مجلة السنونو (
العدد التاسع ) -
شخصيات حمصية
|
|
الدكتور
سامي الدروبي 1921 - 1976 ( عن جريدة تشرين )
|
|
الدكتور سامي الدروبي(1921-1976)
كم كان مصيباً الدكتور طه حسين حين قال
)إنني أقرأ ترجمات الدكتور سامي
الدروبي للأعمال الأدبية الكاملة للدوستويفسكي.. والذي يثير أعجابي، أن هذا الإنسان
أعتبره مؤسسة كاملة"بل أحسن"!..
(36) ألف
صفحة بلغت ترجمات سامي الدروبي.. يا إلهي ما أكرم هذا الرجل!..
إنه إضاءة
متزنة وواضحة في دروب الثقافة العربية ورمزاً من رموزها الباسقة.. تلك الإضاءة التي
بدأها مبكراً القرن العشرين والتي لا يزال نورها يشع... وسيظل طويلاً لتصبح علامة
من علامات الزمن الثقافي العربي على امتداد أجياله إن لم تكن نقطة على السطر منها
يبدأما قبل وما بعد!.
سامي
الدروبي.. رحلة عمر زاخرة بالعطاء.. عطاء رائع ونبيل وشاق ولم تكن لتقتصر على درب
واحد.. فقد تعددت دروبه.. وكان في كل درب يمشي فيها يعرف ماذا يريد بتصميم ومثابرة
قلّ نظيرها ولم تكن عواصف بدايات القرن العشرين العاتية على الوطن العربي وهو الذي
كانت ولادته بداية"الانتداب الفرنسي" على سورية الخارجة لتوها من عباءة الأتراك وما
تحمله هذه العباءة من مشكلات وهموم وفقر وتخلف في كل خيط من خيوطها!..
من مدينة
ديك الجن بدأ مشواره مع الحرف والكلمة... متعلماً ثمّ معلماً.. متنقلا ً في مدارسها
الثانوية فيها ثم آتياً دمشق ليكمل هذا المشوار الذي يبدو مثل درجات السلم.. يتوقف
عند كل درجة منها قليلا ً أويضع بصمة عليها.. فمن مدارس الجولان إلى حوران إلى
متابعة تحصيله في دار المعلمين العليا ليصل(1943) إلى مصر التي عاد منها عام(1947)
دارساً الفلسفة التي درسها في دمشق بعد هذه العودة.. لكنه لم يكن ليتوقف عن المزيد
من العلم فذهب إلى باريس عائداً بالدكتوراه ليعين مدرساً في كلية التربية بجامعة
دمشق ثم أستاذاً فيها بين عامي 1949- 1952 وكان قبلها معيداً في الجامعة.
بعد
استقلال سورية.. كان للدروبي مشوار آخر في طريقه الذي رسمه بيده والذي لم يكن
ليقتصر على التعليم بل كان على الجانب الآخر ينجز ترجمة لأعمال كبار الكتاب في
العالم هو الذي كان يتقن الفرنسية بارعاً في العربية فكانت محطته الكبرى مع الترجمة
لـ "دوستويفسكي" الذي أحبه فأبدعه من جديد في (18) مجلداً هي أعماله الكاملة لأي
أديب وأعماله "هي التي تؤثر في الحركة الفكرية"فلا تجتزئ الكاتب أو الأديب وإن كان
لنا أن نتقدم فعلينا الانفتاح على الآخر ومعرفته بدقة وشمولية من أجل الاستفادة من
تجاربه وخاصة ونحن في بداية نهضتنا العربية على كافة مستوياتها. ودستويفسكي الذي
شغل الدروبي وأحبه حتى يمكن القول.. دوستويفسكي الذي شغل الدروبي لم يكن يترجم
حرفاً بحرف.. بل يعيد صياغة كل فكرة بلغة عربية سهلة وجزلة دفعت أحد المستشرقين
الروس للقول:"لو كان دوستوفسكي عربياً لما كتب أجمل من هذا"!..
كان بارعاً
وباهراً في استغلاله لدقائق الزمن وثوانيه... يقسمه كما يريد وينجز ما يريد في وقته
على الرغم من عدم تفرغه للكتابة والترجمة فقد تسلم مناصب كبرى في حياته وكان عليه
أن يقوم بأكثر من مهمة فمن مدير في وزارة الثقافة في عهد الوحدة إلى مستشار ثقافي
لسورية في البرازيل، ووزيراً للتربية بعد ثورة آذار وأول سفير لسورية في مصر بعد
الانفصال.. ذاك الانفصال الذي ترك آثاراً عميقة في نفسه عبر عنها حين وقوفه أمام
جمال عبد الناصر مقدماً أوراق اعتماده قائلاً "انه ليحز في نفسي أن تكون وقفتي هذه
كأجنبي.. كأنني ما كنت يوماً من أيام الشموخ مواطناً أنت رئيسها"! وقد أحدثت كلماته
هذه هزة في أوساط المثقفين في مصر وتصدرت صفحات الصحف المصرية في ذلك الوقت.
من مصر إلى
المغرب العربي إلى يوغسلافيا.. تيتو سفيراً نشيطاً قومياً بامتياز، وأديباً رفيعاً
في ترجماته وكتبه هو الذي قال له الرئيس اليوغسلافي جوزيف تيتو حين قلده
وساماً:"إنني أقلدك هذا الوسام لا كسفير فحسب بل ككاتب وأديب".. تلك الصفة التي
كانت من أحب الصفات إلى نفسه بالرغم من انشغاله في العمل الدبلوماسي كسفير أو
كمندوب دائم لسورية في جامعة الدول العربية أو في وزارة الخارجية السورية التي بقي
يعمل فيها سفيراً بعد عودته من أسبانيا لأسباب صحية.
للقلب
متاعبه هو الذي تحداه كثيراً وراوغه عن مرضه بالعمل بكل طاقة المبدع وبنفس تعطي
أقصى ما عندها في كرم قل نظيره في الأوساط الثقافية العربية.. فكان قراء العربية
أجمع على موعد دائم مع قلمه ولما ينجزه من ترجمات لكبار كتاب العالم فمن دوستويفسكي
إلى بريغسون وفرا نز فانون وتوليستوي إلى بوشيكين ولير منتوف وتورغينيف إلى الكاتب
اليوغسلافي ايغواندرتش وموريس دور فرجيه وكار ل ماركس وصولا إلى ثلاثية الكاتب
الجزائري محمد دبب في ثلاثيته الشهيرة "الدار الكبيرة والحريق والنول" وكثير غيرها
من الأعمال إضافة إلى كتابه الإبداعي المهم "علم النفس والأدب".. كل هذا كغيره بان
يتعب قلبه دون قلمه هو الذي نهض من فراشه قبل ساعة من رحيله ليصحح جملة في ترجمته
لأعمال توليستوي التي لم يمهله القدر ليكملها فرحل عن (950) صفحة منجزة منها.
رفيق
الكتاب والقلم.. والثقافة والعطاء..هو الذي تزخر كل مكتبة على امتداد الوطن العربي
وهو الذي فاز بعد رحيله بجائزة (اللوتس)للترجمة..أليس جديراً بإقامة مركز ثقافي
يحمل اسمه أو جائزة تحفظ للأجيال ذكرى هذا الرجل الإنسان الكبير والكريم أو المراكز
ثقافية تحفل بكتبه التي نفدت من المكتبات حيث من يريد شراء مثل هذه الترجمات يمكنه
الذهاب إلى احد مراكزه دون عناء في عصر الثقافة الالكترونية الحافلة بالكثير من
الغثاثة والسطحية.
|
|
WEBMASTER : AA-ALSAAD
|
This Web Site Programmed and
Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD
..... Copyright 2003 (C) SCOPNET All
Rights Reserved
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق