الاثنين، 2 نوفمبر 2015

مجلة السنونو ( العدد الثاني ) - خاطرة - الجميل يبقى ( عبد الخالق حموي )

مجلة السنونو ( العدد الثاني ) - خاطرة
الجميل يبقى ( عبد الخالق حموي )
 
يقول تولستوي:
"لو كنت مكان القيصر لأصدرت قانوناً يمنع أي كاتب عن الكتابة، عندما يكتشف أنه قد أستعمل كلمة واحدة في غير مكانها."
قال لي:
   ـ الحداثة أن نعايش الزمن الذي نتنفس من خلال دقائقه، دعنا من الماضي الكئيب، لنخلع عنا ثوب الأجداد وأطلال الأحبة ونواح العشاق، أيعقل أن تمتطي ناقة وتذهب للقاء الحبيبة، وتدع الهاتف الذي بقربك يستغرب وجوده بينك وبينها ؟؟.
وبهدوء يندر حدوثه إلا مع من نحب قلت:
   ـ لا يهم التسمية إن كانت حداثة أو معاصرة أو موافقة، بقدر ما هو مهم إلى أين تأخذنا هذه التجربة ومن تخدم.
          الغموض غير المقنع في القصائد "الحداثية" اليوم مثلاً، من يخدم؟ تراكم كمّي من الألفاظ غير المقنعة بترابطها الهيكلي وكيف يمكن ذلك حيث يتحدث أحدهم عن أساس البناء مثلاً، ولا ينتهي بمدماك من أساسه إلا وقد بدأ ينطح الغيوم السوداء:
وهو على مقعد بلّوري
وبجانبه زهر من حجر
والأسماك تروح وتجيء
...
 
          ليس من مانع أن يصـار إلى افتتاح معـاهد خاصـة لتعلم الحداثـة على أيـادي معلميها والنافخين في فراغها.
يقول غوغول:
"للكاتب معلم واحد، هو القارئ".
وما يرمز إليه الشاعر يهمه وحده حين يفعل ذلك، هو ليس طلسماً أو معادلة جبرية.
يقول الفيلسوف أنجلز:
"في الأدب كل شيء قيّم، ليس في حد ذاته، بل بعلاقاته مع الكل".
ربما تكون الصورة في القصيدة على حساب المحسوس أحياناً، وربما يحلّق صاحبها مبتعداً عن المكان، ولكنها جميلة وشفافة ورشيقة كما في الخالدة الجبرانية:
هل تخذت الغاب مثلي
منزلاً دون القصـور
وتتبعــت السواقـي
وتسلقــت الصخـور
هل تحممــت بعطـر
وتنشـــفت بنــور
...
 
صور جميلة، حبلى شفافية ولكنها تبعدنا عن المكان عن الحقيقة، وليت كل الشعراء "الحداثيين" يصوّرون في ما يكتبون ولو للحظة خاطفة من كمّ الكبير جبران ..
والكتابـة بلغة بسـيطة يفهمها النـاس، لهي أصعب ممـا يكتب البعض بلغة ذاتية صعبة،وبمفردات مغرقة في التشتت.
يقول فونتاني:
"البسـاطة ليسـت الأجمـل، ولكنها بالتأكيد الأنبل" .
كل الدنيا تنحو إلى البساطة في التعامل، وهذا بطبعه حداثة مسايرة للوقت، تماشياً مع الواقع، وكثير من أمم الأرض اختزلت بعض حروف الأبجدية لديها لتلتقي الكلمات مع الناس بلا حواجز ولا معاجم، والمعجم الوسيط الذي أقرّته العرب أخيراً، ما هو إلا مسايرة للحدث، والنهوض بما تملك هذه الأمة من إرث، بعضه شاخ، وعليها
التجديد والإتيان بكل ماهو جدير بالمتابعة، وكم من قصيدة قديمة لا يستطيع إلا الممتهنون للحرفة تقصّي مفرداتها بفهم، لآن الأمكنة تغيرت أسماؤها، وكذا الحيوانات والألقاب .. الخ.
قال صديقي:
   ـ أرى أنك تميل للمباشرة في مسألة الأدب، وخاصة القصيدة، وبهذا تكون قد عرّيتها من أجمل ثيابها، وتصير كنشرة أخبار، لا يهم صانعها سوى نشرها بالسرعة القصوى، وهذه إن بقيت، أعني المباشرة، فإن القصيدة تكون قد فقدت إحدى مقوماتها الفاعلة، وهذا يدعو القارئ إلى الكسل الفكري، يكتفي بألفاظ متراتبة، سطحية، لا عمق داخلها،  ولا دهشة تختبئ وتصل للقارئ المتمكن الذّواق التابع النشــيط الذي يملك اللياقة الفكرية لاكتشاف هذه الدهشة.
          شاعر مرهف الحس يقرأ قصيدة ما بعد تعب فكري، ليأتي بعده إنسان عادي بسيط "أعني مثقف" يقرأ هذه بسهولة، يجب على الإنسان أن يرتفع إلى الشاعر وليس العكس، وبهذا نستطيع إن بقينا على ارتباطنا بهذا النمط أن نتعامل مع الثقافة بشكل عام، وهذه دعوة تحريضية للذين يرومون الدخول إلى عالم الثقافة الذي ليس له حدود، وبالمختصر يجب أن تحل العدالة بين الشاعر والمتلقي، أعني حتى يستوعب المتلقي وجب عليه التعب والمطالعة.
قلت له:
   ـ الإنسان هو قيمة القيم، وكل نتاج جمالي يجب أن يصب في السياق العام الإنساني، والشعر ليس ترفعاً على الناس، لأن الفن ينبع من المحسوس، من الطبيعة ومن الإنسان.
يقول سارتر:
"قد تمنحك الحياة حق التبختر دون منطق، أما الفن.. فلا‍‍‍‍" .
والشاعر الفرنسي بول إيلوار كتب قصائد سريالية كثيرة، ربما تكون تبوح عما في داخله هو، لقد بقيت مبهمة، ولكن الكل عايش كل كلمة قالها في قصيدة:
لا سماء أسطع من صباح
يسقط فيه الخونة
لا سـلام في الأرض إذا
اغتفرنا جلادينا
لا حجر أثمن من الرغبة
في الثأر للبريء
...
 
          والشعر الحقيقي يقتحم كل الأسوار دون موافقات من هذه الجهة أو تلك حين يعالج الهمّ الإنساني.
          الشاعرة البلغارية بلاغا ديمتروفا المعاصرة تقول:
مقلق أن تكونــي  امـرأة
تبين الحياة من الحطام
عبء كبير أن تكوني امـرأة
 
تحملين المستقبل في رحمك
تحولين القبلة الطويلة الصامتة
إلى كركرة طفل
واللحظة الخاطفة إلى أبدية
لكي يستمر الوجود
أنا فخورة لأني خلقت امرأة
...
 
ويا صديقي.. يجب أن يكون الأدب سلاحاً في يد الإنسان، قاطعاً كالسيف وبسيطاً كالخبز كما يقول جورج أمادور:
          "والأرض لنا وأنت أخـي، فلماذا إذن تقاتلنــي..".
 
 ·        عبد الخالق حموي(حمص_ سورية):-
           كاتب له عدة قصص وأبحاث. يكتب خواطره في الدوريات المحلية والعربية، له اليوم رواية تحت الطبع بعنوان (الجدار).
 
 

 
WEBMASTER : AA-ALSAAD
This Web Site Programmed and Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD ..... Copyright 2003 (C) SCOPNET  All Rights Reserved 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق