السبت، 7 نوفمبر 2015

مجلة السنونو ( العدد السادس ) - بلاد الجدود - تدمر عروس الصحراء ( الأستاذ منير الخوري - نزيل كندا )

مجلة السنونو ( العدد السادس ) - بلاد الجدود
تدمر عروس الصحراء ( الأستاذ منير الخوري - نزيل كندا )

لمحة جغرافية وتاريخية

          تقع مدينة تدمر في وسط الصحراء السورية، وهي إلى الشرق من مدينة حمص على مسافة/160/ كيلومتراً وإلى الشمال الشرقي من دمشق إذ تبعد عنها/300/ كيلومتر وإلى الجنوب من نهر الفرات في طرف بادية الشام الشمالي. وكل ما إلى جنوبها قفر لا ماء فيه ولا نبات.
          وموقعها هذا أفادها جداً إذ جعلها محطة القوافل السائرة من العراق إلى الشام وبالعكس، إذ يضطر المسافرون أن يتحولوا عن البادية التي لو سهل اجتيازها لكانت مسافة السفر قصيرة، ولكنهم تفادياً من معاناة السير الشاقة فيها، كانوا يتجهون إلى الشمال الغربي على حدود الفرات، ثم يؤمون تدمر فيستريحون فيها، ثم ينعطفون جنوباً إلى دمشق، وبهذا أصبحت تدمر على جانب عظيم من الأهمية، ومن المؤكد أن القوافل الحاملة حاصلات اليمن والحبشة إلى العراق كانت تمر بتدمر في القرن السادس قبل الميلاد. ولقد زادت أهمية تدمر بعد سقوط مدينة بترا في أوائل القرن الثاني الميلادي، إذا انفردت حينئذٍ بارتياد القواقل لها واتسع نطاق تجارتها حتى بلغت قمة مجدها في القرن الثالث.
          ومن يدرس آثار تدمر المحفوظة فيها حتى الآن يعلم إن آل السميذع قديمو العهد في تدمر وإن الجد الأول لآل أذينة قد نشأ في القرن الثاني وعرف باسم نصور، ثم تلاه وهبلات فحيران الذي أعان سبتيموس سيفروس في حربه مع البرثيين، بإرشاده إلى الأماكن التي تهمه معرفتها وبتقديمه المؤن إلى جنوده مما جعل سيفروس الأول يرخص له بإضافة لفظة سبتيموس إلى أسمه. وتلا حيران هذا أفراد أسرته الذين لعبوا دوراً هاماً في تاريخ هذه الحقبة.
          وبدأ عطف الرومانيين على أتمه في أيام القياصرة الحمصيين الذين شملوا تدمر بالتفات خاص يكاد يضاهي التفاتهم إلى مدينة حمص منشأ هذه الأسرة...
في هذه الأثناء ظهرت كفاءة أحد أفراد أسرة السميذع وهو أذينة الأول بن حيران بــن
 
وهبلات الذي في أيامه أخذت الأبنية الفخمة تظهر في مدينة تدمر على جانبي الشوارع العريضة المبلطة بالحجارة الفخمة والتي على جانبيها رفعت الأعمدة المرمرية التي ما برحت معالمها بادية للعيان والتي اكتمل بناؤها في أيام البطلين العربيين أذينة الثاني وزوجته زنوبيا.
          وذكر المؤرخون أن أذينة الأول قتله الروم سنة 251م أثر ثورة قام بها عليهم. وكان لأذينة المذكور ابنان أكبرهما أسمه حيران وأصغرهما أسمه أذينة.
 

حيران بن أذينة الأول

          كان حيران داهية يحفظ من حوادث التاريخ في ذاكرته الشيء الكثير، لذلك طمحت نفسه لتسلم مركز والده بعد مقتله فاتبع سياسة مسالمةِ الروم والتقرب إليهم. وكانت مصلحة هؤلاء تقتضي وجود من يركن إليه في البادية الشرقية فأولوه عطفهم ونصَّبوه حاكماً لتدمر سنة 251م ومنحوه لقب أمير تدمر ورجل الندوة كما سمح له الإمبراطور غالوس أن يضيف إلى اسمه أسم سبتيموس أول القياصرة الحمصيين فعرف منذئذ باسم سبتيموس حيران. وبقي هذا عزيز الجانب مرتفع المكانة عند الرومان حتى توفي سنة 258م.
 
  أذينة الثاني
          استلم الحكم بعده أخوه أذينة. وكان هذا ذكي الفؤاد، ثبت الجنان كبير المطامح منذ صغره. وإذ كان ناقماً على الرومان لقتلهم أباه لم يرضه ما فعله أخوه الكبير، ولكنه لم يستطع عمل شيء وهو حدث. فلما أشتد ساعده هجر تدمر ولاذ بالجبال يعيش من صيده، والتف حوله رهط من شجعان البادية، إذ رأوا إمارات البطولة والآباء بادية فيه،
فكاشفهم بما قام في نفسه على الرومان فارتاحوا إلى ما ارتاحت إليه نفسه وعاهدوه على تأييده في تحقيق ما يصبو إليه.
          فلما مات أخوه حيران، عاد إلى تدمر، فلقي من قومه كل ما يزيد في أمانيه رغبة. ولم يمر به وقت طويل حتى أخذ يضرم في صدور الشعب التدمري حب الاستقلال. وخدمه الحظ إنه أبرز فكرته هذه أبان ضعف السلطة الرومانية. وممن سولت لهم نفسهم الاستيلاء على عرش روما، مكرينوس المصري حاكم الشرق الذي استأثر بحكم سوريا وأقام أبنه كياتا نائباً عنه فيها، ثم سار بجنده إلى روما ليقبض بيده الصولجان ويلبس تاج القيصرية. ولكنه ما كاد يتبطن البلاد حتى اغتاله في الليل أحد جنوده.
 
          فلما أتصل نبأ ذلك بمدن الشرق، خافوا نتيجة الانقياد له، فثاروا على ابنه كيات الذي لاذ بمدينة حمص وتحصن فيها. عندئذ سار أذينة على رأس جنده للقضاء عليه وعلى الرومانيين من اتباعه، وحاصر المدينة حصاراً شديداً  مضيقاً الخناق على من فيها، حتى أن أحد اتباع كيات اغتاله ثم رمى برأسه إلى المحاصِرين، وأعلن خضوعه لأذينة بعد أن أمر بفتح الأبواب ليدخل الجيش التدمري، وهكذا دخل أذينة المدينة ظافراً، ولكنه في ذات الوقت أشفق على العصاة من الأهلين فلم يلحق بهم ضرراً، وأقرّ القائد الذي قتل كيات على زعامة المدينة مشترطاً عليه طاعة تدمر.
          وبهذا أصبحت مدينة حمص تحكم نفسها بنفسها تحت إشراف أمير تدمر أذينة الثاني.
 
أذينة يظاهر الروم على الفرس
          لما وقعت الحرب بين الفرس والرومان وقاد واليريان جيوشه على سابور الفارسي، أحب استمالة أذينة، فانعم عليه بلقب قنصل وقدم له هدايا ثمينة. ولكن أذينة الناقم على الروم لقتلهم أباه ابى قبول موالاتهم فلم يعبء باللقب ووزع  الهدايا على مشايخ القبائل. فلما انتهت الحرب بفوز الفرس واسر واليريان، سرَّ أذينة، فارسل يهنىء سابور بفوزه، ويعرض مناصرته إياه في كل حرب تقع بينه وبين الروم. ويظهر أن الفوز أبطر سابور فرفض طلب أذينة والقى هداياه في النهر بعد أن
مزق رسالته وقال للموفدين التدمريين: إني لا أريد موالاة أميركم بل أريد خضوعه المطلق لسلطتي...
          فاستشاط أذينة غضباً وأقسم أنه لينتقمن لشرفه من ملك الفرس وليبدلنَّ فرحه ترحاً. ثم جمع رؤساء العشائر البدوية وذكَّرهم بالأضرار التي أنزلها سابور بهم واهتمامه بسلب ثروتهم وحريتهم فثارت النخوة رؤوس الزعماء وحالفوه على محاربة الفرس مهما كلف الأمر.
          لما وثق أذينة من تأييد قومه، أرسل إلى غاليان أبن واليريان يخبره أنه يبغي مطاردة الفرس وإعادة البلاد التي استولوا عليها واسترداد كرامة الروم التي عبث بها سابور باسر أبيه... فشجعه غاليان وأمر الحامية الرومانية الموجودة في تدمر بالانضمام إلى جنوده، وهكذا أصبح لدى أذينة جيش عرمرم توجه به نحو معسكر الفرس.
          ولما رأى سابور أنه أصبح بين نارين، جيش الروم من الشمال وجيش العرب من الجنوب، سار بقواته نحو الفرات تاركاً وراءه حاميات متعددة بغية صدّ القوات التدمرية، غير أن هذه الخطة لم تنجح لأن أذينة أسرع ففتك بتلك الحاميات وأفناها عن آخرها. وعرف الجيش الروماني بنجاح أذينة فأسرعت قواتهم من الرها وقطعوا الطريق على الجيش الفارسي الذي حاول اجتياز الفرات، الأمر الذي أجبر سابور أن يترك للجيش الروماني كل ما غنمه من سوريا ليفتح له الطريق. غير أن هذا العمل لم يوقف أذينة عن مطاردة الفرس، فجدَّ وراءهم، وظلَّ يسير والنصر حليفه في كل الميادين حتى أسترد كل المدن التي استولى عليها سابور في الجزيرة كما أخضع نصيبين وحاصر المدائن مرتين وأستحوذ على جانب من خزائن سابور وسبى بعض نسائه. ومع أنه أسر كثيرين من ولاة الفرس وأرسلهم إلى روما، لكن يده لم تصل إلى واليريان لإنقاذه من الأسر. 

أذينة ملك الملوك

          شعر غاليان بالموقف الهام الذي وصل إليه أذينة، فاعترف له بحق الرئاسة على كل البلاد التي دوَّخها، وسماه رئيس الجيش الملكي ومنحه لقب الغازي وكان هذا في السنة الثالثة لملكه سنة 262م.
          وتنشط أذينة بما ناله من ظفر وفخر، فوالى حملاته لتطويع العصاة، وقام بخدمات جلى
للقيصر جعلته يسميه "ملك الشرق" بل "ملك الملوك ـ إمبراطور" كما أمر بضرب نقود على أسم أذينة نقشت عليها صورته ووراءه بعض الأسرى الفرس، وهكذا دانت سوريا والجزيرة والأناضول لسطوته وقام بأعباء الملك أحسن قيام وتم ذلك عام 264م.
 

اغتيال أذينة ووليّ عهده في حمص

          عظم شأن أذينة وبلغ قمة المجد، وأظهر أهلية تامة للسيادة التي ألقيت مقاليدها إليه، إذ وجد ألفة بين جميع الفئات المنضوية تحت لوائه. ومن أمثلة ذلك إيقافه تعصب غلاة الوثنية عند  حد، وكفه اضطهادهم للنصارى حتى يوجد أمة موحدة الأهداف، وراجت الحركة التجارية في أيامه وأنشأ الأبنية الجميلة الفخمة التي تضاهي في جمالها قصور روما، فعاش الناس في بحبوحة من العيش، ومضت سنتان من تاريخ سيادته العليا خالها الناس يوماً واحداً لكثرة ما عمهم من نعمة وسعادة وبسطة اليد.
          وكان أذينة يقضي الصيف في مدينة حمص تخلصاً من حر تدمر ويعود في أيام البرد إلى تدمر. ففي صيف 266م بينما كان راقداً في صرحه في حمص اغتالته يد أثيمة، إذ وجده الحاجب في الصباح مذبوحاً فاسرع ليطلع أبنه وولي عهده هيروديس، فوجده هو أيضاً جثة لا حراك بها وقد غمست ثيابه بدمائه.
          اضطربت الأفكار في المدينة لما انتشر نبأ الفاجعة وأخذ الناس يتساءلون في أسباب هذه الجناية الفظيعة ومن هو مرتكبها!... ولكن الغطاء انكشف وعرف القاتل الحقيقي وإذا به (مهنا بن حيران أخي أذينة)... أما أسباب الجريمة فنرويها كما ذكرها المؤرخون.
          أن حيران اخا أذينة مات عن ولد أسمه مهنا وكان هذا يطمع في الحلول محل أبيه حيران في السيادة: فلما صار الأمر إلى عمه لم يكن راضياً، ولكنه لم يجد إلى م
قاومته سبيلاً يومئذ...
          وفي بعض الأيام خرج أذينة إلى الصيد وأخذ معه أبن أخيه مهنا المذكور، فأبصر هذا صيدا فرماه بسهم قبل الملك فقتله. فلم يرق ذلك عمه وعاتبه على تعجله لأن حق التقدم في الرماية للملوك. وأغضى أذينة عن ذلك لصدوره عن شاب
لم يستطع ضبط نزوة الشباب. ولكنهم بعدما اجتازوا موضع الحادثة إلى سواه رأوا صيداً أخراً فاعاد مهنا الكرة ورمى الصيد بدون مراعاة خاطر عمه. فاستاء أذينة وأمر ابن أخيه بالنزول عن جواده لكي لا يعود إلى مثلها. فلم يطق الفتى هذه الإهانة وأظهر امتعاضه بإشارة تهديد أبداها لعمه... فأمر أذينة بسجنه، ثم توسط له بعضهم فعفا عنه وأخلى سبيله.
          ولكن الشاب حفظ ذلك في دخيلته، ولما رأى سانحة تآمر مع بعض الأشقياء على اغتيال عمه وأبنه هيروديس ليخلو له المركز، لأن أولاد عمه الآخرين كانوا دون سن الرشد. وحقق هذه الفكرة بالفعل في إحدى الليالي وأغتال عمه وأبنه وقضي الأمر.
          وبرعونة فتى جموح لم يخف عاطفته المنحرفة، بل أقدم للحال على تسلم زمام الأحكام في حمص غير عابئ بامرأة عمه زنوبيا، وغير مبال بمأتم عمه وأبنه، الأمر الذي لفت إليه الأنظار أثر طواف شركائه في الجريمة ومناداتهم بمهنا خلفاً لعمه المقتول. ولكن الحمصيين ثارت ثائرتهم على القتال فتجمعوا ثم اقتحموا دار الأمارة فانزلوا مهنا عن العرش وقتلوه للحال، وهكذا هدأت الاضطرابات وعاد الهدوء إلى السكان، وهنا انطلقت يد زنوبيا، فاخذت أولادها الصغار وعرفتهم على الأهلين، وقد البستهم الأرجوان، فنادى الجمهور بابنها وهبلات ملكاً وبولديها الصغيرين حيران وتيم الله قيصرين وأقيمت زنوبيا ( أو زينب كما يسميها الأعراب ) وصية على أبنها وهبلات لأنه ما برح قاصراً وكان ذلك سنة 267م.
 

زنوبيا ملكة الشرق

          استلمت زنوبيا زمام السلطة بصفتها الوصية على أبنها، ودبرت شؤون الدولة بكل حزم وحكمة. وكانت زنوبيا جميلة الصورة، حسنة الهندام، ولكن جمالها لم يطوح بها إلى التهتك بل لزمت جانب العفاف، وقد حوت في صدرها قلباً لا يخاف الأهوال، وفي رأسها دماغاً طموحاً إلى المعالي. ومما يرويه المؤرخون إنها كانت تتقن كل اللغات التي يتكلم بها سكان تدمر وأثينا، وأضافت إلى ذلك اللغة اللاتينية، كما كانت مولعة بمطالعة كتب هوميروس وأفلاطون فتفوقت في الشعر
والفلسفة، وهذا التفوق جعل ديوانها كعبة الرواد من كل حدب وصوب. ولقد استقدمت من أثينا الفيلسوف الحمصي الأصل لونجين وجعلته مستشارها الخاص كما استقدمت من انطاكية البطريرك بولس السميساطي الذي كان يغشى منزلها ساعة يشاء. وكانت هيئة حكومتها أشبه بحكومة ملوك روما، ومما امتازت به الفروسية إذ أنها كانت من أقدر الناس على ضبط شكيمة الخيل، فكانت تعتلي صهوة جوادها وتحسر عن ساعديها وتعلو رأسها خوذة وتخطب في جنودها بصوت رنان كان له أعظم وقع في النفوس.
          بهذه المواهب امتلكت زنوبيا قلوب رعيتها، فاصبحوا رهن إشارتها، يفدونها بكل غال ورخيص وعزيز، إذ ما استنفرتهم لأمر إلا ونفروا إليه خفاقاً وثقالا ولا أوفدتهم إلى خطب إلا وكانوا أسبق من جيادهم إليه.
          لما تأكدت زنوبيا من مكانتها في قومها،  استيقظ في نفسها طموحها إلى المجد وشعرت أن الاكتفاء بضبط زمام الأحكام وتدمر وما جاورها إنما هو قعود لا يرضاه ذوو النفوس الكبيرة، الطامحون إلى التفرد بالعظمة، لا سيما وأن الاضطراب كان قد استحكم في الإمبراطورية الرومانية، إذ أخذ الزعماء يستقلون في مقاطعاتهم وليس بينهم من هو بكفاءتها للحكم والسيادة، ويظهر أن لونجين الفيلسوف شجعها وغذّى هذه الفكرة في دماغها، ففكرت في تجهيز حملة تنيلها ما أملت وقررت أن تشن حملتها الأولى على أقليم بتينا "الشمال الشرقي من الأناضول حالياً" وعينت لقيادة الجيش البطل العربي التدمري المدرب زبداي.
          صادفت هذه الحملة نجاحاً باهراً أثناء زحفها في أنحاء الأناضول وبالرغم من المقاومة العنيفة التي ابداها الجيش الروماني المحاصر بتينا والجيش العظيم الذي أرسله القيصر غاليان لمساعدة المحاصرين، فقد أسرعت زنوبيا لملاقاة هذا الجيش على رأس جنودها وعسكرت في شمال سوريا حيث دارت رحى المعركة الفاصلة بين الجيشين وكانت النصرة أخيراً لجيش زنوبيا. كما قتل في تلك المعركة هراكيان قائد جيش الرومان وحدث ذلك في سنة 268م.
زنوبيا تستولي على مصر
          في أواخر عام 269م عولت زينب على فتح مصر، فجهزت جيشاً مؤلفاً من 70 ألف مقاتل بقيادة زبداي قائدها الأول. زحفت هذه الحملة على مصر واستولت على المناطق الشمالية. وهنا دب الهلع في قلب قيصر روما فأرسل للحال من قبله قائداً مدرباً يدعى بروبس، ونزل هذا القائد في مصر السفلى وضم إلى صفوفه المتطوعين من المصريين وهاجم الجيش التدمري عند منف، ولكن النتيجة لم تكن كما يريد إذ تحطم جيشه ووقع بروبس نفسه أسيراً في يد التدمريين فصعب عليه الأمر جداً ومات منتحراً.
         
          وباستيلاء زنوبيا على مصر أصبحت حدود مملكتها ممتدة في الشمال إلى أقاصي أسيا الصغرى ومن الشرق إلى الفرات ومن الجنوب إلى ساحل النيل ومن الغرب إلى البحر الأبيض المتوسط. بعد هذا الانتصار، التفتت زنوبيا إلى تزيين عاصمتها حتى جعلتها مشابهة لأعظم العواصم بما أضافته إليها من الأبنية الفخمة والحصون المدهشة.
 

زنوبيا واورليان

          وكانت روما وقتئذ تتخبط في الاضطرابات والانقلابات إذ توالى على عرشها غاليان ثم كلود الثاني، فلم يتمكن أحدهما من ضبط زمام الحكم حتى قيض لروما اورليان الذي نادى به الجيش امبرطوراً  سنة 270م وهو الذي حينما تسلم السدة أخذ يهتم برتق الفتوق في الدولة، فرد القوط إلى ما وراء الطونة وحارب القبائل الجرمانية فانتصر عليها، ثم حصن روما بأسوار منيعة ليعصمها من هجمات البرابرة. واستغرقت هذه الأعمال منه مدى سنتين، وكانت زنوبيا أثناء ذلك تسرح وتمرح غير حاسبة للدهر حساباً فلقبت أبنها اوغسطس وأزالت أسم القيصر عن النقود التي سكتها... وكان وقع هذا النبأ على اورليان شديداً جداً وأخذ منذئذ يستعد لكسر شوكة التدامرة.. أرسل اورليان أولاً إلى مصر حملة عسكرية عظيمة تمكنت في نتيجة المعارك من الانتصار على التدمريين فأجلتهم عن مصر بالقوة...
          وكانت معركة مصر بداية أفول نجم زنوبيا ملكة تدمر العظيمة. إذ أن اورليان جهز جيشاً عظيماً قادة بنفسه فاستولى على بتينا ثم تابع
سيره إلى أنقرة حيث تمكن من الاستيلاء عليها بعد قهره القوة التدمرية المعسكرة هناك، ثم أتجه إلى انطاكية حيث كانت زنوبيا قد أعدت قوة عظيمة لصد الجيش الروماني عن التقدم، وفي تلك المعركة الضارية فاز لأول وهلة فرسان زنوبيا على خيالة الرومان، ولكن مشاة الرومان كانوا أكثر عدداً من مشاة التدامرة فتمكنوا من زحزحتهم عن أماكنهم فاضطرت زنوبيا إلى التراجع حتى قنسرين ثم إلى حمص، حيث تمكنت من تجميع سبعين ألف مقاتل فاقامتهم وراء معاقل وحصون تقيهم سهام الأعداء واتخذت في ذات الوقت السهل الفسيح ميداناً للمعركة المقبلة.
          ولما نشبت المعركة، أبلى فيها العرب والأرمن الذين كانوا في جيش زنوبيا بلاءً حسناً وأوقعوا في الجيش الروماني خسائر جسيمة دون أن يصل أحد الطرفين إلى نتيجة تذكر.
          ثم عقدت زنوبيا مجلس مشورة مع أركان حربها فقرروا الرجوع إلى تدمر لتصورهم أن الجيش الروماني يتعذر عليه اجتياز البادية والتعرض لمهاجمة البدو الرحل على الطريق.
          ولكن اورليان، أمر جيشه بمتابعة الزحف إلى تدمر عاصمة زنوبيا المحصنة جداً والمحاطة بأسوار تجعل اقتحامها من أصعب الأعمال وأشقها.
          لم يكن أمام اورليان سوى أمرين: افتتاح المدينة عنوة، أو التضييق عليها ليستسلم أهلها بسبب الجوع. ولما لم تنجح الوسيلة الأولى، لاذ اورليان بالثانية وهكذا بعد فترة غير قصيرة وقعت المدينة في ضنك وضيق شديدين لنفاذ الأقوات منها. عندئذ لم تر زنوبيا أفضل من الفرار خلسة إلى بلاد الفرس واثارتهم على الرومان لرفع الحصار عن المدينة، فاعتلت متن جوادها وخرجت من تدمر متجهة نحو العراق، غير أن فرسان الرومان تأثروها وأدركوها عند نهر الفرات فقبضوا عليها وعادوا بها إلى اورليان .
          وبلغ الخبر المحاصرين فأوقع البلبال في صفوفهم وتمكن حينئذ اورليان من الاستيلاء على المدينة بعد معركة قصيرة، ولم ينتقم من الأهلين بل استولى على كنوز تدمر الثمينة.

نهاية زنوبيا

          عقد اورليان مجلساً لمحاكمة العصاة، فلما أحضرت زنوبيا بين يديه وسألها عن سبب تمردها أجابته برباطة جأش: " لم يكن غاليان أهلاً للإمبراطورية فاحتقرته، وأنفت من طاعة من خلفه، وأما أنت فقد أظهرت بعملك أنك حرىّ بأن تسود، فلا استنكف الآن عن طاعتك".
          بعد هذا حكم اورليان بإعدام مستشارها لونجين الفيلسوف ووزرائها. ومما يذكره المؤرخون، أن زنوبيا طلبت العفو عن لونجين، فأبى القيصر، فرجته أن تقتل هي عوضاً عنه فرفض رجاءها...
          ولقد سيقت زنوبيا إلى روما سنة 273م وهي مكبلة بقيود ذهبية حيث دخلتها وهي تسير أمام مركبة اورليان.
          أما تدمر فبعد أن بارحها اورليان مع جيشه ووصوله إلى الأناضول فقد ثار أهلوها وقتلوا الحامية الرومانية وأقاموا عليهم ملكاً انطيوخوس بن حيران أخي أذينة، فعاد إليهم اورليان وفتك بهم فتكاً ذريعاً ودك حصون وأسوار المدينة التي لم تقم لها بعد ذلك قائمة.
          ومما يذكر عن زنوبيا أن اورليان أحسن معاملتها وأسكنها مع أولادها في قصر جميل جداً في تيفولي التي تبعد عشرين ميلاً عن العاصمة، عاشت فيه مع أولادها حتى وافاها الأجل.
          وكلمة أخيرة لابد منها وهي أن من يزور تدمر ويشاهد الآثار الجميلة الرائعة المتبقية فيها حتى الآن يعرف تمام المعرفة ما قدمه أذينة وزنوبيا خلال 15 عاماً فقط من أعمال عمرانية رائعة وشوارع فسيحة مبلطة تنافس أرقى الأبنية وأجملها في روما وأثينا وما حققاه شعبيهما العربي من حضارة ورقي ومعرفة.
 
 
         
إذا كان كلامنا العربي لا يحدث تغييراً ولا يسقط سلطة، فإنه يدخل إلى قلوب الكثيرين من الذين يقدّرون واقع الكلمة النابعة من الضمير والمعبرة عن قضايا إنسانية ما زالت تشغل البعض في هذا العالم.
                                    بطرس عنداري

Palmyre: joyau du désert Syrien
 Muneer Al-Khuri
Il s’agit ici de l’histoire de Palmyre à l’apogée de sa gloire sous le règne du roi arabe Odheyna II et de sa femme la célèbre reine Zénobie au II le siècle.
            Odheyna cherchait à s’émanciper de la domination de l’empire romain décadant. Il trouva le moment propice à l’occasion de la défaite totale de l’armée romaine devant l’armée perse conduite par Chahpur ler qui fit prisonnier l’empereur Valérien. Le roi arabe proposa l’alliance au roi de Perse qui repoussa ce geste avec mépris et exigea la soumission du roi Odheyna. Celui-ci se rallia plutôt à Rome qui se relevait de sa défaite sous la conduite du nouvel empereur Gallien, fils de Valérien. Les Perses furent mis en déroute par les armées
romaine et arabe. Le roi arabe qui contrôlait alors toute la Syrie, l’Anatolie et la Péninsule Arabique, bénificiait de deux titres: “Roi de l’Est” et “Roi des Rois.”
            Le roi Odheyna fut assassiné par son neveu en 266 A.D.. La reine Zénobie lui succéda au trône comme tutrice de son fils mineur Wahbalat. Elle profita de l’état cahotique qui prévalait dans l’empire romain et lanca une attaque contre le nord-est de l’Anatolie qu’elle occupa en 268 puis envoya une armée forte de 70,000 hommes vers la fin de 269 pour conquérir l’Egypte. Le règne de Zénobie s’étendait à cette époque des fins fonds de l’Asie Mineure au nord, jusqu’à l’Euphrate à l’est, aux bords du Nil au sud et la Méditerranée à l’ouest. Mais la trêve ne fut pas longue. Aurélien, le nouvel empereur romain, cherchait à refaire l’unité de son empire, chose qu’il ne pouvait faire sans la conquête du royaume de Palmyre. Après des combats serrés et harcelants, Aurélien assiégea Palmyre et captura Zénobie qui cherchait à s’enfuir vers la Perse pour soulever son roi contre Rome. Zénobie, dont la défaite reste le principal titre de gloire d’Aurélien, fut conduite à Rome en 273 A.D.

“Palmyra: the Jewel of the Syrian Desert
Muneer Al-Khuri
The article narrates the history of the city-state of Palmyra under the reign of the Arab king, Uthaina II, and his wife, Queen Zenobia during the third century A.D.. It tells how Uthaina II built a strong army and sought independence from the weakening Roman Empire; then he supported the Romans in their war against the Persians when the latter wanted to subdue the people of Palmyra. The Persians were conquered as a result, and the Roman Emperor gave Uthaina – who now controlled all of Syria, Anatolia, and the Arab Peninsula – the two titles of “King of the East” and “King of Kings.”
            When king Uthaina and his eldest son and heir to the throne, Prince Herod, were assassinated by
Uthaina’s nephew in the city of Homs in 266A.D., Queen Zenobia took over the government as guardian of the young king, her son Wahbalat. She proved to be a very strong sovereign who took advantage of the chaotic conditions in the Roman Empire and launched an attack against the region of Buthaina, northeast of Anatolia in 268A.D.. Having conquered that region, Zenobia sent an army of 70,000 men to conquer Egypt towards the end of the year 269A.D.. Queen Zenobia’s kingdom now stretched from the remotest parts of Asia Minor in the north, to the Euphrates river in  the east, to the coast of the Nile in the south, and to the Mediterranean in the west. However, the Queen, who was now busy beautifying the city of Palmyra, was unable to enjoy the taste of victory for a long time. The new strong Caesar, Oralian, managed to regain all the territory he had lost to Palmyra and conquered the city itself taking Zenobia captive to Rome in 273A.D.

       
 
WEBMASTER : AA-ALSAAD
This Web Site Programmed and Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD ..... Copyright 2003 (C) SCOPNET  All Rights Reserved 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق