامي بالنبات وولعي بالبحث في أنواعه.
لم نكد نسير قليلاً حتى استوقفتني أرايا هاتفة متعجبة حدقت إلى حيث أستقر نظرها فوقفت حائراً مبهوتاً.. بين تلك الأغصان العارية الكثيرة الابن العقد.. المتدلية كأذرعة إخطبوط هائل. من شجرة كبيرة ذات شكل مخيف كان معلقاً جمم خنزير بري كبير كأنّه عصر عصراً!
 خنزير بري معلّق بين أغصان شجرة على علو مترين من الأرض! كيف يفسر هذا الأمر؟ إن هذا النوع من الحيوان لا يتسلّق الشجر وعدا ذلك فإنه كان ميتاً! المكان قفر فمن ذا الذي وصل إليه وتكلّف مشقة رفع الحيوان وتعليقه؟
لم أعط من الوقت ما يسمح لي بإنعام النظر وأوجست في داخلي فجأة خطراً كبيراً يتهددنا وأحسست في الوقت نفسه كأن أفعوانين قويين التفّا عليّ الواحد حول ذراعي من تحت إبطي والآخر طوق خصري فالتفت مذعوراً وإذا بي أرى غصنين عاريين كأنّهما حبلان ضخمان من القنّب يشدّان حلقاتهما عليّ فطارت نفسي شعاعاً وقبل أن احاول التملّص منهما رأيت إني أرتفع عن الأرض بسرعة ولكن أرايا لحسن الحظ ولم يفقدها هول المنظر صوابها فصرخت من جزعها صرخة مدوّية وقفزت بخفّة النمر فأمسكت بالغصن الذي كان ملتفّاً على ذراعي اليسرى وانهالت عليه بضربات متوالية من فاسها الحادة حتى قطعته وأخذت بدوري أفك عقدة الغصن الآخر الملتفّ على وسطي فحللتها واهوين إلى الأرض ورأسي إلى الأسفل فرضت كتفي وشج رأسي وسال دمي على عيني وأنفي ومع ذلك فإني نهضت سريعاً ونظرت حولي فلم أرَ أرايا رفعت نظري مفتّشاً وإذا بي أرى الفتاة التاعسة على علو ثلاثة أمتار أو أربعة وقد التفّت عليها تلك الأغصان المشؤومة التفاف الخيوط على بكرة.
صرخت صرخة أشبه بعواء الذئب وركضت مفتّشاً عن أصل الشجرة لاتسلّقها ولكن أرايا المسكينة كانت قد توارت بين أوراق تلك الدوحة الأثيمة وفي جوفها ورأيت في الوقت نفسه عشرات من الأغصان النائمة على الأرض تتحرك ببطء متّجهة إليّ وسمعت لأوراق الشجرة حفيفاً هائلاً كفحيح الأفاعي.
أجفلت مسوقاً بجزع لا يُقاوم وبعد أن صرت على بعد من الشجرة خانتني قواي فسقطت على الأرض باكياً منتحباً ثم شعرت أن قلبي يتفطّر في صدري فطفقت أركض على غير هدى كأنّ عدوّاً هائلاً يطاردني فكنت أقع تارةً وأعثر أخرى مدة ساعات عديدة غير مبالٍ بما كان ممكناً أن ألقاه من الأخطار.
فاجأني جوان وهو عائد على رأس القافلة فألفاني ممزّق الثياب، دامي الوجه، مهشّم اليدين وسمع قصّتي بشيء من الشكّ كأنّي مجنون ولكنني طلبت منه أن يترجمها لرفاقنا الهنود فتناولها هؤلاء وأخذوا يتباحثون فيها باهتمام شديد وجوان يصيخ إليهم راجفاً خائفاً ثم نقل أليّ ملخّص كلامهم فقال إن هذه الشجرة تسمّى " أو- ته- موي" وكانت قديماً كثيرة الانتشار في هذه الغابات ولكن الهنود أصلوها حرباً حواياً حتى ظنوا أنهم قضوا على نوعها واستأصلوا شأفتها.
سألتهم بحزن وانكسار إذا كان ممكناً تخليص أرايا من براثن تلك الشجرة الأثيمة فهزوا رؤوسهم بأسف يقرب إلى اليأس ولكنهم ألحّوا عليّ بأن أدلهم على مكان الشجرة ليغتنموا فرصة هجودها وعندهم أنها عقب اغتذائها تظل بضع ساعات في هدوء أشبه بالسبات فيؤمن شرّها وهي على تلك الحال.
سار الهنود ورائي وهم متلهّبون حماسة شاهرين كل أسلحتهم القاطعة ولما وصلت ثانية إلى أمام الشجرة الملعونة كاد دمّي يجمد في عروقي هلعاّ لمرأى جسم أرايا جافاً أبيض كالشمع عالقاً بالأغصان قرب الخنزير البري الذي كان ولا شك غذاء الشجرة في الأمس.
انقض الهنود بفؤوسهم وقواطعهم على جذع الشجرة وفي أقل من ساعة كانت ملقاة على الحضيض فحللنا الأغصان التي كانت ملتفّة على جسم أرايا وغارزة فيه وحملتها على ذراعيّ مبللاً وجهها بدموعي ثم وضعتها على العشب الأخضر ورجعت قربها محدّقاً إليها كالمصاب في عقله.
ما عتِم الهنود أن أضرموا النار في الشجرة بعد أن غزلوها عن غيرها خشية أن يمتدّ اللهيب إلى باقي الغابة بيد أني بالرغم من هلعي ويأسي لم أسهُ من فحص جذعها العاتي، رأيت فيه عروقاً وشرايين كالتي في أجسام الضخم من الحيوانات اللبونة يقطر منها سائل أحمر كالدم.
أعددنا لأرايا محملاً من عيدان الشجر وعدنا بها إلى القرية على أكتاف الهنود وكنت أسير في مؤخرتهم مطأطئ الرأس كأنّي أرى على ذلك المحمل هنائي كلّه ميتاً يُسار به إلى القبر. دفنّا أرايا ي القرية وغطينا حفرتها بالأزهار والرياحين.
سكت الشيخ الهولندي متنهّداً ورأيت دمعتين تغشيان عينيه الرماديتين النجلاويتين ثم أردف بعد صمت قصير:
جئت من تلك الغابة بذهب كثير ما زلت أعيش به حتى اليوم وجئت أيضاً بأغرب ما يروى من عالم الذات ولكنني قد أكون غادرت هنالك الحب الأكيد والوحيد الذي عرفته في حياتي!.
 
 
 
 
WEBMASTER : AA-ALSAAD
This Web Site Programmed and Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD ..... Copyright 2003 (C) SCOPNET  All Rights Reserved 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق