الاثنين، 2 نوفمبر 2015

مجلة السنونو ( العدد الثاني ) - من تاريخ الوطن المقيم - جبر ضومط .. ابن صافيتا ( د. جورج جبور )

مجلة السنونو ( العدد الثاني ) - من تاريخ الوطن المقيم
جبر ضومط .. ابن صافيتا ( د. جورج جبور )

جبـر ضومـط .. ابـن صـافيتـا
بمناسبة مرور 75عاماً على تكريمه من قبل الجامعة الأمريكية في بيروت.. 
احتفى به رئيس جمهورية لبنان ورئيس حكومة سورية.
  الإهداء:
إلى أبناء صافيتا الأحباء، وإلى مجمع اللغة العربية في دمشق، وإلى الجامعة الأمريكية في بيروت.

(1)
أبحث عمن أسلمه أوراقي عن صافيتا. كنت آمل ذات يوم أن أكتب عن صافيتا الكتاب الذي لم يُكْتَبْ مثله.. أسميته مرة: موسوعة صافيتا.. أسميته دفاتر صافيتية.. أسميته: شؤون صافيتية، ثم وضعت كل ذلك في حرز حريز وصنته.. الصيانة ضد الخلق.. تتخلق جدر الصيانة.. تتكسر قشور البيض.. وتكون القيامة. أما حركتي فكانت نقل الأوراق من حرز إلى حرز.. أوراق شهية كأنها جنيات تنطلق من قمقم.. ما أن تفتح القمقم حتى تنتصب الأوراق غادات جميلات يستولين على كل وقت الماضي والحاضر. هذه ورقة من صديق شرح بقلمه مناسبة إرسالها لي.. أما هو فقد استقر داخل مثواه من مدة، وتلك قصاصة عثرت عليها صدفة في جريدة كنت على وشك أن أتلفها.. أليست جامعة الجرائدِ أبلغ أثراً تعليمياً ـ في بعض الأحيان ـ من بعض الجامعات المشهورة؟. أوراق من مجلة "الكلية" هي مجلة الجامعة الأمريكية في بيروت. منْ صوّر لي منها، عشرات الصفحات عن "جبر ضومط"؟.. لم أعد أذكر. لعله الدكتور يوسف خوري من صافيتا، المؤرخ المتميز، أمد الله في عمره ومتّعه بالصحة ومتعنا بعطائه.. لعله غيره.. إلا أن تلك الصفحات ألحت عليّ، بل ألححتُ عليها لتخرجني من عملية التحريك ألآلي للأوراق إلى عملية خلقٍ ماْ تعطي معنى لانشغالي الصافيتي.. عمليةُ خلقٍ متواضعة ولكنها تبقى مفيدة لي وأرجو أن تكون مفيدة للقارئين الكرام.
(2)
 
الصفحات مصورةُ من الجزء الخامس (المجلد 14) من مجلة "الكلية" التي تحمل تاريخ تموز/ يوليو 1928، وعددها خمسون صفحة.. عمرها إذن 75 عاماً.
الصفحات المذكورة تتحدث عن تكريم الأستاذ "جبر ضومط"، بمناسبة خمسين عاماً قضاها في خدمة التهذيب والتعليم، كما قال رئيس حفل التكريم الأستاذ الشهير "أنيس خوري المقدسي" وهو كضومط سوري الأصل أيضاً.
من حضر حفل التكريم الذي أقيم مساء 28 نيسان 1928، في منتدى الجامعة الكبير؟.. أقبل إلى الحفل "وجهاء بيروت وأبناؤها وفضلاؤها يتقدمهم رئيس الجمهورية اللبنانية وأركان حكومته". أوضح المقدسي سبب التكريم:
"إنه ليس تكريماً لأستاذ خدم وأطال الخدمة، بل هو تكريم لتلك القوة الغنية، قوة النبوغ، روح الطبيعة، نفحة الملأ الأعلى التي تظهر من حين إلى آخر في كبار المفكرين..".
ثمّ بعد كلمة المقدسي قام الرئيس شارل دباس بتعليق وسام الاستحقاق اللبناني على صدر الأستاذ المكرّم. وبعد ذلك كانت كلمة ليعقوب صروف، ولمحي الدين الفضولي، ولبولس خولي الذي أورد مقتطفات من مقالات في المكرم كتبها فضلو الحوراني، وتوفيق قربان، وفؤاد صروف.
ثم تثبت المجلة قصيدة للشاعر أحمد محرم "من مصر" تلاها عبدالله المشنوق، وبعد القصيدة كانت كلمة لفارس الخوري الذي

تحدث لينوب عن سورية الداخلية ـ كما قال ـ وفي المقاطع الأولى من كلام الرجل الذي كانت مسيرة حياته موازية عكسياً لمسيرة جبر ضومط، إذ ولد في ـ ما غدا لبنان ـ وازدهر في سورية شخصية ضخمة تركت بصماتها على السياسة السورية.. يقول الخوري:
"إن كان القانون حرمني من النيابة عن قومي الكرام في سورية العزيزة بمجلسها السياسي فلا أقل من أن أتمتع بشرف النيابة عنهم في هذا المجلس الزاهر المعقود لتكريم علم من أعلامنا ونابغة من نوابغنا في الأدب والفضل، فإنهم يشاركون أخوتهم اللبنانيين وسائر الناطقين بلغتهم الطيبة الابتهاج بهذا العيد الذي تتوحد فيه الميول القومية مهما اختلفت الميول السياسية. وهل أقوى من رابطة اللسان للجمع بين الإخوان؟.."
ثم يشيد الخوري بحماسة سورية للغة العربية لأنها ترى أن قوميتها العربية المحبوبة تستمد قوتها من هذه اللغة الراقية.. ويذكر الخوري أيضاً انه يمثل في الحفل المجمع العلمي العربي في دمشق وكان ضومط من خيرة أعضائه.. ويتابع الخوري حديثه عن اهتمام سورية بجبر ضومط فيذكر: "أن فخامة الشيخ تاج الدين أفندي الحسني رئيس الحكومة السورية قد كلفه أن يبلغ تحيته الطيبة وتهنئته المخلصة لحضرة الأستاذ المحتفى به، ولولا الانشغالات الكثيرة ووصول الخبر متأخراً إلى فخامته، لكان تمكن من إنجاز المعاملات الرسمية اللازمة لتقليد الأستاذ وسام الاستحقاق السوري في هذا الحفل الشائق اعترافاً بفضله على العربية وأبنائها، ولكنه لن يبطئ في إتمام هذا الواجب، وعما قليل سيكون صدر الأستاذ رمزاً لاجتماع الشعار السوري مع الشعار اللبناني فلا يبقى أحدهما بعيداً عن الآخر".
وأكتفي ـ بما يشبه أن يكون رغماً عني ـ بما سبق من إشارات ومقتطفات أوردها الخوري، ففي كلمته ما يجعلها مستحقة أن تنشر بالكامل هذا اليوم بعد ثلاثة أرباع القرن من إلقائها، نظراً لما فيها من ملامسة لمسائل عديدة يستمر النقاش فيها خصباً حتى اليوم.
بعـد كلمة فارس الخوري. تـورد مجلة "الكلية" قصيدة للشـيخ أمين تقي الدين يمتدح بها العالم جبر ضومط وأمته. ثم تأتي كلمة الدكتور دودج رئيس الجامعة الأمريكية في بيروت وتلاها عنه الرئيس بالنيابة، وهذه الكلمة ترجمة لسيرة ضومط تثبت أنه "ولد في برج صافيتا أو صافيتا البرج في شمالي سورية عام 1858 قبل وقوع الحرب الأهلية المعروفة بحركة الستين بسنتين".. كذلك تذكر الكلمة أثر اثنين في حياة جبر ضومط هما معلمه في صافيتا العلامة يعقوب صروف، وزميله في الدراسة جرجي زيدان..
وفي ختام كلمة رئيس الجامعة ترد هذه الفقرة ذات الدلالة:
"وليس بين الرجال الذين وضعوا أسس هذه الجامعة وبنوا عليها من هو أولى بالشكر من الأستاذ ضومط الذي وضع لتعليم العربية أساليب جديدة لم يُسبق إليها، ونفخ فيها من روحه في صدور تلاميذه نسمة حياة لغتهم المحبوبة وكان مرشداً حكيماً وفيلسوفاً وصديقاً لمئات منهم".
          أما كلمة الختام فكانت للأديب أميل ضومط ابن المحتفى به.
ثم أوردت مجلة "الكلية" ما وصل إليها من رسائل وقصائد تشيد بجبر ضومط. ومنها واحدة من السيد سليمان أمين أبو عز الدين ـ هل هو والد السفير والمؤلف المتميز حليم أبو عز الدين رحمه الله؟ ـ وبها رسم صورة ضومط باحثاً ومؤلفاً وأستاذاً في غرفة التدريس.. وقصيدة من خليل مطران شاعر القطرين، ومطلعها:
"إلى أســتاذنا العلم الجليل       تَولّـيْ يا تحيـات الخليـل
جوائب مصر يملأها شهود        يزكون الإمام عن العدول.."
وترد رسالة من متخرجي الجامعة المقيمين في السودان بقلم خليل الخوري القاضي بمحكمة الخرطوم المدنية ـ هل خليل بشارة الخوري ابن أول رئيس لجمهورية لبنان المستقل هو حفيد القاضي؟ ـ أما الشاعر شبلي ملاط جد صديقنا الدكتور شبلي ملاط الذي اشتهر في السنوات الأخيرة بمحاولته القانونية الهامة محاكمة شارون، يختم شبلي قصيدته مؤدياً الوفاء إلى الأستاذ ضومط:
" أحاول أن أفيك البعض منه       ويبقى البعض في عيني جبالا..".
ثم ترد رسالة وقعها السيد توفيق ضعون باسم متخرجي الجامعة في البرازيل. وتتلوها قصيدة للشاعر المصري الكبير الدكتور أحمد زكي أبو شادي، يشيد فيها بالمكرّم ويتحدث عن أمنيات فؤاده بالسفر إلى لبنان للمشاركة:
"لولا فروض غالبات قوتي       ومنى الفؤاد هنا لطرت وطارا..".
وتليها قصيدة لأمين هلال، وثالثة لفريد حداد عن لجنة خريجي جامعة بيروت الأمريكية في الإسكندرية.
قصيدة الشاعر حليم دموس اخترت منها:
"سفينة العمر لا تهوي بصاحبها       إذا جرت ولها من عقله واق.."
ثم تطالعنا قصيدة للأستاذ الياس بهنا، وقصيدة للشاعر ألبير سابا زريق، ومطلعها:
"شيخ البيان وحجة الإعراب         تكريمه فرض على الأعراب.."
وفي الصفخات الأربع الأخيرة من ملف مجلة "الكلية" عن ضومط نجد نصوص البرقيات الواردة بالمناسبة وأولها من الشاعر الكبير الدكتور توفيق سلوم من حماه، وحفيده الدكتور توفيق سلوم سفير سورية لدى بلجيكا والاتحاد الأوروبي، وفي عدادها أبيات شكر من المؤرخ الشهير عيسى اسكندر المعلوف من زحلة، والأديبة مي من مصر. ومن المفيد كما اقدر إيراد نص برقية السياسي والعلامة الإسلامي الكبير رشيد رضا أرسلها من مجلة السيدة زينب في مصر: "أشارككم بيوبيل رافع لواء العربية في أعلى المدارس العصرية بتعليمه الراقي وتآليفه المفيدة".
          وفي الصفحة الأخيرة من المجلة نص برقيات من نيويورك أرسلها الدكتور عزيز عطية الأستاذ الجامعي الشهير وأصله مصري. وعبد المسيح حداد  صاحب جريدة السائح العربية الأمريكية. إلا أن أهم البرقيات تلك التي أرسلها الفيلسوف ميخائيل نعيمة سكرتير "الرابطة القلمية" آنذاك وبها حيّت الرابطة شخص الأستاذ ضومط المهذب، والباني للأخلاق الكريمة وزعيم قادة الأفكار المجددين والمفسر الأمين للروح الجديدة".
(3)
 
أسأل نفسي: لماذا أقدمت على تلخيص خمسين صفحة عمرها خمسة وسبعون عاماً؟
جواب أول: أنها صفحات جميلة لم يكتب لها كثير تداول في القرية التي أنجبت جبر ضومط. وهي الآن مدينة باذخة لها هيئاتها الثقافية الراسخة.
جواب ثانٍ: لعلي أحاول البناء على الصفحات القديمة. لأعرف إذا كان الوسام الذي تحدث عنه فارس الخوري ـ والذي وعد بأن الحكومة السورية ستمنحه لجبر ضومط ـ لأعرف إذا كان ذلك الوسام قد تم منحه فعلاً، ولن أتابع "تعقيب المعاملة".. ما يهمني هو أن نمنح وساماً جديداً لأستاذ العربية العريق في الجامعات الحديثة.. وهو حتماً من أوائل من اطلعوا بمهمة تدريس لغتنا الجميلة على نحو متطور. كيف نمنحه وساماً جديداً؟.. نحتفل بذكرى ميلاده الخمسـين بعد المـائة ـ إن أعطانا الله عمراً ـ عام 2008 أي بعد خمس سنوات، ونشكل منذ الآن لجنة للاحتفال من مجمع اللغة العربية بدمشق ومعه اتحاد المجامع اللغوية العربية، ومن الجامعة الأمريكية في بيروت ومعها الجامعات اللبنانية والسورية والعربية.. ومع المجامع والجامعات ثمة محافظة طرطوس وهي التي دأبت دائماً على الاهتمام بالثقافة.. ونعيد زرع جبر ضومط في صافيتا مسقط رأسه بإطلاق اسمه على بعض معالمها الثقافية والتربوية.
          لقد ربط جبر ضومط ربطاً محكماً بين اللغة والقومية ذلك الربط الذي هو في أساس النظريات المتداولة عن القومية العربية. فلننظر إليه على أنه رائد لغوي غذّى الريادة الفكرية للقومية العربية التي يريد لها البعض أن تخرج من التداول.
 
 
 
WEBMASTER : AA-ALSAAD
This Web Site Programmed and Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD ..... Copyright 2003 (C) SCOPNET  All Rights Reserved 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق