مجلة السنونو (
العدد السادس ) -
خاطرة
|
احتجاج
طريف ( دلال كباس - الأرجنتين / حزيران / 2003 )
|
احتجاج
طريف
دلال كبــاسالأرجنتين / حزيران / 2003
أنا
من المولعين بفترة الصباح ، ولهذا فان يقظتي تعتبر من اليقظات المبكرة في نظر من
يحبون النوم والتزام الفراش حتى ساعات ممتدة من اشراقة الكون . ويؤلمني أن تمر
الفترات الأولى من مطلع النهار دون أن أكون من شهودها ، ودون أن أشارك في مواكب
أعراسها عندما تبدأ سيّدة الكون بتوزيع أسلاك النور على الملأ دون استثناء أو تمييز
، فللأوكار نصيبها كما للقصور ، وللوديان والأغوار حصتها كما للهضاب والجبال.
ما
أعجب هذا النجم الذي نسميه شمسا ، انك تجده قرصا مستديرا بالحجم نفسه أينما سرت
وحيثما اتجهت من طرف الدنيا إلى طرفها الآخر ، يشتعل بذاته منذ بدء الكون ، فما عرف
الاحتراق ، ولا تقلصت مصادر العطاء ومنابع الطاقة فيه . يصل إلينا بنفس القدر من
الحرارة التي تستطيع أن تتحملها أجسامنا وتتحملها الكائنات بمختلف أنواعها من بشر
وغير بشر ، رسولا يضمن للجميع الحياة ، ويضمن البقاء .
وهكذا ومنذ زمن غير قصير وأنا أجلس إلى مائدة الإفطار على عدسة التلفزيون في القناة
سبعة لمديرها هوغو مورالس والتي تمتد من السابعة صباحا إلى العاشرة قبل منتصف
النهار ،أجلس جامدة الحركة خشية أن تفوتني شاردة أو واردة عن الاعتداء الأثيم على
العراق ، إذ كانت جلّ أحاديث البرنامج وتعليقاته آنذاك تدور حول عملية الغزو تلك ،
ومن الإنصاف أن نقول بأن مواقف ذلك البرنامج كانت كريمة من حيث تغطية أنباء الغزو
وقول الحق .
لقد
سيطرت تلك الحرب على أفكاري ، استوعبتها هيمنت عليها وامتلكتها ، حطمت أعصابي وأنا
أرى بلدا شقيقا يدمر بحجة الديموقراطية ، وأخوة يقتلون بالآلاف باسم الحرية ،
ومدنية عريقة تطمس تحت أقدام الجحافل الغريبة ، ولكن لست الآن في مجال الحديث عن
هذا الغزو المؤلم ولا عن الحجج الكاذبة والتي لا قاعدة تستند إليها ولا أساس.
أن ما لفت
نظري واسترعى انتباهي أمس في برنامج الإفطار المذكور هو مشهد احتجاج قامت به جماعة
من أبناء هذه العاصمة بوينوس أيرس أمام مبنى المجلس التشريعي الأرجنتيني ، فأخذ هذا
الاحتجاج بإعجابي وأسرني بطرافته وجديد نوعه في عالم
الاحتجاجات إلى حد جعلني أضحك بمفردي ودون أن يكون هناك من يشاركني في ذاك الضحك ،
ودون أن يدري به لا من نظموا الاحتجاج ولا من عرضوه ، كما حرّك قلمي وجعلني أكتب
هذه العجالة القصيرة .
إن
الجماعة التي تظاهرت كانت تضم رجالا ونساء ، شابات وفتيانا ، والكثيرون منهم بملابس
رسمية وقد حمل كل منهم مكنسة وراح ينظف سلالم المجلس النيابي الخارجية بالماء
والصابـون ، لا تحطيم ولا تكسير ولا هتافات معادية بل مكانس تتحرك بعملية تنظيف لا
يمكن أن نراها أو نتصور جدية عمقها في مدينة ما إلا في حالات خاصة كزيارة كبير أو
اعتلاء رئيس .
والاحتجاجات والمظاهرات على أنواع : منها المسالم الذي يبدأ صامتا وينتهي صامتا إذ
ليس وراء غرضه غرض آخر ، ومنها ما يعرقل الأعمال ويقطع الطرق ويشل حركات السير
والعمل ، ومنها ما ينتهي بأبشع الأعمال فلا يزيد الوبال إلا وبالا .
لقد
كانت احتجاجات الخميس الماضي من النوع المسالم ولكن الطريف أيضا ، من النوع الذي
يجعلك تضحك وأنت على قناعة بصواب الاحتجاج ، وما أحوجنا في هذه الأيام إلى الضحك .
لقد انقلب هذا المجتمع الذي اخترناه نحن المغتربين ، بإرادتنا أو بغير إرادتنا ،
موطنا ثانيا لنا ، لقد انقلب إلى مجتمع ينقصه الضحك ، مجتمع يلفه الخوف وقد تلطخ
بالدم وأصبح مجتمعا بوليسيا بعد أن غدت عمليات الخطف والسلب والقتل خبزه اليومي
والطبق المرّ الذي يشاركنا جميع موائدنا ، ووجبات غذائنا ، بعد أن كان مقصدا
للمظلومين ، يأتون إليه من أطراف الدنيا ليتمتعوا بالحرية وينعموا بالسلام ويجدوا
على أرضه ما فقدوه من فرص العمل وفرص التقدم والازدهار .
أن
رسالة الاحتجاج التي أعلنها أصحاب المكانس ، كانت في نظري مع طرافتها وبساطتها ذكية
بليغة فهل أراد هؤلاء أن يقولوا بأن كل ما يحتاج إليه هذا المجتمع ليعود إلى ما
كان عليه صحيحا ، سليما ، هو عملية تنظيف عميق تبدأ بالمسؤولين ، عملية تنظيف لا
بالمكانس وحدها بل بالماء والصابون لتطيح بجميع ما علق فيه من نفايات وأوساخ وأقذار
.
|
WEBMASTER : AA-ALSAAD
|
This Web Site Programmed and
Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD
..... Copyright 2003 (C) SCOPNET All
Rights Reserved
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق