الأحد، 29 نوفمبر 2015

مجلة السنونو ( العدد التاسع ) - من تاريخنا الشعبي الحكواتي - بصمات واضحة في المسرح العربي المعاصر

مجلة السنونو ( العدد التاسع ) - من تاريخنا الشعبي
الحكواتي - بصمات واضحة في المسرح العربي المعاصر ( منير قلعجي ) ( عربي / انكليزي ARA/ENG )
 
الحكواتي
بصمات واضحة في المسرح العربي المعاصر
منير قلعجي
            فجأة يخيم الصمت.. تعبس الوجوه، ويعلو الصياح من هنا وهناك. نفهم من هذا "بطل الحكاية في مأزق" ... تشتد وتيرة الأحداث... يختلف الجمهور فيما بينهم ينقسمون بين مؤيدين ومعارضين لما يجري... ويحسب المرء أن معركة وشيكة الوقوع لا ريب...عندها يتدخل الحكواتي، وبذكائه المعهود ليحسم الموقف بينهم ويهدئ الجميع ويطمئنهم بأن النهاية  ستكون مُرضية للجميع... أنه حكواتي أيامنا هذه، الذي عرفناه في المقاهي الشعبية وفي الأحياء القديمة من بلادنا...
لظاهرة الحكواتي "امتداد طويل عبر التاريخ العربي، فقد عرف منذ قرون قبل الإسلام، ولم يقتصر دوره على سرد الحكايات، بل كان يتعداها إلى رواية القصص والأساطير والنوادر، وإلقائها شعراً ونثراً وتمثيلاً... يقوم بإلقائها في الساحات العامة، وأماكن تجمع الناس، مستخدماً صوته للإلقاء، وجسمه للحركة والتعبير... يحدَّث الناس.. ينشد الشعر والأغاني.. يقلِّد ويعزف الموسيقى. وكان الناس ينظرون إلى الراوي على أنه يحفظ العادات والتقاليد والتراث الأدبي، فيرويها للناس، لتنطبع في ذاكرتهم.. فتتداولها الأجيال، مما يبقيها حية بعيدةً عن النسيان. ولقد كان العصر الإسلامي في بداياته غنياً بالرواة الذين كانوا يقومون بمهمات عديدة، كتناقل الأخبار، وحفظ التقاليد الدينية والدنيوية، كما كانوا يهتمون بعلم النسب والسلالة، وعلم اللغة، وتناقل أخبار الحروب والفتوحات.
            وقد كان للراوي تسميات مختلفة، تعود إلى تخصصه، أو الدور الذي يقوم به.. فهناك، وكما ورد في كتاب الدكتور "يوسف حداد"، "فن الراوي"، "فن الممثل"، أشكال متعددة منها:
            السمير: الذي يروي القصص لإحياء السهرات والمحدّث: الذي يروي الحوادث التاريخية، والقصّاص: الذي يروي القصص الشعبية، والمقلّد: وهو يوازي الحكواتي في أسلوبه: بالإضافة إلى ذلك، يقوم بإنشاد المدائح.
والراوي البهلول (المهّرج)، الذي يؤدي مشاهد كوميدية مضحكة.
والراوي الملحمي، والراوي المغني.. والـذي ما زال موجوداً حتى يومنا الحاضر في شكله المعروف بالزجل والموجود في العديد من البلدان العربية.
 سلفية ومعاصرة
            ولكن، وعلى الرغم من اختلاف التسميات، وتنوع الأساليب، فأن السمات الأساسية كانت تتمحور حول نقطة مشتركة أهمها:
·    استخدام الطاقات البدنية، كالصوت، والحركة، بطريقة تخدم النص وتساعد على إبراز المعاني والمواقف.. ولكل كانت طريقته في التعبير والإلقاء والحركة.
·        اللجوء دائماً إلى مكان محدد ومتعارف عليه من قبل الراوي والجمهور للالتقاء، مثل الساحات العامة أو الأسواق أو المقاهي..
·        زمان محدد ومتعارف عليه.. يلتقي فيه الجميع..
 
بالإضافة إلى ذلك كان للرواة تقنياتهم الخاصة، مثل استخدام الموسيقى كعامل مساعد على إبراز الحدث، واستخدام أدوات للتعبير، مثل
العصا والتي كانت غالباً ما تستخدم مكان السيف.. كما كان لهم أزياؤهم الخاصة والتي يرتدونها خصيصاً لذلك. وكان البعض منهم يستخدم الألوان، فإذا كانت أحداث قصته محزنة ومؤلمة، كان يطلي وجهه بالفحم.. وعلى العكس، إذا كانت أحداث قصته مفرحة سعيدة، كان يدهن وجهه بالحنّاء.
            وتبعاً للمكان وطبيعة الناس، كانت تختلف الأساليب وتتغيّر اللهجات. وقد تناقلت الأجيال، عبر تطورها، أشكالاً متنوعة من هذا الفن إلى يومنا الحاضر.. ففي القرن التاسع عشر والعشرين عرفت في أغلب البلدان العربية ظاهرة الحكواتي.. وكثير من حكاياهم ما زال يروي إلى يومنا الحاضر، مثل سيرة بني هلال، وعنترة، والزير سالم، وسيف بن ذي يزن، وألف ليلة وليلة..
            من هذه الظواهر ظاهرة الحاج "إبراهيم الحكواتي" الذي عرف في مدينة صيدا بلبنان، وكان يروي حكاياته لمستمعيه كل مساء...
            إبراهيم الحكواتي.. رجل متقدم في السن.. يروي حكاياته منذ ربيعه الثلاثين. ورث مهنته عن أبيه، الذي ورثها بدوره عن أبيه.. قدم من سوريا من مدينة حلب، اسمه الأصلي: إبراهيم السروجي.. لقب بالحكواتي تبعاً لتخصصه، إلى درجة أن اسمه الأصلي قد انتفى وحلّ محله الحكواتي، وصار معروفاً اجتماعياً بهذا الاسم..
            تخصصت عائلته في رواية الملاحم وخاصة عنترة، وسيف بن ذي يزن.
            استعداداً لرواية حكايته.. كان يرتدي ملابساً خاصة تضفي طابع القدم والأصالة والالتصاق بشخوص حكايته، ومما كان يرتديه ثوب طويل (القمباز) وسترة مطرزة (الملتان)، ويشد خصره بزنار مطرز أيضاً يسمى (العجمي). وينتعل حذاءً تقليدياً من الجلد، ويحمل بيده عصا (عكاز).
  
خصائص مسرحية
            المكان هو المقهى.. يصل الحاج إبراهيم.. جمهور الحضور بالانتظار، متحلّق حول منصته المتواضعة في شبه دائرة مفتوحة على مقربة من الحاج إبراهيم.. هو في الوسط، يصعد كرسيه الخشبي المتواضع ويجلس... يبدأ بالتقديم لحكايته بالمقدمـــة المعروفــة بالـ (دهليز)، والتي تحوي بعضاً من الحديث الشريف، وتحمل في طياتها الترحيب بالحاضرين.
            بالرغم من المسافة الضيقة التي تفصل بينه وبين الحضور، يتصرف بارتياح كامل، ويتحرك بخطا واثقة ضمن هذا الفضاء البسيط، الذي يملؤه بحركاته وتنقلاته، مستخدماً عصاه (السيف) بحركات ذكية، ذات إيقاع جميل راسماً التعبير المناسب عن المشهد الذي يرويه... خاصةً عندما يمثل عنتر أمام أعدائه، ينتصب واقفاً... قدماه ثابتتان في الأرض، وجسمه ممتشق في الفضاء، يستل عكازه (السيف)، كما يفعل الفرسان، ويمثل بحركاته، كما لو أن بطل روايته نفسه أمام الحضور يقارع أعداءه...
            إن هذا الحضور الفني، الجسدي والإلقائي.. وهذا التفاعل بينه وبين مستمعيه، إنما يحمل في داخله خصائص الفن المسرحي بالمعنى الدرامي الحقيقي، فالأمر بالنسبة إليه لا ينحصر في سرد الحكاية ونقل وقائعها، بل يتعداه إلى تمثيلها ولعب شخوصها.
            
إبراهيم السروجي أو (الحكواتي) توفي في العام 1982، تاركاً وراءه فراغاً شاسعاً، ومسدلاً الستار على صورة جميلة من التراث العربي رحلت برحيله.
            وفي سورية كان أبو محمود الحكواتي، "عبد المهيمن حمصي" آخر حكواتية دمشق، الذي اعتزل المهنة بعد أربعين عاماً، حيث كانت حكاياته تملأ مقاهي دمشق وأحياءها القديمة. وأذكر كم كانت تشدني حكاياه فأجدني من وقت إلى آخر، متجهاً إلى مقهى "الشاغور" أو المقهى "النوفرة" في دمشق للاستماع إلى حكاياه... هو الآخر قدم من مدينة حلب.. وهو الآخر أصبح اسمه "الحكواتي"، وأصبح معروفاً به اجتماعياً...
            اليوم، وللأسف، هذه الظاهرة الجميلة أخذت تعد أيامها الأخيرة.. آخذةً طريقها للاندثار.. بعد حلول الأجهزة المتطورة،
واختلاف حاجيات الناس ومتطلباتهم، لكنها تركت آثارها مرسومةً واضحةً في ملامح المسرح العربي الحديث.. ففي المسرح العربي الحديث، وفي عدد كبير من النصوص المسرحية، نجد شخصية الراوي، والتي تستمد روحها من الحكواتي، وتنتمي إلى ذلك التراث بشكل أو بآخر.. نجدها اليوم في كثير من النصوص المسرحية، من مثل مسرحيات: سعدالله ونّوس في سورية، وفرقة مسرح الحكواتي، ومسرحيات جلال خوري في لبنان، وسعد الدين وهبة، والفريد فرج، ومحمود دياب، ويوسف إدريس في مصر،   والطيب الصديقي في المغرب وفرقة مسرح الحكواتي الفلسطينية في الأرض المحتلة، وغيرهم..
            إن آثار هذه الظاهرة، وبالرغم من كل شيء، تبقى مرسومة في المسرح العربي الحديث نصاً وأداءً... معطيةً دلالةً كبيرة وواضحة عن مدى تأثير هذا الفن وأصالته..
            إنها طابع مميَّز، يحمل الكثير من الأجوبة والردود على كثير من الأسئلة المطروحة حول المسرح العربي.. قديماً وحديثاً.
خوفي من الدنيا وأنا ميزان الضوء والعتمة في الدنيا
إن العمل في حقل المسرح أو الأدب هو هدف سام, وبدافع من إحساس بالسعادة الداخلية التي يشعر بها الكاتب وهو يبحث عن الحقيقة وفي عطائه الخيّر للناس, يفقده إن حاد عنه أو تكسب به...
 علوية الصبح
 
From our folklore historical
The clear fingerprints left by
the Story – teller (Al Hakawati)
On the Present-day Arab Theater
By: Muneer Kallagi
Translated  by Dr. Nadeem K
Suddenly silence prevails, faces become gloomy, and roars start here and there…
            This, normally, indicates that the hero of the story is in distress. The audience is divided between those who back what is happening and those who oppose it. A spectator would think, from what he sees and hears, that a battle is imminent, without any doubt.
            At this moment the Teller intercedes, with his proven intelligence, to mediate and pacify everyone in the audience, assuring them that the story shall end in a way that pleases everyone.
Our man, is the Story-teller (Al Hakawati) we have known in the old days in our popular cafés, and in the old quarters of our country, a phenomenon that existed throughout Arab history, and centuries before Islam. His role was not limited to that of Teller but surpassed it to that of “poet” and “actor”. He used to perform in the public squares, using his voice for reciting, and his body movements to stress expressions and convey meanings. People looked at him as the one who kept alive in their minds the mythology, traditions, and culture of the past.
            The early Islamic era was abundant with Tellers who helped keeping religious and civil traditions, as well as performing in other areas. The book entitled : “The art of telling and acting” whose author is Dr. Yousef Haddad, mentions a number of categories of Tellers: The “Chatters” who used to partake in keeping the evening gatherings in a pleasant mood, and the “Jesters”, as well as the “Singing Tellers” who still exist today, known as “Zajaleen”.
 

OLD AND NEW

            Methods, accents, and dialects used to change according to time, place, and people’s nature and attitudes in that place. In the nineteenth and twentieth centuries, the stories of “Bani Hilal”, "Antar", “Alzeer Salem”, “Seif Ben Thi Yazan” and, One thousand and one night” were the favourite stories being told, many of which are still being told nowadays.
            Until a few years ago, Haj Ibrahim AL Hakawati, who was from Aleppo (Syria), used to perform in Saidon (Lebanon) every evening. He started doing it at the age of thirty, having inherited the profession from his father. His real
family name was “Alsourouji”, but the nickname of Hakawati (Teller) prevailed. He and his father specialized in telling stories of the glorious victories of “Antar” and “Seif Ben Thi Yazan”. In preparation for the act he used to wear special clothing typifying the era and the personalities of the story. He sometimes wore a long robe called (Al Koumbaz) , an embroidered jacket (Almiltan), an embroidered wide belt called (Alajami) and traditional leather shoes, holding a walking stick in his hand.
 
  THEATRICAL CHARACTERISTICS
            The place is the local café. Haj Ibrahim arrives. The audience are waiting , encircling his modest platform. He climbs and sits on his chair and starts the introduction to his story, known as “Dahleez”, which included phrases from Honourable Hadeeth and a warm welcome to his audience.
            In spite of the small distance between him and the audience, he acted comfortably and moved with firm steps in the simple space. Using his stick as a sword, intelligently, he drew with his movements a picture of what was happening and acted as if he really were the hero of the story he was telling. This artistic performance and this interaction between him and his spectators carries the characteristics of true theatrical art.
            Ibrahim Alsourouji (Or Hakawati) died in 1982, leaving a great vacuum, and with his death ending a very colorful aspect of Arab traditions.
            In Syria, Abou Mahmoud, (Abdul Mouhaymin Homsi) was the last Story-teller in Damascus. He retired after 40 years of work in Damascus' cafés and old public squares. I remember how much his stories attracted me that I often found myself strolling towards Al Chaghour or Nafora cafés to attend his performances. He, as Ibrahim of Saidon, was from Aleppo and was nicknamed Hakawati.
            Unfortunately, this phenomenon is now in its last days, because of the sophisticated equipment available nowadays and the change of peoples’ needs and attitudes. Nevertheless, it left its traces on the features of the modern Arab Theater, to the extent that we see the Story-teller character, in many of the theatrical texts such as the plays of Saadallah Wannous, in Syria and Jalal Khoury in Lebanon and others in Egypt, Morocco and Palestine.
            Its distinguished character carries many of the answers to the questions raised about the Arab Theater, in the old days and today.

 
 
WEBMASTER : AA-ALSAAD
This Web Site Programmed and Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD ..... Copyright 2003 (C) SCOPNET  All Rights Reserved 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق