الاثنين، 2 نوفمبر 2015

مجلة السنونو ( العدد الثاني ) - مهجريات حديثة - بطاقة هوية ( ألمى الخوري كركر )

مجلة السنونو ( العدد الثاني ) - مهجريات حديثة
بطاقة هوية ( ألمى الخوري كركر )
 
كنتُ أشعرُ خلال زياراتي الماضية المتكررة للبلد الأم في السنوات الخمس والعشرين الماضية، بحنين شديد وحب متأصل الجذور، وكنتُ دوماً أندهش حين أحس، عقب وصولي مطار دمشق بعد عام أو أكثر أو أقل من الغياب في بلد الإقامة الجديد في أمريكا، بأنني لم أغادر دمشق يوماً ولم تغفُ عيني عن مناظرها ولا توقفت رئتيّ عن استنشاق هوائها... ويشدني شعور الانتماء بقوةٍ جاذبية هائلة، وتتغلب المواطنية الأصيلة عندي على أية جنسية أخرى جديدة أو جواز سفر حديث، وأقول دوماً في نفسي: " لقد عشتُ في بلد الهجرة عدداً من السنين أكثر من عدد السنين التي عشتها في بلدي الأم!! " ، إلاّ أن مؤثرات النشأة الأولى وعمق أبعاد التربية والثقافة الأولى في سنوات الطفولة والشباب تقوى وتتغلب على ما يبدو على السنين اللاحقة في حياة المرء... ليس ذلك فحسب بل تمتد إلى أجيال متعددة لتظهر ليس في أسماء أولادنا العربية وملامح وجوههم ولون بشرتهم فحسب، بل في طعامهم وسلوكهم وتعاطفهم وتفهمهم لتقاليد الأهل ونمط تفكيرهم وعلاقاتهم بمحيطهم ..، فإن كنا من المحظوظين أو الأذكياء، نسعى إلى استمرار التواصل بين الماضي والمستقبل، ونصنع من أنفسنا جسوراً تربط الأجداد والآباء بالأبناء والأطفال .. وأذكرُ هنا أنني كنتُ دوماً من المعجبين جداً بمبدأ الجسور، فأراها دوماً تصل الناس ببعض والمدن
 المحيطات والقارات ببعضها الآخر.
          وألحظُ كيف عاشت المجموعات العربية المهاجرة الأولى إلى أمريكا، وأرى مدى امتدادها وتأثيرها على أجيالها اللاحقة المستمرة حتى الآن... وأقول أننا إذ نمثّلُ اليوم نوعاً وتياراً جديداً من الهجرات، أكثرُ ثقافة، وأعمقُ وعياً للانتماء القومي والحضاري، وأكثرُ قدرةً على التواصل مع الوطن الأم بفضل توفر وسائل المواصلات الحديثة والتقنيات والشبكات الإلكترونية والهاتفية وسواها، فإنه من المُتَوقع والمُفترض أن تزداد المؤثرات الحضارية المنتقلة إلى أجيالنا القادمة، وتتعمّقُ فاعليتها فتأخذ سماتٍ أكثر عمقاً وشموليةً .. فنحن إذ ننتقل اليوم من موقع جغرافي إلى آخر، فإننا لا ننقل معنا سمات الضيعة والنبع الذي يشق الجبل في منطقتنا، ولا نتغنى بالميجانا في السهرات الحلوة فحسب، بل ننقل هوية حضارية لها سماتُها ومفاخِرُها، لها نضالاتها الإنسانية ومسؤولياتها الجسيمة... ونحن إذ نقدم هذا الشعور المتميز لأولادنا وأحفادنا، نساعدهم على تعميق وعيهم لذاتهم وجذورهم، إذ أن الحاجة ماسة اليوم إلى الاحتفاظ ببطاقة شخصية متميزة في مجتمع عالميّ يتجه نحو النمطية والانصهار الجماعي ...
          نسيت أن أذكر، أنني عند زيارتي هذه المرة لبلدي الأم، لم أشعر بالحنين أوالأنتماء فقط، بل شعرت وكأني أعود كطفل صغير إلى حضن أمه وشعرتُ أنني أعود إلى بيتي وكأني كنت قد أضعتَه أو ربما قضيت خمسةً وعشرين عاماً في البحث عنه....
 
مدينة كانتون ـ اوهايو في الولايات المتحدة، أول شباط/فبراير 2003
 
  • ألمى الخوري كركر
 
كاتبة مغتربة في كانتون (الولايات االمتحدة) منذ عام 1977. تحمل إجازة في اللغة الفرنسية وآدابها من جامعة دمشق. تُعنى بأمور الجالية العربية في كانتون، وتتعاون مع اللجنة العربية الأمريكية لمكافحة التمييز العنصري A.D.C . تزور بلدها الأصلي سورية كل عام لمشاهدة الأهل والتزوّد بالكتب الجديدة.
 

 
WEBMASTER : AA-ALSAAD
This Web Site Programmed and Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD ..... Copyright 2003 (C) SCOPNET  All Rights Reserved 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق