مجلة السنونو (
العدد السابع ) -
مهجريات
|
الملك (
جبران خليل جبران ) عن حديقة النبي + يا طيور السنونو لماذا تأخرت ؟
|
المـلــك
أحاط شعب مملكة صادق بقصر الملك، وراحت الجماهير تصرخ ثائرة عليه، فنزل هذا من
علياء قصره، وقد حمل تاجه بيد، وصولجانه باليد الأخرى، واستحوذ على الجماهير حين
أبصرته صمت متهيبٌ وقور، ووقف أمامهم وقال: "أيها الأصدقاء! لستم بعد الآن رعاياي
فها أنا أتخلّى عن تاجي وصولجاني لكم، وبودّي أن أكون واحداً منكم. لست سوى رجلٍ
عاديّ، غير أني أودّ كرجل، أن أعمل معكم، ونجهد جميعاً في أن يكون حظنا أوفى وأجمل
وأحسن. لا حاجة إلى ملك! فلنذهب إذن إلى الحقول والكروم ونشتغل يداً بيد. كلّ ما
أريد منكم أن تدلوني على الحقل أو الكرم الذي ينبغي لي أن أذهب إليه، فكلّ واحد
منكم الآن ملك! "
وعجب الناس، وخيّم عليهم الهدوء، فالملك الذي حسبوه مصدر بلائهم، تخلّى
الآن عن تاجه وصولجانه وسلّمهما لهم، وأصبح كأيّ واحد منهم.
ثم ذهب كل منهم في سبيله، ومشى الملك مع أحدهم إلى بعض الحقول.
إلاّ أن مملكة صادق لم تسر أحسن مما كانت، وعادت سحب السخط والاستياء تتلبّد
وتتراكم في أفاقها وعلى أرضها، وعاد الناس يصرخون بأعلى أصواتهم في الساحات
العامّة، أنهم يريدون من يحكم بينهم ويدير أمورهم، وصاح الشيب والشبّان قائلين
بصوتٍ واحد: "نريد ملكنا!"
وبحثوا عن الملك فوجدوه يكدح في الحقل، وأتوا به إلى مكانه، وسلّموه تاجه وصولجانه،
وقالوا: " الآن أحكمنا بعزمٍ وعدل."
قال: "سأحكمكم في الحقيقة بعزم، وأدعو آلهة السماء والأرض أن تعينني على أن أحكمكم
أيضاً بعدل."
ثم
جاءه رجال ونساء كلّموه في شأن والٍ أساء معاملتهم، واتخذ منهم عبيداً، وما كان
ينظر إليهم إلا على أنّهم عبيد، فأمر الملك رأساً بإحضار الوالي، حتى إذا مثل بين
يديه قال له: "إنّ حياة إنسان في موازين الله تعادل حياة أي إنسان غيره. وما دمت لا
تعرف كيف تَزِنُ حيوات هؤلاء الذين إلى الأبد. فقد نفيتك، عليك أن تترك هذه المملكة
إلى الأبد".
وفي
اليوم التالي جاءت الملك جماعة أخرى وكلّمته في شأن أميرة قاسية القلب تقيم وراء
التلال، وحدّثته عن البؤس الذي نشرته في البلاد، فجيء فوراً بالأميرة، وحكم عليها
الملك أيضاً بالنفي قائلاً: "إنّ هؤلاء الذين يحرثون حقولنا ويبذلون العناية
بكرومنا أشرف منّا نحن الذين نأكل الخبز الذي يصنعون، ونشرب الخمرة التي يعصرون.
وما دمتِ لا تعرفين ذلك، فإنّ عليكِ أن تتركي هذه الأرض وتبتعدي عن هذه المملكة."
ثم
جاءه رجال ونسوة أخبروه أن الأسقفَ يرغمهم على حمل الحجارة ونحتها لإقامة الكنيسة،
ثم لا يعطيهم شيئاً لقاء عملهم هذا، وهم يعرفون أن خزائن الأسقفّ ملأى بالذهب
والفضة، ويبيتون مع ذلك على الجوع لا يجدون ما يقتاتون به.
ونودي على الأسقف، وحين مثل بين يدي الملك قال له: "هذا الصليب الذي تحمله على
صدرك، إنّما يعني إعطاء حياة لقاء حياة. ولكن أنت أخذت حياةً من حياة دون أن تعطي
شيئاً. ولذا، عليك أن تترك هذه المملكة، وأن لا تعود أبداً."
وهكذا، مرّ شهر بأكمله على الملك، وكلّ يوم يأتيه فيه رجال ونساء يخبرونه عن
الأعباء التي ألقيت على كواهلهم، وكان كل يوم يمر من ذلك الشهر، يشهد ظالماً أو
أكثر ينفى من البلاد.
وعجب شعب صادق، وامتلأت القلوب غبطة وفرحاً.
وذات يوم أقبل الشيب والشبان وأحاطوا ببرج الملك ونادوه فأتاهم وهو يحمل تاجه بيد،
وصولجانة بيد.
ثم
خاطبهم قائلاً: "والآن ماذا تريدون منّي؟ ها أنا أعيد إليكم الأشياء التي رغبتم
إليّ في حملها."
ولكنهم صاحوا: "لا! لا! أنت ملكنا الصالح، العادل. لقد جعلت أرضنا نظيفةً من
الأفاعي، ورددتها خلواً من الذئاب، ونحن جئنا نترنّم بحمدك والثناء عليك. التاج لك
في جلال، والصولجان لك في مجد."
أجاب الملك عندئذٍ قائلاً: "لا. لست أنا! لست أنا! أنتم أنفسكم الملِك. فأنتم حين
قدرّتم بي الضعف وسوء الحكم، كنتم أنفسكم ضعافاً سيّئي الأحكام. والآن إنما تسير
البلاد سيرها الحسن، لأن تلك هي مشيئتكم. ما أنا إلا فكرة في عقولكم جميعها، ولا
وجود لي إلا في أعمالكم. ليس هناك شخص اسمه حاكم. المحكومون وحدهم هم الذين وجدوا
ليحكموا أنفسهم."
وعاد الملك فدخل برجه مع تاجه وصولجانه ومضى الشبان والشيّب كلّ في سبيله وهم في
غبطةٍ وسرور.
وكان كل واحد يحسب في نفسه أنّه ملك يحمل تاجاً بيد، وصولجاناً بيد.
* * *
يا طيور
السنونو لماذا تأخرت؟
لشاعر داغستان رسول حمزة
الآفاق فوق الجبال
زرقاء
الجداول تصحو بعد نومها في الشتاء
يا
طيور السنونو, ذوات الأجنحة الفضية
لماذا تأخرت عنا؟
أتطلع كل لحظة إلى السماء
أتوقع وصولك إلينا
* *
نيسان يقرع الأبواب
تترعرع في مروجنا الأعشاب
تنتظر زقزقاتك
الشمس تصعد مبكرة
فوق
الجبال
لتتمتع بوجهها الوضاء في المياه
* *
*
الرعيان الذين هبطوا بقطعانهم
إلى
السهول في فصل الشتاء
يعودون إلى الجبال
فلماذا تأخرت عنا
أيتها الصغيرات
المبشرات بالربيع
طيري إلينا
كفانا ما عانينا في الشتاء
سماؤنا الرحبة ترحب بك
عصافير بلادنا في انتظارك
من ديوان (من أغاني
الجبل) لرسول حمزة
ترجمة أحمد ناصر ص
137
نقلتها بتصرف عبد
المعين ملوحــي
|
WEBMASTER : AA-ALSAAD
|
This Web Site Programmed and
Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD
..... Copyright 2003 (C) SCOPNET All
Rights Reserved
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق