مجلة السنونو (
العدد السابع ) -
لك يا منازل
|
|||||||||
زيارة إلى
حمص القديمة : عودة الرأس إلى مسقطه ..!
|
|||||||||
زيــارة إلى حمـص القديمــة :عـودة الرأس إلى مســقطه ..!ترجمة: د. نديم قندلفت ممـدوح الســكاف
وردة الحلم ووريده هو
…
خُذْ ملكوت الوطن إلى بيتكَ ... مُدَّ له مائدة ناضجة من خبز الحب ، من لقمة
الأرض ... سائغةً شهيةً تُمضغ… تُغدِّي… تُغدَّي بإكسير العشق…
يبارك الله شجرة العائلة المتآلفة المؤتلفة… يسري ماء الشعاع عذباً في
أنساغها… تثمر بالتوادّ والمحبة…
تلك أول الكلمات في سِفْر الهيام ذاك ترتيل مبتدأ الغرام .
سنابل القمح .. بِنْتُ محراثٍ يدكُّ الصخر .. الجدب إلى خصبٍ ينقلب…
عندما تُفكّرُ بنفسك ، فكّرْ به… بالوطن.. قبل نفسك…
حنطتُك هو ورغيفك… ملْحُكَ وصَبْرُك… ليلُك تسبح في أمواج ظلامه
المضيء…
نهارك تفرش على سجّادته سجّادة وقتك مع ركوة القهوة أو إبريق الشاي…
تَقِيْلُ بعد تعب… يحضنك بهدهداته… لتكُنْ ذاتُك عصبَ قلبه…
دمَ شرايينه المشبعة بعطائك…
جدرانك وسقفك ونوافذ منـزلك وموقد مطبخك وإدام أولادك… حين تفعل له ذلك وأوفرَ منه
وأعمق…
يتّحدُ جسدك الحياتيّ بروح الوطن الأثيريّ… يتماهى كلٌ منكما بالآخر ..
أنت تستحيل إلى تراب سمائك… هو تراب سمائك يُضحي في
مطابقةٍ لا تضادَّ فيها … وإنما جناس من جنسٍ خاص…
كينونة من كون استثنائي… حلولٌ في الهيولي… إقامة في الذرّة…
ادعُ الوطن إليك… لا ضيفاً… لا زائراً
… لا مستأجراً
… لا عابراً
… إنما مالكاً مقيماً
…
مطلق الملكية في الحب … تتساوى المواطنية فيه مع جميع
من يهواه ويحميه… يهبه أكثر مما يأخذ منه…
يصفيه وجدانه في صفوه ويمحو عنه أحزانه في كدره.
الوطن .. أجمل شاعر رومانسي حالم بجمال المستقبل يتشكّل بفعل مقولة يتبنّاها :
العمل ينتج عنه الأمل ... مترعاً بالرأفة الرؤوم والحق المنصف ينشد نشيده لسواسية
أبنائه يحبّونه من الصميم ويفتدونه بكل ما يملكون من ثمين ويذودون عن حياضه وحماه
حين يعتوره ضرر أو يحيق به خطر، فيهتف متهلّل الأسارير ، حنون الصوت : لكم جميعاً
كُلّي …
توازعوه فيما بينكم بالعدل والقسطاس… بقدر حجم حبكم وإخلاصكم لي
وعملكم من أجل عزّتي ورفعتي ومَنَعتي وقوّتي فأنا :
1-
حماة الدِّيار عليكم سلام
هنا في مدرستي الابتدائية ( مدرسة الإرشاد ) الكائنة بين حارَتَيْ ( صليبة
العصياتي ) و(الورشة ) من حي ( باب الدريب ) في مدينتي الحبيبة ( حمص ) كعصفورٍ
أزغب ، مثلي مثل بقية التلاميذ في سِنّي ، تعلَّمتُ إنشاد نشيد الوطن للمرة الأولى
في حياتي …
حفظته بسلاسة وسهولة وأريج وعبير ، في القلب يترقرق قبل العقل ، في الخيال يخضرُّ
قبل الذاكرة . وصرتُ أُردّده في باحة الصباح كلَّ صباح مع لداتي وأقراني والمديرين
المتوالين على إدارة مدرستي والمعلمين المتعاقبين على التعليم فيها بصوت واحد
وإيقاع واحد ونشوة واحدة وحماسة واحدة ، قبل الدخول إلى الصفوف وارتشاف الدروس ،
دون أن أفهم أو أستوعب إلاّ القليل من معانيه ومبانيه ، أو أسمعه في مواطن أخرى
ينساب مترافقاً بموسيقا الفرق الكشفية يصدح في الاحتفالات والمناسبات الوطنية
والقومية ، لكنه مع مطالع الفتوة والشباب وإلى لحظتي الراهنة وقد :
أصبح نشيداً سمفونياً لدورة أوردتي الدموية ، يسيل رَحيقه مع كرياتها ويجري
شَهْدُه في خضابها، ويجعلني أظنّ ظناً خيالياً لا تفسير منطقياً له أنّ أية تربة
ضاربة إلى حمرة أو احمرار في حوضٍ وحديقة وحقل وبستان ومزرعة وغابة ودسكرة
وحاكورة وجبلٍ وهضبة ورابية وتلّة أو وادٍ وجورة وحفرة ومنخفض في أي ربعٍ من ربوع
بلادي سورية العربية الخالدة ، مَرْوِيّة بنجيع دماء الشهداء والضحايا والجرحى على
مرّ الدهور، لذلك اتخذت لون شقيقة النعمان أو زهرة الأرجوان لوناً لها تتباهى به
وتزدهي كأنها في وهمي وزعمي هي أبدعته وابتكرته وكانت أول من اختصت به من دون أراضي
الكون كلّه .
تحية من الأعماق لروح ناظم كلمات النشيد العربي السوري مع فجر الاستقلال والجلاء
الشاعر الكبير المرحوم خليل مردم بك ، ومثلها لروح ملحِّنَيْه اللبنانيين الأخوين
فليفل على صنيعهما الفنيّ الموسيقيّ الرائع .
2-
العودة إلى مسقط الرأس
كلما شعرتُ بالغربة والغرابة وصعوبة التلاؤم مع المحيط الجديد الطارئ حالياً على
مجتمعنا الحاليّ بما فيه من علائق العصر الاستهلاكي الرقمي الشحيح العواطف والمفعم
بحالات المواضعات الحضارية المسيطرة عليه حديثاً ( تكنولوجيا المعلوماتية
والانترنيت خصوصاً ) وانكباب الفرد البشري المتمادي في التعايش المستديم مع
معطياتها بتلهف وممارسة تقنياتها المختلفة بشغف وهي جميعها من منتجات الحداثة
الوافدة إلينا من الغرب وأنا شخصياً أنحاز إليها وأحّبذ استخدامها في مختلف مجالات
البنى التحديثية الفعّالة في دفع عجلة التقدم بمجتمعنا إلى الآفاق البعيدة ، أقول
كلما حدث لي مثل هذا الشعور رغبتُ من صميمي بضرورة العودة إلى زيارة مسقط رأسي
لأشحن كياني بالطاقة النفسية والعافية الروحية وأستنهض ذاتي بالقدرة الإنسانية
والصلة الاجتماعية حتى أستعيد شحنتي العاطفية المفتقدة بسبب مغادرتي الديار .
أحياء حمص القديمة وحاراتها ما تزال رغم تجددها المتتابع وهدم العديد من أبنيتها
الماضية وإقامة أبنية ذات طراز حديث محلها ، تشعرك بحميمية المكان وخصوصية الحياة
الشعبية فيه وألفة سكانه وتعاطفهم الوجداني المترجم عملياً فعلاً ملموساً على أرض
الواقع فيما بينهم وليس كلاماً مجانياً يُساق لغواً للمجاملة وتتأكد إيجابيته على
التحديد في الأزمات والملمات .
الشوارع والطرقات والدروب والأزقّة هنا
… ما برحت ، على الرغم من
بعض تطورها العمراني وسيرها باتجاه التجدد ، تنشر في صميم الروح هبّات عطر
فوّاحة آتيّة من عبق الزمن البسيط الجميل في ماضيه المستحبْ يتجلى حضوره من خلال
ممارسة العلاقات الاجتماعية المبنية على تقاليد متوارثة تجسد مفاهيم ومُثل من
التعاون والتآزر ومدّ اليد للمعارف والمحتاجين في الأفراح والأتراح ، تدعمهم
ببعدها الإنساني النبيل : كفّ مورقة باخضرار الندى ،
…
كلمة فياضة بدفء المودة
لا أحد هنا .. ، في هذه الأمكنة النابضة بـ (( الحِنِّيَّةِ )) ، لا يعرف أحداً
من السكان والجيران والأصحاب والأحباب .. صغاراً كانوا أم كباراً .. اسمه .. أسرته
.. عمله .. وضعه .. تفكيره ، تدبيره .. كأنهم أسرة واحدة تضمها بيوت متعددة .. وعلى
الرغم من فرض أنماط العيش المستجدة أنماطَ سلوكيات تتسم بطابع واقعي وتوجّه اقتصادي
وميل إلى السائد في ارتداء الملابس الحديثة للرجال والنساء والأطفال بدون استعمال
أناقة ( الموضة ) الغربية المتطرفة بتخطٍّ وتجاوز وإنما بقدرٍ متحفظ ، إلا أن جذر
العادات والتقاليد القديمة في تاريخيتها وأصالتها وإرادتها وعزيمتها على عمل
المعروف بالمعنى الاجتماعي المتداول يبقى هو الضارب عمقاً في تعضيد روح الجماعة
هنا مثل ( إنشاء جمعيات تعاونية خيرية وجمعيات أدبية ثقافية
–
مستوصفات أهلية شبه مجانية – دور عبادة ومياتم وملاجئ
للعجزة - .. إلخ ) .
ومثل هذا الجو من الترابط والتآخي والتواشج وتوسيع مساحة المجتمع العضوي المتراص
الهادف إلى تقديم شتى المساهمات الضرورية الفعّالة لخدمة المواطنين والتخفيف من
وطأة أعبائهم المادية على وجه التخصيص لا يوجد فقط في الأحياء والحارات القديمة من
حمص وليس مقتصراً عليها وإنما ينسحب لكن بقدرٍ أقل ومستوى محدود ، لأسباب مختلفة ،
على أحياء المدينة الحديثة أو المستحدثة وجاداتها أيضاً .
كلما أحسستُ أنني أكاد أكون منعزلاً أو معتزلاً في برهتي الزمكانية المتفاقمة
الأمداء والمساحات في الوجد والفقد أو ساورتني هموم الكآبة والوحشة أو الشعور
بالانطواء والانكفاء على النفس ، أعود إلى مسقط رأسي في حيي القديم حيثُ وُلدْتُ
وترعرعت وشببت لأستردّ ما فقدت ذاتي من وشائج الحميمية وما تعاني الآن من ضآلة
التعارف والمعرفة والصحبة في بيئة يكاد لا يعرف فيها الواحد من معظم جيرانه سوى
وجوه أجسامهم فقط بعد أربعين سنة من سكناه معهم في حيّه الإسمنتي الجديد .
* * *
الوطن في القلوب …
الوطن في العيون ..
يستيقظ مع أول النهار على خطا أبنائه يدرجون إلى أعمالهم في البكور ، تسير بهم
إلى مطلب بناء الحياة : حُرّةً بوعي شعوري فكريّ تكون ، كريمة بأحقيّة أخلاقية
إنسانية تُعاش ، ومع أول الليل ينام مطمئناً هانئاً : لقد ازداد ارتفاع معماره
بعقول بُناته ، وسواعدهم عبر يومٍ مضى… يوم يأتي ، في العلا
…
يبقى … في الشموخ يظل بالعمل لا كلل
ولا تهاون .. بالأمل .. لا قنوط ولا يأس .
|
|||||||||
A visit to Old Homs:
Returning to one's birthplace
Mamduh Skaf
Translated by: Dr. Nadem Kandalaft
When you think, think of your homeland before you think of yourself.
It is your bread and butter; it is your whole-being.
Call it
to you not as a guest, a visitor, a tenant, a passer-by, but as a resident owner
free-handed to love equally all those who protect and defend it; those who give
it more than taking from it, those who amuse it when cheerful and console it
when in chagrins.
Homeland….. the
most romantic poet dreaming of a beautiful future born of a statement he adopts
that work develops hope; a hope for producing nationals who love their country
whole heartedly and redeem it with all valuables they own, protecting and
defending it when in danger. Responding to that it calls all its children
happily, saying: I am for all of you; partake in me fairly, proportionately
according to your love and loyalty, and your work towards my magnanimity and
strength, since I:
* * *
1- The National Anthem
حماة الدِّيار عليكم سلام
Here in my
elementary school (Al Irshad), situated between "Salibat Al Isayati" and
"Warshi" in Bab el Dreib area of my beloved city Homs, I learned, like others of
my age, to chant the National Anthem for the first time in my life. I learned it
with ease, with my heart before my memory, and started repeating it every
morning in the school yard, together with my colleagues and teachers, before the
school starts, without understanding but little of its meanings or its
far-reaching aims.
But now after
hearing it repeatedly throughout my youth days and further into my sixties, it
became to me a symphony hymn that runs through my blood stream. It also makes me
think, without any logical explanation, that any reddish earth in a garden,
farm, orchard, forest, hill or mountain in my beloved country has been irrigated
by the blood of its martyrs, victims, and injured people resulting in giving its
colour to the red anemones that abound in its land.
I give
my best and deepest regards to the great poet Khalil Mardam Bek who composed it
and to the soul of the two great musicians, the two brothers Fleefel, for their
fine musical art they put in it.
|
|||||||||
WEBMASTER : AA-ALSAAD
|
This Web Site Programmed and
Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD
..... Copyright 2003 (C) SCOPNET All
Rights Reserved
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق