مجلة السنونو (
العدد التاسع ) -
ادب وفن
|
|
لهاث
السؤال - قراءة لديوان الدكتور قصي أتاسي ( بقلم: يوسف الحاج )
|
|
لهاث السؤال
قراءة لديوان الدكتور قصي أتاسي
بقلم يوسف الحاج
طالَ الحصارُ على روحي فأتلفَها
وكانَ فرطُ الجوى
في الحبِّ أَدْنَفَها
وصارتِ الروحُ أَشتاتاً فَلَمْلَمَها
وَعْدُ الوصولِ
فعافاها و أَلَّفَها...
هكذا يفتتح قصي أتاسي ديوانَهُ مُنطقاً لسانَ
حالِهِ, واصفاً الدافعَ الذي يحدوه " وَعْدُ الوصول " لمبتغاه... فوجدَ العافية بعد
ما " صارتِ الروحُ أَشتاتاً " إذن يلعبُ الشِّعْرُ دوراً واضحاً في حياة الإنسان.
" وَمَن يبحثُ عن الشِّعْرِ غيرُ الشاعرِ؟ "
هل الشِّعْرُ ضروريُّ لتجميل الحياةِ ؟ هل يُضْفي
رونقاً ناغماً على قتامة المُناخ ؟ ولماذا كانَ الشِّعرُ ؟
معظم الشعراء يمتلكون ذاكرةً أمينةً وفيَّةً تخزن
في مُخدعها ذكرياتٍ عن الذين رحلوا: " في رثاء حنا بحوري الذي كان يغنِّي بقلب
مُجرَّح فيجرح قلوب الندامى " قدَّمَ الشاعر قصي بهذا الكلام لقصيدةِ : دمعة على
الصّديق العندليب ص 9-10
اليوم تهدأُ لا همٌّ ولا سَقَمُ
يا عندليباً براهُ الوجدُ
والأَلمُ
هاضتْ جناحَكَ آفاتٌ مُمَزِّقةٌ
فماتَ في شفتَيْكَ
الشِّعرُ والنغمُ
يابلبلَ الحزنِ كم أَطربَتنا زمناً
واليوم جئْنا على ذكراكَ
نلتئمُ...
على غنائكَ كم جمَّعْتَنا زُمراً
ثالوثُها الحبُّ
والإيثارُ والكرمُ
تُعيد ذاكرةُ الشاعر ما استُودعتْ من رسمٍ للمغنِّي
الذي لم يتركْ وراءَه تسجيلاً يُعيد ذاكرهُ فقامَ الشِّعْرُ والشَّاعر بذلكَ;
العندليبُ براهُ الوجدُ والألمُ أتْبَعَ الشَّاعرُ ذلكَ بــ هاضتْ جناحكَ... فمات
الشُّعْرُ والنغمُ... إن مَنِ استمعَ إلى حنا بحوري يدركُ ما قالَهُ قصي أَبو نورس
الشفَّافُ في حنَّا الذي لم يذهبْ إلى إذاعة دمشق لتسجيل الأَغاني بصوتِهِ الطربيِّ
الأَصيل وقد شهد له المبدعُ صباح فخري بعد سماعه; فالشَّاعر لم يصفْ حنَّا إلاّ بما
فيه دون مغالاةٍ, وَشِعْرُ الرثاء الصادر عنِ القلبِ لا يمكن أَنْ يكون كاذباً: ص
12
ماذا نقولُ لأَقدارٍ مُرَوِّعةٍ
سلاحُها الفتكُ بالأحبابِ
يا قلمُ
ما كنتُ أوثرُ ندباً أَيُّها القلمُ
هل يسعفُ الدمعُ أم هل
تُسعدُ الكِلَمُ؟
نيسان 1987
منذ أهداني
الصديقُ الشاعر الدكتور قصي أتاسي ديوانَهُ نويت أن أَكتب قراءةً لـ : لهاث
السُّؤال. قال في الإهداء: " وإلى متى سنظلُّ نسألُ؟! " سنظلُّ نسأَلُ مادام
الغيابُ غياباً... مادام اليباب يباباً; مادام الخرابُ خراباً; مادام القلقُ
مُسيطراً... بالخوف من الآتي المجهول... بالخوف من الموتِ... مادامَ الحبُّ قطرةً
جميلةً مزروعةً في الضمير والوجدانِ, مادامت القصيدةُ أَوَّلَ وردةٍ قدَّمها
العاشقُ إلى حبيبته... مادامت القلوبُ تنطقُ الآهَ الحرَّى لدى سماعها يا ليل...
يا عين... تذوبُ في الميجنا والعتابا... مادامتْ مدينةُ الميماس تستعيدُ شاعرَها
ديك الجنِّ وأُسطورته المحزنة إليس الحزنُ وَتَرُ الشِّعْرِ الذي ينطقُ مُعبِّراً
أَصدقَ تعبيرٍ عن فقدٍ للأَحبَّةِ الذين غابوا تاركين وراءَهم نغماً جريحاً... أو
عطراً من وردةٍ كانتْ قادرة على شفائنا من دار التَّصَحُّرِ العاطفيِّ في عالمٍ
يتهادى نحو شفيرِ العدمِ. أَما قال أَدونيس: ربَّما يكونُ شفاؤُكِ في وردةٍ لم
تلامسْها يداكَ. وكيفَ إذا كانت وردة الشاعر اللبنانيِّ العربيِّ سليم نكد: أَحارُ
فيها كلَّما لمحتُها /يحجبُها الحياءُ/ يفضحُها الشذاءُ ! /أسمعُ مسْرى العطر في
عروقها/ أُبصرُهُ في رقصة الأضواءِ والظلالْ/ أَنشُقُه ُفي صرخة الجمالْ!
قَدٌّ
غِوىً ولفتَةٌ فتَّانهْ /وتحتمي بحمرةٍ تزيدُ من فتنتها/ يأْبى عليها الصبحُ أنْ
يبسِما /إلاّ إذا صبَّحتُها/ بقبلةٍ ولا العشايا تشتهي أنْ تحلُما /إلاّ إذا
ضَمَمْتُها/ وداعبتْ شفاهَها ابتسامةٌ ريّانة. يحارُ قلبي... الطّهْرُ والفتونُ
/والسرُّ والجنونُ/ أَسأل نفسي ماعسى تكونُ؟ /وهل تُراها هِبَةُ السماءِ/ للأرضِ
أَم عطيَّةُ الترابِ للسَّماءِ؟!/ لا تعجبني إنْ مَرَةً خاطبتِني/ وما حنيتُ جبهتي
عليكِ / وسرتُ هائمَ الخطى لم ألتفتْ إليكِ/ عبيرُكِ الفوَّاحُ لا يغريني/
وَقَدُّكِ الصارخُ لا يَعنيني./ لا تعجبي إذا نظرتُ لم أَرَ /سوى قوامٍ شاحبٍ
خائرٍ/ تناثرت عطورُهُ على الثرى /ورفرفتْ فراشةٌ كأَنَّها من جفنيَ الحائرِ/تحومُ
حول زهرةٍ أَشهى وأَحلى منظرا/ لأنَّها عصيَّةُ العبيرِ!" كيفَ اندغم قصيُّ المبدعُ
بالشعراء جوزيف حرب, وسعيد عقل, وعلي بن الجهم, وغيرهم من الذين تركوا وراءَهم
للآتين بعد هم أَحمالَهم التي صارتْ جزءاً من التراثِ... من التاريخ, من الزمان,
والمكان; كلّاً من الحياة التي انقضتْ ولكنْ تركتْ وخلَّفتِ الشِّعْرَ والعطرَ
والجمرَ والبخورَ والصوتَ في أثيرنا... والنّبضَ في قلوبنا... والحنين إلى ماضٍ لن
يعودَ ولكن يُستعادُ بالشِّعرِ... وبالشِّعْرِ... وَحْدَهُ و الموسيقا والإيقاع
الخليليّ العتيق كالجبال الرّواسي...
لن أَفي
الشاعرَ وشعرَهُ حقَّهُ في هذه القراءَة ولم أَقلِِ العجالة لِأنَّني أَقرأُ بحبٍّ
شعراً جميلاً كُتبَ بدمِ القلبِ; يأْخذكَ بطاقة العشق إلى لَذَّة التحليق كما قال
الشاعر محمد إقبال...
هل أَجبتُ
عن: ولماذا كان الشِّعْرُ؟!
من تراثٍ
مُختزنٍ بعد فهمٍ واستيعابٍ ووعيٍ يُبحرُ بنا رُبَّانُ ديوان: لهاثُ السُّؤال...
نحو الأَجمل الأَجمل... مُستحضراً المتنبيَّ مالئَ الدنيا وشاغلَ الناسِ; ص96 وما
يليها في قصيدة: أشواق:
يقولُ لي الطبيبُ: أَكلتَ شيئأً
وداؤُكَ في شرابكَ
والطَّعامِ
و ما في طبِّه أَنِّي جوادٌ
أَضرَّ بجسمِهِ طولُ
الجمامِ
" المتنبي "
" متى يا شراعي؟
تصفق للريح تضربكَ العاصفهْ
وتلفحكَ الشمسُ
تكوي ضلوعَكَ
تُحيي ولوعَكَ في رحلةٍ خاطفهْ.
متى يا شراعي؟
يرفرفُ منكَ الجناحْ
ويجلدُكَ النورُ يَبري الصواري
سيوفاً تشقُّ مُتونَ الرياحْ
ونمضي...
نصارعُ موجاً عتيّاً
ونصعدُ درباً شقياً
تسيلُ عليه الجراحْ!"
القصيدةُ
عند قصيّ هي: " ذلك النوع من التأْليف الذي يضاد الأَعمال العلميّة, في أَنَّهُ
يفترضُ أَنَ توصيلَ اللّذّةِ لا "الحقيقة" هو غايته "المباشرة", ويختلفُ عن أنواع
التأْليف الأُخرى في أنَّهُ يرمي إلى "إثارة" لذّة عامَّة من العمل باعتبارِهِ
كُلّاً تتمشَّى مع اللذة المتميِّزة التي يبعثها كلُّ جزءٍ من الأجزاء المكوٍّنة
لهذا العمل....
التناغمُ
بين الأَجزاءِ موجودٌ, تلفحكَ الشمسُ, تكوي, تُحيي, يرفرفُ, يجلدُ, يبري, سيوفاً
تشقُّ متونَ الرياحْ...
خطرت على
البال عبارة المتنبي: كأَنَّ الريحَ تحتي...
نصارعُ,
نصعدُ, تسيل عليه الجراحْ...
د.قصي
أتاسي في ديوانهِ يكشفُ لنا القوةَ التي تخلق التوازنَ والتوفيقَ بين الصفات.. بين
المتشابه والمختلف, بين المجرَّدِ والمحسوس; بين الفرديِّ والعام, بين الفكرةِ
والصورةِ, وهي التي تجمعُ بين الإحساس بالجِّدة والرؤية المباشرة والموضوعات
القديمة المألوفة, بين حالةٍ غير عادية من الانفعال ودرجة عالية من النظامِ, بين
الحكم المتيِّقظ أَبداً وضبطِ النَّفسِ المتواصلِ والحماسِ البالغِ والانفعالِ
العميقِ. وبينما هي (القصيدة) تمزجُ الطبيعيَّ بالمصنوعِ وتنغِّمُ بينهما فإنَّها
لا تزال تُخْضِعُ الفنَّ للطبيعةِ والأسلوبَ للموضوعِ وإعجابي بالشاعرِ أتى لتعاطفي
مع الشِّعرِ ــ شِعْرِهِ ــ ذاته.
بوركتِ
الأناملُ الريَّانةُ بنسغ ماءِ الوردِ, التي أمسكت بالقلمِ لتقدمَ سَهَرَ الشاعرِ
وحبرَهُ وورقَهُ من خلال قصائد ديوان أضافَ للحداثةِ أثراً مطبوعاً فيهِ القصيدة
السلفيَّة... إلى جانب قصيدة التفعيلة...
لقد اجترحَ
أبو نورس الجديدَ الجريءَ عندما وضعَ السكونَ في داخل الجملة الشعرية:
كوني عبلهْ
... كوني خولهْ
كوني
زهرهْ ... كوني شجرهْ
كوني
فكرهْ ... كوني ثورهْ
|
|
WEBMASTER : AA-ALSAAD
|
This Web Site Programmed and
Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD
..... Copyright 2003 (C) SCOPNET All
Rights Reserved
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق