مجلة السنونو (
العدد التاسع ) -
حمصيات عتيقة
|
|
فردة حذاء
( معتصم دالاتي )
|
|
فردة حذاء
معتصم
دالاتي
مدينة حمص,
يُصِرُّ سكان جاراتها من المدن السورية وغير السورية على أنها مدينة المجاذيب.
ويرددون عن أهلها الحكايا والنكات. حتى لكأن أية نكتة نتصف بتلك السمعة يتوجب
لأجلها, استعارة واحد حمصي ليكون بطل تلك النكتة أو محور هذه الدعابة.
ومن
المعروف أن الحمامصة هم أكثر استجابة لتلك النكات وأكثرهم رواية لها, ولكأنهم
يضحكون من الآخرين حين يساهمون في تلك النكات عن أنفسهم. وكم من الحمامصة تسلَّح
بما أُلصق به من (جدبته) ليستعملها خارج مدينته كجواز مرور أو بطاقة تفتح له بعضاً
من الأبواب المغلقة, أو تخلِّصه من مأزق وقع به. تراني أكون متعصباً لمدينتي أو
منحازاً لها لو ادعيت أن مدينة حمص هي مدينة حفلت بالكثير من الظرفاء الذين مازال
ذكرهم وأخبارهم مادة للحديث والتندر يتناقل الصغير عن الكبير نوادرهم المسلية
الطريفة؟!
في ذاكرتي
المرحوم عبد الحليم عسكر, صانع الأحذية, أو الكندرجي بالتسمية الشائعة. وكان هذا
الرجل ممن يُشهد له بخفة الظل وسرعة البديهة والذكاء. وهو حاضر في مجالس الأدباء
والسياسيين والوجهاء. وتحضري الآن حادثتان ترويان عنه تشهدان له بما ذكرت وتدلان
على الحمصي الأجدب أو الذي يتجادب ليقطف ثمار تلك الجدبنة.
حين تشكل
فوج الإطفاء بحمص في مطلع خمسينات القرن الماضي تمَّ اختيار عناصره من الرياضيين,
حيث خصص لهم لباسٌ موحدٌ بدءاً من الحذاء حتى الغطاء, أي غطاء الرأس. وقد أعلنت
الجهة المسؤولة عنهم فيما أعلنت عن مناقصة لتصنيع أربعين حذاء وقد درست المناقصة
آنذاك على المرحوم عبد الحليم عسكر, اذ تم توقيع العقد معه. وفي بنود العقد ذُكر
المبلغ والمدة بالإضافة إلى عبارة (وفق النموذج)
التزم الرجل بالعقد أيما التزام. فقدم في الزمن
المحدد أربعين فردة حذاء يمين. وحين سألوه عن الأربعين فردة اليسار, حوَّلهم إلى نص
العقد الذي يذكر عبارة (وفق النموذج) وأنهم أثناء توقيع العقد معه قدموا له فقط
الفردة اليمين للحذاء كنموذج التزام بتنفيذه حرفياً. وأمام هذا الالتزام الدقيق لم
يجد المسؤولون عن الموضوع بداً من ابرام عقد آخر معه لتقديم أربعين حذاء آخر (وفق
النموذج) وكان النموذج هذه المرة هو الفردة اليسار للحذاء. ولأن الرجل كان يدرك
سلفاً هذه النتيجة فقد كانت فردات اليسار الأربعين مصنعات مع أخواتها من فردات
اليمين. وهكذا فقد قبض المبلغ مضاعفاً بسبب التقيد بنص العقد الذي يقول (وفق
النموذج) وهذه الحادثة لا يقوم بها إلا أجدب حقيقي أو ذكي متجادب. سألتكم بالله يا
أبناء المدن الأخرى: هل تخطر هذه التركيبة ببال جحا؟ إلا إذا كان جحا من أهالي
وسكان ومواليد مدينة حمص؟ أيام عبد الحليم عسكر إياه كان الخياط والحذاء يقوم كل
منهما بتفصيل الطقم أو الحذاء للزبون. فالجاهز لم يكن جاهز آنذاك وكثيراً ما كانوا
يخلفون بالمواعيد مع زبائنهم. وقد تصادف أن قائد الشرطة قد أوصى على حذاء له عند
المرحوم عسكر. ولعله كان مستعجلاً عليه لأنه أرسل أحد رجاله أكثر من مرة يطالبه
بالسرعة في إنجاز الحذاء. وفي آخر مرة صرخ عبد الحكيم عسكر قائلاً: قل لمعلمك قائد
الشرطة إنني مشغول بصباط المحافظ. ولعل تلك العبارة كانت مقنعة. فالناس مقامات.
والأحذية أيضاً تأخذ هيبتها من هيبة أصحابها, ولأن المحافظ هو أعلى سلطة في المدينة
"فصباطه" أي حذاءه أعلى وأرفع شأناً وأكثر أهمية من كل الأحذية والصبابيط. |
|
WEBMASTER : AA-ALSAAD
|
This Web Site Programmed and
Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD
..... Copyright 2003 (C) SCOPNET All
Rights Reserved
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق