الجمعة، 6 نوفمبر 2015

مجلة السنونو ( العدد الخامس ) - قصة قصيرة - أمي لا تعرف الحب ! ( محمد شعبان )

مجلة السنونو ( العدد الخامس ) - قصة قصيرة
أمي لا تعرف الحب ! ( محمد شعبان )

         لا أنا , ولا أي واحد من أخوتي, سمع منها-على علمي –كلمة حب واحدة , فكلمات مثل يا حبيبي ويا عمري ويا نور عيني وغيرها,والتي تتحف بها أمهات هذه الأيام أبناءهن,لم تكن أمهاتنا يستعملنها لنا أبدا ربما لأنهن لم يسمعنها لا من أًهلهن, ولا من أزواجهن الذين صاروا آباءنا.

        وعند دخولنا المدرسة , وقراءة القصص والمواد التي تتحدث عن حب الوالدين لأبنائهم,حتى من قبل الكائنات الأخرى-غير المباشر- وخاصة الأمهات, صرنا نتندر-أخوتي وأنا –بأن أمنا ليست من هؤلاء اللواتي تتحدث عنهن الكتب. واجتهدت أختي الصغرى بأن أمنا, لأنها لم تدخل المدرسة فهي لم تسمع بذلك الحب. ولذلك فهي لا تحب أحداً... حتى نحن!نعم إنها تفعل مثل كل الأمهات, فهي تطهو طعامنا,وتغسل ثيابنا, وترقعها, وتحمل الحطب على رأسها من الجبل البعيد, وتعجن الطحين, وتخبز الخبز على التنور بيديها العاريتين, إلا من قطعة قماش سميك, وتحمل الماء على رأسها من عين الماء البعيدة أيضاً, وتكنس المنزل وتنظف الصحون والطناجر والملاعق, وتفرش لنا الفرشات لننام عليها,وتلمها وتعيدها إلى مكانها في الصباح,وتعتني ببقرتنا الوحيدة فهي تطعمها وتسقيها وتنظف ضرعها.... حتى ظننا أنها تفضلها علينا, ومع ذلك تعو عليها دائماً  بالعمى وتقطيع الأوصال!وهذا بالضبط ما تفعله جميع نساء قريتنا,ولكن أمي لم تقل لأحد منا مرة كلمة حب واحدة!

         في مساء لا بياض فيه,وقعت الواقعة بينها وبين أبي, لم نعرف السبب. الصحيح أن الواقعة وقعت عليها-كالعادة-إذ ارتفع صوت الوالد الهادر دائما ًوصار صراخه ملء ليلنا! اذهبي إلى بيت أهلك,لا أريد أن أجدك هنا عندما أعود من عملي بعد ظهر الغد.
انقضى الليل وما عدت أذكر كيف استيقظنا صباحاً لنجد أمنا قد أعدت إبريق الشاي الكبير,ووضعت صحنا ًكبيراً مملوءاً بالزيتون على الطاولة,مرّرت فطوري إلى معدتي,لقمة خبز وراءها حبة زيتون,ووراء كل حبة رشفة شاي.وكأن شخصاً غيري يقوم بذلك, لملمت حوائجي المدرسية,كم كانت كثيرة!وبعد كل خطوة في الرحلة خارج البيت كنت أتلفت نحو هذه المرأة المطرودة التي هي أمي,كانت منهمكة في أشغالها -كالعادة- دون أن تقول كلمة واحدة أو تقوم بأي تصرف ينم عن أن أمراً جديداً طرأ,سوى أنها بين فترة وأخرى كانت ترفع طرف منديلها الملفوف مرتين على رأسها والمتدلي على جانبي الرأس حتى أسفل الصدر,وتمسح شيئاً لم أتبينه- ولم أخمنه يومها- عن أحد خديها!

بطيئاً مرّ اليوم المدرسي.. بطيئاً وثقيلاً... ولم أفهم كلمة واحدة مما قيل فيه.عدت إلى أمي.. وجدتها كما هي في أي يوم,الغداء جاهز,والجميع بانتظار مجيء صاحب البيت من عمله.

-ألم أقل لك.........؟
-افعل بي ما تشاء,ولكنني لن أترك أولادي ما دمت حيّة.
وتابع البيت سيرته العادية,أمي تكنس وتطبخ وتغسل وتحلب البقرة وتجلب الحطب والماء,وتعجن وتخبز,وظلت تمسح بطرفي  منديلها أشياء-لم أرها- عن خديها.
 
(عن البيت العربي) العدد 521 أبريل 2002
 
 
WEBMASTER : AA-ALSAAD
This Web Site Programmed and Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD ..... Copyright 2003 (C) SCOPNET  All Rights Reserved 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق