مجلة السنونو (
العدد التاسع ) -
بحث مهجري
|
|
رذاذ من
رومانسية عذبة في جداول ايليا أبو ماضي ( ريما فتوح )
|
|
رذاذ من
رومانسية عذبة في
جداول
ايليا أبو ماضي
ريما فتوح
في
زمن الأرقام، وفي أيام طغت فيها لغة المادة على لغة الروح، بعد أن أصبح كل ما للناس
قابلا لان يعطى ثمناً، وممكن التفاوض عليه الحب، القلب, الشعور، الإحساس وبكل ما هو
إنساني يمكن أن يدفع ثمنه ـ إنه التلوث ـ .
مع
كل هذا التلوث جئنا نحدثكم عن الرومانسية، ونهز بقوة روح الود الغافية قي أعماق
البشر.
لم
نأتِ من مدينة فاضلة حدودها غير هذا الزمن, ولا نصارع طواحين الريح ونأمل أن نربح
المعركة ...
لا... نعلم أننا من هذا العصر، ونستطيع أن نرى ونميز إلى أي حد استشرى مرض حضارة
الحجر في قلب البشر... ولكننا نؤمن أن تحت أنقاض الواقع هناك رومانسية منسية في قلب
كل إنسان,, راقدة وتنتظر نبيّها ليصرخ آمراَ إياها بالقيامة والانبعاث من جديد,لذا
سنحاول ونحاول...نجهد وقد نتعب... لكننا سنستمر، نصرخ ونصرخ دون كلل.. وكلما انضم
إلينا أحدهم تمسكنا به لنعبر سوية إلى بر الرومانسية الذي نبتغيه، قد نصل
متأخرين...و ربما لا نصل أبدا....محتمل، ولكننا نملك الأمل والعزيمة لكي نستمر
نحاول...
نرنم حبا
وعشقا ورومانسية مع ايليا أبو ماضي...شاعر من الشرق..
ـ
الشرق بطيبته وعنفوانه وانفعاله، مع اندفاعه
ـ
هذا هو الشرق الذي سلم بوحي أنبيائه، واستنار بوحي شعرائه، ربما لأنه وجد فيهم ما
يحفظ إنسانيته وخصوصيته...
في
ديوان "الجداول" لإيليا أبو ماضي تجري جداول من رومانسية عذبة ، حتى لتظن أن رذاذها
يلفح روحك بنقاء لا يجارى،والرومانسية ليست فقط في عشق الأحباء.. بل في كل لحظة أو
عمل تراها كامنة. أنها في خلق الله للبشر ،فلولا رومانسية الإله وحبه للإنسان الذي
يصنعه ما كان انتقاه بكل هذا الإتقان، في علاقة النحل والزهر، في بساتين القمح,وفي
عشق الأرض لابنها وحبه لها، في فقرٍ لم يقو أن يشوه قلباً..في المساء، وفي الربيع
كما الخريف... أن حياتنا كلها رومانسية أن مشينا مع جداول أبو ماضي. يستهل الجدول
بينبوع من قصيدة "الفاتحة" بمناجاة من قلبه إلى قلب وروح كل من يسمعه ويقرأ له:
" هذه
أصداء روحي فلتكن روحـك أذنا
أن بعض
القول فنٌّ, فاجعل الإصغاء فنا "
فكم
هي كبيرة حاجة الإنسان إلى أن يُسمع صوته، ويجد من يصغي إليه، فيعرف أن بذله لم
يذهب هباء، ولم تحمله رياح اللاهدف إلى البعيد البعيد :
"ما لصوت
أغلقت من دونه الأسماع معنى
كل نور غير
نور مرّ بالأعيـن
وسنـى"
وأي
غزل, وأي رومانسية يمكن أن تمضي بدون حرية ....حرية في الإحساس، وفي التعبير عن هذا
الإحساس, وأي زهرة لو سئلت تود البقاء في أواني القصور على روض الخالق!!!
" لعمرك ما
حزني لمال فقدته ولا خان عهدي في الحياة حبيب
ولكني ابكي
واندب زهــرة جناها ولوع بالزهور لعــوب"
فالحرية لا يساوم علها ولا تعطى ثمناً مهما كان باهظاً:
"لها
الحجرة الحسناء في القصر إنما أحب إليهـا روضــة وكثيــب
وأجمل
من نور المصابيح عندهــا
حبا
حب تمضي في الدجى وتؤوب"
ويلامس أبو ماضي علاقتنا مع السماء بكل رقة، حيث يظهر أهميتها ومكانتها للناس, عند
أطراف السماء يرمي البشر همهم، وفي روابيها يرسمون حلمهم، ويترجون غدهم:
" لا تسلني
عن السماء فما عندي إلاّ النعــوت
والاسمــاء
هي شيء،
وبعض شيء،
وحيناً كل
شيء؛وعند قوم هبـاء"
فالسماء ملجأ لكل مثقل، وهي رجاء لكل متنعم، وطامح ٍبهناء،حتى لتغدو السماء في
قلوبنا،ونغدو حين نفتح قلوبنا للحب ،كأنها أصبحت هي السماء:
" كل قلب
له السماء الذي يهوى وأنا شئت كل قلب سمـاء"
وحتى ليقدم ايليا أبو ماضي على ملامسة صورة الإله... الإله الطيب المحب للبشر،
المتحرر والمحرر لكل الناس من قيود الفكر، وسجون الوهم التي كبلت الأرواح البشرية
جمعاء:
"تعالى
نطلق الروحين من سجـن التقاليـد
فهذي زهرة
الوادي تذيع العطر في الـوادي
وهذا الطير
تيـــاه فخور
بالأغاريـــد
فمن ذا عنف
الزهرة أو من
وبخ
الشـادي"
فالله محبة، وينشر المحبة، ولا يتكلم إلا بلغة المحبة، والمحبة هي اقصر وأسهل الطرق
التي تؤدي إلى الله:
" أراد
الله أن نعشق لمّا أوجد الحسنا
وألقى
الحب في قلبك إذ ألقاه في قلبي
مشيئته.. متى
كانت مشيئته بلا معنى
فإذ أحببت
ما ذنبك أو أحببت ما ذنبي؟"
فحين يكون الحب ، لنسلم أنفسنا لإرادته ، ونخضع لها، فإرادة الحب تترجم إرادة الله،
يرسم الفرح على الشفاه، ويدغدغ القلوب، ويحرر الروح لتمرح في جداول الحياة، لأننا
لا نعرف أين تنهي وتصب هذه الجداول:
" يريد
الحب أن نضحك فلنضحك مع الفجر
وان نركض
فلنركض مع الجدول والنهر
فمن يعلم
بعد اليوم ما يحدث أو يجـري"
فالبشر من
الطين جبلوا, والى الطين عودتهم،
وكل
ناس ٍ لهذه الحقيقة، ما هو إلاّ بائس، تاه في قشور الحياة وزيفها، ونسي قيمة اللب
في الإنسانية وعمقه :
" نسي
الطين ساعة انه طين حقير فصال تيهاً وعربدا
وكسا
الخز جسمه فتباهـى
وحوى المال كيسه فتمرد"
ويهز أبو ماضي الإنسان المتعجرف بقوة، علّ عينيه تنفتح ، ويرى نوراً بحكمة تلخص حكم
الكون كلها الإنسان يمر بهذه الدنيا وكأنه عابر في رحلة، أحيانا تطول، وأخرى تكون
قصيرة، لكنها تنتهي كلها في نفس المحطة.. عند أقدام الرب الإله، فما من داع ٍ لحمل
كثير المتاع معنا، ولا أن نجهد أيامنا ونهدرها نحصي ونجمع ما هو زائف... فلا الطيور
ولا النحل يخزن قطع النقد. ولا ضمانات الغد:
" ألك
الحقل؟ هذه النحلة تجنـي الشهد من زهره ولا تتــردد
لو ملكت
الحقول في الأرض طرّاً
لم
تكن من فراشة الحقل اسعد"
فأي
جبروت يختبئ خلفه ذاك الذي نسي الله والحب ، وتاه في ظلمة درب "الأنا" فظلم، وتمرد,
وتكبر على كل من هم مثله في الإنسانية، واستبد بهم بما هو ليس من صنع يديه:
"أجميل؟
ما
أنت أبهى من الور دة ذات الشذى ولا أنت أجود
أم
غني؟ هيهات تختال لـولا
دودة القز بالحباء
المبجــد
أم
قوي؟ إذا مر النــوم
إذ
يغشاك
والليل عن جفونك يرتد
وامنع
الشيب أن يلم بفوديـك
ومر
تلبث النضارة في الخــد"
قصيدة الطين هذه لخصت فلسفة الحياة برمتها، وكأن عصوراً من الفلسفة و العمق الروحي
عاشها أبو ماضي، منذ بداية البشر, نبههم أعادهم إلى معنى وجودهم، أعطاهم وصية لاتقل
قيمتها عن وصايا الأنبياء بل تترجم وصاياهم وتختصرها في شعره:
" لا يكن
للخصام قلبك مأوى أن قلبي للحب أصبح معبد
أنا أولى
بالحب منك وأحرى
من
كساء يبلى ومال ينفذ
"
فأي معبد
يسكن فيه الإله أجمل وأروع من قلب الإنسان، أليس أجمل من كل معابد الحجر الباردة،
والتي تطلب قرابين من الأشياء؟
ليكن معبد الله قلوبنا، وقرابينه حبنا.
فما
الفقر والألم والمعاناة,
سوى
وسيلة لنكسب بها أناساً حقيقيين بلا أقنعة ولا ألوان تخفي حقائق وجوهم, وتدفن باطن
روحهم:
" علمتني
الحياة في الفقر أنــى أينما كنت
ـ
ساكن في التراب
وسأبقى
مادمت في قفص الصـل
صال
عبد المنى أسير الرغاب"
فان ملت
روحك الناس وزيفهم ، وظننت انك تود نفض غبار الزيف عن ثوب طهارتك, اخلد إلى نفسك
وارجع إلى الطبيعة اعتمد بروح النقاء فيها، وراقب سكانها قد عاشوا بلا نمق ولا
تكبر، عندها ستفتح قلبك للناس وتجد اتحادك معهم بلا عناء:
"خلت
أنى في الفقر أصبحت وحدي فإذا الناس كلهم في ثيابـي"
ويسهب أبو
ماضي في حياة البشر ويلامس كل ماله من اثر في أيقاظ مشاعر غفت وأخذها النوم، آملاً
أن تستيقظ من رقادها،يحاور النفس البشرية في ضعفها ، وفي قوتها،في ترفعها,وفي
رذيلتها.. طالباً منها العودة إلى صوت الطبيعة ، وأحاسيسها فتتفتح أحاسيسه:
"فأصغي إلى
صوت الجداول جاريات في السفوح
واستنشق
الأزهار في الجنات مادامــت
تفوح
وتمتعي
بالشهب في الأفلاك مادامت
تفــوح"
بعدها يدخل في ثنايا الزمن، ويلهو بدوراته، فتارة تكون لحظات الزمن مهمة لدرجة أن
ثانية منها لا يمكن هدرها، وتارة حين تكون مترقباً لأمر تغدو دقائق الوقت تمر
متثاقلة، بطيئة الحركة، تشد القيود على رقاب المنتظر، فتهلك روحه قبل أن تمضي:
" يمشي
الزمان بمن ترقب حاجة متثاقلاً كالخائف المتـردد
حتى ليحسبه
أسيــرا
موثقـاً
ويراه
أبطأ من كسيح مقعد"
ولكن على المرء ألا يتوه في دوامة الأمس، ويغرق في حزن مضى،لأن الزمن ماض ٍ لا محال
والغد آت ٍفان ظل هو أسير الأمس لن يجد له مكاناً في أحلام الغد:
"
وإذا الفتى لبس الأسى ومشى به فكأنما قد قال للزمن اقعدا"
ويتابع أبو
ماضي رحلته في جداول الإنسان،ويمر بكل تضاريس روحه، إلى أن يصل أخيرا في نهاية
المطاف إلى بحر الذات ويحرك طلاسمه،محاولا حلّ أحجيتها، لكنها طلاسم ...وتودي إلى
مزيد من الطلاسم.. وتنتهي بطلاسم أعمق ، فتصب الجداول في بحر الـ لست أدري..لأن لغز
الإنسان ووجود الإنسان ليس بيد إلاّ بيد خالقه:
" أنني جئت
وامضي، وأنا لا أعلم
أنا لغز،
وذهابي كمجيئي طلسم
والذي أوجد
هذا اللغز لغز مبهم
لا تجادل،
ذو الحجى من قال إني
"
لست ادري
"
|
|
WEBMASTER : AA-ALSAAD
|
This Web Site Programmed and
Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD
..... Copyright 2003 (C) SCOPNET All
Rights Reserved
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق