مجلة السنونو (
العدد الخامس ) -
ضيوف السنونو
|
حين
يصبح الزمان الآن (لقاء مع الباحث الأستاذ فراس السواح) جريدة الدستور الأردنية
|
منذ
أن بدأ خطواته الأولى لاكتشاف العقل في انطلاقته الفكرية المبكرة، في كتاب "مغامرة
العقل الأولى" الذي صدر له قبل سبعة وعشرين عاماً، وحتى آخر مؤلفاته "الرحمن
والشيطان" و"تاريخ أورشليم"، مازال الباحث فراس السوّاح يقدم لنا كل جديد في عالم
الميثولوجيا وتاريخ الأديان المشرقية، ومغامرته الأولى مازالت مستمرة، تقدم لنا
المتعة الممزوجة بالمشقة للقارئ العربي؛ المتعة في أسلوبه الشيق السلس، والمشقة في
عزوفه عن تقديم كبسولة تحتوي على ما يتطلع إليه معظم القراء من نتائج وأحكام؛ لأن
القارئ عنده مشارك حقيقي في تأليف الكتاب لا مجرد متلق سلبي، والكتابة مشاركة
حقيقية بين الطرفين لا إملاء فيها ولا تعليم. وقد خصنا مشكوراً بهذا اللقاء رغم ما
عرف عنه من تقتير في التصريحات وابتعاد عن الأضواء.
سـ1الدين والأسطورة هما المجالان المفضلان لدى فراس السوّاح في معظم مؤلفاته. وفي هذين المجالين بالذات يسعى القراء إلى الحصول على إجابات شافية من أي مؤلف يطرقهما. ولكن قارئ، فراس السوّاح يجد نفسه في نهاية الكتاب دون هذه الإجابات الشافية التي كان يتطلع إليها في بدايته. لماذا؟ ما هو منهجك في مقاربة موضوعاتك؟.
جـ1
في دراسة أية ظاهرة ثقافية هنالك نوعان من المحاكمة، الأولى محاكمة وجود،
والثانية محاكمة قيمة. في المحاكمة الأولى يقوم الباحث بتقصي طبيعة مادته وتقديمها
وفق ما تبدت له ظواهرها، من غير تقييمها وإصدار الأحكام عليها. أما في المحاكمة
الثانية فيبحث في أهميتها وجدواها ويصدر عليها حكم قيمة. وأنا أحاول ما استطعت تبني
محاكمة الوجود لا محاكمة القيمة، لأنني لا أنطلق من موقف إيديولوجي معين، ولا أسعى
إلى الترويج لفكر بذاته. ما يهمني بالدرجة الأولى هو إرجاع القارئ إلى نفسه
وقد صار مسلحاً بزاد
يساعده على التفكير الحر المستقل، وتشكيل مواقفه الخاصة. أنا لست مهتماً بإقناع
القارئ، وإنما بتحريره من كل ما يعطل ملكات المحاكمة الحرة عنده. إن خلاصات ونتائج
أي مؤلف من مؤلفاتي ليست وقفاً علي، وإنما على القراء الذين يتلقونه ويناقشونه
ويختلفون معـه أو يتفقون. فالكاتب برأيي محرض لا ملقن. والكاتب أشبه بمعلم السباحة
لا بالنوتي الذي يعبر بالناس إلى الضفة الأخرى.
سـ2
ومع ذلك نجد
لديك تعاطفاً مع الدين والموقف الديني من العالم، يتبدى بشكل خاص في كتابك "دين
الإنسان". ألا يدل هذا على أن لفراس السوّاح موقفاً خاصاً من "مادته" وأن محاكمة
القيمة تختلط عنده بمحاكمة الوجود؟.
جـ2
إن منهجي في البحث يمكن وضعه تحت العنوان العريض لمنهج "فينومولوجيا
الدين"، أي دراسة الظاهرة الدينية من موقع مفارق، والسعي إلى التعرف عليها دون
موقف مسبق
أو إيديولوجيا جاهزة، ولكن مع التعاطف مع إيمان البشر أنى كان دينهم أو معتقدهم،
وعدم المساس بأي إيمان لصالح إيمان آخر، أو لحساب علمانية محددة الأفق. في
فينومولوجيا الدين، الأديان والطوائف كلها سواء، وهي تنتظم على مسطح واحد لا على
سلم متدرج من الأدنى إلى الأرقى، إذ لا وجود لدين سامٍ وآخر متخلف. وكما تختلف
الحضارات في لغتها، وفي فنونها وعمارتها، وما إلى ذلك من تبديات الحياة الثقافية،
فإنها تختلف أيضاً في معتقداتها وحياتها الدينية. كل دين هو طريق خاص، وكل الطرق
تؤدي إلى الله. لا وجود لفرقة ناجية وأخرى هالكة. الفرقة الهالكة هي التي تؤمن بأن
طريقها ليس إلا واحداً من الطرق المتاحة للصلة مع الله.
وعلى عكس
مؤرخ الأديان الذي يسعى إلى الكشف عما جرى في الماضي، فإن فينومولوجي الدين يحاول
البحث عن المعنى في ذلك الماضي، وعن الخيط الجامع الذي يوحد بين مختلف المعتقدات
الدينية، والمعاني الكامنة خلف تبديات الحياة الدينية. وبتعبير آخر فإن فينومولوجي
الدين هو مؤرخ أديان من نوع خاص. إنه يبحث في المادة نفسها ولكن أهدافه تتجاوز
بكثير أهداف مؤرخ الأديان.
وهكذا تجد
أن ما تراه من تعاطف مع الدين والموقف الديني من العالم، هو سمة من سمات المنهج
الذي استخدمه. وفوق ذلك فإنه جزء من طبعي الخاص وتكويني الشخصي. ولكن هذا التعاطف
لم يتحول أبداً إلى الوقوف إلى جانب هذا الدين على حساب ذاك، أو محاولة البرهنة على
صحة هذا الإيمان وبطلان ذاك. أنا إنسان كوني شمولي، أنتمي إلى العالم برمته، وإلى
ثقافة الإنسان عبر التاريخ.
سـ3
لقد تجلى منهجك الفينومولوجي هذا في كتابك "دين الإنسان" أكثر من أي كتاب
آخر لك. وفيه أظهرت أن أديان الإنسان عبر
التاريخ لم تكن سوى
تنويعات على معتقد واحد. أليس كذلك؟.
جـ3
هذا صحيح.
لقد تصديت في كتاب "دين الإنسان" لمهمة تبدو مستحيلة للوهلة الأولى. ولكن ما تجمع
لدي من معلومات في مجال تاريخ الأديان كان يدفعني للتصدي لمثل هذه المهمة
المستحيلة. فلقد وجدت أن كل معتقدات البشر الدينية عبر التاريخ يمكن إرجاعها إلى
معتقد أولي تمت صياغته منذ العصور الحجرية القديمة، ثم تناسخ بعد ذلك بأشكال شتى.
سـ
4
كيف تقيم
هذا الكتاب إلى باقي مؤلفاتك؟
جـ 4
كتاب "دين
الإنسان" هو ذروة الخط البياني في حياتي الفكرية، وهو الوحيد بين مؤلفاتي الذي يقدم
"نظرية فراس السواح" المتكاملة. فهو رؤية شمولية وليس بحثاً في موضوع محدد كما هو
حال كتاب "لغز عشتار" أو "ملحمة جلجامش" أو "مغامرة العقل الأول الأولى" أو "الرحمن
والشيطان". فكل ما سبق "دين الإنسان" من مؤلفاتي العشرة، كان تمهيداً له، وكل ما
تلاه كان تنويعاً عليه.
سـ
5
لدينا هنا
مشكلة تتعلق بإحساس الكاتب بأنه قد حقق ذروة خطه البياني في كتاب واحد، وهي إحساسه
أيضاً بعدم القدرة على تجاوزه. ألا توافقني الرأي.
جـ
5
إن تحقيق كتاب الذروة بالنسبة إلى الكاتب لا يختم حياته الفكرية، وهو
قادر على تجاوزه من خلال تطوير الأفكار الواردة فيه وتوسيعها في مؤلفات تبحث في
مواضيع محددة ترفد الموضوع الرئيسي. ومثالي على
ذلك المفكر العربي
إدوار سعيد. فلقد حقق إدوار سعيد ذروة خطه البياني الفكري في كتابه "الاستشراق".
ولكنه أصدر بعد ذلك تنويعات عليه لا تقل أهمية، أبرزها كتابة "الثقافة
والإمبريالية" الذي طبق فيه منهجه السابق وكل مقولاته على الأدب الغربي بدلاً من
تطبيقها على مؤلفات المستشرقين.
سـ
6
رغم تعاطفك
الواضح مع الدين، يتهمك البعض بأنك شجعت عدة أجيال من الشباب على إحداث القطيعة
بينهم وبين الدين المؤسساتي. ما هو ردك على ذلك.
جـ
6
إذا كان ما
تصفه بالقطيعة، هو قطيعة مع التزمت والشوفينية وضيق الأفق الديني، الذي يدفع فريقاً
من أتباع كل ديانة إلى الاعتقاد بأنهم وحدهم على حق والآخرون على ضلال، فإني سعيد
بأن مؤلفاتي كان لها مثل هذا التأثير. أنا لا أدعو إلى إنشاء القطيعة مع الدين،
ولكنني مع إعادة النظر الشاملة في طريقة فهمنا للدين وممارستنا للحياة الدينية،
وذلك في سياق عملية نقدية شاملة للتراث وموقفنا منه. مثل هذه العملية النقدية لن
تنشئ القطيعة مع الدين، في اعتقادي، ولكنها تجعله قابلاً للحياة والاستمرار، وأكثر
انسجاماً مع روح العصر.
سـ7
كيف يكتب فراس السواح.
كيف يختار موضوعاته. هل تنتظم مؤلفاته ضمن مشروع متكامل؟
جـ
7
إذا كان المقصود بالمشروع الفكري خطة مسبقة لتأليف عدد من الكتب في
موضوعات معينة محددة سلفاً، أنا لم يكن عندي مثل هذا المشروع، ولا أظن أنه سيكون
عندي مثله في المستقبل. مؤلفاتي هي نتاج لمشروعي المعرفي الشخصي، وأنا
أتعلم منها أثناء
كتابتها مثلما يتعلم منها القراء لدى قراءتها. قد أكفّ عن الكتابة غداً إذا لم أجد
عندي هماً معرفياً، ودافعاً قوياً لمتابعة هذا الهمّ. رغم مضي أكثر من ربع قرن على
بداياتي الأولى في الكتابة المنهجية، فأنا مازلت حتى الآن ذلك الهاوي الذي كان يجلس
في مكتبة المتحف البريطاني في لندن يضع الخطوط الأولى لكتابه الأول "مغامرة العقل
الأولى"، وهو يرقص طرباً مع الأفكار التي تنثال في مخيلته كالشلال الهادر. أنا لا
أختار مواضيع مؤلفاتي، بل يختارني الموضوع، ينبثق في داخلي تدريجياً ويلح علي، يؤجج
في حريقاً لا يخمد حتى العكوف عليه وإشباعه بحثاً ودراسةً. بعد ذلك تأتي مرحلة
التدوين. وهنا يأتي الأرق الحقيقي. عندما يتوجب عليك عبور ذلك الصراط الصعب من محيط
الأفكار الزاخر من جهة، وصقيع الورق الأبيض وحجرية الكلمة المكتوبة من جهة ثانية.
سـ
8
كأني بك
تتحدث عن كتابة قصيدة أو لحن لا عن بحث فكري.
جـ
8
الكتابة هي
الكتابة مهما كان جنسها، والبحث بحاجة إلى الخيال والعاطفة حاجة الشعر أو الموسيقى
وربما أكثر. كل إبداع وخلق جديد يتطلب الخيال، وبدون القفزة البروميثية للخيال لا
مجال للخلق، حتى في مجال الرياضيات والفيزياء.
سـ
9
ربما لهذا
السبب تتميز مؤلفاتك بالسلاسة رغم صعوبة موضوعاتها، فأنت تكتب كالروائي لا كالباحث
الجاف.
جـ
9
لا يوجد في العالم فكرة صعبة إذا عرف الكاتب كيف يصوغها ويقدمها. هنالك
أسلوب سهل أتعب الكاتب حتى توصل إليه، وهنالك أسلوب صعب هو أسهل شيء على الكاتب. إن
ما تجدونه صعوبة في أسلوب
توصيل بعض الكتاب هو
دخولهم من الباب الواسع المريح لا من الباب الضيق الصعب.
سـ
10
لماذا ندرس
الأسطورة اليوم؟ وما هي أهميتها لثقافتنا الحديثة؟
جـ
10
إن الصحوة
الحضارية للأمة تعتمد على أمرين، الأول هو توضيح الهوية المتميزة لثقافتها القومية
الأصيلة، والثاني استيعابها للمنجزات الفكرية والعلمية والتكنولوجية للحضارات
المتقدمة المعاصرة. هاتان العمليتان تسيران في وقت واحد دون تغليب واحدة على
الأخرى. ذلك أن الإصرار الزائد على الطابع التقليدي للثقافة القومية يؤدي إلى
السلفية، أما الاعتماد المطلق على منجزات الحضارات الأخرى قبل استعادة المواقع
الحضارية القومية، فيؤدي إلى الحداثة السطحية التي تباعد تدريجياً بين الأمة
وجذورها الثقافية. ودراسة الأسطورة اليوم، هي جزء من عملية توضيح الهوية الحضارية
للأمة، عن طريق ابتعاث تراثها القديم وفهمه. وينبغي لها أن تساهم في نهضة فكرية
وجمالية شاملة، تستوعب الماضي من أجل فهم الحاضر وترتيب المستقبل.
سـ
11
بين مؤلفاتك
العشر هنالك ثلاثة كتب وضعتها في تاريخ فلسطين القديم وهي "الحدث التوراتي والشرق
الأدنى القديم" و"آرام دمشق وإسرائيل في التاريخ والتاريخ التوراتي" و "تاريخ
أورشليم والبحث عن مملكة اليهود". لماذا انعطفت في دراساتك من الميثولوجيا والدين
إلى التاريخ؟
جـ
11
في البداية أقبلت على دراسة كتاب التوراة كجزء من اهتمامي بالأديان
المشرقية عامة. ولكن دارس التوراة يجد نفسه تلقائياً وقد تحول إ لى الاهتمام بتاريخ
فلسطين وتاريخ ما يدعى بالشعب الإسرائيلي القديم.
والسبب
في ذلك هو أن محرري التوراة قد عقدوا صلة، منذ بداية القصة التوراتية. بين التوراة
ككتاب ديني وبين تاريخ شعب مفترض اسمه شعب إسرائيل، وصار التاريخ بالنسبة إليهم هو
المسرح الذي تتجلى فيه مقاصد الإرادة الإلهية، من خلال علاقة الرب يهوه بشعب الذي
اختاره وجعله خاصةً له. إن الرسالة الدينية في كتاب التوراة، كما يقدم لنا محرروه،
لا تتكشف دفعة واحدة وخلال حقبة قصيرة من الزمن، ومن خلال شخصية دينية واحدة، وإنما
تتكشف عبر فترة تمتد نحو 1500 سنة، وذلك من الأب الأول إبراهيم الذي يفترض الباحثون
أنه عاش نحو 1800 ق.م، إلى عزرا الكاهن الذي عاش نحو عام 550 ق.م. هذه الصلة
المعقودة بين الدين والتاريخ هي التي دفعتني إلى دراسة تاريخ فلسطين، والتركيز على
الفترة المدعوة بالإسرائيلية، لغرض عقد المقارنة بين أحداث الرواية التوراتية
والمعطيات الحديثة لعلم التاريخ وعلم الآثار.
وبشكل عام،
وبعيداً عن المسألة التوراتية، هنالك صلة عميقة بين الدين والتاريخ. فالتاريخ هو
الأرضية التي تنشأ عليها المعتقدات والأساطير. ونحن لا نستطيع فهم أي دين إلا في
سياقه التاريخي الذي يلقي ضوءاً على البيئة الثقافية التي أحاطت بنشوئه، وعلى
المؤثرات الخارجية التي ساهمت في تكوينه. إن أي دين لا ينشأ في فراغ؛ ولفهم مكوناته
ومصادره وأحواله وإبداعاته الخاصة، لا بد من أن نفهمه تاريخياً.
سـ
12
يبدو أن تاريخ فلسطين القديم وعلاقته بالتوراة قد صار الموضوع المفضل
لديك فمن بين جميع موضوعاتك التي طرقتها حتى الآن، اخترت تاريخ فلسطين كأول عمل
يصدر لك باللغة الإنكليزية، وذلك في الكتاب الذي صدر عن جامعة شيفيلد ببريطانيا،
وساهمت في كتابته مع مجموعة من الباحثين العالميين، ثم صدرت ترجمته هذا العام عن
مركز دراسات الوحدة العربية تحت عنوان:
أورشليم العصور
القديمة بين التوراة والتاريخ.
جـ 12
كانت
المسألة عبارة عن صدفة لم أخطط لها. فقد عقد مركز بروتا (رابطة الشرق والغرب) في
الولايات المتحدة مؤتمراً دولياً حول موضوع أورشليم، في عمان (الأردن) خلال شهر
أكتوبر من عام 2001م، وكنت الباحث العربي الوحيد الذي دعي إلى هذا المؤتمر. وبعد أن
ألقيت محاضرتي وانتهت المناقشات حولها. طلب مني توماس تومبسون، وهو المشرف على
التحضير للمؤتمر، الإذن بنشر المحاضرة في كتاب عن أورشليم يساهم فيه عدد من
المؤرخين الراديكاليين الجُدد، ويشرف هو على تحريره. وهكذا كان.
سـ13
هل من كتاب
جديد يعكف فراس السوّاح على تأليفه؟
جـ
13
شارفت على
الانتهاء من تأليف كتاب بعنوان "الوجه الآخر للمسيح". وفيه أحاول الكشف عن الوجه
الحقيقي ليسوع الجليلي الكنعاني صاحب الرسالة الإنسانية الشمولية، التي لم يكن لها
منذ البداية أية صلة باليهودية. وبما أن الكنيسة المسيحية الغنوصية، التي نشأت في
وقت متزامن مع كنيسة روما، هي التي فهمت أكثر من غيرها هذا الوجه الآخر للمسيح، فقد
ركزت في الكتاب على الأناجيل والمؤلفات الغنوصية، وعلى طروحاتها وأفكارها، والطريقة
التي فهمت بها تعاليم يسوع.
سـ14
هل يشكل هذا
الكتاب بداية اهتمام بالمسيحية؟
جـ14
لقد كانت المسيحية في بؤرة اهتماماتي منذ البدء. ومن يقرأ بشكل خاص
مؤلفاتي "مغامرة العقل الأولى" و "لغز
عشتار" و "الرحمن
والشيطان" يكتشف الحيز الذي نالته المسيحية في هذه الكتب. ولكن ما دفعني إلى تخصيص
كتاب عن يسوع، هو دافع قديم منشؤه مجموعة من الأسئلة التي كانت تؤرقني حول البيئة
الثقافية ليسوع وهويته الدينية. ولقد ساعدتني دراسة تاريخ فلسطين القديم بشكل خاص
على توضيح هذه الأسئلة والتمهيد للإجابة عليها، من خلال معرفة التركيب الإثني
والثقافي لمنطقة الجليل التي ولد فيها يسوع وعاش حياته كلها قبل زيارته لأورشليم
حيث صلبه اليهود. فالجليل كان خالياً تماماً من اليهود حتى مطلع القرن الأول قبل
الميلاد عندما استطاع ملك أورشليم المدعو أرسطو بولس الأول توسيع ممتلكاته شمالاً
وصولاً إلى الجليل. ثم جاء خليفته المدعو إليكسندر ينايوس وفرض الدين اليهودي
بالقوة على أهل الجليل. ولكن هذا الوضع تغير عندما دخل الرومان إلى سورية ونصبوا
هيرود الكبير (الملقب بالعربي) ملكاً على فلسطين بكاملها، فقد عادت الجليل إلى
وضعها السابق كبيئة ثقافية ودينية متعددة، تحتوي على متهودين لم يمض على تهودهم سوى
ثلاثة أجيال فقط، ووثنيين على الديانة الكنعانية التقليدية التي تمازجت مع الديانة
اليونانية، ومرتدين عن اليهودية بعد زوال حكم السلالة الحشمونية في أورشليم. إن من
يقرأ العهد الجديد بعين حيادية يكتشف مدى بعد يسوع عن اليهود واليهودية، ومدى
استقلال تعاليمه منذ البدء عن الفكر الديني اليهودي. ومن يقرأ إنجيل يوحنا بشكل
خاص، يكتشف مدى كراهية يسوع لليهود والعداء المستحكم بينهما. وقد قال لهم صراحةً
أنهم ما عرفوا الله قط وأن إلههم هو الشيطان،. هذه الفكرة هي التي التقطتها فيما
بعد المسيحية الغنوصية التي طابقت بين الشيطان وإله العهد القديم. واعتبرت أن يسوع
قد جاء لتخليص الناس من حكم الشيطان.
|
WEBMASTER : AA-ALSAAD
|
This Web Site Programmed and
Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD
..... Copyright 2003 (C) SCOPNET All
Rights Reserved
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق