السبت، 7 نوفمبر 2015

مجلة السنونو ( العدد السادس ) - خاطرة - خواطر حول تكريم الأدباء ( وديع فلسطين )

مجلة السنونو ( العدد السادس ) - خاطرة
خواطر حول تكريم الأدباء ( وديع فلسطين )
خـواطر
حـول تكـريم الأدبـاء
وديع فلسطين
          إذا رُتّبت فئات المجتمع من حيث حظوظها في الحياة، فالمؤكد أن المفكرين والأدباء  لا يظفرون إلا بأدنى الحظوظ، فقد يشقى الأديب طول عمره ولا يجد إنصافاً، بل لعل الجحود يطارده حتى بعد الممات، ومن هنا تنبهت هيئات وأفراد لتكريم الأديب في حياته، منها هيئات رسمية تمنح جوائز بأسماء ومسميات شتى، ومنها هيئات أهلية يضطلع بنشاطها أفراد حاولوا بدورهم أن ينصفوا الأدباء والمفكرين بمنحهم جوائز مادية في مهرجانات هي في كثير من الأحيان أشبه "بالزفة" تمتد فيها خوانات الطعام في فنادق النجوم الخمسة وفي العواصم المختلفة، ولكن يعيب هذه المحاولات جميعاً أن المشرفين عليها سواء أكانوا يمثلون جهات رسمية أم مجرد أفراد، هم بشر لهم ما للبشر من أهواء وانحيازات يصعب البرء منها عند اتخاذ قراراتهم بالتكريم، ولعل أصرخ مثال لذلك أن أستاذنا الدكتور شوقي ضيف تعرض للرسوب ثلاث مرات في لجان التحكيم قبل أن تتشرف الجائزة به، في حين فاز بها قبله تلاميذه أو من هم بمقام تلاميذه.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يلاحظ مثلاً أن اليساريين هم أكثر الناس احتكاراً للجوائز المالية السخية، وهي ظاهرة لا تعليل لها، سواء أكانت من صنع المصادفات الملفقة أم من نوازع الهوى، ويلاحظ كذلك، أن جوائز الشعر ـ ولا شعر إلا الموزون المقفى ـ تذهب إلى الزجالين وإلى أصحاب المنشورات السياسية وإلى الذين يكتبون ما أسميه "بالخزعبلات الشعرية"، ثم إن التكريم يذهب عادة إلى أفراد معدودين في مواسم مقررة، ويتخطى كثرة كاثرة من مستحقي التكريم، سواء أكان مادياً أم معنوياً، ومع ذلك، فأنا أقول دائماً إن كل خير يصيب الأدباء ـ ولو خطأ ـ ينبغي الترحيب به ما دام الأدب والأدباء تواضعت أقدارهم في مجتمع غلبت عليه السطحية وانشغل بكرة القدم وشخلعات المسلسلات.
 
ندوة الإثنينية بجدة
          سقت هذه المقدمة لأتحدث عن نموذج آخر من نماذج التكريم ابتدعه الشيخ عبد المقصود خوجة في ندوته الأسبوعية كل يوم اثنين ـ ولهذا عرفت "بالإثينية" والتي يعقدها في جدة منذ عام 1983، والشيخ عبد المقصود قارىء جيد بصير ـ وهو المؤهل الأول الذي يستعين به في الحكم على حملة الأقلام في المعمور العربي، لا تهمه الأضواء المسلطة بحق أو دون حق على زيد أو عبيد من الناس، ولا يعترف بالتخوم الجغرافية التي تفرق بين الأدباء والمفكرين، بل يعتبر الساحة الثقافية وطناً واحداً، فيلغى بذلك كل الهويات المدونة في جوازات السفر، ويعامل ضيوفه من الأدباء والمفكرين باعتبارهم رموزاً تنتمي إلى أسرة واحدة، وإذا كانت الأبواق في ما مضى تتحدث عن عالم يمتد من الخليج الثائر إلى المحيط الهادر، فإن "دنيا" عبد المقصود خوجة قد اتسعت وتجاوزت هذا العالم إلى أي بقعة يعيش فيها شاعر أو مفكر أو أديب، حتى
استراليا وحتى البرازيل وتعتبر أوربا "فركة كعب" بالنسبة لهذا العالم المترامي الأطراف.
          ومع أن "الأثنينية" ما زالت نشاطاً فردياً وليس جماعياً، فإن الشيخ عبد المقصود خوجة يتعامل مع ندوته وكأنها مؤسسة ثابتة الأركان لها تقاليدها غير المكتوبة، ودستورها المستمر من مبادىء الضاد السامية، ونظامها الذي لا تحيد عنه، فغايتها الوحيدة النبيلة هي اختيار كل من يستحق التكريم من هذا المعمور العريض، ودعوتهم إلى جدة لتقديمهم في ندوة الاثنين أمام جمهور يضم صفوة كريمة من عشاق الأدب، وهم قد يبلغون المئات عداً، جاءوا من بقاع في الجزيرة ثقة منهم بأن ندوة التكريم تستأهل المشاركة فيها.
          ورغبة في انتظام نشاط هذه الندوة التي تنعقد أسبوعياً، فإن راعيها الشيخ عبد المقصود خوجة يعد برنامجاً لأشهر مقبلة لاستضافة من يختارهم، سواء من خارج المملكة العربية السعودية أو من داخلها، وحسبك أن تعرف أن المختارين للتكريم يختارون بأشخاصهم وليس بمناصبهم أو بوجاهاتهم الاجتماعية، وإنما بانتمائهم الأصيل إلى قيم الضاد وليس هدمها بدعوى التجديد والإبداع والتيسير ـ وليمت سيبويه غير مأسوف عليه حسب الصيحة التي سمعناها واستنكرناها مؤخراً.
 
فارس الإثنينية
          فإذا انعقدت الندوة في موعدها الأسبوعي في فناء فسيح تكتنفه الأشجار الباسقة وتزينه الورود الجميلة، ثم التعريف ابتداء "بفارس الإثنينية"، وسرد موجز لسيرة حياته وأعماله، وهي بيانات وسرد موجز لسيرة حياته وأعماله، وهي بيانات موثقة تفيد المشتغلين بالببليوغرافيا، ثم يلقى راعي الاثنينية الشيخ عبد المقصود خوجة كلمة في الترحيب بالضيف المكرم وفي إبراز جهوده المبذولة على مدى العمر، وفي بسط المسوغات التي دعت إلى تكريمه متى كان الضيف من الذين جُحدت أعماله حتى في بلده أو من الذين تنكبتهم أحكام النقاد فظلمتهم ظلماً بيناً، فغاية خوجة، التي يحتشد لها بكل أريحية
نفس، هي إنصاف الذين لم يحالفهم الإنصاف، والإشادة "بفارس الاثنينية" أمام هذا الحشد الحاشد من الحاضرين المشوقين لسماع كل كلمة تقال في هذه المناسبة.
          ثم يتبارى المتكلمون شعراً ونثراً في استقبال الضيف والتحدث بما يعرفونه عنـه، ولا سيما إذا كانت تربطهم به علاقات شخصية عميقة تلقى أضواء على حياته وجهوده ومسيرته، وقد يُفاجأ الضيف بوصول فاكس من الداخل أو الخارج مشاركة في تحية الضيف، بل قد تُرتجل قصيدة في الترحيب به من متتبع لآثاره أو معجب بها.
          ثم يلقى المكرم كلمته، فيتحدث فيها عن رحلة المكابدة التي عاناها في حياته، وعن صنوف المحن التي مرّ بها، كما يتحدث عن اختياراته، واختباراته والمحطات الرئيسية في حياته، ففي هذه المناسبة يسوق شهادة من واقع تجربته في الحياة بحلوها ومرّها، ويصارح الناس بكل ما يعتمل في صدره، فالندوة منبر مفتوح بغير رقابة أو خطوط حمراء، والحرية فيها متاحة وبلا قيود، وكل الحاضرين الذين جاءوا من تلقاء أنفسهم غير مسخرين ولا تم حشدهم حشداً، آذان صاغية وعيون مشدودة إلى الضيف لأنها تراه لأول مرة عن قرب وبغير تصنع.
          ورغبة في إشراك الجمهور في الندوة بإيجابية وفاعلية، فإن باب الأسئلة يفتح على مصراعيه بل مصاريعه، فتوجه إلى الضيف الأسئلة مهما امتدت السهرة، فالقوم لا يريدون أن تفوتهم هذه الفرصة.
 
تسجيل وقائع التكريم
          وحتى لا يتبدد كل هذا الكلام في الهواء ويضيع في تلافيف النسيان، فإن الشيخ عبد المقصود خوجة يحرص على تسجيل كل وقائع التكريم بآلة التصوير وبشريط الفيديو وشريط الصوت، ومتى اجتمعت لديه حصيلة عدد من حفلات التكريم نشرها بكل وقائعها في سجل ضخم يصدر في صياغة فاخرة مزوداً بالصور التذكارية التي التقطت في الحفل، وقد صدر حتى الآن عشرون مجلداً من مجلدات التكريم ضمت وقائع 259 حفلة
رصدت لتكريم الأدباء، عدا 5 ندوات "على ضفاف الاثنينية" ويقع هذا السفر في 750 صفحة.
          وهذا الضرب من ضروب التكريم يصيب كثيرين ممن لم يساعفهم الحظ في سباقات الجوائز ومهرجانات "المتمهرجين"، وحسب الأديب أن يعرف أنه اختير لجدارته الشخصية وأنه لن يعرض نفسه في معاكسات المسابقات فقد يفوز وقد يخيب، وأن التكريم سعى إليه سعياً حثيثاً دون أي جهد من جانبه، وأن الجمهور الذي واجهه جاء خصيصاً ومن مسافات بعيدة لا بقصد المجادلة بل لكي تكون له حظوة مشافهة من أريد تكريمه، فهذا التكريم لا يحتاج إلى بذل وساطات أو التوسل بالعلاقات العامة أو الخاصة، وإنما هو تكريم بقصد التكريم ليس إلا.
          ونظراً لما يمتاز به راعي الاثنينية من نزاهة مطلقة وسمعة ناصعة، فإن اختياراته تحظى بالتقدير من جانب جمهور الندوة، كما تعتبر هذه الندوة في مدينة جدة حدثاً ثقافياً جليلاً يحرص الناس على متابعته والمشاركة فيه.
          ومن واقع تجربتي الشخصية أقرر أنني كنت أتهيب هذه المجابهة مع حشد أنا مبتوت الصلة به، ولكن الحفاوة التي نعمت بها من راعي الاثنينية انعكست على جمهوره، فألفيت نفسي محاطاً بأصدقاء غمروني بلطفهم وودهم، وإن كنت لكثرة عددهم لم أستطع التعرف على أحد منهم، وما
أحلى أن يجد المرء نفسه مطلوباً لذاته، وليس لمنصبه، وأن تكريمه ليس من قبيل المداهنة أو الرياء أو ارتجاء مثوبة.
          هذا نموذج فريد من نماذج التكــريم لا أعرف له مثيلاً في مجتمعنا الثقافي.
Recollections about
 honouring men of letters
 
Wadeh Palestine                     Translated by: Dr. Nadeem Kandalaft
 
            If society were to be categorized according to chances in life, intellectuals and  literary people would surely be ranked at the bottom of the scale. These people toil all their life not only without any appreciation but, most probably ingratitude follows them even after death. This fact has prompted institutions and individuals alike to honour these people while still alive. Among these there are official organizations which grant prizes under many different titles. Other non-governmental groups, led by active individuals, try to do them justice by giving them material prizes during parties held for the occasion in 5 star hotels with lavish food, in the different capitals.
            However, all these attempts are marred by the fact that they are all run by human beings who have all the shortcomings of humans, such as bias and taking sides, when taking decisions. Perhaps the most notorious example of this was that our professor Dr. Shawki Daif failed three times when interviewed by a committee before he "honoured the prize", while many of his students passed easily.
This is one side, while on the other side it is noticed that leftish people monopolize winning most of the generous financial prizes. This phenomenon cannot be accounted for whether it be just coincidence or due to bias. It is also noticed that poetry prizes go to iambic tellers or to those who publish political trash. Moreover honour parties are bestowed on the few on fixed seasons, overriding many who really deserve honouring.
Notwithstanding, I say that any good deed made towards intellectuals must be most welcome-even if it were wrongly done-taking into consideration that these people were destined to live in a society that is superficial and busies itself by watching football matches and trash serial films.
Monday lyceum in Jiddah
            I had to start with this introduction to be able to talk about another pattern of hououring, devised by Sheikh Abdul Maksoud Khouja in his weekly lyceum.  (panel meeting) every Monday, known as : "Al Ithnenia", which has been held in Jeddah since 1983.
Sheikh Abdul Maksoud is a good discerning reader, the quality which he uses in judging writers in the Arab World. He is not concerned with the lights thrown, rightly or wrongly, on this or that person. He also does not give any notice to geographical boundaries that separate intellectuals. Instead, he considers the world's cultural space a single nation. Ignoring all the identities marked on passports, he treats his literary guests as symbols representing one and the same family. If in the recent past some people trumpeted the slogan: "from the revolutionary gulf to the rumbling ocean", the "world" of Abdul Maksoud Khouja surpassed this area to a larger one. This area is anywhere a poet, thinker or a literary man lives in this world, be it Australia or even Brazil etc… Europe, to him, is only a stone throw from Jaddah .
The "Al Ithnenia" is still an individual activity, but Sheikh Abdul Maksoud acts as if it were a permanent solid institution which has its own unwritten traditions, and its constitution derived from the
sublime principles of the Arabic language. Its single noble aim is to choose whoever deserves honouring in this wide world and call them to Jeddah to introduce them, on the Monday meeting, to noble elite of literature lovers. These may number hundreds. They come from all corners of  Aljazeera, trusting that the honouring meeting is worth the participation.
In order to well organize the activity of this lyceum held weekly, its sponsor Sheikh Abdulkarim prepares a program for several months in advance; to call the guests he chooses, whether from inside or outside Saudi Arabia. It is worth noting that those chosen for honouring are not chosen for their rank or their standing in society but merely for their own personal achievements; for their loyalty to the development of the language and not for destroying it in the name of renewal, creativity and ease. "Let Seibqweih die without sorrow". The cry we have heard lately and decried.

The hero of Al Ithnenia
            When the lyceum gathers on its weekly meeting, in the large yard surrounded by flourishing trees and adorned by beautiful roses, the hero of the meeting is introduced by citing briefly his life history and achievements. When done, the sponsor, Sheikh Abdul Maksoud gives a welcoming speech, citing in detail the hero's literary works, giving reasons why he was chosen. The latter point is done especially in the case where this hero's
achievements were denied in his own country. The aim of the Sheikh is to do justice to those who were not lucky enough to get it at home, and to extol the characters of the hero in the presence this large group of people who are anxious to hear every word said on this occasion.
            Then, speakers rival in the ways of welcoming the hero, whether by poems or prose, mentioning what they know about him, especially if they have had personal relations with him. A fax or even a poem  may arrive, from someone welcoming him, to the guest's surprise. The time comes when the guest himself starts relating his bitter experiences in life as well as what was, for some time, boiling in this chest without being able to divulge it, the lyceum being free from all censorship or red lines. The audience themselves encourage that. They have come willingly to listen to the guest with open ears, and eyes nailed to his face, since they see him personally for the first time.
            And, in order to enable those present to participate objectively and effectively, they are allowed unconditional freedom to ask as many questions as they like, no matter how long this would take.  None of them wants to miss the opportunity.

Recording the proceedings of the meetins
            Sheikh Abdul Karim is careful enough to record all what was said and happened. He uses a camera and a video tape on every
occasion. Whenever a number of these is recorded, he publishes them in a huge magnificently produced register. He has already published 20 such registers containing the proceedings of 259 parties honouring literary men, except 5 of them which are "on the fringe of Al Ithnanieh". The collection has 750 pages.
            This kind of honouring included many of those whose luck did not help them in the races for prizes in the festivals of jesters. In this lyceum a literary man gets the satisfaction that he was chosen because of his true eligibility, without exposing himself to the hurdles of competition where he may or may not win. Here, honouring came hurriedly to him without any effort on his part. The audience he met came especially, and from far distances, not to argue, but to have the opportunity of talking to the man to be honoured. This honouring which did not need any mediation, or use of public or personal relations. It is honouring, simply, for the sake of honouring.
            The choices made by the sponsor of "Al Ithnenia" meets the approval and appreciation of those who attend because of his well known integrity and clear reputation. The lyceum itself is considered in Jeddah to be a respected cultural event, people are eager to attend, and to participate in.
            From my  own personal experience I admit that I used to be cautious towards meeting such a large group of people with whom I have had no relationship. But, the
kind attention and great welcome shown to me by the sponsor of Al Ithnenia so effected the assembly that I found myself surrounded by friends who overwhelmed me with their kindness and affection.
            It is a great nice feeling to find one's self wanted for himself and not for his rank, and that his honouring is not a form of hypocrisy and the expectation of a reward.
            This method of honouring is unique in its ways and unparalleled in our cultural community.
 
 
WEBMASTER : AA-ALSAAD
This Web Site Programmed and Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD ..... Copyright 2003 (C) SCOPNET  All Rights Reserved 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق