السبت، 7 نوفمبر 2015

مجلة السنونو ( العدد السادس ) - قصة قصيرة - الحمار من ( عبد الخالق حموي )

مجلة السنونو ( العدد السادس ) - قصة قصيرة
الحمار من ( عبد الخالق حموي )
الحمــار مــــن؟
عبد الخالق حموي
 
          كنت أرتع بلا بردعة تثقل ظهري، ولا رَسَن يأمرني بالتوقف حين يشاء من يمتطي ظهري، سعيد لأني استطعت الهروب من زريبة مالكي، فقد مللت الحياة الرتيبة، من الصباح وحتى المساء في شوارع المدينة، ولسعات قضيب الرمّان حفرت على جانبي مؤخرتي علامات زمن القهر، وضربات الكعاب على جانبي بطني حفرت تقرحات لا تندمل.
          صحيح أني وضعت صاحبي في موقف حرج، فعائلته تقتات من خدماتي اليومية من نقل الحاجيات والبضائع إلى هنا وهناك، ودوماً الانفلات من القيود له ضريبته أكانت بحقي أم للآخرين، لكني بحاجة للانطلاق أكثر نحو الحرية التي أريدها بعيداً عن المدينة والمدنية، حيث كثرت الآليات والازدحام المقيت والرَسَن والكعوب وقضيب الرمّان، صارت تمارس أفعالها أكثر بفعل ذلك الازدحام.
          تركت أسرة كانت تعيش من تعبي وشقائي، ولكنها المغامرة.
          وتوقف المتكلم عن سرد حكايته، والدموع تنهمر غريزة من عينيه الحمراوين ومن ألم دفين.
          النمر الجائع أقام ميزاناً بين إلحاح معدته لطلب الطعام، وصغاره الذين ينتظرون، وبين الرأفة التي طغت تجاه هذا الحمار المسكين.
          قال النمر: إن جولة الصيد هذه ليست كسابقاتها، مررت خلالها مع حمار آخر، لكنه بدافع حب الحياة كان يهرب محاولة النجاة، ثم يستسلم بعد تعب ينهكه، وينظر إلي بمأساوية عسى رد الفعل يكون تسامحي معه، لكن الصغار كانوا ينتظرون... أما معك فالأمر مختلف، أنت لم تهرب، ولم تبدر منك حتى أدنى محاولة للدفاع عن نفسك، عيناك حمراوان.. ودموعك غزيرة.. لم تبدِ أية مقاومة.. قل لي ما حكايتك؟.
          قال الحمار: لا أدري كيف وصلت هذه الغابة، إن أغمضت عيني أحس وكأن حفنة من رمل ساخن داخلهما، وإن فتحتهما، أصابهما ألم كاوٍ، ويتابع الحمار: هل ستنتظر إلى نهاية الحكاية، أم أن معدتك هي التي ستقرر؟.
          تمدد النمر على قوائمه وقال: أنتظر.
          قال الحمار: في يوم هروبي من زريبة صاحبي، مررت بمنشأة كبيرة فيها عدد كبير من العمال الذين كانوا كخليّة نحل، على جانب البناء الكبير كانت فضلات الطعام قد أغرتني بعد نأي نصف يوم مع عمل المعدة. خبز يابس، وبقايا خضار... وتوقف احتجاج المعدة، وفجأة تقدم أحد المسؤولين في المشروع، ويبدو ذلك من قبعة رأسه البلاستيكية، ونظارة عينيه المتدلية إلى أرنبة أنفه، ولباسه النظيف، وحذائه الجديد، وعمل هذا على ربط عنقي بحبل التقطه من الأرض، وأخذني إلى ورشة حيث يقوم عمالها بتوصيل قطع الحديد مع بعضها باللحام الكهربائي، وقال لأحدهم: إعطِ هذا الجحش درساً في اللباقة، هذه شركة تحترم نفسها وسمعتها، وحريّ بهذا الحيوان ألا يتطاول إلى حدود المنشأة، فمكانه ليس هنا... وكي يرضي العامل رئيسه، وطمعاً في ترقية، ونهجاً في التزلف لإرضاء الغير:
          عمل على ربطي قرابة عمله في اللحام الكهربائي، وبقيت كذلك طيلة اليوم، أنظر إلى الشرارات والوهج الناتجين عن اللحام دون أن أعي خطورة ذلك.
          ومساءً أطلق سراحي مع ضحكة مدويّة طُرب لها صاحب العمل الذي افتّر وجهه عن رضى. وضاقت الدنيا، لا أستطيع الرؤية، وألم غير معقول يكوي عيني، ولا أدري كيف وصلت إلى هنا، هل معدتك تتحرش بك؟.
          قال النمر: نحن في الغابة لدينا حمار لديه دراية في أمراض الحيوانات:
          ـ أنت يا أخي مصاب بالتهاب ملتحمة ضيائي، ويلزمك قطرة عينية، لكن مديرية الصحة في الغابة منعت هذا الدواء لما له من أعراض جانبية قد تؤذي العيون، لكننا نستطيع تدبر أمرك، ونعقد مع النمر صفقة إبقائك على قيد الحياة مقابل خدمات تقوم بها في الغابة... ما رأيك؟؟.  
 
 
WEBMASTER : AA-ALSAAD
This Web Site Programmed and Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD ..... Copyright 2003 (C) SCOPNET  All Rights Reserved 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق