الجمعة، 6 نوفمبر 2015

مجلة السنونو ( العدد الخامس ) - حمصيات عتيقة - امتحان الرسم ( معتصم دالاتي )

مجلة السنونو ( العدد الخامس ) - حمصيات عتيقة
امتحان الرسم ( معتصم دالاتي )

          كان سحبان سواح الطالب في الصف الحادي عشر أدبي في ثانوية عبد الحميد الزهراوي بحمص يجلس صافناً أمام ورقة الرسم أثناء امتحان الفصل الأخير من العام الدراسي.

          سألته عن سبب صفنه وشروده وقد مرَّ زمن لا باس به من الوقت المخصص لتلك المادة؟. وقد كنت آنذاك مدرّس المادة في تلك المدرسة. قال: أستاذ أنا لا أعرف أن أرسم. قلت: عليك المحاولة. فالورقة البيضاء تأخذ علامة الصفر، وهذا قد يؤثر على المعدل العام. قال: أنا أتذوَّق الرسم، لكني لا أجيده، فأنا شاعر.. ألا تؤمن بعلاقة الفنون ببعضها البعض؟

          قلت في ذهني، هذا الولد، ربما سمعني في أحد الدروس أستعرض فهمي وأتباهى بشطارتي في معرفة باقي الفنون، ومنها الشعر بالتحديد.. ولعل هذا الولد أخذ عن أبيه قدرته على الصيد والقنص، فهو ابن الصحفي الشهير أحمد نورس السواح، صاحب جريدة الفجر. والصحفي الناجح هو صياد ماهر، وقنَّاص للفكرة والمشهد والموقف والحدث، يقتنص كل هؤلاء ليوظفها كما يشاء في الوقت المناسب. وقد برع أحمد نورس السواح في ذلك.

          كانت جريدة الفجر صحيفة يومية تصدر في حمص. وأذكرها جيداً في فترة الخمسينيات من القرن الماضي، إبَّان مرحلة النهوض القومي والوطني والمد اليساري في الشارع الديني المحافظ. تلك المرحلة التي شهدت وصول أول زعيم شيوعي من العالم العربي إلى البرلمان السوري، بالإضافة إلى عددٍ وافر من أفراد حزب البعث إبان النضال السلبي، وكان لهم دور متميز في ذلك البرلمان الذي كان يدعى المجلس النيابي ثم مجلس الشعب حالياً. 

          في تلك المرحلة نجح تكتل اليسار في حمص بإيصال أثنين من مرشحيه إلى المجلس النيابي وهما أحمد الحاج يونس، ثم كمال كلاليب، وهما شخصان مغموران بالنسبة لمنافسيهما مرشحي اليمين الذي كان على رأس السلطة ويدير البلاد من خلال أحزابه وأبناء العائلات. وقد كان لجريدة الفجر مساهمة فعَّالة في تلك الحملة الانتخابية لصالح مرشحي اليسار.

          كانت جريدة الفجر ذات النهج اليساري التقدمي هي الصحيفة المنافسة والمناوئة لصحيفة السوري الجديد الحمصية أيضاً لصاحبها فيضي بك الأتاسي أحد زعماء حزب الشعب اليميني عضو البرلمان الدائم والوزير في معظم الوزارات. وكان أهل مدينة حمص يتلقفون كل ما يُنشر في جريدة الفجر، وتحديداً الافتتاحيات التي يكتبها أحمد نورس السواح صاحب تلك الصحيفة، والتي لم تكن تخلو من تناول وزراء ومدراء ومسؤولين وحكام سوريين وغير سوريين بأسلوب رشيق يتميز بالسخرية اللاذعة والحبكة المرة القاسية.

          أعود إلى سحبان سواح الطالب في ثانوية الزهراوي الذي كان يصفن شارداً أمام ورقة الرسم في الامتحان لأنه لا يجيد الرسم وأنه شاعر كما أدعى. وأحسست أنه يساومني على شيء هو مقايضة الشعر بالرسم. فانقدت وراء تلك المقايضة وقلت له: لا بأس. أكتب خلف ورقة الرسم واحدة من قصائدك، وخربش بموضوع الرسم كما تريد، وسوف أضع لك العلامة المناسبة للقصيدة عوضاً عن موضوع الرسم.. لكن إياك أن تغشني وتنتحل قصيدة ليست لك، فأنا قادر على اكتشاف ذلك، لأنني أيضاً أتذوق الشعر.

          وإذا كان الصحفي أحمد نورس السواح رحمه الله قد حصل على سمعة جيدة، واحترام شديد من قبل أهل حمص من خلال جريدته الفجر المعارضة للسلطة لأنها أي الجريدة كانت تتبنى رؤية وخطاً تقدميين وتتصدى للسلطة اليمينية الحاكمة بجرأة واضحة، فإن ابنه سحبان سواح في امتحان مادة الرسم قد خربش بالألوان، ورسم بالكلمات، وحصل على علامة جيدة.. وضحك على ذقن الأستاذ. 
 
 
WEBMASTER : AA-ALSAAD
This Web Site Programmed and Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD ..... Copyright 2003 (C) SCOPNET  All Rights Reserved 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق