الثلاثاء، 17 نوفمبر 2015

مجلة السنونو ( العدد السابع ) - الافتتاحية ( نهاد شبوع ) - دورة أخرى من دورات الفصول والبذور

مجلة السنونو ( العدد السابع ) - الافتتاحية ( نهاد شبوع )

دورة أخرى من دورات الفصول والبذور

"وهي الكلمة التي ألقتها رئيسة الرابطة في إجتماع الهيئة العامة
 للدورة الخامسة والثلاثين من عمر تأسيسها".
 
رئيسة التحرير: نهاد شبوع
 
      ".. من دأب الرابطة السفر فوق خرائط العالم باحثةً عن وجه كل حبيب انقطع جذرهُ كشريان رغماً، وسافر كتائه رغماً، بعد أن طبع صورةَ الوطن في عينيه، وتلك التمتمةَ الصلاةَ على شفتيه " أشهد ألا حبّ إلا حبّك يا وطني".. (1)
      أنا لا أردّد  قوليَ ذا شعاراً أطلقه من جديد على مسامعكم وعلى مسامع كل حديثِ العهد بأعماق رابطتكم :  "رابطة أصدقاء المغتربين" .. ولكنه صورة حقيقتها الناطقة تعكسها مرآتها الشفافةُ على الوجهين:  الوجه الذي يضع أمامكم واقعَها الماثلَ الملموس، وقد كان مشروعَ حلمٍ بعيدٍ تحقّق، .. والوجه الذي يريكم حلمهَا الآخر المضمرَ .. المتطلعَ إلى أن يصبح مشروعَ واقع ٍ أجمل يتحقق..!!
     وكنْتُ سأكتفي بمرآة رابطتنا الصادقة هذه .. يعكسُ وجهاها جدليةَ الحلم والواقع .. فأجنّبكم المزيدَ من الشرح والكلام وتفاصيل الخطى والأهداف، لولا أن اللقاءَ بكم مجتمعين متميّزُ الألق والرؤى والأحلام.
     ـ ربما لأنه الوقفةُ الأخرى في موقع قمةٍ .. منه الصعودُ إلى أعلى …!!
     ـ ربما لأنّهُ الموعدُ المبرمُ لنشعلَ معاً شمعة العهد مجدّداً في هيكل النذر والبذل والوعدِ وصون الأمانه..!
     ـ ربما لأنه الدخولُ في دورةٍ أخرى من دورات الفصول والبذور تبرعمُ من جديدٍ في حقول القلب والمنى، لتعرّش وتثمرَ في حقول الوطن والزمن لقاءً وأنتماءً، فلا يتصحّرُ بلدٌ .. ولا يتْيبسُ قلبٌ بغربة وفراق .. ولا تهنُ روابطُ لتغدو خيطاً من قطنٍ أو شعرةً من عنكبوت أو إنكسارَ نفوس وجسور..!
     ـ ربما لأنّهُ زحمةُ الذواكر والخواطر ـ خلال خمسة وثلاثين عاماً ـ في محطات الحياة والترجيع حيث تتعانقُ قطرُ الأجيال غاديةً رائحةً .. تتلاقى ثم تتودّع .. تصلُ ثم تسافر.. تتساقى ثم تعطش .. تبسمُ ثم تدمع .. تولعُ ثم تتقطع .. وفي ضميرها ـ أبداً ـ الرجاءُ الأكبرُ بلقاءاتٍ تتوالدُ في دورات حياة تعدُ وتتعدّدُ،  تزدهي فيها المواسمُ والآمالُ بأفواج شبابٍ كبروا .. وأنصتوا .. ثم آمنوا، فانتظموا في سطور الرسالة وعداً مبشّراً يحملُ المِشعلَ والراية .. لتظلّ الرابطةُ أماً وشوقاً .. و"بيتُ المغتربِ" ذراعاً وحضناً.. والشوقُ إلى الوطن وطناً .. والرحيلُ عنه استحالةً .. والانتماءُ إليه تجذّراً حتماً ويَنبوعاً أصلاً..!
     أمّا القممُ فلتظلّ لنا مرمىً وتوقاً ، ولأجيالنا الصاعدة مطمحاً وشوقاً ..

  كلّما اجتزنا بعزمٍ قمةً                       يطمحُ العزمُ وتبدو قمـمُ

     أجل لكلّ هذا وذاك هذه الراحُ الزاكيةُ المعتقةُ في دنان الوطن ودناننا، وهذه الملايينُ المسافرةُ الحاشدةُ في وجداننا وحناجرنا، تودّ إطلاقَ أصواتها وأصواتنا تحايا تعزّز .. وآمالاً تعقد، وأنخاباً تفيض وتُتساقى :
     ـ نخبَ من بتوجيههم كانتْ "رابطةُ أصدقاء المغتربين" الشعبية ومن ثم وزارة المغتربين الرسمية: كوتا الانفتاح على قطع أكبادنا ـ في العالم ـ، وقد نشرَتْها الظروفُ الحزينةُ والأرض التي كانت محترقة في أقاصي القارات سعياً وراءَ لقمةٍ ظلتْ باللهفة للوطن المتروك معجونةً .. وبحثاً عن حريةٍ ظلت بالجهادِ والاخلاصِ والوطنيةِ وروعة الفتح مقرونة..!
     ـ نخبَ منْ لامست أصوتهم أسماعَ هذه القطعِ ـ هنا وهناك ـ لتتوضّع برداً وسلاماً على ضفاف أشواقها وأشواقنا ومساحات فراقها وفراقنا ..!
       ((هاجرتم دون أن تهجروا الأهلَ، فإن كنتم قد بعدتم عنا مكاناً فأنتم بيننا مكانة" .. وهل ينسى الوالدُ ولَده ؟ والابنُ أباه ؟؟
     وبقدر ما نريدكم وحدةً متواصلةً تعمل من أجل تعزيزِ الروابط بيننا وبينكم، نسعى أيضاً أن تكونوا رسل خيرٍ لوطننا وجسورَ صداقةٍ بين أمتنا وبين الشعوب التي انتسبْتم إليها في بلدان الاغتراب))(2) .
     .. (( بل من الضروري أن ينشىء الوطنُ مؤسسةً إجتماعيةً يطلقُ عليها اسم جمعية "رابطة أصدقاء المغتربين" أو "أصدقاء المهجر" .. أو ما شابه ذلك، وهذه الجمعيةُ تستطيعُ أن تؤديَ الخدماتِ الكبرى لا للمغتربين الحمصيين فحسب بل للوطنِ أيضاً، لأنه عن طريقها يمكنُ دراسة المشاريع الثقافية والقومية والاقتصادية..)) (3).
     ـ نخبَ مَنْ لفهم الصوتانِ، هنا، فتأثروا .. وساروا بإيقاع نبضهما وهديهما من انبلاجة صباحٍ إلى انبلاجة صباح .. ومن موقع عافيةٍ إلى موقع عافية .. ينسجونَ بخيوطِ حرص الوطنِ والأهلِ معراجَ مجدٍ ونورٍ مشدوداً بالأرضِ الجذر والثدي النبع، فإذا بهم قربَنا يَنشدّون إلى ذاكرة الأرض السمراء، ويتلاقوْن في حنايا الأهل المفارقين والأبناء .. يضعون نصفَ قلبهم في نصف قلبنا فيلتحمُ النصفان قلباً واحداً .. نبضاً واحداً .. هماً واحداً ..! أعني: الجنود الصادقين المجهولينَ والمعلومين القدامى والحديثين في صفوفِ "رابطة أصدقاء المغتربين" التي تقدّمنا اليومَ من محطتها الخامسة والثلاثين نشاوى ظفرٍ لا نشاوى وصولٍ .. لانّ رابطتنا تطردُ من كل قواميسها كلمةَ (وصول)، وتَنْشدُ أبداً شطآناً تملكُ فيها أن تتطلعَ إلى شطآنٍ أخرى، فلا تتيَبّسُ  في صيغِ الوقوفِ والتقليدِ والجمودِ وطمأنينة النهايات وروتين العادية.. ما دامتْ بالحياة مرهونةً ومن كل معادلات الاكتفاء والجمود  بعيدةً مصونة، شأنها في ذلك شأن جبران خليل جبران، وقد كتب ( لماري هاسكل) صديقته ومحفّزته إلى القمم " تعلمين يا ماري أيةَ هناءة كانتْ تجيئني عندما كنتُ أسمعُ الناسَ يمتدحون نتاجي، أما الآن فإن المديحَ يحزنني حزناً غريباً، لأنه يذكّرني بأشياءَ لم أحققْها بعدُ .. وأنا أريدُ أن أحبّ لهذه الأشياء .!"
     من نِعم الربِ أن لرابطتنا أشياءَ لم تحققْها بعد .. من نِعم الربِ أن يظل في حقولها  "زهرة لم تسقَ .. جوعٌ لم يشبع .. صوتٌ لم يطلقْ .. نداءٌ لم يسمع" …
     إخوتي : من موقعكم هذا ينابيعَ حياةٍ، أحييّ أمانتكم وإيمانكم وأيْمانكم، وأفتح لكم، للجانكم، ـ عن رابطتكم ـ  بابَ المتابعةِ بهذا الحبّ الكبير مؤكدةً لكم بانه من كانت المحبةُ قانونه كان النجاحُ حليفه وخدينه.
     النجاح حليفكم وخدينكم ـ أيها الأخوة ـ لأن المحبةَ هي دستورُ أعمالكم وإيمانكم .. ومبدأ اللاوصول هو شعورُكم  وشعارَكم .
                                                  واسلمــوا .
        نهاد شبوع
                                                                               حمص 11 /11/2005
(1)     كلمات نهاد شبوع.
(2)     كلمات الرئيس الخالد حافظ الأسد . 
(3)   صوتُ النص الثاني من هناك وهو للمغترب المرحوم رامز شقرا راشق بذرة الرابطة " من رسالة مفتوحة نُشرت في جريدة حمص العدد 980 في 19/11/1971 موجهةً إلى نهاد شبوع وقد عمدَ إليها عملية التأسيس في حمص.
 
ملحــق
 
قرائي الأعزاء: أستميحكم عفواً إذ أُلحق أفتتاحيتي بباقة حياة أستعيرها من واحات (قسطنطين كفافي) الشاعر اليوناني الحكيم المقيم في الأسكندرية (1863-1933). أزرعها أيضاً وأيضاً يقيناً بين ريشات "سنونونا" قنديلاً يضيء وتعويذة تعزي وتؤنس، لعلها تنزرع في قلوب السائرين في صفوف الرسالة، ـ أية رسالة ـ سلوكاً مصيباً .. وباباً ضيقاً عزيزاً هدانا إليه السيد المسيح مدخلاً مشرفاً إلى الحياة الكريمة يليق بالإنسان الكبير المخلوق على صورة الله ومثاله.. بل ساقية أبدية منها يشرب هذا الإنسان ليظل يعيد خلق آفاقه وأماله بلذة واستمرار ورضا...
 
                            
إيثـــــاكــا (1)
عن قسطنطين كافافي(1863-1933)
متى عَزمتَ على الارتحال إلى إيثاكا
صلَّ أن تكون الدرب طويلة
فيها غمرة من المغامرات، غمرة من المعارف
لا تخشَ وحشاً أو مارداً
لا تخشَ إله البحر الهادر، أو إله الزلازل
لن تصادف أيّاً منهم على الدرب
ما دامت أفكارك تحلّق عالياً
والعاطفة تداعب روحك وجسدك
لن تصادف وحشاً أو مارداً
لن تصادف إله البحر الهادر، أو إله الزلازل
ما دامت روحك تخلو منهم
وقلبك يُبعدهم
 
صلِّ أن تكون الدرب طويلة
أن تكون نهارات الصيف كثيرة
ستغمرك المتعة والفرح
متى عبرت موانىء تراها للمرة الأولى
أنزل الأسواق الفينيقية
وابتعْ أفخر البضائع
ابتعْ أمّهات اللآلىء والمرجان والأبنوس

ومن العطور الأكثرها إثارة
ابتعْ كلّ ما أعطيت من العطور المثيرة
زُر ما شئت من المدن المصرية
لتستقي وتستقي العلم من مناهله
احفظ إيثاكا في ذهنك
فبلوغها هو الهدف
أبطىء في ترحالك
فالأجمل أن تطول الرحلة سنوات وسنوات
أنْ تجنح عند الجزيرة وأنت هَرِم
وقد أثراك حصاد الدرب
 
لا تتوقّع أن تُغدق إيثاكا الثروات عليك.
فقد وهبتك الرحلة الجميلة
فلولاها لما سِرَت على الدرب
نفدت عطاءات إيثاكا لك
 
وإن وجدتَها في فقرٍ
فلا تحسب أن إيثاكا قد خيبتك
تكفيك الحكمةُ التي بلغتَ
والتجربةُ التي عايشتَ
ولا بدّ أنكَ فهمت إيثاكا

أجل سنصلي أبداً كي تكون الدرب طويلة، وستحلق أفكارنا عالياً كي لا نصادف على الدرب "وحشاً أو مارداً  أو اله زلزال" حافظين أبـــــداً ايثاكا في ذهننا وجاعليــن بلوغهــا أو "لا بلوغها" الهدف والغاية.. إذ المهم أن يُثرينا "حصاد الدروب" وأن نوهب الرحلة الجميلة.. ونفهم إيثاكا والشوق الملحاح إليها..
نهـاد
(1) مدينة اوليس التي تاه عنها في الزمان والبحار ثم عاد إليها سالماً بعد معاناة ونار حنين.
       
 
WEBMASTER : AA-ALSAAD
This Web Site Programmed and Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD ..... Copyright 2003 (C) SCOPNET  All Rights Reserved 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق