الجمعة، 6 نوفمبر 2015

مجلة السنونو ( العدد الخامس ) - خاطرة - مجلة السنونو ( العدد الخامس ) - خاطرة

مجلة السنونو ( العدد الخامس ) - خاطرة
مشكلات في كلمات ( د. قصي أتاسي)

تيار اللامعقول في المسرح ـ شأنه شأن أي تيار جديد ـ تعرَّض لسخط الساخطين وإنكار المنكرين فرُمي بالابتعاد عن الواقع والتنكر للحياة ونشر التشاؤم والسوداوية. ومهما يكن من أمر هذا التيار الجديد في المسرح فهو ينطلق من مواقع فكرية صلبة، ويصدر عن مواقف فلسفية لها وزنها وأهميتها، ويحاول أن يسبر أغوار الحياة الإنسانية ويعرّيها من أستارها لتظهر على حقيقتها الصافية الخالصة من كل زيْف وخداع.

          ولعل مسرحية (في انتظار غودو) تقف شاهداً على هذا التيار وتمثله حقَّ التمثيل وتعطي صورة صادقة عن منطلقاته ومواقفه الفكرية. وهذه المسرحية، على الرغم من بساطتها الظاهرية وقلة شخوصها وسذاجة مظهرها، تحاول الكشف عن بنية الوجود الإنساني ومادة نسيجه وألوان خيوطه... ومن الحوار الذي يدور بين شخصين يعرف المتفرج أنهما ينتظران شخصاً يسمّى (غودو) في مكانٍ ما تحت شجرة.. وهما لا يعرفان عنه شيئاً ولم يقابلاه فيما مضى... وتمتد المسرحية ويمشي الحوار دون جدوى ودون أن يأتي (غودو) المنتظر. وينتهي الفصل الأول ليبدأ الفصل الثاني دون أن يجدَّ جديد؛ فما زال صاحبانا ينتظران، ولكنّ (غودو) لا يأتي. وتنتهي المسرحية عندما يدخل غلام المسرح ليخبر بأن السيد (غودو) يعتذر عن الحضور!

          ولعل كاتب المسرحية يرمز بالسيد غودو المنتظَر إلى ذلك الخيط الذي يشدّ بني الإنسان إلى الحياة؛ إنه الأمل أو الحلم الـذي لا حياة بدونه ولا يمكن الاستمرار في عملية الحياة إلاّ به وبصحبته؛ ولهذا عندما ينقطع هذا الخيط عند بعض الناس سرعان ما يضعون حدّاً لحياتهم بالانتحار.... فما قيمة الحياة وما طعمها وما مبرر الاستمرار في تحمّل أعبائها وعبثيتها إذا أنقطع الخيط، خيطُ الأمل؟!

          من هذا الموقف الفكري، ومن هذه الزاوية أنطلق الشاعر العربي الطغرائي حينما قال:

         أعلّل النفس بالآمال أرقبها          ما أضيق العيش لولا فسحةُ الأملِ

           فلخص المشكلة بألفاظ معدودات وكشف عن موقف كامل ورؤية شاملة في كلمات، وأوجز نظرة وجودية ثاقبة، وعبّر عن تجربة إنسانية غنية عميقة في بيت من الشعر.

          وحول طبيعة الإنسان، هل هي خيّرة أم شرّيرة، أختلف الفلاسفة والمفكرون. وما أكثر أولئك الذين أساؤوا الظنّ بالإنسان فرموه بالشر المتأصّل في طبعه، وبالأنانية العمياء الممزوجة بغريزته؛ فهو مفطور على الأذى مجبول على العدوان وحبّ الظلم لا تنفع معه تربية ولا تجدي شرائع ولا نصائح؛ حتى إن الفيلسوف (هوبز) وصفه بالذئب؛ وهي فلسفة لها أنصارها ومريدوها والمدافعون عنها الذين يأتون بالحجج والأدلّة من واقع الحياة ومن سلوك الإنسان لتفضحه وتعرّيه للعيان على حقيقته، وتمزق الأستار التي تغطّي علاقاته المزيَّفة وأنماط سلوكه المفتعَلة.

          من هذا الموقف الفكري، ومن هذه الزاوية أنطلق المتنبي حينما قال:

الظلم من شيم النفوس فإن تجدْ                   ذا عفةٍ فلعلّةٍ لا يظلـم

          فلخّص وأوجزوكثّف وعبّر بأخصر عبارة عن تلك النظرة إلى الإنسان. وما أكثر ما فعل المتنبي ذلك؛ ألم يلخّص واقعاً نفسياً معروفاً؟ إنه واقع التعوّد والألفة، حتى يصبح الشيء المألوف جزءاً من النفس، وحتى تصير العادة النفسية ذرةً من ذرّات الكيان الإنساني وخيطاً من خيوط نسيجه:
من يهنْ يسهل الهوان عليه  
ما لجرحٍ بميّتٍ إيــلامُ

          وما أكثر ما قيل عن واقع الإنسان الفقير المحروم في مجتمعات الاستغلال؛ وما أكثر ما أشيرَ إلى ما يفعله الحرمان في نفس المحروم وما يرميه به من عقدٍ وآفاتٍ وتشويهات حتى يصبح إنساناً متميزاً بسلوكية خاصة ناجمة عن إحساسه بالغربة والوحشة فيضعُف شعورُه بالولاء والانتماء، وتكاد تنقطع صلته بوطنه وتتمزق روابطه التي تشدّه إلى أرضه؛ فكأنه منفيٌ غريب وليس مواطناً كغيره من المواطنين. وهذه الحالة النفسية هي التي توصف بالاستلاب أو الانخلاع في قاموس علم النفس الحديث.... كل هذا لخصه وكثفه وأوجزه علي بن أبي طالب حينما قال:

(الغنى في الغربة وطن، والفقر في الوطن غربــة).
          أصحاب البصيرة الذكية والحدْس الرائع والنبوغ المتفجر هم القادرون وحدهم على هذا التكثيف والتلخيص والإيجاز المبدع.

عندما بدأت القراءة في الكتب العتيقة في مدرسة الضيعة، وأذكر أنني قرأت مراراً "ضرب زيدٌ عمرواً ".
            أضحك الآن لماذا لم يعلمونا "أحبَّ زيدٌ عمرواً " ؟؟ ولماذا ما زال زيد يضرب عمرواً حتى اليوم، والحب الممنوع، والجفاء ممسوح، والقتال مشروع دائماً، تنفيذاً لقاعدة القراءة الأولى العربية: " ضرب زيد عمرواً "؟؟!!.  منصور عازار أديب مغترب في أفريقيا
 

     
 
WEBMASTER : AA-ALSAAD
This Web Site Programmed and Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD ..... Copyright 2003 (C) SCOPNET  All Rights Reserved 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق