مجلة السنونو (
العدد الأول ) -
قراءة في
كتاب
lecture d'un livre
|
|||
ميثولوجيا الأبطال والألهة والوحوش ( برنارد إيفسلن ) - ترجمة: حناعبود
|
|||
قي مقدمة كتاب الأستاذ حنا عبود الصادر عن وزارة الثقافة بعنوان (ميثولوجيا الأبطال
– والآلهه – والوحوش) المترجم عن الكاتب برنارد ايفسلن يضعنا المترجم مباشرة في
أجواء سحر الكتاب , فيقول ( الكتاب الذي نضعه بين يدي القراء ليس كتاب معلومات عن
الأساطير الإغريقية , وليس كتابا شاملا كموسوعة بولفنش الميثولوجية , وإنما هو
اختيار غرضه عرض الموقف اليوناني من العالم الفوقي والعالم السفلي و الزراعة
والصناعة و القوانين والشرائع والفن والأدب والفلسفة وعلم النفس والشعر والغناء
والموسيقى والرياضة ... وهو الموقف الذي يجهد العالم الحديث إن يصل إليه .
يمكن أن يجد القارئ هذه المعلومات في مئات الكتب الأخرى المؤلفة عن الميثولوجيا ,
لكنه لن يجد هذه البراعة في العرض – في السرد الدرامي والسيناريو الدقيق والحوار
الرشيق .
براعة الكاتب تتجلى هنا ليس في الاستقصاء بل في العرض البسيط جدا والعميق جدا . انه
يمسك الأسطورة ويقدمها بأسلوب سردي معتمدا على براعته ككاتب مسرحي وكاتب سيناريو ,
فتتجلى الأسطورة القديمة كأنها وليدة هذه الأيام . وحرصه على الموقف اليوناني جعله
يتعمق الخلفيات والجذور العميقة , ساعيا إلى استخدام الرموز القديمة بأسلوب حديث .
وسنورد كمثال قصتي بروميثيوس وباندورا لنرى البساطة والعمق والجلال.
بروميثيوس
كان بروميثيوس طيطانا* شابا وليس معجبا كثيرا بزيوس . ومع أنه يعرف أن سيد السماء
العظيم يكره الأسئلة المبسطة , فانه لم يتوان عن إرهاقه بما يريد أن يعرف .
جاء إلى زيوس صباح أحد الأيام وقال (يا رب الصاعقة أنا لا افهم مخططك .لقد جعلت
جنــس الإنسان يظهر في الأرض ولكنك أبقيته في الجهالــة والظلام) .
قال زيوس ( ربما من الأفضل لك أن تـدع الجنس البشري لي . فما تدعوه جهالة هو براءة
ومـا تسميه ظلاما ما هو إلا ظل قوانيــني . أن الإنسان سعيد الآن . وسوف يظل
سعيـدا إلا إذا أقنعه أحدهم بأنه ليس سعيدا . دعنا لا نتحدث في هـذا مرة ثانية ) .
لكن بروميثيوس قال ( انظر إليه . انظر تحتك . انه يسكن الكهوف . انه تحت رحمة
الوحوش والطقس . يأكل اللحم نيئا , فان كنت ذا قصد من ذلك فنورني بحكمتك . اخبرني
لماذا ترفض أن تمنح الإنسان هدية النار )
رد زيوس ( ألا تعرف يا بروميثيوس أن كل هدية جلبة للعقوبة ؟ هذه هي القاعدة التي
وضعتها ربات القدر –ـ والتي يخضع لها الآلهة أنفسهم أيضا . إن الإنسان لا يملك
النار ولا الصناعات التي تعلمها له النار . ومن جهة أخرى فانه لا يعرف المرض ولا
الحرب ولا الشيخوخة , أو ذلك الطاعون الداخلي الذي يسمى القلق . انه سعيد وأنا
أقول سعيد أنه بدون نار . وسوف يظل سعيدا ) .
قال بروميثيوس (سعيد سعادة الوحوش, فما الفائدة في أن تجعله جنسا منفصلا تسميه
الإنسان , فوهبته قليلا من الفراء وبعض الفطنة ونزعة لعدم التنبؤ ؟ إن كان عليه أن
يعيش هكذا فلماذا فصلته عن الوحوش الأخرى ؟) .
قال زيوس ( ولكنه يملك ميزة أخرى . وهي قدرته على العبادة . إن له نزوعا للإعجاب
بسلتطـنا وهو محتار بألغازنا ومندهش من نزواتنا . ولهذا السبب خلق ) .
(إلا يمكن للنار والنعم التي تقدمها النار أن تجعله اكثر اهتماما ؟ )
( أكثر اهتماما , ربما , ولكن على المدى الطويل فان ذلك خطر . لان هذا موجود في
الإنسان أيضا , إنها الكبرياء المتبجحة التي تحتاج إلى قليل من المساعدة لتجعله
يتضخم بحجم عملاق . حسن هذا الجزء فيه وسوف ينسى ما يجعله سعيدا – شعوره بضرورة
العبادة وتواضعه . سوف يكبر فتسممه الكبرياء واعتقاده الوهمي بأنه نفسه إله , وقبل
أن ندرك نحن هذا التغير , سوف ترى أنه يهاجم الأولمب. كفى يا بروميثيوس لقد ضقت
ذرعا بك ولا تطلـب مني اكثر مما قلت . اذهب الآن ولا تتعبني بتأملاتك ).
لم يكن بروميثيوس قانعا . كل تلك الليلة ظل مستيقظا يضع الخطط . ثم ترك سريره عند
الفجر ووقف على رؤوس أصابع قدميه فوق اولمب ومد ذراعه إلي الأفق الشرقي حيث برقت
أولى جدائل الشمس الضعيفة . امسك بيده قصبة حشيت بنسيج جاف ثم مدها إلى شروق الشمس
وانتظر حتى اندلعت شرارة . وضع الشرارة في ثوبه الإغريقي وهبط من الاولمب .
في البدء خاف الناس من الهدية . كانت حارة وسريعة . إنها تلذع إذا لمستها , ونكاية
بالناس جعلت الظلال تتراقص . شكروا بروميثيوس و طالبوه بان يبعد هديته عنهم . لكنه
اخذ ورك غزال ذبح حديثا ورفعه فوق النار وعندما تلفح ونضج امتلا الكهف برائحة غنية
فشعر الناس بالجوع واندفعوا إلي اللحم يأكلونه بشراهة ويحرقون ألسنتهم .
قال بروميثيوس (ما أحضرته لكم يسمى النار. إنها روح مشاكس والأخ الصغير للشمس, لكن
إذا عالجتموها بعناية, فيمكنها أن تغير كل حياتكم . إنها نهمة جدا وعليكم إطعامها
بالأغصان , ولكن حتى تصبح فقط بحجم معين. عند ذلك توقفوا وإلا فإنها ستلتهم كل ما
ترون وتاكلكم أنتم أيضا . فان انتشرت فاستخدموا لها هذا السحر : الماء . إنها تخاف
روح الماء , فإذا لامست الماء هربت إلـى أن تحتاجوها ثانية ) ترك النار ملتهبة في
الكهف الأول , مع
الأطفال يحدقون بعيون محملقة ثم ذهب إلى كل كهف في الأرض .
في أحد الأيام نظر زيوس من الجبل إلى الأسفل فذهل . لقد تغير كل شئ . لقد خرج
الإنسان من كهفه .
لقد رأى زيوس أكواخ الحطابين وبيوت المزارعين والقرى والمدن المسورة , بل رأى قلعة
أو قل قلعتين . رأى الناس يطبخون طعامهم ويحملون مشاعل تنير طريقهم في الليل. رأى
الكور والكير والناس تصنع المحاريث و عوارض السفن والسيوف والرماح . كانوا يصنعون
السفــن و يرفعون أجنحة بيضاء من الأشرعة ةيجرؤون عـلى استخدام عنف الريح في
رحلاتهم البحرية . كانوا يضعون الخوذات على رؤوسهم و يعتلون العربات ليثيروا
الحروب, كالآلهة تماما .
جن جنون زويس . امسك بأضخم صواعقه. قال لنفسه ( إذن يريدون النار. سأعطيهم النار –
اكثر ممـا يستطيعون استخدامها . سأحول الكرة البائسة للأرض إلي جمرة ) لكن فكرة
أخرى طرأت له , فخفض ذراعه .قال لنفسه ( لا . سوف انتقم أتمتع أيضا. دعهم يدمرون
نفسهم بمهاراتهم الجديدة . سأهتم بهم فيما بعد . شغلي الأول مع بروميثيوس)
استدعى حرسه العمالقة وأمرهم باعتقال بروميثيوس وسوقه إلى القفقاس وهناك كبل إلى
قمة جبل بسلاسل ضخمة صاغها هيفاستوس خصيصا – سلاسل لا يستطيع الطيطان حتى في شدة
ألمه أن يحطمها . وعندما كبل صديق الإنسان إلى الجبل أرسل زيوس نسرين ينهشان فيه
إلى الأبد ...يمزقان بطنه وينهشان كبده .
شعر الناس أن هناك شيئا مخيفاً حصل على الجبل , لكنهم لم يعرفوا ما هو هذا الشيء.
لكن الريح صرخت كما يصرخ عملاق يتألم , وأحيانا مثل صراخ الطيور المتوحشة .
مرت قرون وهو مضطجع هنـاك إلى أن ولد بطل فيه جرأة تحدي الآلهة . تسلق القمة في
القفقاس، فقتل النسرين وحطم سلاسل بروميثيوس. وكـان اسمه هرقل .
باندورا
بعد أن أدان زيوس بروميثيوس لانه منح النار للإنسان , بدا يخطط كيف يعاقب الإنسان
لقبوله النار . أخيرا وضع مخططا . آمر هيفاستوس أن يصوغ فتاة من الطين وأن يضع
افروديت نموذجا أمامه حتى يتأكد أنها ستكون جميلة . نفخ الحياة في الشكل الطيني ,
فتحول الطين إلى لحم , فاضطجعت نائمة , جديدة كل الجدة . ثم دعا الآلهة وطلب من كل
واحد أن يقدم لها هدية .
ابولو علمها الغناء والعزف على القيثارة , وعلمتها اثينا الغزل , وعلمتها ديميتر
كيف تعتني بالحدائق . افروديت علمتها كيف تنظر إلى الرجل من غير أن ترمي عليه
عينيها و كيف ترقص من غير أن تحرك ساقيها .
وأعطاها بوسيدون عقدا من اللولو و طمأنــها بأنـها لن تغرق أبدا , وخيرا قدم لها
هرمس صندوقا ذهبيا جميلا يجب ألا يفتح أبدا , كمـا أوصاها . ومنحتها هيرا حب
الاستطلاع .
امسكها هرمس من يدها وقادها في منحدر الاولمب. أخذها إلى ابيميثوس شقيق بروميثيوس
وقال (الأب زيوس حزين جدا لما أصاب العائلة من جحود . وحتى يظهر لك انه لا يأخذك
بجريرة أخيك بروميثيوس قدم لك هذه الهدية –اجمل فتاة في العالم.خلقت لتكون لك زوجة
. اسمها باندورا , أي هدية الجميع ) .
وهكذا تزوج ابيميثوس من باندورا . غزلت باندورا وخبزت و اهتمت بالحديقة و عزفــت
على القيثارة و رقصت لزوجها , وظنت نفسها أجمل عروس على وجه الأرض .شيء واحد كان
يزعجها الصندوق الذهبي أول الأمر وضعته على المنضدة , وكانت تلمعه كل
يوم حتى اعجب به كل من رآه . لكن سقطت أشعة الشمس من النافذة على الصندوق فصار يشع
ويومض عليها .
فكرت( لا بد أن هرمس يعذبني . انه يمزح دائما , وكل واحد يعرف ذلك . نعم انه يعذبني
إذ قال لا تفتحي هذه الهدية أبدا . فإذا كانت بمثل هذا الجمال من الخارج , فكيف
تكون من الداخل ؟ لا شك أنه خبا لي هناك مفاجأة . إنها بالتأكيد أحجار كريمة لم يقع
عليها نظر. فإذا كان الصندوق بهذا الغنى من الخارج , فلابد أن يكون رائعا من الداخل
– وهذه عادة الهدايا , يكون الداخل أغنى من الخارج . ربما ينتظرني هرمس أن افتـح
الصندوق وارى ما في داخله فاغتبط واشكره . ربما يظنني عاقة ..)
ولكن حتى عندما كانت تحدث نفسها بهـذا, كانت تعرف أن الأمر ليس كذلك – وأن الصندوق
يجب ألا يفتح وعليها أن تحافظ على عهدها .
أخيرا أخذت عن المنضدة الصندوق وخبأته في غرفة المونة الصغيرة المغبرة . ولكن يبدو
انـه سيلتهب هنـاك في الظلال . فحرارتها شوشت تفكيرها حيثمـا ذهبت . فظلت تعبر تلك
الغرفة وتجوس فيها مختلقة شتى الأعذار للدخول . أحيانا تأخذ الصندوق من مخبئـه و
تنفضـه , ثم تزيحه بسرعة عن النظر وتخرج من الغرفة .
ثم أخذته ووضعته في صندوق من السنديان الصلب أقفلت عليه وكبلته بالسلاسل وحفرت حفرة
في حديقتها . وضعت الصندوق وغطته ودحرجت صخرة على الفوهة . وعندما عاد ابيميثوس
ليلا كان شعرها مشعثا و يداها داميتين , وثوبها الإغريقي ممزقا وملوثا . لكن كل ما
أخبرته به هو أنهـا قضت النهار تعمل في الحديقة .
في تلك الليلة سقط شعاع القمر في الغـرفة.لم تستطع أن تنام . لقد جعل النور عينيها
مفتوحتين . جلست في السرير و نظرت حولها . كانت الغرفة تسبح في ضوء القمر . كل شيء
كان مختلفـا . كانت هناك ظلال قاتمة وحزم مـن الفضة , فبدت الأشياء مختلطة ومتحركة
. وبهدوء نهضت على رؤوس أصابعها وخرجت من الغرفة.
ذهبت إلى الحديقة . كانت الأزهار تفوح والأشجار تتمايل. العالم كله كان يتراقـص في
النار البيضاء السحرية لأشعة القمر تلك . ذهبت إلى الصخرة أزاحتها . لقد تدحرجت
بعيدا خفيفة كحصاه. شعرت أنها مفعمة بقوة وحشية .
أخذت مجرفة وحفرت حتى بـأن الصندوق. فكت سلاسله وسحبت الصندوق الذهبي. كان باردا
نفذت البرودة في يدها حتى العظم . ارتعدت. ما في داخل الصندوق بدا لها الآن انه سر
الحياة الحقيقي, الذي يجب أن تراه أو تموت.
أخذت مفتاحا ذهبيا صغيرا من ثوبها الإغريقي و أدخلته في القفل وفتحت الغطاء بلطف .
كان هناك أزيز ونبضات سريعة وضجيج لحمي وحشي , و رائحة كريهة . خارج الصنـــدوق
عندما فتحته في ضوء القمـر أزت مخلوقات شبيهة بالسالي المحرشفة أجنحتها كأجنحة
الخفافيـش وعيونها حمراء ملتهبة .
طارت هذه المخلوقات من الصندوق وحامت حول رأسها على شكل دائرة تصفق بأجنحتها و تصرخ
بأصوات نحيلة هازئة – وعندئذ طارت في الليل تفح وتقوقي .
كانت شبه مغماة و راكعة على ركبتيها فأمسكت الصندوق بما تبقى لها من قوة و أغلقت
الغطاء – فأمسكت بآخر وحش صغير كان وقتها يحاول أن ينطلق . صرخ وشاجر وخرمش يدها
لكنها طرحته داخل الصندوق و أطبقته . ثم أقفلت الصندوق و انسحبت .
ماذا كانت هذه المخلوقات المميتة التي طارت من الصندوق الذهبي ؟ إنها الأمراض التي
تحيط بالبشرية .
الأحقاد والأمراض بآلاف أشكالها , والشيخوخة و المجاعة والجنون وكل أقرانه الحمــقى
. بعد أن طارت من الصندوق تشتت فدخلت كل بيت ونفذت في كل عارضة و قبعت منتظرة . و
عندما يحين أوانها تطير وتلدغ فتجلب الألم والندم و الموت .
الأمور كانت ستجري آسوا بكثير , لان المخلوق الذي أطبقت عليه باندورا الصندوق كان
أعظمها خطرا . كان ( نذير الشؤم ) وهو الضربة القاضية . فلو انه تحرر من الصندوق
لكان كل فرد في العالم يعرف بالضبط حظه العاثر كل يوم من أيام حياته . وعندما لن
يكون الأمل ممكنا وبذلك تتحقق نهاية الإنسان . فمع انه يستطيع آن يتحمل كل مشقة إلى
ما لا نهاية,
بيد
أنه لا يستطيع مطلقا أن يعيش بلا أمل .
|
|||
WEBMASTER : AA-ALSAAD
|
|||
This Web Site Programmed and
Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD
..... Copyright 2003 (C) SCOPNET All
Rights Reserved
|
رابطة اصدقاء المغتربين تأسست عام 1973 وكانت رأيستها الاديبة الراحلة نهاد شبوع وتم اصدار 12 عدد فقط في بيت المغترب في حمص .
الجمعة، 30 أكتوبر 2015
مجلة السنونو ( العدد الأول ) - قراءة في كتاب lecture d'un livre - ميثولوجيا الأبطال والألهة والوحوش ( برنارد إيفسلن ) - ترجمة: حناعبود
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق