الجمعة، 30 أكتوبر 2015

مجلة السنونو ( العدد الأول ) - أدب ونقد litterature et critique - عبد الحميد النيفاوي شاعر يذوب عشقا في الوطن ( فواز السبسبي )

مجلة السنونو ( العدد الأول ) - أدب ونقد litterature et critique
عبد الحميد النيفاوي شاعر يذوب عشقا في الوطن ( فواز السبسبي )

عبد الحميد النيفاوي
شاعر يذوب عشقاً في الوطن
 
ثمة كثير من الشعراء يفضلون البقاء في الظل ، ويمارسون طقوس الشعر بعيداً عن الأضواء الخادعة ، والشهرة الزائلة ، ينشرون أعمالهم دون ضجيج أو بهرجة .
مؤثرين ذلك على التملق والادعاء ، والمزاحمة على أعمدة الصحف والمنابر .
ومن هؤلاء الشعراء يبرز الشاعر الحمصي عبد الحميد النيفاوي الذي فضل العزف على قيثارة الشعر الجميل هواية لا غواية يعبر من خلاله عن أحاسيسه ومشاعره ، وما تعتلج به النفس المرهفة من آمال والآم ، مقبلاً على الحياة بهمة عالية ، وقناعة ورضا بالحياة بالبسيطة والكريمة . وقد جاوز السبعين من العمر .
وشعره تعبير صادق عن لواعج الذات في حالها وأحوالها .. وتسجيلاً لأحوال المجتمع والوطن .
ويتمتع النيفاوي بثقافة تراثية ، وأصالة لغوية ، كثيراً ما يركب البحور السلسة والمجزوءة ، والتي لها وقع بالنفس بإيقاعاتها أنغاماً ونشوة .
ويرى الشاعر النيفاوي ان الشعر عالم روحاني ، وحالة وجدانية ، إلاّ أن طغيان المادة على حياتنا ، وتغلبها على قيمنا وأصالتنا ، أخمد جذوة الروح ، فبهتت صورة الشعر وتراجع دوره ولم يعد له ذلك الأثر الفاعل في الحياة ، والمحرك العفوي للجماهير متعاطفا مع قضاياها العادلة .
أن الشعر العربي الحديث أقحم عليه ما يسمى " قصيدة النثر" وهي برأيه ليست سوى صف كلمات وإشارات وعلامات ، وطلاسم وألغاز ملتوية ، وأحجيات يسمونها رمزية .
أي شعر هذا خال من الإيقاع ، ترى ما حال شاعرنا القديم إذا استمع إلى هذا الغثاء اللفظي المدعو شعراً والذي لا يمت بصلة إلى الشعر العربي الأصيل بصلة .. إنه العبث والاستسهال في كتابة الشعر .
وللتعرف أكثر على شاعرنا عبد الحميد النيفاوي لابدّ من الولوج إلى عالمه الشعري من خلال نماذج قد لا تفقه حقه ، ولا تشبع شغف الدارس . ولكنها تقدم صورة مبسطة لتجربة شاعر نادراً ما ينشر نتاجه ، ولا يعرف له ديوان مطبوع .
من قصيدة " أيها السائل عني" يتلهف الشاعر إلى لقاء الحبيب ، ويشكو بعده ، ويبدي عشقه للجمال الساحر وخفقات قلبه لرؤيته ..

 

 
أيها السائل عنـي
فادْن’ مني إن قلبي
أنت للحس مثـال
كغصون البان تزهو

 
 
أنني أرجو وصالك
لا يرى إلاّ خيالــك
جلّ من سوّى جمالك
ليتني كنت  ظلالـك

 
 
إلاّ إن الفراق لم يطل حتى كان اللقاء مفعماً بالشوق واللوعة وكان هذا اللقاء فرحاً غامراً، وعرس الأماني يبوح فيه بالأغاني العذاب يقول من قصيدة " لا تبالي" والتي وضع ألحانها الفنان المرحوم زيد حسن آغا وأداها نادي دار الفنون بحمص يقول :
والتقينا بعد شـوق
ورنا البدر إلينــا
وحديث الحب يصفو
أنه عرس الأمانـي

 
 
أنه أحلى لقــاء
في حنان وحـياء
بيننا عند المسـاء
أغنيات من صفاء

 
 
ولا يتمالك الشاعر نفسه فتتأجج عاطفته الجياشة لرؤية حفيدته "نهى" وهي تناغي ، والابتسامة الساحرة على شفتيها فيسترسل قائلاً :
نهى الجميلة ملء العين طلتها
عيونها كعيون الظبي في حور

 
 
وتبهْج النفسَ بالأفراح بسمتهـا
والثغر مبتسم ، والبدر صورتها

 
 
كما أن شعر النيفاوي لا يخلو من المواقف الإنسانية النبيلة ، وخاصة التي تقوم على فعل الخير ونكران الذات ، وخدمة الآخرين . في زمن طغت فيه المادة ، وحب الذات . وخير مثاله عرفته مدينة حمص الطبيب النطاسي أنيس المصري الذي يكن له أهل حمص كل المحبة والتقدير والعرفان بالجميل .
نعم الطبيب أنيس لا مثيل له
ضحّى براحته في كل آونةٍ
ويمنح العطف للأيتام مرحمة

 
 
تقوى إلا له وفعل الخير من شيمه
لينقذ العاجز المسكين من ألمــه
ويبذل البر للمحتاج من كرمــه

 
 
وتهز " انتفاضة الأقصى المبارك" مشاعره .. وقد أوغل المحتل الصهيوني الغاشم في القتل والدمار ، وارتكاب المجازر وتجاوز كل المحرمات .. القدس .. بيت لحم .. جنين .. رام الله .. نابلس تستغيث ولا مغيث ، تصرخ وأعرباه .. لا مجيب . وصمت مريب يقول :
أين الشهامة والأخلاق يا عرب
هذي فلسطين قد حلّ الدمار بها
هذي فلسطين تدعوكم لنجدتها

 
 
هذي فلسطين تحت الغدر تنتحب’
فأنقذوها ففيها الأهل والنسـب’
فأين أنتم ترى هل هدّكم تعب’ ؟

 
 
حمص .. هذه المدينة المتعبة والتي أصبح حالها اليوم لا يسر فالتلوث أصبح كارثة واقعة لا محالة ، وموت يحيق بالأحياء. يتذكرها الشاعر في شبابه .. يتذكر حمص العدية ، وطبيعتها الساحرة التي تموج بالخضرة الدائمة ، ونهرها العاصي بمائه العذب النمير يختال بين الرياض انساً وعذوبة وهناءً .
يقول :
حمص يا أحلى الرياض الناضرة
أنت يا حمص ربيع دائــــم
نهرك الفياض عذب سَلســل

 
 
أنت جنات النعيم العاطـرة
وربوع بالأماني زاخــرة
يتهادى في المروج الساحرة

 
                                                                  
وللشاعر قصيدة لطيفة عن مهنة الحلاقة والتي يمارسها منذ أواخر أربعينات القرن الماضي وحتى اليوم .
يزاول في محله العمل الذي أحبه ، وكان محله ملتقى للمثقفين والشعراء والادباء من زبائنه .. يقول :
لي مهنة لطيفة
وأنني أحبهـا
الذوق واللباقة
وكلها محاسن

 
 
جميلة نظيفــة
لأنها شريفــة
في مهنة الحلاقة
تبدو بها الأناقـة

 
                                                         
يرى الشاعر أن سنوات العمر مضت كالحلم بحلوها ومرها وقد جاوز السبعين . وقد زهد هذه الحياة طالباً المغفرة وحسن الثواب ، يقول في " سبعون " :
سبعون عاماً عشتها لكنهــا
والشمس مالت كي تودع ظلّها

 
 
كالحلم طاف بخاطري وحياتي
والعمر يعدو مسرع الخطوات

 
 
 
WEBMASTER : AA-ALSAAD
This Web Site Programmed and Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD ..... Copyright 2003 (C) SCOPNET  All Rights Reserved  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق