الجمعة، 6 نوفمبر 2015

مجلة السنونو ( العدد الخامس ) - ما علينا وما عليهم - الآباء أسْسوا "الرابطة القلمية" وأبناؤهم لا يقرأون ( هنري زغيب )

مجلة السنونو ( العدد الخامس ) - ما علينا وما عليهم
الآباء أسْسوا "الرابطة القلمية" وأبناؤهم لا يقرأون ( هنري زغيب )

كم حزين أن تعرف أن كتّاباً وشعراء وأدباء شعّوا من أميركا على العالم العربي وتركوا بصماتهم على حركة أدبنا المعاصر، فقرأهم الجميع إلاّ... أولادهم لأنهم "تأمركوا" فمضغتهم "بلاد العم سام" وسبّبت لآبائهم غربتين.

            عام 1985، في مكتب "الهدى" النيويوركية، التقيت العالم الفيزيائي بوب ميدي. وحين اكتشفت أنه ابن إيليا أبو ماضي اعتذرت لأنني لم أعرفه بسبب اسمه "المؤمرك". سألته عن تراث أبيه فأجابني كأنه يتحدث عن معادلة فيزيائية باردة:  " لا أعرف . أنا لا أقرأ العربية. عندي مخطوطات كثيرة من والدي ومجموعة أعداد مجلته "السميـر". لا أفهم منها شيئاً. لدّي عرض من الحكومة السورية أن تقوم وزارة الثقافة بإعادة طبع المؤلفات الكاملة. يلزمني من يقرأ تلك الأوراق كي يعرف ما فيها قبل إرسالها إلى دمشق". لم أسأله مزيداً. كنتُ أعرف أن "الست الوالدة" كذلك لا تعرف العربية، رغم أنها ابنة نجيب دياب صاحب "مرآة الغرب" الذي ساعده أبو ماضي على تحريرها عشر سنوات قبل أن يطلق الجريدة ويتزوَّج ابنته.
            وقبل أربع سنوات، تعرّفت في نيويورك بسيدة من أنسباء جرير حداد "الخبير المعروف بشؤون الكومبيوتر" فاكتشفتُ أنه ابن عبد المسيح حداد. وكتمت أسئلتي خوف وقوعي في صدمة "تأمرك" أخرى.

            وقبل أسابيع كنتُ أتحدّث إلى الدكتور روبرت حداد (رئيس الجامعة الأميركية الجديد في بيروت). سألته عن أبيه الشاعر ندرة حداد و"الرابطة القلمية" فقال لي بتواضع الأكاديمي الرصين إنــه لا يذكر تلك الحقبة. فأبوه لم يحدثه عنها، وهـــو لا يعرف العربية ليتابع تراث أبيه. وحين سألته عن ديوان أبيه ("أوراق الخريف") أجابني أن لديه مئات من نسخه غير موزّعة بعد، ويتمنّى إيجاد من يوزعها لأنه بعيد عن جو الكتاب العربي في الشرق وفي أميركا. وقال لي استطراداً إنّ لديه مئات النسخ من "الأرواح الحائرة" ديوان زوج عمتّه نسيب عريضة الذي مات قبل خمسة أيام من صدوره فلم يقرأه مطبوعاً ولا يبدو أن أحداً من عائلته قرأه. ونامت نسخ الديوان مع نسخ ديوان ندرة حداد التـي لا تقرأها حتى عائلته.

            وفي اتصال مع صديق مشترك أخبرني أن لدى جرير حداد مجموعات من أعداد "السائح" الخمسة والأربعين، لم يقرأها (لا يعرف العربيـة) ولا يعرف ماذا يفعل بنسخ كتابين آخرين لأبيه ("حكايات المهجر" و "انطباعات مغترب") ومخطوطة جزء ثانٍ من "حكايات المهجر" تنتظر من يحققها ويصدرها لأنّ الابن لا يقرأ لغة أبيه. وأخبرني الصديق المشترك أن لدى جرير نسخاً كثيرة من دواوين رشيد أيوب الثلاثة ("الأيوبيات"، "أغاني الدرويش" و "هي الدنيا") لم يهتم بها أحد من عائلة رشيد أيوب (لجهلهم العربية) فنامت النسخ لدى جرير الذي لم يقرأها طبعاً مثلما لم يقرأ تراث أبيه.

            في مكتبتي اليوم نسخ من هذه الدواوين والمجلاّت تنتظر أن أتدبّر (برغبة من الأبناء) أمر تحقيقها وإعادة نشرها وتوزيعها في العالم العربي وأميركا.

            أأنا "الأمين" الوحيد لتُلقى تبعات الرابطة القلمية على كتفي؟ إذا استثنينا ميخائيل نعيمة الذي لم يتزوج، وانتشر تراثه بدون فضيحة أن أبنـــاءه لا يقرأون نتاجه، وعدا جبران الذي قامت شقيقته الأُميّة مريانا في الأسبوع الثاني لوفاته، بإحراق كيسين كبيرين من الرسائل الموجهة إليه (كونهــا لا تعرف القراءة لا بالعربية ولا بالإنكليزية)، يكون نتاج "الرابطة القلمية" شعّ على العالم وبقي غريباً عن أقرب الناس إلى أبنائهم.

            كم حزين، أن تمضغ هذه "الأميركا" تراث الآباء ولا تلقم أبناءهم إلاّ تراثها هي.
            ويا تعاستي في قبري، إذا جاء يوم عرفت فيه أن ابني الوحيد (خاصة وأنه يحمل اسمي الأول) واجه سؤالاً عن أبيه، فقلب شفتيه جهلاً، ويكون السبب أنه... "تأمرك" ولا يقرأ تراث أبيه.

 (مَجلة "الوسط"  31/5/1993 ـ العدد 70 ـ ص65)
 
 
WEBMASTER : AA-ALSAAD
This Web Site Programmed and Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD ..... Copyright 2003 (C) SCOPNET  All Rights Reserved 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق