مجلة السنونو (
العدد السابع ) -
خاطرة
|
خواطر في
السفر ( د. قصي أتاسي )
|
خواطر
في السَّفـر
د.
قصي أتاسي
(اغتربْ تتجدّد) حكمة قديمة أطلقها الشاعر العربي وما زال صداها يعبر العصور ليشير
إلى قاعدة حياتيّة تحكم كيان الإنسان جسداً وروحاً؛ بل إنه القانون الصارم الذي لا
يكذب... قانون التجدّد بالسفر والتنقّل، حيث التجارب الجديدة تغذّي العقل والوجدان،
وحيث الإطّلاع على ما عند الآخرين، وحيث الحركة والنشاط ومصافحة الطريف ومعاشرة
الجديد تكسر الجمود والخمول وتحفر الهمم الراكدة والعقول التي طال عهدها بالسّكون
والقبول والتسليم.
ولكنّ المسافرين ليسوا سواءً في الانتفاع من هذا القانون والاستفادة من
معطياته؛ فهم أصنافٌ شتى؛ وغاياتهم من السَّفر متنوعة متباينة تباين الأمزجة
والعقول والتربية والثقافة. وهذه الغايات والأهداف منها الشريف النبيل، ومنها
الخسيس الوضيع.
ألا ترى إلى ذلك المسافر الذي يروح ويعود من عواصم العالم وليس له من
همٍّ إلا حسابُ ما ثَمَّر وجمع، ولا غاية له إلا اقتناء النفائس والتحف يكدّسها في
أرجاء منزله ليتفاخر بها ويتعاظم... وماذا ترى في مسافر آخر لا يحدثك إلا عن فخامة
الفنادق التي حلّ بها ورقيّ المطاعم التي ارتادها وروعة المشارب والمقاصف والملاهي
التي استمتع بغشْيانها؟ بل إن فريقاً من المسافرين والمسافرات له سفرتان في العام:
سفرة في الصيف وأخرى في الشتاء... لا لشيء إلا ليملأ حقائبه بآخر صرخات الأزياء
وبأحدث ما أخرجته بيوتات الحياكة من فخامة وأناقة!
أما الاستمتاع الحق بالسّفر على أنه نافذة للروح والعقل، وخروجٌ عن
المألوف، وطلب للمعرفة، وترويح عن النفس، وتجديد للطاقات، وترميم للخلايا، ونفاذ
إلى روح المجتمعات واحتكاك بثقافاتها، وحوار ذكي مع منجزاتها وعطاءاتها... فذلك آخر
ما يخطر على البال لدى هذا الصنف من المسافرين. وما أشبه حال هؤلاء مع السفر بحال
من لا يملك الأسنان، ولكنّ الجوز واللوز عنده الأرطال!.
وكم يحز في النفس أن ترى أديباً أريباً لا يملك نفقات السفر بل لا يقوى
على أن يحلم به، وهو القادر على الاستمتاع والانتفاع... ولكنّ العين بصيرة واليد
قصيرة!
ولقد كان حظ الأجداد أكبر من حظنا إذْ كانوا يجوبون الأقطار ويذرعون
الأقاليم ويقيمون في العواصم والحواضر لا تقف في وجوههم مخافر أو جمارك تنغّص عليهم
المتعة وتفسد جمال الرحلة؛ فهم في بلدهم أينما حلّوا وكيفما توجّهوا... وهنيئاً
لأبي تمام والمتنبي وأبن خلدون والمعرّي أسفارهم ورحلاتهم ولو كانت على ظهور الإبل.
ألا يكفي أنها كانت هيّنةً ليّنة لا تحتاج إلى جوازات وتوقيعات تستنفد الجهد
والأعصاب والجيوب؟
ومتى.. متى نصنع صنيع الأجداد؟ أهو الحلم البعيد المنال.. أم الحلم
المستحيل...
|
WEBMASTER : AA-ALSAAD
|
This Web Site Programmed and
Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD
..... Copyright 2003 (C) SCOPNET All
Rights Reserved
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق