مجلة السنونو (
العدد الأول ) -
قصص قصيرة من المهجر
|
|||
نسيب عريضة
|
|||
قصص قصيرة من المهجر Récits
de l'émigration
"أمثال بمغزى وبلا مغزى"
شعرتــان :
سقطت شعرة من لمّةِ
رجل فوقعت على الرصيف فوق شعرة سقطت من ذنب حصان ، فدعاهما القرب والتشابه إلى
التعارف. فسألت شعرة الذنب شعرة الرأس : من أنت يا أختاه؟ فقالت : أنا اثمن ما في
الأرض لأني أزيّن رأس الإنسان سيد الأرض فهو يشتري لِصَوْني أثمن القبّعات والعمائم
، ويصوغ التيجان لأجلي ، وينفق في سبيل زينتي وتشذيبي نفقات طائلة ويستجلب لأجلي من
بلاد بعيدة ادهاناً وعطراً وأدوية مقوّية… وأنت من تكونين ؟
فقالت شعرة الذنب :
أنا أقوى من في الأرض فإني أحمي ظهر صاحبي وأصدّ عنه هجمات الأعداء من الذباب
والحشرات ولو كانت ألوفاً …
وهنا هبّ نسيم خفيف
فحمل أقوى ما في الأرض وأثمن ما في الأرض وألقاهما مع الأقذار في المجرى.
الصبّ العاشق :
قال لي كلب جارتي
الصغير حين التقاني في الدهليز : هل عندك موضع للسرّ ؟ إن سيدتي تحبّني ، ولكن لا
أحبّها . فهي ما برحت تداعبني وتقبّلني وتريني لصواحبها حتى ابرمتني ، وهي تقسرني
على الجلوس بحضرتها ولزوم الوسادة الأطلسية عند كرسيّها دون أن أفارقها. زد على ذلك
أنها تطعمني الأطايب قبل ضيوفها ، ولكنها لن تنال مني منالاً ، وحبّها ليس له صدى
في قلبي. ولو عَلِمَتْ بمحاسن كلبة جيراننا وبما في خيشومها من الخشونة وبما في
ذنبها من الشدّة وبما في نباحها من البحة وبما في أنيابها من الحدّة . وبما في
عينيها من الأزدراء لعَذَرَتْنِي في هيامي بكلبتي ولرحمتني. ولكن بعيشك لا تقل
شيئاً لسيدتي ، لأني أخاف على كلبتي من غيرتها .
النحلة والحسناء :
رأت النحلة في الشبّاك
عاشقاً يقبّل الحسناء …
فطنطنت وطارت وهي تقول
: ما أغرب الخليقة! إني أدافع عن عسلي بِحمّتِي . أمّا هذه فبماذا تدافع عن جمالها
.
فلسفة جائع :
دخل كلب البادية إلى
المدينة فمرّ بطبّاخ ٍ في السوق واقف أمام قدره لا يبدي حراكاً . فدخلت رائحة
الطعام في أنف الكلب وحرّكت فيه شهوة غريبة فوقف ينظر إلى القدر تارة وإلى صاحبها
أخرى يراقب منه غرّة ، والطبّاخ في جمود وسكون حتى خَالَه’ الكلب لعبة من خشب
فتقدّم إلى القِدرِ مسرعاً لاختطاف ما فيها . فمدّ الطبّاخ يده إلى عصا بقربه
وأشْبَعَ الكلب ضرباً أليماً ، ففرّ وهو يعوي ويقول : ما ظننته إلاّ صنماً ! يا له
من أبله يرى بعينيه الطعام ولا يأكل …
رسولة العصافير :
كانت الدودة تسعى على سطح الغبراء ، غير عالمة بما خبّأه لها القدر، وإذا بعصفور
غافلها واختطفها قبل أن تجد ثقباً في الأرض تتغلغل به . وطار بها وهي تتلّوى في
منقاره ليقدمها طعاماً لصغاره في عشّه .
فقالت الدودة وهي في حَياض الموت : أيها الظالم الغاشم . ماذا حملك على الاعتداء
على حشرة تعيسة عمياء عرجاء قطعاء لا معينَ لها ولا سند؟ ألا تخاف من ربّك يوم
الدين ؟ ألا تخشى عاقبة شرّك! ألا تعلم أن من اعتدى على ضعيف لا شفاعة له ولا نجاة!
إن الغاشم مأواه النار. فَتبْ إلى ربّك وأطلق سراحي وخف من جريرة ما أنت فاعله.
لم
يسمع العصفور كلام الدودة ، ولو سمعه لَمَا فهمه . بل ظل طائراً نحو عشّهِ . وإذا
به يرى عقاباً يترصّده في الجوّ ، فارتجف خوفاً حتى وقعت الدودة من منقاره وطار
يطلب النجاة .
فجرّت الدودة نفسها حتى عادت إلى أخواتها وقالت لهنّ : لقد اصطادني اليوم عصفور
شرّير ولكنه أطلق سراحي عندما ألقيت عليه عظة مؤثرة من الآيات البيّنات …
حقاً أن خوف الله لا يزال في قلوب العصافير .
فَرَسان ورجل :
رأيت’ فرسين يجرّان عربة مثقلةً بالأحمال والسائق يعمل السوط في ظهريهما ، ورأيت
رجلاً يؤنّب’ السائق لقسوَته ويقول له : ـ عار عليك أن تقسو على الحيوان الأعجم .
لو أوتي هذان الفَرَسان النطق لسمعتَ منهما شكوى أليمة توقِر’ آذان البشر .
وسمعت إذ ذاك أحد الفَرَسين يخاطب أخاه باللغة التي لا يفهمها الناس قائلاً : انظر
إلى هذا الآدمي وارحمتا له! ما أكبر الحمل الذي وَضَعَه’ القدر على منكبيهِ . وهو
مع ذلك يدافع عَنّا ويرثي لنا .
فحمحم أخوه وقال :ـ إنه كسائر الناس مثقل بحمله ولا يحاول التخلّص منه . أتدري ما
السرّ في ذلك؟ سمعت’ من أحد حكمائنا أن الآدمي لا يرى الحمل الذي أثقلته به الحياة
ولا يشعر باللجام الذي ألجمه’ به القضاء . ولذلك تراه يسير متحاملاً يحسب’ نفسه
أميرَ الكائنات وسيّدَ الأحرار، ويؤلّف الجمعيّات للرفق بأمثالنا وهو أحقّ بالرحمة
والشفقة مِنّا لو يدري .
|
|||
WEBMASTER : AA-ALSAAD
|
|||
This Web Site Programmed and
Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD
..... Copyright 2003 (C) SCOPNET All
Rights Reserved
|
رابطة اصدقاء المغتربين تأسست عام 1973 وكانت رأيستها الاديبة الراحلة نهاد شبوع وتم اصدار 12 عدد فقط في بيت المغترب في حمص .
الجمعة، 30 أكتوبر 2015
مجلة السنونو ( العدد الأول ) - قصص قصيرة من المهجر - نسيب عريضة
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق