مجلة السنونو (
العدد السادس ) -
مهجريات
|
من نحن (
جبران خليل جبران )
|
مـن
نحـن
جبران خليل جيران
"تسألونني
من نحن؟ خذوا جوابي، خذوه أغنية أن
شئتم، وأن
شئتم فخذوه برقاً ورعودا.
نحن أمة تحتضر
ولا تموت. قد احتضرت ألف مرة ومرة ولم تمت، وستحتضر ألف مرة ومرة وتظل حية. نحن
شعوب تُغلب وتخضع في ظاهرها، ولكنها تبقى ظافرة في طويتها. نحن الأقوياء بضعفنا،
المنتصرون بانكسارنا. نحن الذين نأكل قلوبنا طعاماً ونشرب دموعنا خمراً غير أننا لا
نلوي أعناقنا ولا نحول وجوهنا عن الكواكب. نحن عقدة لم تحلها الأيام وستبقى غير
محلولة. نحن باب ضاعت مفاتيحه وسنظل باباً موصداً يحجب وراء مصراعيه أسرار الأزمنة
الغابرة وأسرار الأزمنة الآتية. نحن نندب وفي ندبنا همس الحياة وغيرنا يهلل وفي
تهاليله تأوّه الموت.
نحن صرخة
تخترق غلاف الأثير، أما سوانا فضوضاء تزعج الهواء، تغلق الأزقة والشوارع. نحن أغنية
قديمة ترددها الذكرى كل صباح وكل مساء. أما غيرنا فلغط في لجّة ولفظ في هاوية.
نحن جبل راسخ
مقيم، أما سوانا فأشباح تأتي مع الظلام وتضمحل باضمحلال الظلام.
نحن أمة قوية
بضعفها، جلية بإضمارها، تتكلم وهي صامتة وتعطي وهي تتسول.
نحن حمل في
أجمة، أما عدونا فينظر إلينا من شاهق ثم يهبط ويقبض علينا بمخالبه وينهش أجسادنا
بمنقاره مستطيباً طعمنــا ولكنــه لا يستطيع ابتلاعنا ولن يستطيع ابتلاعنا.
نحن نسكن على
ملتقى الطرق، فما مر بنا فاتح إلا وغرس السيوف في حدائقنا والرماح في حقولنا
متوهماً أنها ستنبت غاراً يكلل به رأسه، ولكنها لم تنبت سوى الشوك والحسك. تقولون
أننا فقراء محتاجون. نعم، نحن فقراء لأننا لم نتعلم السرقة وفنون الاحتيال والغزو
والنهب. فلم نحصد قط سوى ما زرعنا ولم نلبس سوى ما غزلنا. وتسألونني من نحن؟ فخذوا
إذن جوابي، خذوه غصناً من الزيتون أن شئتم، وأن شئتم فخذوه حجراً من مقلاع أو سيفاً
قاطعاً.
تقولون أننا
قدريون باطنيون منصرفون عن الإيجابي والإجرائي إلى الخيالي والسلبي. نعم، فأنتم
محقون بما تقولون، فنحن لم نبتدع المدافع المدمرة ولم نكتشف الغازات والسموم
الفتاكة ولم نبتكر القطارات والسيارات التي تبدد الأفكار وتبعثر الأرواح وتملأ
الفضاء بالدخان والصفير والحرتقة. ولم نبن المعامل التي تلتهم أجساد العبيد
المفاخرين بحريتهم، وليس لنا معاهد للأرامل والأيتام لأننا لم نخترع الآلات
الجهنمية التي ترمّل النساء وتيتّم الأطفال. وليس في بلادنا مستشفيات لأن سهولنا
وهضباتنا وأوديتنا كانت خالية من جراثيم الأوبئة والأمراض. وتقولون أننا نجهل
السياسة الدولية وأننا لا نحسن الإدارة الأممية وأننا غير جديرين بالحكومات
النيابية والاستقلال. أجل، فنحن نجهل جميع هذه الأمور الربانية الجليلة وأنتم
خبيرون بها تدركون كلّياتها وجزئياتها. ولقد سارت بكم معرفتكم الجليلة الربانية إلى
سنة 1914، أما غباوتنا فقد قادتنا إلى الاستشهاد. ففاخروا بمعرفتكم أن استطعتم
المفاخرة. وعيّرونا بصليبنا أن شئتم، ففي ذلك العار مجد.
وتقولون أننا
لم ننشىء غير الأديان ولم نبرع بغير الجدل في الإلهيات نعم. فهذا هو الصحيح بعينه،
ولكن أسألكم، لماذا يا ترى اتخذتم أدياننا سبباً للتمذهب ثم للخلافات ثم للانقسامات
ثم للمذابح؟ ولماذا أقمتم لربنا وإلهنا هياكل ومذابح تصلون فيها بلجاجة لينصركم على
إخوانكم وأبناء عمكم يصلون إليه لينصرهم عليكم؟.
نحن قوم نبتسم
لمن يضحك لنا ولكننا لا نضحك معه. نحن قوم نتقلد ضيوفنا والوفود المبعوثة إلينا،
ولكننا لا نلبث أن نعود إلى ما بنا عندما يرحلون عنا. ونحن قوم في جلودنا لين
ونعومة، أما عظامنا فكثيفة كعروق السنديان. ونحن قوم نلبس لكل حالة لبوسها أما
قلوبنا فتظل في مأمن من الأطوار والتطور، وأما أرواحنا فتظل في جوار الله .
نحن أمة تحلم
وهي تسعى بهدوء وسلامة أمام وجه الشمس، وفي أحلامنا شرفنا وفي أحلامنا شرفنا وفي
أحلامنا عزمنا وفي أحلامنا خلودنا. ولسوف نبقى متمتعين بنشوة جمال أحلامنا تحسبونها
مدنية، فترجعون إلينا لتحلموا أحلامنا وتستسلموا مثلنا إلى الحياة بما في الحياة من
مدّ وجزر وصباح ومساء. أما إذا بقيتم وفنينا. فإني أقول لكم أنه، وإن لم يبق سوى
رجل فرد وامرأة واحدة منا، فذاك الرجل سيكون شاعراً نبياً، وتلك ألامرأة ستكون أما
"لشعب جديد".
نصوص
لمخطوطات جبرانية موجودة في المتحف الخاص به في بشري، هي غير مؤرخة وقد نشرها أمين
المتحف الأستاذ وهيب كيروز في مجلة "المنبر" الباريسية العدد العاشر كانون الأول
1986 وهو سبق ونشر بعض منها في كتابه "عالم جبران الفكري" الجزء الثاني.
|
|
WEBMASTER : AA-ALSAAD
|
This Web Site Programmed and
Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD
..... Copyright 2003 (C) SCOPNET All
Rights Reserved
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق