الأحد، 15 نوفمبر 2015

مجلة السنونو ( العدد السابع ) - قصص عالمية قصيرة - دينو بوتزاتي ( ترجمة : سمير القصير )

مجلة السنونو ( العدد السابع ) - قصص عالمية قصيرة
دينو بوتزاتي ( ترجمة : سمير القصير )
 

       دينـو بوتزاتـي

                                                               ترجمة : سمير القصير
         
                دينو بوتزاني : إيطالي المولد 1906 درس وتخرج من مدينة ميلانو . عالمه مسحور بالألوان والأصوات وشخوصه ألوف من الدمى تتحرك باستمرار لا تدري أنت ولا تدري هي كيف ولماذا والى أين ... !
                         المسجلة
           قال لها ( بصوت منخفض جدا ) , توسل إليها : أرجوك أن تصمتي , فالمسجلة تسجل من المذياع , لا تحدثي ضجة فأنت تعلمين أنى حريص على ذلك . كان يسجل مقطوعة الملك / آرتورو / لبرسيل الرائعة الصافية , لكنها كانت تغدو و تروح كجيفة مزعجة لا مبالية مطقطقة بكعبي حذائها القاسيين لتستمتع فقط بإخراجه عن طوره ومن ثم راحت ترفع صوتها ثم سعلت (عن عمد ) وبعدها صارت تضحك وحدها و تشعل عود ثقاب بشكل تحدث معه أكبر ضجة ممكنة . وبعدها أيضا صارت تروح و تجيء بخطا رنانة و أثناء ذلك كان برسيل و موزار و باخ و بالسترينا الأنقياء الالهيون يعزفون سدى , و كانت هي برغوثا بائسا , قملة , قلق الحياة ولم يكن بالإمكان الاستمرار على هذا النحو .
          و الآن و بعد انقضاء زمن طويل ها هو يدير شريط التسجيل القديم المؤلم وها هو المعلم يعود , العظيم , يعود برسيل و باخ و مـــوزار و بالسترينا . أما هي فلم تعد هنا , لقد رحلت , تخلت عنه , آثرت أن تتركه وهو لا يعرف ولو بشكل غامض إلى أين انتهت .
          وما زال برسيـــــل وبـــــــاخ وموزار و بالسترينا يعزفون و يعزفون , أولئك البلهاء الرجيمون الذين يثيرون الغثيان .
          وتلك الطقطقة التي تــروح و تجــــيء و هذان الكعبان, و تلك الضحكـات القصيــــــرة( لا سيما الثانية ) و بحة الحلق تلك والسعال أجل إن كل هذا لهو موسيقى إلهية .
         انه يصغي . جالسا تحت ضوء المصباح يصغي . متحجرا في مقعده القديم المحطم . انه يصغي دون أن يحرك أي طرف من أطرافه يجلس منصتا : إلى تلك الضجة ,
إلى إيقاعات تلك الخطى , و ذلك السعال و تلك الأصوات المعبودة , التي لا نظير لها , التي لم يعد لها وجود , ولن تكون هنا ثانية بعد الآن .
                         
                           ****
لتنظيف العظيم
             بعد سنوات عديدة أرسل المالك يقول بأنه سيحضر إلى القصر بعد أسبوعين . لم يكن في هذا القصر منذ سنوات سوى ماريتا الخادم العجوز . و كان كل شيء فيه مهملا يغطيه الغبار و البؤس وفي كل مكان فيه فئران , عناكب , خفافيش وصراصير ... و لنقل بصراحة : أنه مزبلة . ما أن وصلها الخبر حتى أحست بأن الأرض قد انزاحت من تحت قدميها : مسكينة أنا "  قالت لنفسها " لا بد من إجراء تنظيف كثير هنا . أصابها الدوار وهي تفكر بكل القذارات المتراكمة و لكن كان أمامها خمسة عشر يوما لتتصرف , وخمسة عشر يوما هي شيء ما ...
         ولكي تبدأ توجهت قائلة حينئذ للفئران : أيها السادة الفئران عليكم أن تتشجعوا و تذهبوا من هنا لعدة أيام , فإذا ما رآكم المالك سيجن جنونه , ماذا تريدون ؟ إن الفئران لا تلائم طبعه ... و ما أن يرحل فإنكم ستعودون  بالطبـع ..."
          أطاعت الفئران الخادم .
          أعادت ماريتا نفس الحديث على مسامع الخفافيش و الصراصير و العناكب التي قبلته بدورها ما عدا الصراصير التي طلبت بعض الاستثناءات لأنه لا يمكنها أن تمضي أسبوعين في الهواء الطلق ... و لكن العجوز بنت لها كوخا بعيدا عن القصر لا تطاله اليد .
         وعندئذ بدأت العجوز أعمال التنظيف من الصباح حتى المساء . كانت تكد بالكنس و تلميع البلاط و تمسح الغبار عن المفروشات و تنفض السجاد , و تنزع شبكة العناكب و تلمع الزجاج
و لقد كان الأمر منهكا لان القصر كان كبيرا جدا . و كانت الحشرات تتجمع على أطراف النوافذ لمراقبتها . و من وقت لآخر كانت تصدر تعليقات بدايتها " بغض النظر عن انك رميت بنا خارجا " فتقول مثلا " من الواجب الاعتراف يا ماريتا أنك تقومين بعمل رائع ... "
         وكانت تجيبها : آه يا أصدقائي ... هـــذا لا شيء ... كان عليكم أن تروني عندما كنت في العشرين من عمري ... أجل آنذاك كنت أجعل البلاط يلمع كالمرايا ...
         هكذا مرت الأيام ... ولم يبق منها بالكاد إلا يومان قبل قدوم صاحب القصر . كان العمل الضخم قد أنجز جيدا , أو نسبيا و كانت ماريتا تعلق على الوضع قائلة : " فيما يخص الأرضية , الزجاج و السجاد الخ ... ربما وجد المالك شيئا يضحكه إذ انه للأسف لا يمكنني أن افعل أكثر من ذلك … فأنا عجوز , إيه … وقواي واهنة … و أما الفضيات و النحاسيات فإنني سأنظفها كما يجب …"
          وبمساعدة مسحوق خاص بها , انكبت عليها تصقلها , تحكها , وتلمعها و كأنها لم تعد تمت لعمرها بصلة , وما أن انتهت في آخر الأمر حتى تألقت الصحون و أواني المائدة , مقابـــض الأبــواب , و مقابــــض الخزائـــــن و المسامير تلمع مثل كثير من القناديل الصغيرة
فتأملتها ماريتا بارتياح .
          ها هو اليوم الخامس عشر , نزل صاحب القصر الذي يجب القول بأنه كان من عجينه الرجال العظماء , و عانق ماريتا ودخل
ونظر في الداخل و أدار نظره في طول القصر وعرضه وفي النهاية نادى الخادم العجوز وربت على كتفها و قال : أحسنت يا ماريتا ... أحسنت يحق لك أن ترفعي رأسك فخرا, ويجب
القول بأن كل شيء ينعم بترتيب رائع ولكن ..
ولكن ...
          نظرت العجوز المسكينة مرتجفة من أخمص قدميه إلى مفرقه . فأردف صاحب القصر بابتسامة تسامح : " ولكن ... ولكن بعد كل هذا العمل والجهد ... أما كان بإمكانك أن تمري بتلميعة بسيطة أيضا على مقابض الأبواب ..! " 
****
الرجل الذي
         
           عندما خرج جورجو فريغولا , صانع الأطر ذو الست وأربعون ربيعا , وهو رجل له مظهر عادي , لاحظ أن المارة ينظرون إليه خلافا للمعتاد . الأمر الذي لم يكن يحدث له أبدا
           تفحص ملابسه ولم يكن فيها أي شيء مريب , القبعة و ربطة العنق و الحذاء الخ .. نظر إلى نفسه في زجاج واجهة إحدى المحلات وبدا له أيضا أن وجهه طبيعي جدا . ومع ذلك فقد كان الجميع يمعنون النظر إليه , وكان يبدو له من خلال اهتمامهم الغريب أنه لا يرى إعجابا مسبقا و إنما ظلا مقلقا .
           حتى أن فتاة طويلة , ساحرة مثيرة التهمته بعينيها , الشيء غير المعتاد إلى درجة عالية مما جعل اللهب يصعد إلى وجهه . فكر منذ البداية أن الأمر حالة صرفة , بالرغم من أنه سرعان ما اقتنع بأن الظاهرة استمرت حقا . ولم يكن هناك واحد ممن كان يلتقيهم تباعا في الطريق يوفر النظر إليه بانتباه مبالغ فيه .
           راح وهو يقلب الأمر في نفسه : يا للغرابة . من يدري أي شيء يبدو علي اليوم . إذ أن أحدا لم يهتم بي أبدا حتى عندما كنت شابا , فقد كنت ذلك النموذج الكلاسيكي الذي يمر دون أن يفطن إليه أحد .
           لكن اليوم ! " و ابتسم  لأن الأمر بالرغم من أنه غير مفهوم فقد كان يخدعه في الواقع " . ترى ما السبب ؟ ...
           لم اصبح فجأة جميلا دفعة واحـــــدة , و لكن أيضا لم يتفجر في حداثتي سحري القدري ... آه ... آه , وراح يضحك وحده , الأمر الذي زاد من اهتمام الناس به .
           و نظر إليه أيضا عجوز عبوس أرستقراطي  بحدة . بل توقف زيادة على ذلك عائدا إلى الوراء لمراقبته على أكبر قدر من التمهل  .
          لم يعد جورجو فريغولا يضحك وسارع الخطى وهو يفكر :
          سادفع شيء ما لمعرفة أي شيطان جعلهم بـ ......
          ولم يكمل تفكيره حتى قذفته شاحنة ذات لون أصفر تسير بأقصى سرعتها و تسحقه تحت عجلاتها .   
 
 
WEBMASTER : AA-ALSAAD
This Web Site Programmed and Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD ..... Copyright 2003 (C) SCOPNET  All Rights Reserved 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق