مجلة السنونو (
العدد السابع ) -
حمصيات عتيقة
|
ذيل
الحمار ( معتصم دالاتي )
|
قد يكون دخول باصات النقل الداخلي إلى
مدينة حمص منتصف الخمسينات من القرن الماضي، وانتشارها لعب دوراً هاماً ولو في جزء
من نمط الحياة لدى أهل المدينة. إذ أن سبعة قروش ونصف القرش أي فرنك ونصف، كان هذا
المبلغ البسيط كافياً لإيصالك إلى أي مكان في المدينة، في حين أن العربات السوداء
التي يجُّر الواحدة منها حصانان كانت هي الوسيلة السائدة والمتاحة للتنقل وقضاء
المشاوير، بالإضافة إلى سيارات التاكسي المحدود عددها وانتشارها، وأجرة التوصيلة
بالعربة السوداء كانت تتراوح بين الخمسين والخمسة والسبعين قرشاً أي بين النصف ليرة
وثلاثة أرباع الليرة السورية. والفرق كبير جداً بين المبلغ الذي يتقاضاه حوذي
العربة السوداء، وجابي الباص.
مع دخول باصات النقل
الداخلي وانتشارها بدأت العربات السوداء بالتقلص شيئاً فشيئاً، ثم الانقراض. مثلما
أخذت الميكروباصات أو السرافيس تطغى على باصات النقل الداخلي كوسيلة للانتقال داخل
المدينة هذه الأيام.
لا أذكر متى تم وضع
الشارة الضوئية في مفترقات الطرق كوسيلة لتنظيم مرور السيارات والمشاة؟ لكن في ذاك
الزمن أي مع دخول باصات النقل الداخلي وقبلها، كان السير كيفياً لمن يمتلك أرجلاً
أو قوائم أو دواليب، من بشر وبهائم وعربات أو سيارات. وكان مركز تجمع العربات
السوداء عند ساحة الساعة القديمة، والتي يوجد مثيلاً لها في معظم المدن السورية
والفرنسية أيضاً حيث نشاهدها في بعض الأفلام الفرنسية. فهذا النموذج من الساعات هو
من آثار الفرنسيين ومخلفاتهم، وهي ذات ثلاثة وجوه. وقد كان أحد أوجهها يعمل
بالتوقيت الغروبي حيث أن المغيب أو آذان المغرب يتم توقيته على الساعة الثانية
عشرة، وهذا توقيت ثابت لا يتغير أو يتبدل جميع أيام السنة، وكانوا يسمونه التوقيت
العربي. أما التوقيت الآخر والمعمول به حالياً في جميع وجوه الساعة تلك وباقي
الساعات فهو التوقيت الزوالي أو الإفرنجي كما كانوا يسمونه وهو يتواقت مع انتصاف
النهار حيث تكون الشمس عمودية على الأرض.
أعود للحديث عن الساعة
القديمة والساحة المتاخمة لها من ناحية الجنوب حيث كان مركز تجمع العربات السوداء
والحمالين مع حميرهم أو عرباتهم الخشبية التي كان يجرها حمار أو بغل أو صاحبها، فلم
تكن السوزوكيات أو سيارات البيك أب قد دخلت المدينة بعد. كما كان العمال الميامون
بمختلف حرفهم ومهنهم يتواجدون في نفس الساحة، كل بانتظار الزبون الذي يحمل الرزق
المقسوم من عند رب العباد.
في عصر أحد أيام الصيف
القائظ، وفي تلك الساحة المشاع استعمالها من قبل البشر والعربات والدواب، كان أحد
الحمالين يتمدد في أحد أركان تلك الساحة ملاصقاً لحماره في قيلولة ما بعد الظهر
مستفيداً من الظل والفيء الذي أحدثه ذاك الحمار على الأرض إذ وقف شاب ليوقظه من
غفلته ويسأله بخبث أو بلادة: كم الساعة الآن يا عم؟. وكان الناس في ذاك الزمن يتمتع
معظمهم بكثير من رحابة الصدر، ولم يكن التعصيب أو النزق منتشراً آنذاك فالحياة
بسيطة كما الناس والهموم لم تكن ضاغطة عليهم كما هذه الأيام. فما كان من الحمال
الذي صحا من غفوته إلاّ أن مد يده إلى ذيل الحمار ليرفعه قليلاً ولينظر من خلال
القائمتين الخلفيتين للحمار ويجيب بأن الساعة تشير إلى الثالثة والثلث. عاد الشخص
إياه بعد ربع ساعة ليسأل الحمال المستلقي بجانب حماره نفس السؤال. فيتصرف الحمال
نفس التصرف ويجيب بأن الساعة ثلاثة ونصف وخمس دقائق. وكررها الشاب مرة ثالثة
والحمال المستلقي بظل حماره يرفع ذيل حماره من خلال قائمتيه الخلفيتين ليجيب عن
التوقيت بدقة وطول بال.
وحين سأل هذا الشاب ذاك
الحمال مستغرباً علاقة ذيل الحمار بمعرفة التوقيت، قام الرجل من مكانه وقال له:
تمدد مكاني وأنظر حيث كنت أنظر. ففعل الشاب ما طُلب منه وقال: لا أرى سوى قائمتي
الحمار وذيله. قال: أرفع الذيل. ففعل. قال الحمال: ماذا ترى من خلال قائمتي الحمار
بعد أن رفعت الذيل؟ قال: أرى الساعة.. عندئذ أجاب الحمال بنزف شديد: هل عرفت الآن
كيف أعرف التوقيت يا حمار؟.
|
WEBMASTER : AA-ALSAAD
|
This Web Site Programmed and
Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD
..... Copyright 2003 (C) SCOPNET All
Rights Reserved
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق