السبت، 7 نوفمبر 2015

مجلة السنونو ( العدد السادس ) - خاطرة - الدائرة والخط المستقيم ( د . قصي أتاسي )

مجلة السنونو ( العدد السادس ) - خاطرة
الدائرة والخط المستقيم ( د . قصي أتاسي )

الدائرة والخطّ المستقيــم

د. قصي أتاسي
 
          من زمان طويل، منذ أيام التلمذة، كنت في دروس الهندسة أحبّ شكل الدائرة وأفضّله على سائر الأشكال والخطوط، ولا سيما الخط المستقيم بما فيه من تفاهة وضحالة وسطحية وعدم اكتمال؛ فهو لا يوحي بمعنى ولا يثير خيالاً ولا يدعو إلى تفكير وتأمل. أما الدائرة فكنت أرى فيها الكمال والغنى وعدم التناهي؛ فليس لها أول وليس لها آخر، وفيها ما لا حصر له من أقطار وأنصاف أقطار؛ وفي قلبها تولد أشكال وصور من مثلث ومربع وما شئت من تعقيد وتفريغ؛ ومنها تولد الوجوه الآدمية؛ فيكفي أن تلعب فيها بالقلم حتى تنقلب صورة بشرية لها عينان وشفتان.
*        *        *
          واليوم أنظر إلى الدائرة نظرة جديدة فأراها إطاراً كبيراً يلفّ كثيراً من المظاهر تدور في داخله وضمن جدرانه... فهذه المسيرة الحياتية الخالدة من ميلاد وحياة وموت، في الإنسان والحيوان والنبات، أليس إيقاعها دائرياً فلا تدري أين منطلقه ولا أين منتهاه؟ وهذا الماء الذي يجري من نهرٍ إلى بحر، ثم من بحرٍ إلى نهر في نظام سرمديٍّ أبديّ، أليس إيقاع سيره دائرياً لا يُعرف له مبدأ من نهاية؟.
          وهذه الحركة من أبسط أشكالها وصورها في النواعير والعجلات إلى أرقاها وأعقدها في المحركات الهادرة لسيارة وطائرة، أليس مسراها مسرى الدائرة.. تدور وتدور، وفي دورانها الخصب والخير والراحة؟.
          حتى الزمن حينما أرادوا له قاعدة وضابطاً حصروه في دائرة مرقومة في قلبها دواليب تدور.. فكانت الساعات ذات العقارب لترصد دورة الأيام والأعوام.
          وهذه الغيبوبة التي تدور بالرأس وتعصف به عند عملية الخلق الفنّي أليس إيقاعها دائرياً يلفّ الحواسّ ويرميها بالنشوة ولا يتركها حتى يكتمل العمل وينضج؟
          وما بالك بدوران الأفكار في الرؤوس... ودوران القتال والدائرة الانتخابية ودوائر الدولة ودائرة الطباشير القوقازية؟!
          وماذا ترى في خاتم الزواج الذي يدور لابسه في فلكٍ واحد؟ وما رأيك في الدوران في حلقة مفرغة؟ وهل ننسى دوران الرحى وما تطحن من غذاء... حتى إذا دارت الحرب طحنت الرؤوس والأعضاء!.
          وتدور الكؤوس على الشاربين بصفاء وهناء... ثم تدور عليهمْ كأس المنية.. وهذا الدم الحار المتدفق يدور ويدور في الأوردة والشرايين... يوزع الغذاء ويزرع النماء ويضمن الحياة؛ حتى إذا وقفت دورته كانت نهاية المسرحية!.
          أمُّنا الأرض تدور... وحولنا الأفلاك تدور... والزمن والحياة والوجود دوائر في دوائر؛ ليس لها أول وليس لها آخِر.
 
 
WEBMASTER : AA-ALSAAD
This Web Site Programmed and Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD ..... Copyright 2003 (C) SCOPNET  All Rights Reserved 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق