الجمعة، 6 نوفمبر 2015

مجلة السنونو ( العدد الخامس ) - شعر مترجم - من القصائد الأخيرة ( رسول حمزاتوف )

مجلة السنونو ( العدد الخامس ) - شعر مترجم
من القصائد الأخيرة ( رسول حمزاتوف ) - ترجمة : عدنان جاموس

          يبدو لي أن الشاعر عندما يعِّبر عن ذاته بصدق فان الذاتي يصبح إنسانياً عاما . ولكن عندما يرغب في أن يحتضن ما تقصر ذراعاه عن تطويقه تتوارى مشاعره تحت حجر يعجز عن رفعه . و يسيطر في أشعاره التكلف و التخطيطية و الأطروحة العامة. و يبدو لي أن كل ما هو قومي صادق يعكس في ذاته , كما في قطرة الندى , الأممي الكبير.
ثمة شعراء يرون أن الأمر الرئيس و الأهم هو الواقع الحقيقي , و التفاصيل , وما تلاحظه العين وترصده . وثمة شعراء آخرون تهمهم الفكرة التعميمية و البنية المنطقية .

         ولكن الشعر الحقيقي هو مزيج هذا و ذاك . عندما يغيب الشعر يبدأ تكلف الحكمة , و عندما تغيب الحكمة تبدأ الديماغوجية ... إن الشعراء القوميين بعمق هم دائما شعراء أمميون ... و عندما يكتب الشاعر عن شعبه و يؤكد انتماءه له فان هذا لا يعني أن يرى غربانه عنادل و عنادل الشعوب الأخرى غربانا ... وفي هذا يكمن موقفنا الفكري الأدبي الحقيقي و التزامنا بمُثل العصر العليا العظيمة. 
                                                                                    حمزاتوف 
                  عالم ثالث   
 
 عندما سأنتقل إلى العالم الآخر
 سأقابل أبى و أمي من جديد  
ولن نؤجل حديثنا إلى ما بعد :
 -    كيف الحال على الأرض ؟
لكنني لا أجيب ...
وكيف لي أن اخبر هذين الصدّيقين الحقيقة
يا ليتني ولدت أبكم .
 
عندما سأنتقل إلى العالم الآخر
سأقابل هناك أخويّ اللذين استشهدا في الحرب:
-    ايه , كيف البلاد ؟ كيف الوطن ؟  
                                          كيف البيت ؟
للمرة الأولى سأجد نفسي راغباً في الكذب
                                                 عليهما فكيف لي أن أقول للذين استشهدوا في سبيل
                                                  الوطن
إن بلادهم لم يعد لها وجود ؟
 
 عندما سأنتقل إلى العالم الآخر
و أقابل هناك أصدقائي الحميمين 
و يتعرفونني بعد لأي 
سيغمرونني بالأسئلة كما بأكداس الورد
   -  أين أحسن : هنا أم على الأرض ؟
 لا ... لن أجرؤ على النظر في عيونهم .
 
عندما سأنتقل إلى العالم الآخر
سأرغب في الذهاب إلى عالم ثالث
عالم يسود فيه السكون
ولا يُوجِّه فيه الله أو المسيح
أية أسئلة مؤلمة !
 
                        ***             
                      العاديّون
 
 لا أحب العاديَّةَ في المصير
بالرغم من كثرة الرمادية في هذا العالم .
لا احب المهرولين إلى خفض الجباه الخدومة
بالاتجاه الذي تهب منه الريح .
 
يحدث جدال بين السماء و الأرض
رعد و بَرَد و بروق صامتة ,
و بين الأصدقاء يمكن أن تنشب مشادات
والرمادية وحدها تظل دائماً ساكنة .
 
حشود الموظفين العاديين
تتزاحم , منذ , القدم , قرب العرش
و تنحدر كعربة من قمة جبل
لتنحني بتملق مرة اثر مرة  .
 
صفوف الشعراء العاديين
يهرولون لتأدية بروفا الجوقة الإبداعية
و ربة الشعر تقف على الرصيف
عارضة نفسها للبيع و هي تموت خجلا
الرمادية ملأت كل الزوايا حولنا
ومن الغريب انك عاجز عن الاختباء منها
تغلق باب غرفتك , توصد باب الدار بالمسامير
و إذا بها تطل عليك من شاشة التلفاز
 
تئز الدعايات كالمغزل
لجوجة , و دائمًا تافهة .
وقد نجحت منذ مدة طويلة
في إزاحة بوشكين و بلوك عن الشاشة .
 
العادية ملأت المنابر العالية
بافراط لا حد له و لا نهاية
والميكروفونات أخمدت صوت القلوب
و تهدر اليوم بصوت أعلى من دفوف أهالي
                                                 الجبال
 
البلد الجبار تمَّزق ,
الزمان و المكان , جزأهما الكذب .
والرمادية انتشت من جديد بخمرة الفوضى ,  واعتمرتْ تاجَ الادعاء .
 
انها تشحذ منقارَها الامبراطوري
ناظرةً في مرآة معوجة ...
أيتها العادية : إنني لا أحبك
ولكنك لست أهلاً حتّى لبغضي .
 
                  المحكمة
عندما يدنو أجلي
ويلوح السراط أمامي من بعيد ,
القاضي الأعظم الذي يحسم النتائج
سيُرْبِك ذهني بأسئلةٍ ثلاثة :
سيسألني : بعدما تركت الحياة وراءك
هل عرفت السعادة وأنت تائه في ذاك العالم
قلبي سيخفق بين جوانحي كشعلة متوهجة ,
و سألفظ اسمك يا حبيبتي .
 
و سيسألني : بعد أن تركت ضوضاء الحياة
هل عرفت الحزن في بَهرج العالم ذاك ؟
عندها سأشير إلى السحب المدلهمَّة
فاللطخات السوداء التي في نفسي ليست أقل
                                                  منها .
 وسيسألني : أفل العصر , كما تأفل النجوم
ما هو الإثم الذي ستعترف به ؟
لن اعترف إلاّ بأنني كنت في بعض الأحيان
                                                سياسيًا
مع أنني ولدت في تلك الدنيا شاعراً .
 
ولكن قبل أن يقرر القاضي مصيري
وهو يشمل الحياة كلها ببصره الذي يرى كل
                                                  شيء
سأتوسل من أعماق قلبي إلى المهيمن الأعظم
أن يجد لي مكاناً بين الجنة و النار
***   

 
 
WEBMASTER : AA-ALSAAD
This Web Site Programmed and Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD ..... Copyright 2003 (C) SCOPNET  All Rights Reserved 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق