مجلة السنونو (
العدد السابع ) -
نجوم مهجرية
|
الشاعر
المهجري ميشال مغربي ( لبيب ناصيف )
|
تسنى لي أثناء إقامتي في البرازيل أن التقي العديد من أدباء وشعراء
المهجر البرازيلي، وكان لوالد زوجتي الأستاذ نواف حردان، الأديب والصحافي والمؤرخ
والروائي، الفضل الكبير في هذا المجال، إذ أني توليت في فترتيّ إقامتي في
البرازيل، الأولى عام 1976 ـ 1977، والثانية في الفترة 1983-1984، إدارة تحرير
جريدته "الأنباء" التي كان يصدرها أسبوعية باللغتين العربية والبرتغالية.
من المؤسف أن شعراء وأدباء المهجر البرازيلي، ومثلهم في المهجر
الأميركي اللاتيني، وهم ليسوا قلة، غير معروفين بما فيه الكفاية من جانب المثقفين
في بلادنا، حتى أن الكثيرين منهم مجهولون كلياً.
ولقد دفعني إلى أن أكتب عن البعض ممن تعرفت إليهم، سببان:- أولهما
شعوري بواجب التعريف عن هؤلاء الشعراء، وفاءً لذكراهم، وتقديراً لما تميّزوا به
شاعرية ومناقبية وحضوراً وطنياً.
وثانيهما اهتمام مجلة "السنونو" بالأدب المهجري، وبالاغتراب عموماً،
وقد اطلعت في العدد الأخير منها ـ كانون الثاني 2005 ـ على قصيدة "يا دار" لشاعر
فذ عرفته وكان لي معه أكثر من لقاء، هو ابن حمص الفقيد ميشال مغربي، والذي يسعدني
أن أكتب عنه وأنا أعود بالذكرى إلى آخر لقاء لي معه عندما استضافني في أحد أيام
حزيران عام 1983 على العشاء في دارته، مع عدد من أصدقائه الشعراء، أذكر منهم
المرحومين نبيه سلامة وفارس بطرس، والفاضل سامي جبارة الذي كان يتولى رئاسة نادي
مرجعيون في سان باولو، كما لن أنسى الفاضلة عقيلته السيدة فيوليت بما تميزت به من
بشاشة وثقافة وخلق رفيع.
فمن هو الشاعر المرحوم ميشال مغربي؟
في المقدمة التي نشرها صاحب مجلة "الضاد" الأستاذ عبدالله يوركي حلاق
لديوان الشاعر مغربي "أمواج وصخور" نقرأ:
" ولد ميشال مغربي في أواخر عام 1901 في مدينة الإسكندرية، من أبوين
سوريين هما حافظ المغربي الحمصي الأصل والمولد، وهيلانة عبدالله ستيتي اللاذقانية
الأصل والاسكندرانية المولد، وقد نوّه الشاعر عن ذلك في قصيدته "عرس القطرين"
بقوله:
إن كان جَدّ تضمّ الشامُ أعظمهُ
فَثَمَّ جدٌّ بوادي النيلِ قد رقد
ولقد فتح عينيه على نور الوجود يتيماً وحيداً، إذ كانت والدته قد ترملت
بعد زواجها من أبيه بأشهر قليلة، فوقفت نضارة شبابها على تربيته وتعليمه والسهر
عليه، وزارت به حمصاً بطلب من ذويه مرتين وفي المرة الثالثة عام 1911 رحلت به
نهائياً إلى موطن أبيه وأجداده فألحقوه بالكلية الإنجيلية لرئيسها العلامة الوطني
المرحوم حنا خباز ثم تتلمذ في الآداب العربية على اللغوي الكبير يوسف شاهين.
وهناك في مدينة أبن الوليد تفتقت براعم شاعريته باكراً. وفي عام 1922 أصدر مجموعة
أشعاره حتى ذلك الوقت بديوانه "العواطف" "الذي قال فيه العلامة جبر ضومط" عواطف
شريفة ونزعات نزعت إليها في فجر العشرين إلى ما ينزع إليه عادةً في فجر
الأربعين". وبعد صدور "العواطف" أخذ يملأ الجرائد بشعره المنثور وينشر أكثره في
جريدة "حمص" وكانت تنقل إلى كثير من المجلات والجرائد. وفي أواخر عام 1923 نزح
شاعرنا مع من نزح إلى ديار المهجر وقصد مدينة سانتياغو من جمهورية تشيلي ثم
غادرها بعد أشهر قليلة إلى سان باولو من جمهورية البرازيل. وبسم له الحظ عام 1939
باقترانه بابنة عمه فيوليت كريمة المرحوم توفيق المغربي وهي على جانب من الثقافة
ودماثة الخلق، فكانت لها اليد البيضاء أخيراً في دفع رفيق حياتها إلى جمع آثاره
الشعرية وضمها في هذا الديوان".
* * *
بعد أن استقر الشاعر ميشال مغربي في سان باولو في بدايات العام 1924
عمل في التجارة إلا أنه تابع انكبابه على الدرس والمطالعة وقرض الشعر ومطارحة
الأدباء فصقلت مواهبه، وما عتم أن خطا خطوات واسعة في ميدان الاجتماع والفلسفة،
وكان صريحاً جريئاً بارعاً في معالجة موضوعاته فبينما نراه في قصائده أرقى من
النسيم، إذا به أمضى من السيف في نقده للاذع وتمرده على الأوضاع البالية، كقوله:
إن ديني أن أترك الدين من أجل بلادي وأعبد الأحجارا،
وصلاتي أن لا إله سوى أرضي ولو كان أهلها كفارا
الأجل الصليب ترضى بذل أيها الحامل الصليب شعاراً؟
كعبة المسلمين لو كنت حراً كنت تغشاها كعبة للنصارى
* * *
الملفت في حياة الشاعر ميشال المغربي أن الجالية الإسلامية في سان
باولو ما كانت تقيم حفلة في عيد من الأعياد المولدية إلا وتدعوه لتكون له قصيدته
فيها ولعل قصيدته" الرسول العربي" من أروع ما نظم وهو ألقاها عام 1954 بدعوة من
الجمعية الخيرية الإسلامية في المسجد الإسلامي في سان باولو.
الله قدّر لــي دينـــاً أقلــده عقداً أبي كان من قبلي يقلــده
وإن جاري له عقــد يماثلـــه يضيء ياقوته الغالي وعسجده
صنو المسيحية الإسلام في نظري كلاهما موجد الأديان موجـده
فكيف أوليه ظهري حين أبصـره أخ له دربه مثلي ومصعــده
هيهات لكنني أدنــو وأسعفــه على الصعود وأرعاه وأرشـده
خصومه لي خصوم كيف أخذلـه وكيف أغمد سيفاً ليس يغمـده
إني أدير له خــدي ليلطمـــه إن كان في لطمه ما قد يمجـده
زرعت بالحب أرضي وهي مخصبة والحب ما أثمرت فلتجنـه يده
الحب ما كان إلا الحــب يسكبـه وليس الاّه من طيــر يغرده
فيا ابن أمي ذر التفريق ناحيـــة فسابق العهد كان الجهل يفسـده
وذلك الحقد كان الغرب يــزرعه وإنه وحده من كان يحصــده
أخوك يعنيك أيّ الطرق ينهجهــا وليس يعنيك أيّ النجم يرصده
ماذا يضيرك ما كانــت عقيدته ما زال يعبد رباً أنت تعبــده
وكان ينطق ضاداً أنت تنطقهــا وما تردّد من شعر يـــردّده
* * *
وافت المنية شاعرنا الكبير في أواخر العام 1983 فتابعت عقيلته الفاضلة
فيوليت المهمة وصدر ديوانه "أمواج وصخور" في أوائل العام 1984، وفي شهر نيسان منه
تفضلت بإهدائي نسخة عنه مع كلمة تعبر فيها عما في نفسها من خلق وشفافية.
رغم مضي ما يزيد على العشرين عاماً على آخر لقاء جمعني مع الشاعر
الوطني ميشال مغربي إلا أني ما زلت حتى تاريخه أذكره مع لفيف رائع من شعراء
وأدباء، منهم رحلوا، ومنهم ما يزالون قيد الحياة، وأحفظ له وللفاضلة فيوليت
الكثير من المودة والتقدير.
من شعره:
إن
رأيت الشمس قد ألقت على الأرض الشعاعا
تبعث الدفء فتحييـــها بقاعــاً فبقاعــا
وتبث النور في الكـون فتجلــوه مشاعــاً
إن
رأيت الشمس لا تفخر بمـا أنـت تجـود
إن
إحسانك لا يبلــغ إحســان الوجــود
* * *
إن
رأيت الغيث يروي الأرض في تهطاله
وحياة الزرع والضرع علــى أذيالــه
والربيع الغض والصيف جنى أفضالــه
إن
رأيت الغيث لا تفخر بما أنت تجــود
إن
إحسانك لا يبلغ إحســان الوجــود
* * *
إني
أمرّ على ربوع طفولتـي
ومواكب الذكرى تمرّ حيالي
مترفق الخطوات لا أطأ الثرى
إلا وقلبي سابق لنعالــي
* * *
لبيك نور المسلميـن وإننـي
لعليك قبل المسلمين أسلـمُ
يا
سائلي أي المذاهـب مذهبي
إني مسيحي وإني مسلـمُ
يرث
الفتى عن والديـهِ مذهباً
أبداً به يرضى ولا يتبـرّمُ
فالخالق الديانُ جــلَّ جلالُـهُ
ما قال أيُّ دروبهِ هو أقومُ
كلٌ
صراطٌ مستقيــمٌ للفتـى
ما زال غيرَ الحقِّ لا يترسَّمُ
ما
الخالقُ الديانُ إلا قنـةٌ
ما حولها كل المذاهبِ سلَّـمُ
صعّد أخي، أحبب أخاك مصعداً
فلقاكما عند الوصول محتـمُ
أحببــهُ وارعَ ذمامَـهُ إلا إذا
ما كان في دين العروبة يأثمُ
|
WEBMASTER : AA-ALSAAD
|
This Web Site Programmed and
Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD
..... Copyright 2003 (C) SCOPNET All
Rights Reserved
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق