مجلة السنونو (
العدد الأول ) -
أبحاث مهجرية
Essais de l'emigration
|
|||
" النزيف العقلي العربي، لماذا ؟! " -
مازن البندك
|
|||
النزيف
العقلي العربي، لماذا ؟!
·
مئات من الطلبة العرب الذين يتخرّجون من جامعات أمريكا .. يفضّلون الحياة في
أمريكا!
·
الأمريكيّون
المتحدّرون من أصول عَرَبيّة يَنتمون إلى أعلى شرائح المجتمع الأمريكي.
·
القضيّة المعقدة
والبالغة التعقيد .. هي هِجرة المثقفين العَرَب إلى الخَارج !
وأخيراً لم تفلح
الجهود لاسترجاع الكفاءات العربية التي فضلت الهجرة أو الإقامة في الخارج بعد
انتهاء الدراسة والتخصص . فمئات من الطلبة العرب الذين يتخرجون من الجامعات
الأمريكية كل سنة يفضلون البحث عن فرص العمل والاستمرار في أمريكا ، وينضمون إلى
آلاف وآلاف المتخرجين العرب الذين سبقوهم واختاروا أمريكا مقاما لهم .
وفي أوربا ، فإن
أعداداً متزايدة من الطلبة العرب الذين يتخرجون من جامعاتها يبحثون عن فرص الحياة
الجديدة بعيداً عن الأقطار العربية التي نشأوا فيها وامضوا سنواتهم الأولى في
مدارسها والتي أعدتهم بالدرجة الأولى لاستكمال التعليم العالي في الجامعات الأوربية
.
وهجرة المثقفين العرب
المستمرة تختلف عن الهجرات العربية العادية أو المواطنين العرب العاملين في بلاد
أجنبية الذين يفضلون البقاء في هذه البلاد واختيارها وطناً لهم . فالمهاجرون من غير
المثقفين ينتمون في العادة إلى الطبقات العاملة أو الطبقات البرجوازية الصغيرة التي
تطحنها ظروف الحياة الاقتصادية وغيرها من الأسباب الاجتماعية التي تدفعهم دفعاً إلى
البحث عن مستقبل جديد لهم ولأبنائهم في بلاد الله الواسعة خارج الحدود العربية .
وهذه الفئة من المهاجرين هي التي اتجهت غرباً من بلاد الشام في نهاية القرن الماضي
وفي مطلع القرن وحتى اليوم ، وهي التي تشكل جاليات ضخمة في الأمريكتين تقدر بحوالي
المليون ونصف في أمريكا الشمالية وحوالي الأربعة إلى الستة ملايين في أمريكا
الجنوبية . والعمال العرب من شمال أفريقيا الذين يزيد عددهم على المليون والذين
يعملون حالياً في أوروبا الغربية ينتمون إلى هذه الفئة من المهاجرين . والمهاجرون
العرب ، سواء الذين هاجروا إلى الأمريكتين في نهاية القرن والذين تستمر هجرتهم حتى
اليوم ، ولو بوتيرة أبطأ في اتجاهات جديدة كاستراليا ، أو المهاجرون من أقطار
المغرب العربي العاملون هذه الأيام في أوربا الغربية ، هم قضية عربية خطيرة من عدة
وجوه .
فالأمريكيون
المتحدّرون من أصول عربية ينتمون إلى أعلى شرائح المجتمع الأمريكي الديناميكية ،
وهي الطبقة الوسطى من الفنيين والملاك ورجال الأعمال وأبناؤهم يحرصون على الثقافة
الجامعية ، ونسبة الجامعيين بين الكبار تزيد على الربع . ورغم الظروف التي هاجر
فيها آباء هذه الفئة إلا أن التطورات العربية في الثلاثين سنة الأخيرة قد اكسبتهم
وعياً بشخصيتهم القومية وثقافتهم الخاصة . وفي السنوات القليلة الماضية خطت الجالية
العربية في أمريكا الخطوة الأولى نحو تنظيم نفسها لدعم القضايا العربية كقوة ضاغطة
ضمن لعبة السياسة الأمريكية وأصبح السناتور أبو رزق المتحدّر من أبوين عربيين هو
أبرز المتحدثين باسم القضايا العربية في أمريكا . وتبدو هنالك احتمالات كبيرة
لتوطيد الصلات بين هذه الجاليات ووطنها العربي الأم في أمريكا وبقية الأقطار التي
يقيم فيها مهاجرون عرب ، أحياء لصلة يجب أن لا تتلاشى واستفادة من خبرات هؤلاء
المهاجرين أو الاستعانة بهم جسراً للعلاقات المستمرة بين الوطن الجديد والوطن
القديم .
وفي الوقت نفسه ، فأن
الوطن العربي لا يعاني من كثافة سكانية إلا في مصر ، ولا يجوز أن يتعرض إلى استمرار
نزيف الهجرة التي تقتطع منه جماعات تتميز بدرجة متقدمة من روح المغامرة والمبادرة
والطموح واحترام قيمة العمل . ولكن أسباب هجرة هذه الفئة المعروفة جيداً ودوافعها
بسيطة وواضحة وتعود إلى الأوضاع الاقتصادية السائدة في الأقطار الأم أولا ، والى
بعض مظاهر التخلف الاجتماعي والتي بدأت تختفي من معظم الأقطار العربية ، ثانياً ،
ويبدو أكثر من ضروري الاهتمام بقضية الهجرة هذه الأيام ، فالوطن العربي قادر حالياً
على استيعاب أبنائه جميعاً ، بل في حاجة إليهم جميعاً ، متى نظمت عملية توزيع
أبنائه وفق مخطط مدروس لتحويل الهجرة للخارج إلى هجرة داخلية .هجرة المثقفين
ولكن القضية المعقدة
والبالغة التعقيد هي هجرة المثقفين التي يشهدها الوطن العربي في هذه الأيام وفي
هذه الفترة بالذات .
وبادىء ذي بدء ، فإن اتهام المثقفين بتدني شعورهم بالانتماء إلى أمتهم أو قلة اهتمامهم بقضايا بلادهم أو اتهامهم بوطنيتهم هو من نافلة القول الذي لا يفسر شيئاً إلا في حالات قليلة. فأن عدداً كبيراً من هؤلاء المثقفين المهاجرين يؤدي مهاماً ثقالا في الدعوة لقضايانا ويتحمل أعظم العناء ويقوم بأعظم الجهد في هذا السبيل ويعيش قضايا وطنه بكل حواسه ومشاعره ووجدانه . ومحاولة إعفاء الذات بالاتهام وتحميل الآخرين أسباب القصور يمكن أن يريحنا ويملأنا بالرضا عن أنفسنا ولكنه لا يشكل إجابة بأي شكل من الأشكال على قضية يمكن أن تكون هي أخطر قضايا الوطن العربي هذه الأيام .لأن الإنسان هو أغلى رأسمال في العالم .. قبل المال وقبل النفط وقبل كل شيء ولنبدأ بالأرقام والاحصائيات التي تدير الرأس ! ففي دراسة أخيرة تبين أن مئة ألف مثقف جامعي عربي هاجروا أو قرروا الإقامة في أمريكا بعد تخريجهم ما بين 1960 و 1970 ، أي بمعدل عشرة آلاف جامعي في السنة الواحدة و 73 في المئة من هؤلاء تخرجوا من جامعات أمريكية أو أوربية . وتدل الأرقام على أن هذا المعدل قد فاض كثيراً عن السابق منذ سنة 1970 ، خاصة بعد سماح الهجرة من مصر . ومعظم هؤلاء المهاجرين يجيئون من فلسطين وسوريا والعراق ولبنان ومصر . أي أن ما يزيد على مئة ألف جامعي عربي قد انضموا إلى الذين سبقوهم ليصبح الرقم ، حتى الآن ، أكثر من مئتي ألف جامعي عربي تركوا بلادهم وقرروا الهجرة والإقامة النهائية في أمريكا في العشرين سنة الأخيرة .ويعمل هؤلاء المثقفون أساتذة في الجامعات والمعاهد العليا ، وخبراء في برامج الفضاء والتسليح ، وفنيون في الصناعة ، ومهندسون ، وأطباء ، وفنيون في بقية المجالات ، وبعضهم أصاب شهرة كبيرة .وفي استفتاء هؤلاء أبدوا نيتهم على البقاء في أمريكا وعدم العودة إلى الأقطار العربية .لمـــاذا ؟لماذا يفضل 200 ألف عربي هم من زهرة وزبدة المثقفين العرب ، الإقامة في أمريكا وترك بلادهم العربية في وقت تخوض فيها معركة التنمية والتخلص من فظاعات التخلف ؟يمكن تحديد ثلاثة أسباب لهذه الظاهرة المخيفة ، سببان وجيهان ولكن السبب الثالث جوهري وهو الأصل . فهنالك السبب الاقتصادي ، فالمثقف العربي الذي يعود إلى بلاده بعد دراسة جامعية امتدت ما بين ثماني وعشر سنوات لا يتقاضى مرتباً مجزياً ويجد نفسه برغم كفاءته رهين الروتينية والأسبقية في تحديد مركزه ومرتبه وحتى إذا رضى بغلبه وعاد ، فانهيجد نفسه مسحوقاً في محيط المحيط من المتاعب اليومية المتصلة بالمواصلات وصعوبة الاتصالات والحصول على سكن والذي أصبح في بعض البلاد العربية من المستحيلات.ولابد من توفير المال العربي الهائل الذي يغرق بنوك أوربا وأمريكا وسيلة لتوحيد أنظمة هيئات التعليم والتدريس في البلاد العربية ( ولا نقول توحيد المناهج لأن ذلك هو المستحيل )، وإيجاد قنوات الاتصال الدائم والحركة الحرة بينها ، حتى يمكن استيعاب العدد المتزايد من الفنيين والأساتذة داخل الوطن العربي ضناً بالكفاءات العربية التي نحن في أشد الحاجة إليها من الهدر والضياع والتلاشي بعيداً في الخارج . والشيء نفسه لابد من تحقيقه بين المؤسسات الصناعية والفنية والتكنولوجية على طول الأرض العربية .حتى مجرد العمل!والسبب الثاني هو أن عدداً كبيراً من الخريجين لا يستطيع استكمال خبرته وإنماء معرفته بل حتى العمل ، مجرد العمل ، في نطاق اختصاصه . وقد عرفت مهندساً للطيران تخرج من كلية بيردو ، وهي إحدى أهم كليات الهندسة في أمريكا ، عين في منصب اداري في شركة الطيران العربية في بلده رغم احتجاجاته المتتالية ورغم ان الذين يشغلون المناصب الفنية في الشركة معظمهم من الأجانب … وحين لم يستمع إليه أحد استقال وهو يعمل حالياً في شركة "هوكر سدلى" في بريطانيا ، ويمكن لكثيرين أن يرووا عشرات القصص عن متخصصين عرب عادوا إلى بلادهم ولم تتح لهم فرص العمل في مجالاتهم ، ولم يبق أمامهم سوى الهجرة.وفي زيارة أخيرة لعاصمة عربية قابلت بعض الخريجين العرب الذين تلقوا دعوة من وزير مختص في ذلك البلد لمقابلتهم وبحث احتمالات الاستفادة منهم .. وحين قابلتهم في الفندق كان قد مضى عليهم أكثر من شهر في انتظار الوزير المختص .. وحين قرروا السفر قابلهم الوزير في الليلة السابقة للسفر ولكنهم كانوا قد حزموا أمرهم وأمتعتهم !وبعض الذين صدقوا الكلام وعادوا وتولوا مناصب بالفعل اكتشفوا سدوداً عالية تحول بينهم وبين ما يريدون تأديته ولم يلبثوا أن عادوا من حيث أتوا .والمتخصص والفني والعالم الجدي إذا لم يجد المجال واسعاً أمامه للاستفادة من علمه وتطوير خبرته والارتقاء بمستواه العملي لا تغريه المرتبات المجزية فقط . وهذا يفرض على حكومتنا أن تضع أسس البناء العلمي والصناعي والتكنولوجي الذي يسمح باستيعاب الفنيين والمثقفين العرب وفسح المجال لتنطلق ملكاتهم إلى أقصى ما تستطيع أن تصل وتحلق .بعد ذلك كله وقبله يبقى السبب الجوهري أو السبب الأهم لهجرة المثقفين العرب !غرباء في بلادهمفالمثقفون لا يريدون أن يكونوا غرباء في بلادهم .. وحين يفرض عليهم الجلوس في مقاعد المتفرجين وأن يقفوا على أبواب من هم دونهم خبرة فانهم يرفضون ذلك. وفي استفتاء للمهاجرين المثقفين العرب في أمريكا قال أكثر من تسعين في المئة أنهم يريدون أن يعيشوا في نظام الديمقراطية والحرية . ويقول واحد منهم :" الآلاف المؤلفة من العناصر المتعلمة والمقتدرة حين عادوا للمساهمة في تطوير الوطن العربي علمياً وتكنولوجياً لم يجدوا ترحيباً بقدومهم .. كأن أصحاب الحول والقوة ينظرون الى هؤلاء المثقفين منافسين لهم وخطراً عليهم ، فإذا بهوة من الشكوك وعدم الثقة تقوم بين الجانبين تحول دون التعاون وتؤخر تطوير البلد ".ويختتم حديثه بالصيحة التالية :" إن معظم المثقفين العرب الذين تركوا بلادهم لهذه الأسباب يتوقون للعودة إلى بلادهم والمساهمة في تقدمها وتطويرها .. ويجب إيجاد الوسائل لعودتهم ليكون لهم دور في تشكيل مستقبلها"ويقول خبير في شؤون التنمية إن هذا النزيف العقلي العربي يهدد الأقطار العربية بأن تبقى أسيرة التخلف إلى ما لا نهاية ، لان أي بناء حديث لا يمكن استكماله بدون قطاع عريض جداً وأعداد كبيرة من المثقفين والعلماء ، وبدون إيجاد المناخ الحضاري الذي يتيح حرية الاجتهاد والابتكار والاختراع ، حتى يتسنى ليس فقط استيراد التكنولوجيا بالشراء ، ولكن استيعابها وتطويرها ضمن الظروف المحلية الذاتية .وحين يفقد العرب مئتي ألف عالم ومثقف عربي ، ويستمر هذا النزيف حتى الآن ، كيف يمكن التحدث عن التكنولوجيا والتقدم والنهضة ؟! |
|||
WEBMASTER : AA-ALSAAD
|
|||
This Web Site Programmed and
Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD
..... Copyright 2003 (C) SCOPNET All
Rights Reserved
|
رابطة اصدقاء المغتربين تأسست عام 1973 وكانت رأيستها الاديبة الراحلة نهاد شبوع وتم اصدار 12 عدد فقط في بيت المغترب في حمص .
الجمعة، 30 أكتوبر 2015
مجلة السنونو ( العدد الأول ) - أبحاث مهجرية Essais de l'emigration - " النزيف العقلي العربي، لماذا ؟! " - مازن البندك
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق